فتاوى خوارزمية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يا لها من نبوءة كابوسية تُطل عبر منبر ديني، مسلّحة بفقه "دفع المفاسد" ومجردة من أي فضول معرفي. داعية مصري، يبدو أن لديه إشكالاً شخصياً مع الروبوتات، يرى في الذكاء الاصطناعي تجلياً حديثاً لإبليس، وسبباً مباشراً لـ"نزع الإيمان من القلوب". لنبتلع هذا الطرح &- لا على سبيل الإقناع، بل من باب التأمل في فوبيا التكنولوجيا حين تتزوج بالفكر المحافظ.
تصريحات الداعية وردت متلفزة أدلى بها عبر قناة "الشمس" المصرية، تنذر بكارثة ميتافيزيقية من طراز رفيع: الذكاء الاصطناعي، حسب قوله، بوابة إلى موجة إلحاد عارمة، ووسيلة لتحويل الإنسان إلى عبدٍ للآلة. من اللافت والمربك في آن تحميل تقنية مثل الذكاء الاصطناعي كل هذا الثقل: "ينحي دور الإله؟"، "يحول الإنسان إلى عبد؟"؛ أينسف المشاعر حقاً؟
الداعية لا يكتفي بالتحذير من الاستخدام السيئ للذكاء الاصطناعي، بل يرى فيه قوةً شيطانية تُنحّي دور الإله، وتنزع الإيمان من القلوب، وتستبدل الدعاة والزوجات والآباء ببرمجيات لا روح فيها.
ثم حان دور الفقرة العاطفية، أو ما يشبهها؛ إذ لم يكتفِ الداعية بالتنبيه إلى مخاطر التقنية على ميدان الفتاوى، بل انتقل إلى الميدان الاجتماعي، لينظر في ظاهرة العلاقات العاطفية بين البشر والروبوتات ويعلنها علامة على "خلل نفسي". لعل الصورة في ذهنه كانت لرجل يهمس لآلة قهوة، أو لامرأة تعاتب مكنسة ذكية.
لكن عوض الاكتفاء بالدهشة (وهي مشروعة)، اختار الداعية أسلوب الصدمة الفقهية، فشبّه هذه العلاقات بما لا يُقال — علاقة بين إنسان وبهيمة؛ انزلاق عنيف وغير منتج، فهو لا يردع، بل يضع الخطاب الديني في موضع بعيد عن الواقع الذي يفترض به أن يفسّره.
ليست هذه أول مرة تُتهم فيها التكنولوجيا بالإساءة إلى الإنسان، هذه المرة أيضاً لا تختلف كثيراً عن تهويلات سابقة عن التلفاز والإنترنت وحتى الراديو؛ أدوات قيل إنها ستقودنا إلى "آخر الزمان"، لكنها لم تفعل، أو على الأقل لم يكن الذكاء الاصطناعي طرفاً مباشراً في الانحراف الجماعي!
والمفارقة هنا أن النموذج الذي يهاجمه الداعية &- نموذج لغوي معرفي لا يملك لا إرادة ولا نية &- يبدو أحيانًا أكثر رصانة في الحديث عن الدين من كثير من خطب الدعاة المتشنجة.
أحد لم يطلب من الفقهاء أن يسبّحوا بحمد التقنية، بل أن يتخلّوا عن فانتازيا المواجهة النهائية. فالتقنية، شئنا أم أبينا، لن تنتظر موافقة المجمع الفقهي لتُغير طريقة تفكير الناس وسلوكهم. وحده الفقه الذي يفهم السياق، ويدرك حدود الأدوات وطاقاتها، هو القادر على مواكبة التحول دون أن يفقد جوهره.
إن ما تفتقر إليه بعض تصريحات الدعاة هو التبصّر لا التحذير، والمعرفة لا الهلع، والنقد الراشد لا النبوءات الكارثية.
التعليقات
يخشى فقدان التوكيل
كاميران محمود -بداية، يا أستاذة سمر، من المبهج دائما رؤيتك عائدة إلى الكتابة وبالذات فيما يتعلق بالمد الظلامي(الديني)، اما عندما يتعلق الأمر بمصر، فيكتسب الأمر أهمية اكبر، لان مصر في نظري هي المبتدأ والخبر وعماد الخصوصية العربية التي تم اكتسابها وصياغتها وتجليها منذ النهضة التنويرية في مصر، هذه الخصوصية التي تجلت في انطلاق النشاط الفكري النقدي العقلاني والابداعي بكل اشكاله، متجاوزا ومتحديا تربص فقهاء الغفلة وسلاحها (التكفير) مع أن هذا السلاح لم يختفي يوما (الشعر الجاهلي، اولادحارتنا)، لكن بالتلويح به مدفونا داخل غمده إلى بداية السبعينات. أما المشعوذ موضوع المقال فيبدو مرعوبا من فقدانه للتوكيل الالهي الذي تؤمنه عمامته رغم الكرة الجوفاء تحتها، توكيل الإفتاء بقواعد تصرف الانسان المعاصر مهما بلغت إمكانياته المعرفية والفكرية والثقافية، ذلك التوكيل الذي يضمنه له فتوى تحجيم ومصادرة ماتنتجه تلك الامكانيات، فتوى (محاربةاللاديني) وكأن مصر لم تنجب طه حسين واحمد رامي والقصبجي وزكريا أحمد وفؤاد زكريا وفرج فودة ومحمد الخشت...لأن هذا المعمم لا يجد بين نصوصه ما ينجده بقتل المكائن ولا بتكفيرها قبلها. و ما لايتم الكلام عنه، خوفا من الاتهام بالتكفير. هو ما يجاهرون به من نيتهم لتحويل مصر مركزا للفكر الاسلامي مع مايعنيه ذلك من نبذ لكل الحكمة والتأريخ المصريين، ما يعني عمليا أنهاء ما اعطى مصر جلالها وجعلها ام الحكمة والحضارة الانسانيتين، وجعلها قبلة للعالمين، ويعني بأختصار انهاء مصر،بجعلها فريسة سهلة لكل من يبجل حضارة مصر ومنهم المدلسين المعروفين بأسم أفروسنتريك.
