كتَّاب إيلاف

ترمب وكومو... السياسة على الطريقة الأمريكية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في مشهد يلخّص تقلبات السياسة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، منذ ساعات، دعمه الرسمي لعمدة نيويورك الأسبق أندرو كومو، عشية الانتخابات البلدية المرتقبة، محذرًا من أن المدينة &"لن يكون لها أي فرصة للنجاح أو حتى البقاء&" إذا فاز منافسه التقدمي زهران ممداني.
هذا الموقف، الذي فاجأ المراقبين في الداخل الأمريكي، يأتي بعد سنوات من التراشق والعداء العلني بين الرجلين، ليكشف عن قاعدة السياسة الأبدية: لا صديق دائم ولا عدو دائم، بل مصلحة دائمة.


تصريح ترمب.. دعم انتخابي أم ورقة ضغط؟
بحسب وكالة رويترزوقناة فوكس نيوز، لم يكتف ترمب بالتأييد السياسي، بل لوّح بخفض التمويل الفيدرالي عن المدينة في حال فوز ما وصفه بـ&"الشيوعي ممداني&" (Reuters, 3 نوفمبر 2025.
هذا التهديد يكشف بوضوح كيف تحوّل التمويل الفيدرالي إلى أداة ضغط سياسية في الصراع بين واشنطن والإدارات المحلية، ويعيد التساؤل حول حدود العلاقة بين المركز والولايات، وحدود استخدام المال العام كوسيلة لترجيح كفة انتخابية.

من &"ارتحنا منك&" إلى &"أدعمك&"
في مثل هذا اليوم من عام 2019، نشرت مقالًا بعنوان &"ارتحنا منك&" تناولت فيه ردّ أندرو كومو حين علّق ساخرًا على إعلان ترمب نقل مقر إقامته من نيويورك إلى فلوريدا.
كومو قال آنذاك عبارته الشهيرة: &"نيويورك ارتاحت منك&"، في ذروة الخصومة مع الرئيس الجمهوري.
واليوم، وبعد ست سنوات فقط، نراه يتقبل دعم ترمب في سباق سياسي محموم. مشهد واحد كفيل بتلخيص التحول المدهش في لغة المصالح، حيث تتحول المعارك الإعلامية إلى تحالفات انتخابية، والعداوات الشخصية إلى تفاهمات ظرفية.

الهروب من الضرائب.. أم مجرّد انتقال عنوان؟
خلف انتقال ترمب من نيويورك &- حيث برجه الشهير ومقر شركته العقارية &- قصة مالية معقدة. فقد كشفت نيويورك تايمزفي سلسلة تحقيقات عام 2020 أن ترمب وعائلته تهرّبوا من دفع ضرائب تُقدّر بنحو 400 مليون دولار عبر آليات مالية مشبوهة (The New York Times).
لذلك، لم يكن قرار مغادرة نيويورك مجرد خلاف سياسي، بل خطوة تكتيكية وفّرت للرئيس آنذاك حماية من الملاحقات الضريبية، تحت مظلة الحصانة الرئاسية.
v السياسة... مسرح المصالح المتغيرة
قال بيل دي بلاسيو، عمدة نيويورك السابق، عقب مغادرة ترمب المدينة:
&"فلترحل سريعًا غير مأسوف عليك... بأي حال لم تكن تدفع ضرائب هنا. استمتعي به بالكامل يا فلوريدا.&"
هذا التصريح يلخص حالة من القطيعة، لكن لو رآه اليوم يصافح كومو أو يعلن دعمه له، فلن يُستغرب. ففي السياسة، العداء لا يدوم، والولاء ليس إلا انعكاسًا للمصلحة. تتبدل التحالفات وفقاً للظرف، وتتقاطع المصالح لتعيد صياغة المواقف مهما بلغت حدة الخصومة السابقة.

الدرس الأعمق
قصة ترمب وكومو ليست مجرد مفارقة انتخابية عابرة، بل هي نموذج مصغر لفلسفة السياسة في كل مكان: لا صاحب ولا صديق ولا عدو دائم
الخصومة والمصلحة وجهان لعملة واحدة.
التحالفات تتشكل وتتبدد وفقاً لمعادلة المصالح، والبقاء فيها ليس للأقوى، بل للأكثر مرونة في تحويل الخصوم إلى حلفاء عندما تتطلب اللحظة. فمن يملك المرونة لتحويل خصوم الأمس إلى حلفاء اليوم، هو الأقدر على البقاء في لعبة لا يحكمها إلا ميزان القوة والمصلحة، لا العاطفة ولا الذاكرة.
وهكذا، تظل السياسة &- كما وصفها تشرشل &- &"فنّ الممكن&"، أو بتعبير أدق... فنّ المصلحة الممكنة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف