قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
محمد عبد الرحمن من القاهرة: من بين قائمة طويلة ومشرفة من افلام المخرج الكبير محمد خان يبرز "احلام هند وكاميليا " كأحد أفضل أفلام السينما المصرية في السنوات الثلاثين الأخيرة ، مع نجلاء فتحي وأحمد زكي وعايدة رياض قدم لنا خان صورة سينمائية تحمل بصماته الخاصة عن حياة الخادمات الفقيرات في القاهرة المزدحمة القاسية ، وتمر السنوات ولا تتراجع قسوة العاصمة بل تتوحش وتتلون حسب مفردات القرن الحادي والعشرين ليلتقط خان حكايات جديدة لبنات وسط البلد ، هؤلاء اللاتي يأتين من أحياء بعيدة متوسطة وفقيرة ، للعمل 12 ساعة يوميا بحثا عن زيادة في الدخل وعريس يجدن في احضانه ومعه الحماية اللازمة من الوحش المنتشر في كل مكان ، ومع ذلك لا يكرهن قلب المدينة بل يحبوا كل ما فيه ، الشوارع والأزقة ، المقاهي والمحلات ، فساتين الزفاف هدف كل البنات ، سيارات فخمة تمر بالشوارع العتيقة لكنها لا تقترب منهن إلا في الأحلام ، شباب يغازلون البنات اللاتي يفرحن بهذا من داخلهن دون افصاح كما تقول منة أو ياسمين " مفيش بنت مش بتحب تتعاكس واللى تقول غير كدة تبقى كدابة و60 كدابة " .
سجل خان كل هذه الملاحظات وحدد الشخصيات وأعطى المفاتيح للسينارست وسام سليمان التي تحمل هي نفسها ذات التجربة ، وبدأ رسم الشخصيات التي حولها خان بطريقته الخاصة لواقع يكاد من ير الفيلم ويعرف وسط البلد جيدا أن يظن أن هؤلاء ليسوا ممثلين ، وبدون مقدمات طويلة عرفنا كيف يمكن من السهل جدا أن تتعرف الفتيات على بعضهن في وسط البلد ، المكان وقوانينه تساعد على ذلك ، ساعات طويلة من العمل المتواصل تحتاج لصحبة في المحلات المجاورة ، عاملة الكوافير ياسمين تصبح هى النافذة التي تطل منها بائعة الملابس الداخلية جومانا على العالم ، جوامانا بسبب ظروفها العائلية وغياب الأب واصابة الأم بالزهايمر ، تشعر دائما بعدم الثقة في نفسها ، بينما ياسمين الأخت الكبرى في عائلة يغيب عنها الأب أيضا لكن لزواجه من أخرى ، تقود حياتها بنفسها وتواجه سطوة الأخ الصغير وعنف الرجال من حولها ، لكنها أيضا لا تمانع في اقامة علاقات سريعة ومؤقتة حتى يأتي الحب الحقيقي ، بينما هند تكتفي بأصدقاء ياسمين اللاتي ابتعدت عنهن فتحادثهن هي في السر .
ومثلما كانت برامج الاذاعة المصرية الشهيرة هى روابط أفلام محمد خان حتى التسعينيات ، تطورت الأغنيات مع بنات وسط البلد 2005 ، فصرنا نسمع في الخلفية شيرين وتامر حسني وبهاء سلطان ، واختفى أتوبيس النقل العام المزدحم ، ليحل محله المترو الوسيلة الأكثر انتشارا في القاهرة الآن ، وفي المترو تلتقط الفتيات أنفاسهن من مجهود اليوم ، ياسمين "منة شلبي" تحكي عن مغامراتها ومواقف صاحب الكوافير المزعجة والكوميدية ، بينما تقرأ جومانا "هند صبري " روايات خفيفة وتافهة وفضائحة في بعض الأحيان ، وفي المترو أيضا يلتقيان بشابين أحدهما عثمان من أسوان "محمد نجاتى" ويعمل في شركة اتصالات وسمير "خالد أبو النجا "من حلوان ويعمل شيف بأحد الفنادق ، يقود عثمان صاحب التجربة وياسمين الجريئة حركة التعارف التي تبدأ بخدعة من ياسمين يتم على أساسها تبادل الشخصيات والأسماء ، وبالتدريج تتطور علاقة سمير بياسمين التي تضطر للكذب عليه والادعاء بأنها تغني في كورال المطرب ريكو ، فبنات وسط البلد يدركن بصدق نظرة الناس السلبية تجاههن ، ويرتبط عثمان بجومانا ولكنه يعلنها من البداية أنه لا يفكر في الزواج ورغم أنها ذهبت معه لشقته لكنها لم تترك له نفسها لتبرر الموقف ككل لصديقتها بعد ذلك بأنها كانت تريد منه أن يحضنها فحسب ، في اشارة للحنان الذي تفتقده ممن حولها ، عندما يذهب الثلاثة "سمير وعثمان وجومانا " للاستماع لياسمين وهي تكذب عليهم وتدعي انها تغني وراء ريكو ويطلب عثمان من مهندس الصوت أن يكشفها ، تتدهور العلاقة بين الصديقتين وتتهم كل منهما الأخرى بالكذب وادعاء الفضيلة والصراع على الرجال ، وهنا قدمتا منة وهند أفضل مشاهد الفيلم في حوار ثنائي أعلن عن طاقاتهما التمثيلية المتطورة باستمرار ، وفي صباح اليوم التالي يلتقيا كما هي العادة في المترو ليحدث التصالح السريع بنظرات العين ويقفز بنا خان قفزة مفاجئة اربكت استرسال المشاهد مع حاضر الشخصيات ، فنرى ياسمين تتزوج سمير و هند وعثمان على حالهما ثم نرى هند أصبحت مضيفة طيران تقابل ياسمين مع ابنها الصغير بينما عثمان لازال يرقص في الديسكو مع فتاة أخرى متمسكا بمبدأه في الامتناع عن الزواج .
