كتَّاب إيلاف

هل بدأ زمن القهر في سوريا؟!

العلم السوري يرفرف فوق العاصمة دمشق
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ظلّ أهلُ سوريا، عبر سنواتٍ طويلة، عنوانًا للألم الإنساني العميق، وشاهدًا حيًّا على قدرة الروح البشرية على الصمود بالرغم من انعدام مقوّمات الحياة. فقد عاش السوريون مرارة الفقر والقهر والخوف، وواجهوا حرمانًا متواصلًا وضيقًا خانقًا في ضروريات الحياة، بينما حملوا على أكتافهم زمنًا مثقلًا بالرعب والتهديد والنقص. ومع ذلك، تمسّكوا بما تبقّى من إنسانيتهم، متشبّثين بكرامتهم التي لم تتراجع بالرغم من المآسي، وكأنها الضوء الأخير الذي يحفظ لهم معنى البقاء.

لقد اختبروا الحياة في أقسى صورها؛ حياةٌ تُدار بالحدّ الأدنى من مقوّمات البقاء، وتُراكم فوق أرواحهم طبقات من الحزن المديد والحرمان المتوارث. ومع ذلك، ظلّوا يتمسّكون بما تبقّى لهم من إنسانيتهم، يقاومون بها انهيار العالم من حولهم، وكأنهم يقولون بأنفاسهم المقطوعة إن الكرامة، مهما أُنهكها القهر، لا تُهزم بسهولة.

ومع مرور عام على تحرير سوريا من حكم نظام الأسد، لم يعد هناك جحيم اسمه صيدنايا، السجن الذي اختفى خلف جدرانه أكثر من 177 ألف إنسان. وبالرغم من حجم الكارثة، فإن توقف آلة الموت فيه أعاد للسوريين شعورهم بأنهم لم يعودوا أرقامًا تنتظر دورها في طوابير الإعدامات. كما اختفت الأفرع الأمنية والحواجز التي كانت تترصّد الناس في الطرقات وتساومهم على حياتهم، واختفت معها منظومات الابتزاز والإتاوات. وأصبح من الممكن للمواطن السوري أن يحصل على جواز سفر دون الرشاوى والقيود الأمنية التي كانت تحول دون أبسط حقوقه، على الرغم من عدم نفعه، والمواطن السوري يدفع مضطرًا مبالغ لا يُستهان بها لقاء الحصول عليه لعلّه يخرجه من وطن يعيش في دوّامة عدم الاستقرار. كما زالت قوائم الممنوعين من السفر، وبات بإمكان أكثر من سبعة ملايين نازح داخل البلاد، ومثلهم من اللاجئين في الشتات، العودة إلى مدنهم وبلداتهم بعد سقوط النظام المخلوع.

وانطلاقًا من هذا التحول التاريخي، تبرز ضرورة تماسك الجالية السورية في النمسا وفي غيرها من دول الاتحاد الأوروبي، ووعيها بأهمية التعاون وبناء روابط متينة، بعيدًا عن التصفيق والتطبيل لمن لا يستحق، لجهة الذين ما زالوا يبحثون عن تمثيل السوريين في المناصب بطريقة أو بأخرى، ويتغنّون باسم الحرية، بالرغم من الجراح التي ما زالت تعيش في ضمير ووجدان أبنائها، ولا سيما في ظل عالم يشتدّ اضطرابًا.

إن توحّد الجالية السورية في الخارج ليس رفاهية اجتماعية، بل ضرورة لبناء قوة جماعية قادرة على دعم الشباب الذين يواجهون اليوم في دول الاتحاد الأوروبي أزمات اقتصادية واجتماعية متراكمة، ويعتمد كثيرون منهم على المساعدات الحكومية المهدّدة بالتقليص. ومن هنا تبرز الحاجة إلى بنية داعمة تمنح الجيل الجديد فرصة لصناعة مستقبل يليق بتضحيات السوريين، وتُسهم في إعادة بناء سوريا التي أنهكتها الحرب، قبل أن تُنهكها يد الجلاد الخائن الذي ولّى مدبرًا هربًا من واقع مأزوم.

كما أن المرحلة المقبلة تتطلب وضع خطط تنموية حقيقية تعتمد على الموارد البشرية السورية، ودعم الزراعة والصناعة لإعادة تحريك عجلة الاقتصاد، وبناء دولة شفّافة يكون الشعب فيها شريكًا في القرار. ويجب استعادة الخبرات الوطنية الحقيقية، وحدها القادرة على بناء الوطن، وإتاحة المجال للسياسيين الشرفاء للمشاركة في إدارة المرحلة القادمة.

والأهم هو إرساء دولة مدنية ديمقراطية تقوم على تعددية سياسية حقيقية، وإشراك أبناء سوريا في مراكز القرار، وليس الإبقاء على طيف واحد، وكما هو واضح اليوم، بالعمل على تنصيبهم في مراكز صنع القرار وإبعاد البقية ممن هم غير جديرين، ووضعهم في أماكن تناسب قدراتهم وإمكاناتهم والشهادات التي سبق أن حصلوا عليها، وتكليفهم في المكان المناسب الذي يليق بهم، مع الابتعاد عن النموذج الأحادي الذي دمّر سوريا لعقود. كما يجب سنّ قوانين حضارية تُناقش بشفافية في مجلس الشعب، على أن تُحال القضايا السيادية الكبرى إلى استفتاء شعبي يضمن عودة الكلمة الأخيرة إلى الشعب، وليس إلى السلطة التي تدير شؤون البلاد حاليًا، لا سيما أنَّ الشعب وحده صاحب الحق في تقرير مستقبل وطنٍ دفع أثمانًا باهظة ليستعيد حريته وكرامته.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف