عن بقاء حماس وحزب الله
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بعد الذي جرى ويجري لحركة حماس وحزب الله اللبناني، ليس النظام الإيراني ووسائل إعلامه من يهولون من أمر هذين الوكيلين الرئيسيين له في المنطقة فقط، بل وهناك أيضًا أقلام عربية وإن تظاهرت بالموضوعية والحياد، فإنها في طروحاتها ووجهات نظرها بشأن هذين التنظيمين الإرهابيين تكاد أن تساير النظام الإيراني، رغم أن الحقيقة التي تفرض نفسها بقوة، هي أن أمسهما ويومهما لا يستويان أبدًا.
عندما قام يحيى السنوار بإقحام حركة حماس في مواجهة مميتة بناءً على حسابات متماهية ليس فقط في قصورها بل وحتى في سذاجتها، فإن حزب الله ومن خلال التصريحات النارية التي كان حسن نصرالله يهدد بها إسرائيل، كانت توحي بأن لدى الحزب قوة وإمكانية واقتدارًا غير هذا الذي آل إليه أمره الآن، ولا سيما بعد اغتيال حسن نصرالله ذاته. والمثير للسخرية أنه في الوقت الذي يرفع فيه علي خامنئي من صوته ويشدد على أن النصر لحزب الله من دون أن يشرح للعالم كيف السبيل إلى ذلك، فإن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي وهو يتنقل بين بيروت ودمشق، يتحدث عن خيارات ثلاثة لوقف إطلاق النار، وهذا يدل على أن خامنئي صار يعلم بأن التنظيمين قد فقدا القسم الأعظم من قوتهما وهما بأمس الحاجة إلى وقف إطلاق نار "مشرف" بعض الشيء حتى يوحيا ببقائهما ولو كان رمزيًا.
التطرف والاندفاع اللذان أظهرتهما حركة حماس وحزب الله خلال الأعوام الأخيرة من خلال نشاطاتهما المختلفة، ظهر أنهما لا شيء أمام تطرف واندفاع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي صار واضحًا أنه قد تجاوز الخطوط الحمراء بكثير. وإذا كان من حق العالم أجمع الحديث عن هذا الموضوع وانتقاد نتنياهو، فإن خامنئي ونظامه لا يملكون هذا الحق أبدًا، فهم من أشعلوا هذا الحريق الذي يشتعل في المنطقة منذ أكثر من أربعة عقود، ووفق القول المعروف "البادئ أظلم"، فعلى النظام الإيراني أن يتحمل ووكلاؤه نتائج لعبهم بالنار.
لا حركة حماس ولا حزب الله يمكن أن يعودا كما كانا بالأمس، فذلك ماضٍ قد ولى ولن يعود، وعليهما وعلى النظام الإيراني أن يكتفوا بالتغني بالماضي، ولا سيما أن عشق الماضي والتشبث به إلى حد الجمود من السمات التي تضرب بعمق في شرقنا. أما فيما يخص إصرار خامنئي ونظامه ومن لف لفهم على بقاء حركة حماس وحزب الله وحتمية انتصارهما، فإنني أجد من المناسب جدًا أن أروي حكاية من الموروث الشعبي حيث تكاد أن تكون خير مثال بهذا الصدد، ولا سيما من حيث العبرة التي توحي بها وخصوصًا في نهايتها.
إقرأ أيضاً: النسر وليس مخلبه
يروى في قديم الزمان أنَّ ملكًا انتابه الملل وأراد أن يسلي نفسه بأمر غير عادي، ولذلك أعلن في مملكته أن من بإمكانه أن يكذب كذبة فريدة من نوعها فإنَّ الفائز سيحظى إضافة للثراء والنعيم بالزواج من ابنته، لكنه في نفس الوقت اشترط أيضًا أن من لا يحظى بالفوز فسوف يضرب عنقه.
واستمر قدوم المغامرين من الأصقاع طمعًا في الجائزة، لكن كان الموت الزؤام يسبقهم، حتى جاء ذلك اليوم الذي قدم فيه رجل بائس رث الثياب وقد نال من التعب والانهاك كثيرًا، وطلب أن يواجه الملك، لكن حراس باب القصر منعوه، ولا سيما أن كل من كان يأتي لهذا الغرض كان يهتم بمظهره وهندامه كثيرًا. ولأنَّ الأقدار شاءت في تلك اللحظة أن يكون الملك في حديقة القصر قريبًا من الباب الرئيسي وسمع السجال الدائر بين حراسه وبين ذلك الرجل البائس الذي كان يصر كثيرًا على ضرورة مقابلته للملك، فأمر الأخير بإدخاله.
إقرأ أيضاً: العبرة في الخاتمة
ولما امتثل أمام الملك، سأله الأخير: ما خطبك يا رجل؟ ولماذا تريد رؤيتي؟ فأجابه: سمعت عما كنت قد أعلنته قبل مدة فقدمت لكي أروي لك ما جرى لي. فقاطعه الملك قائلًا: ويحك يا رجل إن لم يعجبني ما تقوله فإنَّ رأسك لن يبقى في مكانه. فتنهد الرجل وأجاب بالموافقة. وعندئذ قال له الملك: هات ما لديك. فقال الرجل: بعد أن سمعت بما بدر منك، فإنني قد لبست أفخر ثيابي وقصدت جلالتك، ومررت بالفيافي والوديان حتى وصلت إلى غابة مترامية الأطراف، وبينما أنا سائر فيها إذا بي أمام أسد هصور في حجم الثور، وزأر زئيرًا ارتعدت له فرائصي، لكنني تماسكت وسحبت خنجري الذي كنت أحمله ولوحت به وقد عزمت على مواجهته مهما كلف الأمر. فوثب علي وتشابكنا، ومع أنه ضربني ضربتين قويتين بمخالبه، لكنني طعنته أكثر من مرَّة، غير أنني، لسوء الحظ، وقع مني خنجري على الأرض. وهنا تنهد الرجل البائس وأطرق وقد ظهر الحزن عليه، فقال له الملك: وماذا حدث بعد ذلك؟ فأجاب الرجل متحسرًا: ماذا جرى؟ لقد افترسني! فصاح به الملك: لكنك باقٍ وحي ترزق أمامي! فقال للملك متألمًا: وهل تسمي هذا بقاءً يا جلالة الملك!