منظومات الإعلام العربي بين إرث القرن العشرين وثورة القرن الحادي والعشرين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى منتصف الثمانينيات، كان المشهد الإعلامي العربي يقوم على منظومتين رئيسيتين: المصرية واللبنانية، واللتين مثّلتا مدرستين مؤثرتين في صياغة الوعي العربي وصناعة الخبر والتحليل، غير أن التحولات السياسية والتقنية، وتبدل مصادر التمويل، مهدت الطريق لظهور منظومة ثالثة، تبلورت في دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، حتى غدت الأكثر تأثيرًا عربياً وعالمياً.
في مصر، كانت الصحافة - مثل الأهرام، أخبار اليوم، والجمهورية - قلاعًا للإعلام العربي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، خرّجت أجيالاً من الكتّاب والمحررين، واستقطبت كبار المفكرين. وإذاعة القاهرة كانت الصوت العربي الجامع، خصوصًا في حقبة جمال عبد الناصر، حيث لعبت دورًا محوريًا في نشر خطاب القومية العربية، لكن، بعد 1952، ومع سيطرة الدولة على الإعلام، أصبح الخطاب أكثر شعاراتية وتعبئة سياسية، على حساب التنوع والحياد، ومع مرور الزمن، فقدت الصحافة المصرية جزءًا من بريقها أمام منصات أجنبية ناطقة بالعربية، مثل القسم العربي في BBC وصوت أميركا وإذاعة مونت كارلو، ومع دخول الألفية الجديدة، لم تستطع كثير من الصحف التقليدية مجاراة التحول الرقمي بنفس الزخم، بالرغم من استمرار حضور الأهرام والمصري اليوم في المشهد.
أما لبنان الستينيات والسبعينيات، فكان عاصمة للإعلام الحر، بصحفه البارزة مثل النهار والسفير، التي كانت منابر فكرية وسياسية لكبار الصحفيين والكتاب العرب، فضلًا عن مجلات مثل الحوادث والمستقبل، وإذاعات وقنوات خاصة جمعت أطيافًا متنوعة، هذا التنوع جعل بيروت ملاذًا لقوى المعارضة من مختلف الدول العربية، لكن الحرية الإعلامية لم تكن مطلقة؛ فقد أثّر التمويل الخارجي ونفوذ النظام السوري في مرحلة لاحقة على استقلالية الخطاب، ومع الأزمات السياسية والاقتصادية في العقدين الأخيرين، انحسر دور الصحافة الورقية اللبنانية، وتراجعت قدرتها على التأثير إقليميًا، بالرغم من محاولات النهار والأخبار التكيّف مع الإعلام الإلكتروني.
مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، بدأت ملامح منظومة إعلامية جديدة تظهر في الخليج، مستفيدة من إمكانات مالية هائلة واستقرار سياسي نسبي، ومنفتحة على تجارب الإعلام الغربي، في المملكة العربية السعودية، شكّلت صحف مثل الشرق الأوسط، والحياة (التي توقفت ورقيًا وتحوّلت إلكترونيًا قبل أن تغلق نهائيًا)، وعكاظ، نماذج لصحافة تجمع بين المهنية والبُعد الإقليمي، هذه الصحف، التي كانت تُطبع وتوزع على نطاق عربي واسع، أصبحت لاحقًا رائدة في الانتقال إلى المنصات الإلكترونية، مستفيدة من النجاح الكبير الذي حققته إيلاف الإلكترونية باستخدام التكنولوجيا الحديثة وقواعد البيانات الواسعة.
وفي الإعلام المرئي، كانت ولادة مجموعة MBC عام 1991 منعطفًا مفصليًا، إذ جمعت بين الترفيه الموجه والمحتوى الإخباري المتطور، قبل أن تطلق قناة العربية التي أصبحت إحدى أهم القنوات الإخبارية في العالم العربي، بمنافسة مباشرة مع الجزيرة القطرية، وفي الإمارات، جاءت سكاي نيوز عربية لتضيف بعدًا جديدًا من الاحترافية والحياد التقني، هذه المؤسسات لم تكتفِ بالمحتوى التقليدي، بل أسست مواقع إلكترونية وتطبيقات متقدمة تقدم المحتوى المرئي والمكتوب والوسائط المتعددة في آن واحد.
في العقدين الأخيرين، برزت السعودية كمركز ثقل للصحافة الإلكترونية العربية، مع منصات مثل سبق وعاجل وصحيفة المواطن، التي استطاعت الجمع بين سرعة الخبر ودقته، واستقطاب جمهور واسع داخل وخارج المملكة، هذه المنصات تفوقت في قدرتها على مواكبة الأحداث لحظة بلحظة، مستفيدة من الحضور القوي على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي المقابل، لم تستطع كثير من الصحف المصرية واللبنانية التقليدية تحقيق التحول الرقمي بنفس الكفاءة أو الاستدامة.
