الفقاعات التسويقية… صُنّاع، مؤثّرون، وسفراء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في عالم يزدحم بالمصطلحات الجذابة والبراقة والمخادعة، تنتشر بعض الألقاب التي لا تحمل مضموناً حقيقياً بقدر ما تملأ فضاء الإعلام الرقمي بضجيج فارغ...!
بين صانع المحتوى، المؤثر، استراتيجي المحتوى، وصولاً إلى مدير السعادة وخبير النمو، نجد أنفسنا أمام موجة من المسميات التي قد تكون أشبه بفقاعات التسويق، تبهر الناس دون أن تترك أثراً جوهرياً.
صانع المحتوى، ذلك الشعار بلا معنى، المصطلح الذي أصبح يُطلق على أي شخص يمتلك حساباً في وسائل التواصل الاجتماعي وينشر مقاطع فيديو أو صوراً، قد يوحي المصطلح بشخص مبدع، يقدم محتوى غنياً يستحق المشاهدة ويثري المجتمع، لكن الواقع مختلف تماماً، فالكثير ممن يُلقبون بصناع المحتوى لا يصنعون شيئاً ذا قيمة حقيقية ويعتمدون على تصيّد المشاهدات، ويركّزون على المحتوى التافه أو الاستفزازي لزيادة أعداد المتابعين...!
والسؤال هنا: هل أصبحت مقاطع الفيديو السطحية التي لا تتجاوز دقائق معدودة، أو التصوير العشوائي لكل جانب من حياة الشخص، هي "المحتوى" الذي نسميه إبداعاً؟ أم أنه مجرد وسيلة سريعة لتحقيق الشهرة بأقل جهد ممكن؟
يبدو أن المعنى الأصلي للمحتوى أصبح ضحيةً لمتطلبات الشهرة السريعة والتسويق الزائف.
إقرأ أيضاً: تحالف الضباع بين البوليساريو وإيران
أما المؤثر، فتلك قصة أخرى تتأرجح بين تأثير حقيقي وأرقام خادعة، وهو مصطلح يُستخدم بإسراف مقرف في الإشارة إلى من يمتلكون أعداداً كبيرة من المتابعين. لكن ما معنى التأثير هنا؟ هل يتعلق بالأفكار والقيم التي ينقلها هذا الشخص للمتابعين، أم أنه مجرد رقم يلمع في الحسابات؟
المؤسف أن الكثير من هؤلاء "المؤثرين" يعتمدون على الظهور المتكرر والنشر المتواصل لتحقيق الشعبية، دون أن يحملوا رسالة ذات معنى أو قيمة. قد يكون تأثيرهم محدوداً بسطحية المواضيع التي يناقشونها، بدلاً من تحفيز التفكير أو إلهام الجمهور بشكل عميق.
وفي الآونة الأخيرة، برز مصطلح استراتيجي المحتوى، وهو لقب آخر يعطي انطباعاً عن شخص يضع خططاً مدروسة لتحقيق أهداف واضحة. ولكن في عالم التسويق الرقمي، هذا المصطلح قد يكون مجرد واجهة لبناء صورة زائفة عن العمل الفعلي. العديد ممن يتخذون هذا اللقب لا يمتلكون فهماً عميقاً لطبيعة السوق أو جمهورهم، ويقتصر عملهم على وضع خطط عامة وخالية من الإبداع الحقيقي. استراتيجيات بلا مضمون، وكأن الغرض هو تبرير وجود هذا اللقب أكثر من تقديم قيمة ملموسة.
إقرأ أيضاً: هل نقترب من مرحلة توجيه العقول؟
أمَّا مدير السعادة وسفراء السعادة وخبراء السعادة، فقد يبدو مصطلحاً مبتكراً، لكنه في كثير من الأحيان لا يتجاوز كونه دوراً لتحسين الصورة، دون تقديم دعم حقيقي أو دور فعلي. السعادة الحقيقية تتطلب بيئة عمل محفزة وسياسات دعم فعالة، وليست مجرد ابتسامات مصطنعة أو فعاليات سطحية. إن تزيين الوظائف بألقاب براقة لا يغير من الواقع؛ السعادة لا تأتي بمدير جديد بقدر ما تتطلب تغييراً حقيقياً في ثقافة العمل.
وأخيراً، يظهر خبير النمو، ذلك الشخص الذي يُفترض أنه يستخدم أساليب مبتكرة لزيادة أعداد المستخدمين أو المبيعات. لكن، في الواقع، يتمحور دور الكثيرين حول التركيز على الأرقام والنتائج السريعة على حساب الجودة والاستدامة. هل يكون النمو الحقيقي بتجميع أرقام زائفة أو بزيادة الانتشار دون التحقق من مدى رضا المستخدمين عن الخدمة أو المحتوى؟ الأساليب الخادعة والاعتماد على التسويق المضلل أحياناً يجعل من هذا المصطلح قشرة تجارية لا تعكس العمل الجاد.
إقرأ أيضاً: القنابل النباتية.. سلاح أخضر يهدد بتدمير الطبيعة
ختاماً... نواجه تحدياً حقيقياً في فهم قيمة الألقاب واستخدامها بدقة، بعيداً عن البريق الزائف. هذه المسميات وإن كانت ملفتة للنظر، تبقى بلا معنى إذا لم تستند إلى أسس قوية ومهنية حقيقية. يبدو أن عالمنا الرقمي اليوم لا يحتاج مزيداً من الألقاب الفارغة، بل إلى محتوى أصيل وذو جودة، يعيد تعريف التأثير والإبداع بعيداً عن خداع التسويق السطحي.