ديمقراطيات الربيع العربي: ما لها وما عليها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مثل "الربيع العربي" منذ 2011 لحظة مفصلية في التاريخ السياسي العربي، حين خرجت الشعوب للمطالبة بإسقاط أنظمة شمولية وبناء نظم ديمقراطية تعكس الإرادة الشعبية، وأسقطت تلك الحركات أنظمة في تونس، مصر، ليبيا، واليمن، فيما واجهت سوريا ثورة عنيفة تحوّلت إلى حرب أهلية، وبالرغم من الزخم الشعبي، لم تثمر هذه التحركات عن ديمقراطيات مستقرة، بل عن تجارب انتقالية قصيرة العمر أو فوضى أو عودة للاستبداد بصيغ مختلفة، وفي هذا السياق، برزت تساؤلات جادة حول طبيعة التحول، مدى واقعيته، ومصيره.
فقد أحدثت الثورات تحولات نفسية واجتماعية مهمة في مقدمتها إزالة الخوف من المشاركة السياسية، بل ومكّنت فئات مهمشة من التعبير والمطالبة، وأعادت النقاش العام إلى مفاهيم المواطنة، والعدالة، والحريات، كما ظهرت نخب سياسية وإعلامية جديدة، خاصة في تونس، وساد شعور جماهيري بالتمكين، ولو مؤقتًا، لكن هذه اللحظة لم تدم، إذ انزلقت دول مثل ليبيا واليمن وسوريا إلى حروب أهلية، بينما شهدت مصر انتفاضات واحتجاجات مليونية على حكم محمد مرسي وجماعة الإخوان التي حاولت الاستحواذ على الحكم المنفرد، وحتى تونس، التي اعتُبرت نموذجًا ناجحًا، عادت إلى حالة من السلطوية "الدستورية" إثر أزمات اقتصادية وانقسام سياسي، إن ما حدث كان انهيارًا سريعًا لما بُني بعد الثورة، مما يدفع إلى مراجعة أعمق لطبيعة هذا البناء.
تطبيق قسري للنموذج الغربي
سعت النخب الثورية والدول الداعمة إلى استنساخ النموذج الديمقراطي الليبرالي الغربي، من حيث الآليات (الانتخابات، الدساتير، التعددية)، دون الانتباه إلى أن هذا النموذج هو نتيجة لتراكمات تاريخية وثقافية ومؤسسية لا تتوفر في البيئات العربية الخارجة من أنظمة شمولية، فقد افتقرت هذه المجتمعات إلى البنى التحتية للديمقراطية: استقلال القضاء، المجتمع المدني الفاعل، الإعلام الحر، وتقاليد التسامح والتعايش السياسي، ناهيك عن النقطة الأكثر جوهرية، أن التغيير الذي حدث كان فوقيًا في أغلبه، مدفوعًا بضغوط إقليمية ودولية، واستهدف رأس النظام السياسي دون المساس بالبنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية العميقة، بمعنى آخر: تغيرت الأنظمة ولم تتغير المجتمعات، بل لم تتغير ثقافة الأنظمة التي انهارت، ولم تُمس مفاصل الدولة العميقة، ولم تحدث مراجعة جذرية للثقافة السياسية المبنية على الطاعة، والولاء، والانتماءات الأولية (القبيلة، الطائفة، الزعيم)، كما لم يرافق التغيير السياسي إصلاح ثقافي أو تعليمي يعيد تشكيل وعي المواطن، ونتيجة لذلك، أُعيد إنتاج أدوات الاستبداد بأشكال جديدة، وقد ساهمت هذه الهشاشة في إشعال صراعات داخلية بين التيارات الإسلامية والعلمانية، كما في مصر وتونس، وبين المكونات الطائفية والمناطقية، كما في اليمن وليبيا وسوريا، وبدلاً من بناء توافق تاريخي، انقسمت المجتمعات على أسس عرقية وهوياتية حادة، فتراجع الأمن، وتدهور الاقتصاد، وانهارت ثقة المواطنين بالنخب الجديدة.