تكشف التجربة أن الصحافة العربية، التي كانت في القرن العشرين تتباهى بأسماء لامعة في الورقي مثل الأهرام المصرية والنهار اللبنانية، قد وجدت نفسها في الألفية الجديدة أمام واقع مختلف، حيث فرضت المنصات الإلكترونية الإخبارية - مثل سبق والعربية نت وسكاي نيوز عربية والجزيرة نت - حضورها الطاغي من حيث الانتشار وسرعة التفاعل، هذه المنصات لم تكتفِ بنقل الخبر، بل تبنّت أساليب عرض متطورة تعتمد الصور والفيديو والبث المباشر والتفاعل اللحظي مع الجمهور.
وبالرغم من ذلك، فإن "نكهة الورقي" لا تزال تحتفظ بمكانتها لدى شرائح معينة من النخب الثقافية والسياسية، التي ترى في الجريدة المطبوعة وثيقة تحفظ الخبر خارج ضجيج العالم الرقمي وسرعة تقلباته، هذه الفئة لا تزال تقتني الشرق الأوسط والأهرام أو النهار أو عكاظ كجزء من طقسها اليومي، حتى وإن كانت تتابع المستجدات عبر الهاتف.
إنَّ انتقال الريادة من الورقي إلى الرقمي لم يكن مجرد تحول تقني، بل كان إعادة صياغة كاملة لآليات التأثير في الرأي العام العربي، لتصبح الصدارة اليوم لمن يستطيع الجمع بين سرعة العصر الرقمي وعمق المدرسة الورقية، وهو التحدي الحقيقي لمنظومات الإعلام العربي في القرن الحادي والعشرين.
التعليقات
منظومات الأعلام العربي بين إرث القرن العشرين وثورة القرن الحادي والعشرين
د،سفيان عباس -نعم احسنت واصبت ،، الاعلام العربي بعامة بكل صنوفه المرئية والمقرؤة والمسموعة باتت امام تحديات العصرنة الجديدة ، بعد التقدم التكنلوجي المذهل والمتغيرات التقنية الأكثر ذهولا ، مما جعل الأعلام العربي في اتون المعادلة أما المواكبة أو التقهقر ،ان عملية إلحاق بهذه المستحدثات الالكترونية يتطلب التصاهر الحتمي معها ، لذا يتوجب حزمة من المؤهلات في شخوص رجال الاعلام والاجهزة المتطورة ، أن تأهيل رجل الاعلام سهلة وميسورة ليست معقدة كما هو حال الأجهزة كافة بما فيها الفضائيات ، على رجل الاعلام ان يتفاعل مع هذه المستجدات من خلال بنائه الشخصي من حيث الملاءة الثقافية والمهنية والاحترافية عالية الدقة والشمولية ، الاعلام بصنوفه الثلاث في القرن العشرين كان يفتقر الى هذه المشتركات الحادثة ، لقد تغيرت مسارات الأعلام في القرن الحادي والعشرين ، وبرزت وسائل اعلام لدول كانت متأخرة في القرن الماضي نتيجة الدعم المادي والمعنوي من حكوماتها ، وسيلة الاعلام الحالية تتفوق إذا ما اعتمدت الحقيقة لواقعة ما دون تحريف او تطبيل ، ان الغاية من وسائل الأعلام إشهار الحدث إلى الرأي العام بأمانة البيان بعيدا عن المؤثرات أية كانت مصادرها ، ويعد الاعلام العراقي من أكثر وسائل الاعلام تأخرا وتطبيلا إلى مصادر القرار، خصوصا الجيوش الاكترونية التي يديرها أناس ليسوا إعلاميين وثقافتهم مضمحلة، يعتمدون التضليل في نقل الحقائق ، على عكس الأعلام الحر بكل انواعه في إقليم كوردستان الذي بدأ ينهض بشكل أكبر يتوخى الحذر ويعتمد أسلوب احترافي في نقل الحقيقة دونما مؤثرات من مصدر القرار، ولي الشرف كأعلامي في فضائية زاكروس الكوردستانية منذ ثمانية سنوات أعد وأقدم برنامج قانوني لم اتلقى اي توجيه من القيادة السياسية، وهذه شهادة شرفية للإعلام في اقليم كوردستان، دمت متألقا أسد كوردستان