سلام الداخل قبل سلام الخارج
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لطالما انشغلت شعوبنا بشعارات كبرى عن تحرير فلسطين وبناء محور المقاومة ومواجهة "العدو الصهيوني"، في حين أن واقعنا الداخلي أكثر هشاشة ودموية من أي مواجهة خارجية، فالعراق وسوريا ولبنان واليمن والجزائر وإيران وتركيا لم تعرف استقرارًا داخليًا راسخًا، بل تحولت إلى ساحات صراع طائفي وعرقي وحزبي مزمن، يستهلك طاقاتها ويمزق نسيجها الاجتماعي، حتى قبل أن تواجه أي تهديد خارجي جدي. ومن هنا يبرز التساؤل: ألم يكن من الأجدر أن نبدأ بتطبيع العلاقات بين مكونات دولنا وتحقيق السلام البيني داخلها، قبل أن نفكر في سلام مع إسرائيل أو أي قوة خارجية أخرى؟
في العراق، ما زالت أزمة الهوية الوطنية تتأرجح بين المذهبية والطائفية والانقسامات العرقية، مما جعل الدولة ضعيفة وعاجزة أمام الفساد والتدخلات الخارجية. وفي سوريا، تحولت الثورة الشعبية إلى حرب أهلية طاحنة، دفعت بملايين السوريين إلى الشتات. كما أن لبنان بدوره غارق في الانقسام الطائفي الذي جعل من الدولة رهينة المحاصصة والشلل السياسي. أما اليمن، فقد تحولت خلافاته الداخلية إلى حرب إقليمية بالوكالة، أحرقت البلاد وجعلتها من أفقر بقاع العالم. وفي تركيا وإيران، نجد أن النزاعات مع الكرد ومع مكونات أخرى ما زالت تعرقل بناء دولة مدنية جامعة. حتى الجزائر، التي خرجت من حرب أهلية دامية، لم تزل تتأرجح بين الاستقرار الهش والانقسامات البنيوية.
المفارقة أن معظم هذه الدول والأنظمة هي الأكثر ضجيجًا في خطابها حول "تحرير فلسطين" و"المقاومة"، لكنها في داخلها عاجزة عن تحرير شعوبها من الخوف والفقر والاحتراب الأهلي. ترفع رايات العداء لإسرائيل، لكنها لا تتردد في سحق مواطنيها إذا ما طالبوا بحقوق أساسية من حرية أو كرامة أو عدالة اجتماعية. بهذا السلوك، تحولت شعارات المقاومة إلى أداة لتبرير الاستبداد وتغطية العجز الداخلي، بدلًا من أن تكون مشروعًا حقيقيًا للتحرر الوطني.
على النقيض، نلحظ أن مصر والأردن، وهما أول دولتين عربيتين وقّعتا اتفاقيات سلام مع إسرائيل، اختارتا طريقًا مختلفًا. فمهما كانت التحفظات على مساراتهما، فقد نجحتا في تحييد شعوبهما عن ويلات الحروب المتكررة، ووفرتا أجواء نسبية من الاستقرار، فتفرغتا للتنمية الداخلية وتعزيز البنية التحتية والخدمات العامة. فقد تبين أن "سلام العقل" &- حتى لو كان مثار جدل سياسي &- أكثر فائدة للشعوب من شعارات الحرب المستمرة التي لا تحصد سوى المزيد من الخراب.
إنَّ أي مشروع سلام خارجي، سواء مع إسرائيل أو غيرها، لن يكون مجديًا ما لم تسبقه عملية مصالحة وتطبيع داخلي بين مكونات الدول نفسها. فالتاريخ علمنا أن الدولة المنقسمة على ذاتها، الممزقة بالاحتراب الأهلي، لا تستطيع أن تخوض حروبًا عادلة ولا أن تقيم سلامًا حقيقيًا. الشرط الأول لأي مواجهة أو لأي سلام هو بناء بيت داخلي متماسك، يستند إلى عقد اجتماعي عادل، ومؤسسات مدنية راسخة، ودولة قانون تحترم جميع مواطنيها بلا تمييز.
إنَّ فلسطين لن تتحرر بشعارات أنظمة تتقاتل داخل حدودها، بل بالتحرر أولًا من ثقافة الاستبداد والاحتراب البيني، وإقامة سلام حقيقي بين أبناء الوطن الواحد. عندها فقط يصبح السلام الخارجي خيارًا ناضجًا، لا شعارًا للاستهلاك السياسي.
التعليقات
سلام الداخل قبل سلام الخارج
د، سفيان عباس -أحسنت وابدعت في الاختيار الرائع ،، لماذا الفوضى تعم الدول التي أشرت إليها ، ؟ لو دققنا سجلات الحاكمين في الدول منذ خمسينات القرن الماضي لم نجد ولا رجل دولة واحد ، ولهذا السلام الداخلي مفقود تماما ، رجل الدولة هو الوحيد الذي يضع الموازين بين السلامين لا العساكر ولا الفاسدين ولا الطائفيين يتبارون مع الرجل الدولة ، الخلل في الهمشريات الفارغة للحكام المستبدين، وكانت فلسطين عبر اكثر من سبعة عقود شماعة لهؤلاء الذين يطلقون على احزابهم وانفسهم شتى المسميات الهزيلة تاره المقاومة وتاره أخرى التحرير وغيرها من المضحكات المبكيات ، ان مقومات السلام الداخلي تتمحور في العدالة والمساواة ومنح الحقوق الدستورية والدولية لمكونات الشعب ،لا اقتتال داخلي طائفي ولا للأضطهاد والتهجير القسري ولا لمصادرة الحقوق الدستورية ،ولا تبجح اهوج بالمذهبية والعرقية ،الذي يرتكب هذه الجرائم بحق الشعب عليه ان لا يتحدث عن اي سلام كان خارجي ام داخلي ،، ولهذا الاستقرار معدوم والتناحر وعدم الملاءمة بين مكونات الشعب على اشدها ، الفساد وحده حل محل السلام الداخلي العراقي وباقي الدول في وحدة موضوعك ، من باب المقارنة فحسب ، اذكر اقليم كوردستان ووضعه الداخلي وقيادته الحكيمة ، وتوجيهات فخامة الرئيس مسعود بارزاني إلى القيادات الكوردية في سوريا وتركيا بضرورة اللجوء إلى الحلول السلمية وتقوية النسيج المجتمعي في الدولتين ، هكذا يتصرف رجل الدولة ، هو الوحيد القادر الحديث عن السلامين . دمت متألقا أسد كوردستان