تضخم المدن واضمحلال القرى
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تعرضت غالبية مدن الشرق الأوسط، خاصة في الدول العربية المتعددة المكونات القومية والدينية والمذهبية منذ اكتشاف النفط وفي دول أخرى بُعيد انقلابات العسكر على النظم السياسية، إلى تضخم مريع في التركيب السكاني، وتغيير ديموغرافي حاد في ظل أنظمة اجتماعية قروية وسياسية شمولية، حولت المدن الى قرى مسرطنة بعد ان فعل الفقر والجهل والتصحر والعقلية السياسية المغلقة فعلته في اضمحلال القرى وهجرة أو تهجير سكانها إلى مراكز المدن أو أطرافها طلباً للماء والكلأ تارة والغزو والاستيطان تارة أخرى!
ولعل أبرز الأمثلة على هذا التضخم في مراكز المدن وأطرافها ما حصل في الدول العربية وخاصة في العراق وسوريا والأردن وليبيا ومصر وغيرها، حيث فقدت كثير من المدن الكبرى هويتها بسبب هذا التضخم العبثي الذي يعود في أصله إلى الفقر وانعدام فرص العمل والفشل في تطوير القرى والأرياف الذي دفع ملايين من سكانها إلى ترك قراهم والهجرة إلى أطراف المدن في أحزمة وعشوائيات بائسة، شوهت مداخل المدن ومخارجها، ناهيك عن الفقر والبؤس والعادات والسلوكيات الغريبة التي رافقت هذه المجاميع وشكلت عبئاً ثقيلاً على المدن، وتسببت في إبطاء أو منع تطورها في كثير من الخدمات المتعلقة بالحاجيات الضرورية كالماء والكهرباء والمواصلات والصحة والتعليم. وبنظرة سريعة وفاحصة لتلك المدن، يدرك المرء هذا التضخم العبثي الذي تتحمل وزره الحكومات التي ركزت جل اهتماماتها على المدن وتركت الريف يئن، وقراه، من البؤس والفقر والتخلف.
وإذا كان ثمة مبرر للتضخم الأول الذي تحدثنا عنه، فإنَّ ما حصل في العراق وسوريا والدول متعددة المكونات القومية والدينية والمذهبية كان ممنهجاً ضمن برامج حكومية وبميزانيات كبيرة وخلفية أيديولوجية عنصرية أو دينية مذهبية طائفية نفذته على مراحل الحكومات ذات التوجه الشمولي أحادي القومية أو الدين والمذهب، حيث عملت منذ أواسط القرن الماضي على احتواء وإذابة المكونات الأصغر قومياً أو دينياً ومذهبياً، وذلك بتهجير السكان الأصليين واستقدام سكان آخرين من قومية النظام أو مذهبه لإحداث تغيير في التركيب السكاني والجغرافي لتلك المناطق، كما حصل في مدن الحدود الجنوبية والغربية والشرقية لإقليم كوردستان العراق منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، وكذا الحال في سوريا وفي حزامها المسمى بالحزام العربي، الذي نفذه النظام السوري باستقدام سكان عرب وإسكانهم في قرى ومجمعات على حساب تهجير السكان الكورد الأصليين وبعثرتهم في المدن والقرى البعيدة عن جغرافيتهم الأصلية، وهذا ما حصل بالضبط في العراق أيضاً.
إقرأ أيضاً: بلادنا والكائنات المهجنة!
لقد تركت عمليات التغيير الديموغرافي آثاراً مؤلمة وإشكاليات يعاني منها العراق وسوريا، حيث لم ينجح النظام البديل بحل تلك الإشكاليات المتراكمة منذ عقدين من الزمان، رغم تضمينها في مواد دستورية واضحة دون التباس أو تأويل، مما عقد الأمور ومنع تلك المناطق ومنذ عقدين من أي تقدم وازدهار، بل أصبحت مرتعاً للتنظيمات الإرهابية بسبب تواجد الميليشيات والفصائل المسلحة المستقدمة من خارج المنطقة والتي تمارس هي الأخرى إرهاباً منظماً بحق سكان تلك المناطق، وتضطرهم إلى ترك بيوتهم ومزارعهم لاستكمال عملية تغيير ديموغرافي على خلفية طائفية أكثر بشاعة من تلك التي استخدمتها الأنظمة السابقة على خلفية التطهير العرقي.
إقرأ أيضاً: تعدد الانتماءات والحل الفيدرالي
التحدي كبير أمام تلك الحكومات، سواء في العراق أو في سوريا، التي بدأت تعيش نظاماً جديداً يتأمل فيه المواطن من كل المكونات إنصافه وإنهاء عمليات التغيير الديموغرافي بكل أشكالها ومعالجة آثارها وتداعياتها قبل أن تنفجر تلك الأورام والألغام وتقود البلاد إلى حروب أهلية عرقية أو طائفية، تأتي على ما تبقى من تلك البلاد التي دمرتها الحروب وشوهت نظامها الاجتماعي والسيكولوجي.
التعليقات
تضخيم المدن واضمحلال القرى
د سفيان عباس -أحسنت ،، من أسوأ النظم السياسية في الشرق الأوسط هما العراق وسوريا منذ استقلالهما وإن صح التعبير منذ تأسيسهما ، وأكثرها فشلا في خلق معادلة التوازن بين القرية والمدنية أسوة بالنظام الغربي ،،،خصوصا في العراق ، في العراق الانكليز منذ عام ١٩٢١ اسسوا نظام الاقطاع في عموم القرى والارياف ، حين انهار النظام الملكي انهارت معه الاقطاعيات اعقبها هيمنة شيخ العشيرة على الأراضي مما دفع هجرة الملايين الى المدن سكنوا ضمن العشوائيات المعيبة، وتحديدا في بغداد، مع انعدام الاهتمام بالارياف تماما من الحكومات المتعاقبة ...الأبعاد القسري لأصحاب الأرض ربما بدأ في ثلاثينات القرن الماضي من قبل الإنكليز ثم تبناه العكسر بعد انقلاب ١٩٥٨ ، وهكذا الحال في الستينات والسبعينات والثمانينات الى يومنا ،ولم يتغير الحال بعد ٢٠٠٣ بل أسوأ من سابقيه ، نظم استبدادية يعظمها الإعلام والابواب المهجورة لمسوغات عنصرية وطائفية فحسب اي بمعنى نظم فوقية فاسدة ،، والنظم السياسية في سوريا طبق الأصل مع النظم العراقية ولذات المسوغات ، هذه المعضلة الازلية حلها واختوائها بالنظام الفدرالي والاقاليم ، فأن تجربة إقليم كوردستان انموذجا خلاقا في كيفية الإنماء الشامل للقرى والمدن بخط متوازن واحد ، ولاحظنا كيف الاقليم شيد عشرات السدود ضمن هذا الهدف لدعم القرى والارياف بذات دعم المدن بمعادلة عادلة منتجة ستراتيجيا في تطوير اهم قطاع الا وهي الزراعة .. هنا الفرق بائن بين رجال الدولة في كوردستان وباقي النظم السياسية المستبدة والفاسدة في البلدين أعلاه، ،دمت مبدعا على الدوام