كتَّاب إيلاف

آن الأوان لعودة "ب ك ك" إلى ساحته

أفراد من قوات سوريا الديمقراطية خلال تشييع خمسة مقاتلين قُتلوا في منبج خلال مواجهات مع فصائل سورية تدعمها تركيا
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

منذ عقود، كان الكرد في "روج آفا"، كما في سائر كردستان، على موعد مع معركة مستمرة ضد الأنظمة الاستبدادية التي تحاول سحق هويتهم وثقافتهم. كانت تلك المعركة في البداية محلية، لكنها سرعان ما تحولت إلى ساحة لصراع أوسع، حيث جرت محاولات لاستغلال الكرد وتحويلهم إلى أدوات في صراعات سياسية لا تتعلق بمصالحهم الحقيقية. مع ظهور حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) في المشهد السوري، دخلت روج آفا في مرحلة جديدة من هذا الصراع المعقد، حيث أصبح الكرد في سوريا عرضة لتصفية حسابات بين أطراف لا تمت لآمالهم وطموحاتهم بشيء.

كان حزب العمال الكردستاني قد بدأ كحركة مقاومة ضد السلطات التركية، وحقق لنفسه مكانة مهمة في نضال الكرد عبر المنطقة، على حساب كرد سوريا، لجعلهم ورقة ضغط على تركيا من أجل مشروعهم، ومع ذلك - وبمرور الوقت - أصبح الحزب نفسه أداةً لتحقيق مصالحه الخاصة، غير مبالٍ بما يعانيه الكرد في الأماكن الأخرى التي ينشط فيها. في "روج آفا"، تحولت المنطقة إلى ساحة لصراعات سياسية كانت أبعادها تتجاوز حقوق الكرد السوريين واحتياجاتهم المباشرة. ففي الوقت الذي كان فيه العديد من الكرد يطمحون إلى نيل حقوقهم الأساسية وتقرير مصيرهم، كان هناك من يعمل على تسخير دمائهم وأرواحهم لمصلحة أجندات حزبية تحت يافطة شعارات لا شأن لهم بها.

لقد كانت "روج آفا" منذ بداية الثورة السورية ساحة معركة ليس فقط بين النظام السوري وحماته من جهة وبين المعارضة بمن فيهم تنظيم داعش الإرهابي والفصائل المرتزقة، وبالرغم من تضحيات الكرد في معركتهم ضد تنظيم داعش والفصائل المسيرة والممولة من تركيا، فإنهم وقعوا ضحايا سياسة تقاسم النفوذ بين القوى الكبرى، فكان حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د)، مضطراً تحت هيمنة حزب العمال الكردستاني أن يتعامل مع الواقع السوري على حساب مصالح الكرد السوريين بشكل خاص.

لا شك أن تركيا كانت دائمًا، ولا تزال، العدو التاريخي للكرد وكردستان بشكل عام، للأسف. فمنذ عقود طويلة، كانت تركيا تسعى بكل قوتها لإخضاع الكرد لمصالحها وأجنداتها، سواء كان ذلك بدعوى محاربة حزب العمال الكردستاني أو من خلال قمع أي محاولة لتحقيق حقوق الكرد في أي جزء من كردستان. وما شهدته "روج آفا" في السنوات الأخيرة من تدخلات تركية وانتهاكات لحقوق الإنسان - ومن بينها احتلال عفرين وسري كانيي وتل أبيض - هو نتيجة مباشرة لهذا التوجه العدائي تجاه الكرد، إذ لا تزال تركيا تعتبر أن أي شكل من أشكال الاستقلال الكردي يشكل تهديدًا لأمنها القومي.

ومع كل هذا وذاك، لا يمكن إغفال أن تركيا قد استغلت حالة التوتر بين حزب العمال الكردستاني والأنظمة الإقليمية الأخرى لتحقق مصالحها في المنطقة، حيث تجد في استمرار الوضع في "روج آفا" فرصة للضغط على القوى الدولية والإقليمية وتحقيق أهدافها الخاصة. ومن هذا المنطلق، أصبحت تركيا ترى في بقاء حزب العمال الكردستاني في "روج آفا" ذريعة لفرض المزيد من الضغوطات، حتى وإن كان هذا يعني التضحية بمستقبل الكرد في المنطقة. كما أن المهيمنين على حزب الاتحاد الديمقراطي يقدمون الذريعة تلو الذريعة لتركيا كي تحتل المدن الكردية، من رفع صور عبدالله أوجلان التي يجب أن ترفع في تركيا التي يزيد عدد أبناء الشعب الكردي فيها عن ثلاثين مليون نسمة!

لكن لا يمكن أن تستمر هذه اللعبة السياسية على حساب دماء الكرد السوريين. فقد حان الوقت لكرد "روج آفا" أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم، بعيدًا عن أي أجندات خارجية. لا يمكن لبقية الكرد في المنطقة أن يكونوا مطية لأهداف لم يختاروها ولم يعايشوا تفاصيلها، فقد دفعوا من دمائهم وأرواحهم في معارك كانت خارج حساباتهم، في حين أن أيديولوجيات معينة تحاول استغلالهم لتحقيق مصالح لا تخصهم. لقد قدم الآلاف من الكرد السوريين حياتهم في تلك المعارك، ولكن في النهاية، كانت تلك التضحيات لصالح قوى غير مؤتمنة على مصالحهم الحقيقية.