فريق العمل :
منة شلبي وهند صبري : لا يمكن الحديث هنا عن كل واحدة بمفردهما ، كلاهما قدما الشخصيات بشكل جيد واستفادا بشدة من محمد خان ، منة نقص وزنها بشكل ملحوظ ساعدها أكثر على الأداء بحرية وانطلاق وتعوض باستمرار اخفاقات البدايات التي سينساها الجمهور تدريجيا ويركز معها في أنت عمري ووسط البلد وأعمالها المقبلة منتهى اللذة وويجا مع هند صبري أيضا التي أصبحت دون جدال أبرز ممثلة غير مصرية بالسينما المصرية الآن ، وأصبحت هناك أدوار تكتب ولا يكون لدى المخرج اختيار إلا هند صبري التي كان اختيارها لعضوية لجنة تحكيم مهرجان مراكش الدولي دليلا آخر على المكانة التي حققتها في سنوات قليلة ، وننتظر في 2006 أفلامها المؤجلة عمارة يعقوبيان وملك وكتابة وويجا مع المخرج خالد يوسف .
محمد نجاتى :أثبت بالتجربة أنه يكون في كامل لياقته الفنية كلما وجد البيئة التي تساعده على ذلك وعليه أن يصبر أكثر المرحلة المقبلة حتى يستعيد بريقا فقده بسبب ابتعاده عن شاشات السينما .
خالد أبو النجا :اختيار موفق لمحمد خان ، ملامحه وطريقة أدائه شبه الثابتة تطابقت مع صفات الشيف المجتهد في عمله المنحدر من أسرة راقية ليجمع بين الرومانسية والخجل في التعامل مع الفتيات .
أحمد بدير : مشاهد قليلة بلمحات كوميدية قد تكون مكررة لكنه يؤديها بطريقته الخاصة ، صاحب محل الكوافير "البصباص" أكد أن المخرجين الكبار هم فقط القادرون على توظيف الممثلين الكبار .
عزت أبو عوف : فلسفة أبو عوف عند قبول أي دور صغير أن يعطيه فرصة لتجربة مساحة جديدة من التمثيل ولو في مشهد واحد وهذا ما حدث مع بنات وسط البلد في دور والد سمير المتقاعد .
أحمد راتب : هذا الممثل بالذات يزداد تألقا وجمالا كلما تقدم به العمر والخبرة ، قدم دور والد ياسمين بواقعية وكان في قمته وهو يعترف لابنته بزواجه السري فوق دراجة بينما هي تجلس خلفه تحتضه في سعادة .
ماجدة الخطيب : والدة جومانا المصاب ببوادر زهايمر بعدما تركها زوجها اللبناني واختفى وتزوجت الابنة الأخرى وسافرت للسعودية فاصبحت جومانا كل حياتها التي لا تتذكر منها الكثير .
وتبق كلمة ...
الحماس لمحمد خان ليس فقط لقدرته على التقاط التفاصيل الانسانية الصغيرة ولا شخصياته التي ينقلها من الواقع برؤيته الخاصة وليس أيضا لأنه مخرج كبير ، لكن لأنه فنان يعشق الشارع ، يفضل الحياة كما هي وليس كما يحب البعض ان يراها ، مع فيلم خان الجديد نشعر بالاشتياق لشوارع المدينة ، تلك الأماكن التي عشنا فيها طويلا قبل أن نختفي في دوامة العمل والبحث عن الرزق ، ولعله يدعونا من جديد نحن عشاق وسط البلد لزيارة تأخرت طويلا لارصفة ومقاهي وحواري وحوائط المدينة العتيقة التي وإن كنا لم نعد نتذكرها كثيرا فهي بالتأكيد لا تزال تتذكرنا وتسأل عنا كلما أقترب منها عشاق أخرون .
Keshk2001@hotmail.com