كتَّاب إيلاف

الكورد وتركيا في ميزان الاتفاق الإبراهيمي

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماع للحكومة التركية
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

كانت تركيا، سواء العثمانية منها أو الأتاتوركية، حريصة دائماً على استخدام الكورد كأدوات فاعلة في صراعاتها ومشاريعها الحربية والسياسية. فقد زُجّ بالكورد في معارك السلطنة الكبرى، من چالديران إلى الحرب مع روسيا، ومن صراعاتها مع اليونان وكوسوفو وبلغاريا، وصولاً إلى ساحات سوريا والعراق في عصرنا الحالي. فلم يكن ذلك من باب الشراكة الاستراتيجية أو الاعتراف بالحقوق القومية للكورد، بل من منطلق التوظيف والاستغلال السياسي والعسكري.

واليوم، ومع تبدّل خريطة التوازنات الإقليمية والدولية، تعود تركيا لاستخدام الكورد ثانية وثالثة ورابعة، ضمن مشروع تركي مُعدّل لضمان حضورها في الإقليم والعالم خلال الألفية الثالثة. والاستدارة التركية الحالية تجاه الكورد بشكل عام، وحزب العمال الكوردستاني بشكل خاص، تبدو أقرب إلى خطة قذرة وماكرة، هدفها تطويع الحركة المسلحة الكوردية، وخلع أنيابها، تمهيداً لإعادة إنتاجها بما يخدم الطموحات والأجندات التركية المستقبلية والاستراتيجية.

فمن خلال هذا النهج، تسعى أنقرة إلى تجنيب نفسها ارتدادات حتمية آتية من عدة جبهات ملتهبة، أبرزها غزة وسوريا وإيران واليمن ولبنان. ومع هذه المتغيرات، تُطرح الكثير من التساؤلات المصيرية، منها:

أولاً: هل تستطيع تركيا بمفردها قيادة كل هذه الضغوط والمعارك والأزمات الداخلية والإقليمية القادمة، أم أنها بحاجة ماسة إلى الكورد ودورهم المصيري في المنطقة، وبلع الطُّعم والاعتراف بهم، خاصة بعد استسلام حزب العمال الكوردستاني عسكرياً ورميه للسلاح؟ أم أنَّ الميكيافيلية التركية الماكرة هي التي ستُحدد طبيعة الصراع والعلاقة المستقبلية بين الأتراك والكورد؟ ومن جهة أخرى، هناك مَنْ يتساءل: ما إذا كانت تركيا ستلجأ إلى سياسة العصا والجزرة في إدارتها لهذه العلاقة، وهل الاستعانة بالسيد عبد الله أوجلان في تنفيذ مخططاتها ومشاريعها الاقتصادية والسياسية والدولتية تصبّ في هذه الخانة وفي هذا الاتجاه؟

ثانياً: هل ستكتفي تركيا بما حصلت عليه من سيطرة ونفوذ اقتصادي وتجاري وبترولي في الشمال السوري، أم أنها ستواصل توسعها ضمن مشروع سياسي أكبر مما نتوقعه جميعاً؟

ثالثاً: هل يمكن القول إن الصراع التركي - الإيراني قد انتهى فعلاً، خاصة بعد أن وضعت الحرب أوزارها بين الدولة التركية والعمال الكوردستاني وعودة فتح مطار السليمانية أمام الخطوط الجوية التركية؟

رابعاً: أين هو ذاك التيار القومي الراديكالي الكوردي المتشدّد داخل صفوف حزب العمال الكوردستاني، والمتشبّع بالإيديولوجيا، والذي يمتلك أوراقاً قوية وعلاقات دولية وإقليمية لا يُستهان بها؟

خامساً: ألا نستطيع القول إن هذا الحوار الصامت بين عبد الله أوجلان والدولة التركية، له أبعاد دولية وإقليمية متعددة ومتشعبة؟ فأين تقف روسيا وإيران واليونان وإسرائيل وأرمينيا، وأين يقف العلويون على طرفي الحدود السورية &- التركية من هذا الحوار؟ وما هو الثمن الذي ستدفعه تركيا لكل هذه الأطراف لضمان ولاء الكورد أو تحييدهم؟ وهل ستتنازل تركيا حقاً عن بعض الأوراق لصالح الكورد ضمن هذا المشروع؟

سادساً: المعادلة لا تنتهي هنا، فهناك من يتساءل بقلق: هل ستهاجم تركيا المناطق الكوردية في شمال شرقي سوريا؟ أم أن المخاوف من تصاعد التيار القومي الكوردي الراديكالي داخل حزب العمال الكوردستاني، واستعداد إيران لاستثمار تلك اللحظة، ستمنع أنقرة من اتخاذ مثل هذه الخطوة؟

