الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
نحو استعادة العقلانية بعد صدمة هجمات أكتوبر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
منذ اندلاع الصراع الأخير بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ارتفعت حدة الوحشية إلى مستويات غير مسبوقة، لتفتح باب التساؤل الأكبر: هل يمكن للجرحى، نفسياً وجسدياً، أن يتجاوزوا صدمتهم ويفكروا بوضوح في مستقبلهم؟
في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، عاشت إسرائيل صدمة جماعية إثر هجوم حركة حماس المفاجئ، الذي كشف عن انهيار كامل في الدفاعات الإسرائيلية، بدءاً من الاستراتيجيات المفاهيمية إلى العمليات الميدانية. هذه الكارثة أصابت كل إسرائيلي، من الرجال والنساء إلى الأطفال، بصدمات نفسية عميقة.
في الجانب الآخر، يواجه الفلسطينيون في غزة واقعاً لا يقل مأساوية. يعيش المدنيون في حالة من الذهول وسط الدمار الذي خلفته الهجمات الإسرائيلية. الأنقاض تحيط بهم، والألم النفسي والجسدي يغمر حياتهم اليومية. مشهد مأساوي يُظهر فقدان الأحبة، وانعدام الأمان، وشعوراً بالعجز.
سيطرة المشاعر
وسط هذا الدمار، تبرز حقيقة مؤلمة: الكوارث الكبرى تميل إلى إعطاء المشاعر موقعاً قيادياً في صياغة القرارات والسلوكيات. ورغم أن ذلك طبيعي ومفهوم في مثل هذه الأوقات، فإنه يحمل خطراً كبيراً يتمثل في تعزيز العقليات ذاتها التي أنتجت العنف. الصدمات النفسية غالباً ما تكون عائقاً أمام القدرة على التفكير العقلاني، ما يؤدي إلى تكرار نفس الأخطاء.
المشكلة الكبرى تكمن في أن لحظة الكارثة هي ذاتها التي تتطلب أعلى درجات وضوح الرؤية والتفكير الاستراتيجي الحكيم. الإسرائيليون والفلسطينيون في أمس الحاجة الآن لتقييم مصالحهم والتزاماتهم على المدى البعيد، لكن هذه اللحظة أيضاً تغرقهم في المشاعر الملتهبة، ما يجعل التفكير العقلاني بعيد المنال.
السياسة والعسكرة
رغم عدالة الرد الإسرائيلي العسكري على هجوم حماس من وجهة نظر إسرائيلية، إلا أن هذه السياسة لا تقدم حلاً دائماً. العسكرة ليست جواباً على المشكلة الفلسطينية، التي تُعد في جوهرها سياسية. الجيش الإسرائيلي قد يتمكن من إضعاف حماس أو شلّ حركتها، لكنه لا يستطيع القضاء عليها نهائياً.
تاريخياً، أدت السياسات الإسرائيلية التي تعتمد على القوة العسكرية إلى تعقيد الصراع بدلاً من حله. التحدي الأكبر يكمن في أن الحديث عن حلول سياسية ودبلوماسية في الوقت الراهن أصبح أمراً محفوفاً بالمخاطر داخل المجتمع الإسرائيلي. أي دعوة للتفكير في حلول طويلة الأمد تعتبر خروجاً عن الإجماع الوطني وقد تؤدي إلى نبذ أصحابها.
مواقف إعلامية وانقسامات داخلية
على الجانب الإعلامي، ظهرت انقسامات واضحة، خاصة بين اليسار اليهودي في الولايات المتحدة، الذي اتخذ مواقف ناقدة لإسرائيل حتى في أوقات الحرب. بعض هذه المواقف اعتبرها الإسرائيليون خيانة، حيث انشغل هؤلاء النقاد بتأليف كتب ومقالات تبرز اغترابهم عن الدولة اليهودية، دون تقديم أي دعم في مواجهة التحديات الحالية.
على سبيل المثال، نشرت مجلة "نيويوركر" الأميركية مقالاً يبرز "الألم النفسي" الذي يعيشه هؤلاء النقاد، لكنه في الوقت ذاته يُظهر انعزالهم عن الواقع الملتهب في المنطقة. وسط حرائق الصراع، ينشغل البعض بالمشاعر الشخصية على حساب الواقع السياسي والأمني الذي تواجهه إسرائيل.
دروس من الماضي
رغم تفاقم الصراع، يقدم التاريخ دروساً تُظهر كيف يمكن للعقل أن يتغلب على الغضب. أحد هذه الدروس يأتي من فيلم "العراب"، حيث اختار فيتو كورليوني وقف الحرب بين العائلات المافياوية رغم مقتل ابنه. هذه اللحظة التاريخية تُبرز كيف يمكن للدبلوماسية أن تحل محل الانتقام، حتى في أشد اللحظات ألماً.
هل الحرب وقت سيئ للحديث عن السلام؟ ربما العكس هو الصحيح. لا وقت أفضل للحديث عن السلام من وقت الحرب، إذا كان الهدف هو التحضير لمستقبل أفضل وخالٍ من العنف.
تمييز حماس عن الفلسطينيين
من الضروري التمييز بين حركة حماس والشعب الفلسطيني. الفلسطينيون في غزة يعيشون أوضاعاً مأساوية، حيث أودت الحرب بحياة الآلاف. ومع ذلك، فإن أيديولوجية حماس المتطرفة لا تمثل تطلعات الشعب الفلسطيني بأكمله.
في المقابل، السياسات التي انتهجها بنيامين نتنياهو، إلى جانب تصاعد تأثير شخصيات متطرفة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ساهمت في تفاقم الأزمة. هذه السياسات لم تؤدِّ فقط إلى عزل إسرائيل على الساحة الدولية، بل زادت من تعقيد فرص تحقيق السلام.
حل الدولتين: الخيار الحتمي
رغم أن فكرة حل الدولتين أصبحت بعيدة المنال حالياً، إلا أنها تظل الخيار الوحيد القادر على ضمان السلام والأمن. لقد أقرّت الأمم المتحدة عام 1947 خطة تقسيم الأرض إلى دولتين، إسرائيل وفلسطين، لكن هذا الحل وُوجه بالرفض من الأطراف العربية في حينه.
مع ذلك، فإن العودة إلى فكرة التقسيم قد تكون السبيل الوحيد لإنهاء الصراع. قد يبدو هذا الهدف بعيداً في الوقت الراهن، لكنه يبقى الخيار الوحيد لتحقيق العدالة للطرفين وضمان مستقبل مستدام للمنطقة.
*المقال عن خطاب ألقاه الكاتب والصحافي الأميركي ليون فيسلتر بمناسبة تأبين السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل وأحد مؤسسي معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى مارتن إنديك، بحضور رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن، والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، ووزير الخارجية في عهد باراك أوباما السيناتور جون كيري، والمدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية جورج تينيت، إلى جانب مسؤولين حكوميين وإعلاميين وأعضاء من الكونغرس. كما شارك في حفل التأبين عبر الفيديو الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ وشخصيات أميركية وإسرائيلية بارزة.