عائلة الأسد… من القصور إلى مزابل التاريخ
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
53 سنة كاملة من حكم آل الأسد انتهت اليوم وبدأ معها عهد جديد أشرق بنوره على سراديب معتقلات الظلام والعذاب، بعد أن فتحت الأقفاص الموجودة فوق الأرض وتحتها. كان صباح اليوم يوماً استثنائياً في تاريخ سوريا والسوريين بكل ألوانهم وأطيافهم، ليُعلن نهاية كابوس جثم على قلوب الأبرياء والوطنيين وسلبهم حريتهم من أجل أن تحيا ثلة من المجرمين واللصوص والقتلة الذين اختزلوا اسم سوريا في لقب عائلة عديمة الإنسانية.
استيقظ الدمشقيون باكراً على أصوات التهليل والتكبير من المساجد وتزمير السيارات في شوارع وسط البلد، إيذاناً بفرار الطاغية وسقوط نظامه الدموي. فُتحت السجون على مصراعيها لتلامس الحرية تلك الأجساد النحيلة المريضة، بعد أن قضت سنين طويلة معزولة عن الحياة ومستنشقة للموت في كل لحظة.
سقط بشار الأسد بسيناريو لم يتوقعه الجميع، بعد أن انهارت خطوطه الدفاعية الواهنة كبيت العنكبوت، حين انتهت لعبة التحالفات التي أبقته في الحكم 14 سنة إضافية اقترف فيها أبشع الجرائم الإنسانية في التاريخ الحديث. فرّ هارباً على متن طائرته تاركاً الجمل بما حمل، وتنكر لجميع من هتفوا باسم نظامه دون أن يترك لهم حتى رسالة شكر على خدماتهم في تثبيت حكم عائلته الدموية، ليواجهوا مصيرهم بعد أن قُضي الأمر وعادت سوريا إلى السوريين الحقيقيين.
الأسد، الذي كان يخاطب السوريين من على منبر مصنوع من جماجم الأبرياء، رحل بعد أن انتهت لعبة التحالفات التي مكّنته من الحفاظ على حكمه المترهل، معزولاً منبوذاً ومنعوتاً بـ"المجرم الدموي". وأكد برحيله الذي تم في جنح الظلام أن الطغاة يفرون بجبن لينفذوا بجلودهم من ثأر ضحاياهم، تاركين للتاريخ أن يسرد للأجيال القادمة أن نهاية طغيانهم وجبروتهم تمت بطريقة مخزية.
إقرأ أيضاً: ما المتوقع من ترامب في أوكرانيا وفلسطين؟
الأسد، الذي عمر طويلاً وعزز أركان وأسس جمهورية الطغيان والاستبداد التي ورثها عن والده حافظ الأسد، ربما أفلت من محكمة الأرض بفراره إلى روسيا، لكنه لا بد أن يواجه محكمة السماء يوماً ما، ليدفع فاتورة ضخمة من الدماء التي أُزهقت في سبيل استمرار الجلاد في حكم البلاد بسلطان الخوف. اليوم انتهى كل شيء وسقطت الأصنام في الميادين لتُداس بالأقدام.
تعجز الألسن عن وصف ما وثقته كاميرات الهواتف أمام السجون، بعد أن كُسرت الأقفال عن القبور الإسمنتية التي قضى فيها أحياء أموات سنين طويلة. مشاهد النساء والأطفال في سجن صيدنايا وهم يغادرون الزنازين، وعلامات الاستعجاب تمتزج بعلامات الفرح، هي أجمل اللحظات الإنسانية وأبهى صور الحرية والانعتاق من نظام سلب البلاد والعباد.
إقرأ أيضاً: حوار فلسطيني مطلوب لمناقشة مرحلة ما بعد حماس
على السوريين أن يأخذوا وقتهم الكافي في هذه اللحظة التاريخية للتعبير عن مشاعر الفرحة بتحرير بلادهم من قبضة نظام الأسد، وأن يجعلوا من هذا اليوم عيد ميلاد سوريا الجديدة التي دفنت أسوأ حقبة في تاريخ بلد عظيم. لا بد أن تكون المرحلة القادمة عنواناً لعهد جديد يضمد جراح الماضي وتضحيات جميع من هتف بحياة سوريا وسقوط نظام الطغيان. لا بد أن تكون سوريا الجديدة دولة ديمقراطية تحفظ الحقوق وتصون العهود وتعبد الطريق لمسار سياسي جديد بعيد عن الحسابات السياسية الضيقة، ويحمل تطلعات الشعب السوري في بناء دولة الحق والقانون.