تقديرٌ لكلماتكم وحرصكم
سمر عبد الملك -شكرًا لك، أستاذ كاميران، على هذا التفاعل الثري والمُحمّل بالحرص على المكانة الرمزية لمصر ودورها التنويري. ما أطرحه في المقال محاولة لرصد خطاب ديني يجنح إلى التهويل في وجه التكنولوجيا، لا أكثر ولا أقل. نلتقي في الإيمان بأن النقد لا يعني العداء، وأن العقل لا يُصان بتكميمه، بل بتشغيله.
نشر الإسلام بالذكاء الاصطناعي رغم انف الشتامين اللئام ،،
حدوقه -لا خوف على الدين من مما يسمى بالذكاء الصناعي الذي حذر من خطره العلمانيون والملاحدة ، فالدين محفوظ منذ الف واربعمائة عام ونيف ، بل وجرى استخدام التقنيات التي ابتكرها الكفار في تدوينه و نشره ، وهذا من تسخير الله للكفار ومكره سبحانه بهم ، تطالعنا منصات التواصل الاجتماعي لكفار يسألون الذكاء الصناعي عن الإسلام فيعطيهم اجابات تهديهم وهذا ايضاً من تسخير الله للكفار في نشر دينه رغم انوف الشتامين والحاقدين من كنسي وملاحدة المشرق ،،
أستاذة سمر
كاميران محمود -المسألة لاتتعلق,وبكل صدق, بمعاداة المتدين الذي يحصرايمانه بمابينه وبين الخالق, بل بمعاداة ومحاربة من يرهبون غيرهم بالفتاوى تجاوزا للقوانين المدنية,أي بالالتزام بفتاواها كأسلوب وحيد للحياة, اي أعادة تنظيم المجتمع داعشيا.
التكفير ليس اختراع الإسلام ، كل الاديان السماوية والوضعية فيها تكفير ،،
صلاح الدين المصري -التكفير ليس اختراع الإسلام ، كل الاديان السماوية والوضعية فيها تكفير ،،ويفرق عنها في الإسلام ان كفر الكافر على نفسه ولا يرتب نحوه اي شيء بدليل وجود الملايين من الكفار في ارض الإسلام منذ الف واربعمائة عام ونيف ، ولهم الاف الكنايس والكنس والمعابد ، ما دام الكافر ملتزم بالنظام العام للدولة مثله مثل المسلم فلن يحصل له شيء ، الإرهاب العلماني والالحادي المقرونة بالبذاءات والشتائم تنبؤ ان اصحابها لئام لهم توجهات خبيثة إلى ابادة خصومهم وهذا احد أشكال التكفير الالحادي الخبيث ،،
أستاذة سمر
كاميران محمود -المسألة تتعلق بمحاولة الفاشية الاسلامية,التي تم طردها من الباب بعد الثورة ,العودة من الشباك من خلال المؤسسة الدينية من خلال برنامجها,برنامج اليمين الديني المتطرف,المكمم للثقافة وللابداع وللمتنورين,من حيث مجاهرتهم بمحاربة اللاديني, الذي لم يصدر منه غيرالحرص على الوطن وعلى حضارته,لان الارهاب معروف بمصدره الديني. ولك كل التحية والشكر والتقدير مجددا أستاذة سمر.
حين يصبح الإقصاء باسم التنوير
حدوقه -في تجارب عديدة شهدناها في العالم العربي، لم تَخلُ بعض النُخَب التي ترفع شعارات العلمانية من نزعات إقصائية تجاه التيارات الدينية أو المحافظة. كثير من هؤلاء، عند اقترابهم من مراكز السلطة، لم يُبدوا استعدادًا حقيقيًا للتعايش أو احترام التنوع الفكري والديني، بل بدا كأنهم يسعون إلى استبدال إقصاءٍ بآخر، بدلًا من تأسيس مشترك لفضاء تعددي يحترم الحريات. السؤال المشروع الذي يطرحه هذا السياق هو: هل بعض دعاة "التحرر" اليوم على استعداد فعلي لاحترام حرية المعتقد، أم أنهم يمارسون نوعًا آخر من الفرض القسري، هذه المرة باسم العقل والحداثة؟ *** هذا التعليق خضع للتحرير من قبل المحرر بما يتوافق مع سياسات النشر، وبسبب احتوائه على عبارات لا تتماشى مع شروط النشر ***