المفارقة الخليجية: التحديث التدريجي كنموذج بديل
في مقابل هذا المشهد، برزت تجارب الخليج، خاصة في السعودية والإمارات، كنموذج مغاير في إدارة التحول، لم تشهد هذه الدول ثورات شعبية، لكنها انتهجت مسارًا تدريجيًا ومدروسًا في تحديث الدولة والمجتمع، مع الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي، فتم تعزيز مؤسسات الدولة، وضبط العلاقة بين الدين والدولة، وتحديث الاقتصاد عبر رؤى استراتيجية، دون كسر مفاجئ للمنظومة القائمة.
وبالرغم من عدم تبنيها للنموذج الديمقراطي الغربي الكامل، إلا أن تلك الدول تمكنت من إدخال إصلاحات مؤسسية ومجتمعية فعالة، مما جعلها أكثر استقرارًا وأقل عرضة للفوضى، هذا النموذج يقدم مقاربة بديلة: تحول من الداخل، تدريجي، ومبني على خصوصية الواقع المحلي، لا على ضغوط خارجية أو نسخ أجنبي.
والآن ما هو البديل الواقعي؟
لقد أثبتت التجارب العربية أن التغيير لا يُفرض من فوق، ولا يُستورد من الخارج، الديمقراطية ليست مجرد صندوق اقتراع، بل مسار طويل يتطلب:
- بناء مؤسسات حقيقية لا مجرد رموز شكلية.
- إعادة تشكيل العقد الاجتماعي على أسس المواطنة.
- إصلاح التعليم والإعلام والثقافة بما يعزز الوعي السياسي.
- تفكيك منظومات الفساد والاستبداد المتجذرة.
- دمج البنى التقليدية (العشائر، المرجعيات الدينية) في مسار التحول دون احتكارها.
خلاصة القول: إن ديمقراطيات الربيع العربي كشفت توقًا عميقًا نحو الحرية، لكنها اصطدمت بواقع معقد لا يمكن تجاوزه بالنيات وحدها، وبين التسرع الثوري، والاستنساخ الغربي، والتدخل الخارجي، غابت الرؤية الواقعية لبناء نظام جديد، في المقابل، تُظهر التجارب الخليجية أن التحول لا يعني القطيعة، بل التدرج، ولا يكون بالفوضى بل بإعادة هندسة الدولة والمجتمع ببطء وثبات، ويبقى التحدي أمام الشعوب العربية هو بناء ديمقراطية تخصها، وتستمد مشروعيتها من واقعها، لا من نماذج مستعارة.
التعليقات
ديمقراطيات الربيع العربي ما لها وما عليها
د. سفيان عباس -أحسنت ، أجمل ما قرأت في المسارات السياسية ، الربيع العربي وخفاياه وأهدافه لم يكن عربيا ، بل الدول والشعوب العربية التي شهدت هذا المحك كانت مجرد أدوات فوضوية فحسب ، الديمقراطية لا تتحقق بهذه الأساليب ، القوى الخارجية فرضت استنساخ ديمقراطياتها الفوقية ،وان صح التعبير ديمقراطية مسلفنة في علب جاهزة ، ان اسس الديمقراطية تعتمد على الوعي الثقافي الرصين والنهج التربوي الذي تعتاد عليه الشعوب في الممارسة رويدا رويدا ، تخلق من خلالها قيادات سياسية تؤمن بهذا العمل النبيل ،، مع الموجبات والمعايير والشروط الأخرى الساندة لها ، كالاستقرار السياسي والمجتمعي والاقتصادي وترسيخ مبدأ المواطنة التي تنصهر في بوتقتها كل أشكال التمييز القبلي والديني والمذهبي والمتاطقي، ومن أولوياتها التعايش السلمي وقبول الآخر وغيرها الكثير ،كل