سابعاً: تلوح في الأفق إشارات قوية لانتهاء "شهر العسل" بين تركيا والسعودية، خاصة بعد بروز ملامح "الاتفاق الإبراهيمي" بين اليهود والعرب، واحتمالية انضمام كوردستان العراق إليه. ولعل الزيارة المفاجئة للطاقم الإعلامي السعودي (العربية) إلى قامشلو، والإسراع في إجراء مقابلات مع القائد الكوردي مظلوم عبدي، متضمّناً ومدعوماً بمواقف العشائر العربية، لا يمكن عزلها عن هذه التغيرات والتناقضات البينية.

ثامناً: تصريحات مظلوم عبدي الأخيرة لقناة "العربية"، التي وُصفت بـ"المعسولة" تجاه السلطة في دمشق، أدهشت المراقبين. فهل جاءت هذه التصريحات رداً على هزيمة الاستخبارات التركية في الجنوب السوري؟ أم أنَّ السعودية تريد استمالة الكورد والعشائر معاً، وإسقاط هذه الورقة من يد تركيا؟

تاسعاً: السؤال الأكثر حساسية والمفتوح على احتمالات كبرى: من الذي سينتصر في دمشق بنهاية المطاف؟ هل هو الحلف السعودي &- الفرنسي &- الإسرائيلي &- الأميركي &- الإنكليزي، أم الحلف التركي &- الإيراني &- الجولاني &- الأوجلاني؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
عندما ترى الضباع تتحول إلى نباتية
Gevan -

سأبدأ بمثالين قبل كتابة تعليقي. هناك مثل يوناني يقول: عندما يتحدث التركي عن السلام، استعد للحرب. ومثل آخر يقول: عندما ترى الضباع تتحول إلى نباتية. لذا عليك أن تؤمن بأن الأتراك سيصنعون السلام بجدية ويعيشون بسلام مع جيرانهم. هناك مشاكل كثيرة لا يلتفت إليها أحد. هل هناك دولة في العالم لديها مشاكل مع جميع جيرانها باستثناء تركيا؟ الأتراك لا يقبلون، ولن يقبلوا، بوجود الأكراد. إنهم لا يقبلون، ولن يقبلوا، بالأكراد كأمة تعيش على أرضهم التاريخية إلا في حالات معينة. لو أدركت تركيا أن قيام دولة كردستان أمر لا مفر منه، وأن جميع دول العالم ستدعمها وتتعامل معها، فعندما يسمع الأتراك هذا، لتحدثوا عن السلام مع الأكراد. المشكلة الأخرى هي أنه لو كان لدى الأكراد أسلحة كيميائية، وعلم الأتراك أنهم لا يستطيعون قتلهم، لتحدثوا عن السلام معهم. وإلا، فكل ما يتحدث عنه الأتراك عن السلام والتعايش ليس إلا مراوغة وكذبًا وخداعًا وخداعًا. عندما ظهر الهرم العنصري في البرلمان التركي وتحدث عن السلام، كان ذلك خدعة وكذبًا وخداعًا من الجانب التركي لإقناع قوات سوريا الديمقراطية بتسليم أسلحتها للجولاني. هذا لن يحدث ولن يحدث. لذلك، سيعود الأتراك إلى عاداتهم القديمة. سيعودون إلى عادتهم في التهديد والقول: "سندفن الأكراد تحت الأرض بأسلحتنا". هذه لغة تركية. أما الأمر المهين والمخزي فكان عندما ذهب الأكراد، في الإدارة الذاتية، إلى دمشق للدخول في مفاوضات مع الجولاني. في اليوم نفسه، دفع الأتراك أوجلان لإلقاء خطاب والقول: "لا نريد فيدرالية، لا نريد لامركزية، لا نريد شيئًا. نريد فقط دولة ديمقراطية". وهذا أكبر دليل على أن أوجلان يعمل لصالح الأتراك، لا لصالح الأكراد. أي سياسي يفهم الـ 5% سيخرج في نفس اليوم لإلقاء هذا الخطاب، وهو يعلم أن الأكراد ذاهبون إلى دمشق لعرض فكرة الفيدرالية واللامركزية هناك. هذا المجنون يلقي هذا الخطاب. أي أحمق سيفعل هذا في نفس اليوم، وفي نفس الساعات، وفي نفس الوقت؟ قبح الله وجهك يا أوجلان، أيها الرجل القبيح الوجه.