إقرأ أيضاً: ما الذي يتوجب على السوريين فعله في لحظة التحول؟

من هنا، فإنه يجب أن يكون هناك موقف حاسم وواضح، وهو أن كرد "روج آفا" يجب أن يتمكنوا من إدارة شؤونهم بشكل مستقل، بعيدًا عن التدخلات الحزبية والسياسات الخارجية التي تهدد وجودهم. لا يمكن أن يظل الكرد في سوريا رهائن لسياسات خارجية أو أجندات حزبية، يجب أن يكون لهم الحق الكامل في اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، وأن يكونوا قادرين على الدفاع عن حقوقهم دون أن يكونوا ضحية للعبة الأمم والمصالح السياسية.

إننا نقدر التضحيات التي قدمها حزب العمال الكردستاني في سبيل نضالهم، في مكانهم بما لها وما عليها، ضمن ظرف زمني محدد، ولكن ذلك يجب أن يكون في إطار قضيتهم الخاصة، في كردستان تركيا، تحديداً، وليس على حساب كرد سوريا الذين كانوا وما زالوا يحلمون بكردستان حرة ومستقلة. نحن مع حق كل جزء من كردستان في الدفاع عن حقوقه، لكن هذا الحق لا يمكن أن يتحقق على حساب تضحيات كرد سوريا التي كانت في كثير من الأحيان عبثية بل آن الأوان لمغادرة كل كوادره سوريا، لا سيما أنَّ وجودهم خارج جغرافيتهم ينذر ويهدد بإبادة كرد سوريا الذين يجب أن يتم التعاطف والتعاون بينهم ليس من منطلق الهيمنة والعمل على تهديد وجودهم!

إقرأ أيضاً: ازدواجية المعايير في المشهد السوري

حان الوقت لأن يختار الكرد في "روج آفا" طريقهم الخاص، بعيدًا عن أي أجندات خارجية. إن ما يحتاجه الكرد في سوريا هو الحرية الحقيقية والقدرة على إدارة شؤونهم دون أن يكونوا تحت تهديد الاحتلال أو الضغوطات الخارجية. إن خيارهم يجب أن يكون بين الحفاظ على هويتهم وحقوقهم أو العودة إلى مكان نضالهم في كردستان، حيث يمكنهم أن يعبروا عن أنفسهم بحرية، بعيدًا عن أي هيمنة أو استغلال.

نأمل أن تكون المرحلة القادمة مرحلة استقرار حقيقي لكرد سوريا، وأن يتمكنوا من بناء وطن حر يليق بتضحياتهم، دون أن يكونوا مجبرين على دفع ثمن صراعات وأجندات ليس لهم فيها سوى الخسارة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ماذا تفعل يا استاذ ابراهيم؟!
كردية -

ماذا بك يا استاذ ابراهيم؟! في الحقيقة يثبت مثقفو الكورد في سوريا والعراق، ولكن خاصة سوريا، انهم غير قادرين على التطور ابدا، يرون اي امر من جهة واحدة ولا يحاولون ابدا ان يروها من كل النواحي. حزب العمال الكردستاني هو حزب لكل الكورد في اجزائه الأربع المحتلة. ان كنت لا تؤمن بهذا فهذا شأنك انت، ولكن حزبا بهذه القوة والمتانة والإستمرارية رغم وقوفه ضد جيش من جيوش الناتو، لا يستهان به ولا يتم إلقاء اللوم عليه بهذه الطريقة السطحية. والأمور لا تحلل بهذه الطريقة. من حقك ان تكون لديك انتقادات شديدة ضد الحزب، بل وعليك ان تقولها في وجههم، ولكن بشرط ألا تصل الأمور الى خلط المواضيع وعدم رؤية بعض الحقائق المهمة... لا بد من وجود حزب يجمع كل الكورد لكي لا نزيد شتاتاً، هل فكرت ابدا في هذا؟ لا بد من حزب متين قوي عسكريا منظم جدا للكورد، لأجل الوقوف بوجه تركيا بالذات (لولا بي كه كه لأبتلعت تركيا اقليم كوردستان في العراق وكورد روجافا ابتلاعا) ولأجل ان يثق الكوردي بقدرات شعبه. انتم لا تفكرون لدقيقة واحدة عندما تطالبون الحزب بـ"الانسحاب"... مقاتلو ومقاتلات البي كه كه منهم الكثيرون من ابناء كورد سوريا... الشجاعة الاسطورية التي ابداها مقاتلو ومقاتلات الكورد في سوريا هم مدربون من قبل البي كه كه والكل يعرف هذا جيدا... لولا ذلك لما رأى العالم اسطورة المقاتلات وكوباني... انت ترى نفسك سوريا، طيب هذا شأنك ولنر كيف سيساعك هذا للحصول على اي "حقوق ثقافية" لم تحصل عليها منذ اكثر من قرن... ولكن لا تحاول فرض هذا الإحساس الذي لا يشاركك فيه الا القليل جدا، ان وجدوا، على الآخرين. متى تصحون من نومكم الطويل؟ متى تعترفون بحقائق اكثر من قرن اثبتت ان الكورد لا يمكن لهم ان يثقوا بأحد ولا بوعود الشعوب التي حولهم وان الحقوق لا تطلب، واننا حاولنا الطرق السلمية كلها وحاولنا الاكتفاء بمحاولة الاحتفاظ على الهوية الثقافية واللغوية في البلدان التي احتلتنا، وكل هذا لم يأت الا بالقتل والتشريد والتعريب والتتريك، وحتى سرقة التأريخ الثقافي.... الا ترى العراق وما حدث فيه بعد سقوط صدام وكيف تنكروا ويتنكرون للكورد؟ والله لولا الغرب لما تردد الجيش العراقي لحظة للهجوم على الإقليم.