المتطلبات يفتقدها الشعب العربي ابان ربيعه المشؤوم الذي انقلب عليه عكسيا ، حين خلق دكتاتوريات مذهبية هجينة سنية كانت او شيعية ، التي لا تؤمن بالديمقراطية ولا في دساتيرها وقوانينها بحيث تحولت إلى عصابات فاسدة ومجرمة تتبوأ على السلطة والحكم، أرى أن اقليم كوردستان قد استوفى كافة المعايير والشروط الموجبة للعمل الديمقراطي المستدام ،حيث هيأ الأرضية الصحيحة في البنى التحتية للمتطلبات الآنفة ، قيادات سياسية تؤمن بالعمل الديمقراطي يؤازرها بذات المآل شعب كوردستان، ، استقرار سياسي ،دولة القانون والمواطنة ،عدالة مجتمعية ، تعايش سلمي وقبول الآخر ، فساد يكاد ان يكون معدوما ، رخاء اقتصادي ، رفاه اجتماعي حتى انها تفوقت بأمتياز على الدول الخليجية التي أشرت اليها في وحدة موضوعك ،، دمت مبدعا على الدوام أسد كوردستان
ديموقراطيات الربيع العربي
عبدالقادر الهركي -أنا فقط اذكر كنت يوما ما وبحكم عملي اعمل مع قوات التحالف لاستتباب الامن والنظام بعد سقوط النظام البائد وكانوا يزورونني بحكم واجبي ومسؤوليتي وكان الامن غير مستتب ووجود الارهاب وعدم اشتراك السنة بالانتخابات ووجود فوضى في مناطق عديدة من العراق واعتقالات ومداهمات والى اخره في هذه الاثناء سألني احد كبار القادة الامريكان الذي كان مسؤولا عسكريا وامنيا عن المنطقة قال ماهو رأيك حول مايجري في العراق بعد سقوط النظام ومتى تستقر الحالة الامنية ويكون في العراق نظام ديمقراطي ودولة مؤسسات حسب النظام الديمقراطي الذي نسعى للمضي قدما فيه في العراق فسالته انتم في الولايات المتحدة الامريكية كيف اصبحتم ولايات متحدة امريكية هل هذه الديمقراطية وهذا النظام جاء اعتباطا ام بعد صراعات وجهود حثيثة قال نحن قاتلنا لسنوات عديدة لما تمكنا من الاستقلال وبعدت الحرب الداخلية لسنوات عديدة واكثر من قبلها حتى تمكنا من ايجاد نظام الولايات فقلت له عليه يجب ان تنتظروننا ضعف هذه المدة التي قضيتموها بالحروب لكي نعود إلى النظام الديمقراطي الذي تفكرون تطبقيه لان تركيبة مجتمعنا يختلف عن ماهو موجود لديكم وخاصة شعبنا عاش مع انظمة شمولية استبدادية وتعلم ان فقط ينفذ مايصدر له من اوامر صارمة وبعسكه يعاقب باشد العقوبات فكان النظام سابقا يحكم والشعب ينفذ بعد سقوطه صارت فوضى عارمة في مجتمع لم تمر عليه تجارب ديمقراطية منذ الامد الطويل لذا فانا اعتقد بان ديمقراطيات الربيع العربي فرضت على شعوب المنطقة ولها اهداف هي ارضاخ شعوب المنطقة وحكامها الجدد بحكم الديمقراطية للدول التي تفرض هذه الديمقراطيات لان الحكام القداما لم يرضخو لاوامر هذه الدول اما دول الخليج فانها تفهمت الوضع جيدا فقالت نعمل اتفاقية بقائنا واولادنا واحفادنا في الحكم والدفاع عنا وعن دولنا في حال تعرضنا لعدوان العراق كما حصل وكذلك ايران ودول اخرى مقابل القواعد الامريكية ودفع اموال طائلة لامريكا ومن معها