قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في العام 2008 تحتفل بعيد ميلادها 1200
فاس المدينة الساحرة تسقبل العاهل السعودي
احمد نجيم- فاس: كشفت فاس قبل ساعات من الزيارة الأولى للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، عن جزء من جمالها. جمال ظل مقبرا من خلال إهمال هده المدينة الموغلة في التاريخ العربي الإسلامي، على الرغم من أنها ستحتفل بعيد ميلادها 1200 في العام المقبل 2008. فاس اليوم تشهد حركة عمرانية وتهيئة لمدارها الحضري. سكان فاس انتظروا لسنوات قبل أن يولي المسؤولون في العاصمة الرباط العناية اللازمة لمدينة ظلت ومازالت مشتل النخبة الاقتصادية للمغرب. سكان فاس البالغ عددهم مليون ونصف مليون نسمة، سعداء بهذا الاهتمام وإن جاء متأخرا "المدينة هي أقرب مدن المغرب، كانت عاصمة لأسر كثيرة حكمت المغرب كالأدارسة والمرينيين، وكان إهمالها خطرا جسيما، لكن في الأشهر الأخيرة بدأ الملك محمد السادس يهتم بها" يقول طالب في كلية الحقوق في فاس. الطالب يتكلم بأسى وحسرة عن مآل مدينته "كانت فاس مركز المغرب، مدينة العلم من خلال جامعة القرويين ومدارسها الكثيرة ومدينة الاقتصاد من خلال أسواقها التي توزع السلع داخل المغرب وخارجه. شكلت مدينة للتعايش بعد طرد المسيحيين في إسبانيا للمسلمين واليهود على حد سواء، لكن مع كل هذا التاريخ همشت المدينة وأضحت مدينة ارتفعت فيها نسبة الإجرام بسبب البطالة".
رغم ذلك الإهمال ظلت تصارع وتقاوم مزهوة بموقعها المتميز ومناخها الصحي، فهي أشبه بجوهرة تتوسط عقدا نفيسًا محاطة بمناطق خضراء خصبة، رغم ارتفاع حرارتها صيفا وانفخاض درجة حرارتها شتاء، فإن الأطباء ينصحون المغاربة بزيارتها لمناخها الصحي وغياب الرطوبة.
فاس التي ستسقبل الملك عبد الله بن عبد العزيز ليومين ابتداء من يوم الخميس، أسسها المولى إدريس الأول نهاية القرن الثامن ميلادي. الرجل الدي جاء هاربا من الحكم العباسي، اختار وادي فاس. فالماء كان العنصر الحاسم في اختيار مواقع المدن، كما اختار المولى إدريس منطقة غنية بتربتها المعروفة حاليا بسهل سايس. كثرة العيون والروافد جعلت المياه تصل إلى كل أحياء المدينة المتشابكة والضيقة والجميلة. تتوفر المدينة الساحرة على سبعة أبواب، أشهرها باب بوجلود وباب الماكينة، كل باب كان مدخلا للمدينة، كما تتوفر على أكبر عدد من المساجد في المغرب وأربعة آلاف نافورة.
بداية القرن التاسع ميلادي أسس إدريس الثاني مدينة جديدة على ضفة وادي فاس اليسرى، أطلق عليها حي القيروانيين، وذلك نسبة إلى سكانه الذين ينحدرون من مدينة القيروان المتواجدة حاليا في تونس.
وكأن الابن الدي أسس أول حكم مركزي إسلامي عربي في المغرب، كان يختار توجها جديدا لأبيه إدريس الأول، الدي أسس نواة المدينة الأولى على الضفة اليمنى في وادي فاس المعرف في حي الأندلسيين.
مثل كل المدن الإسلامية تشكل المساجد، خاصة المسجد الأكبر، نواة المدينة العتيقة الإسلامية، ويستمر مسجد القرويين حاليا نواة للمدينة العتيقة.
ظلت فاس لقرون المركز الاقتصادي للمغرب، تنوع سكانها من أمازيغ، سكان المغرب الأصليين، وعرب قدموا من المشرق ثم جاء الأندلسيون النازحون هربا من إسبانيا فاليهود والأفارقة، ساعدوها على تقوية نفودها، فتجارها وعلماؤها كانت لهم الكلمة الفصل في اختيار سلطان المغرب، إذ لا تقبل بيعة السلطان إلا ببيعة الخاصة، وهم علماء فاس وفقهاؤها، واستمر هذا الوضع لقرون. وفي القرن التاسع عشر انقلبت الآية وأضحى دور التجار حاسما في مبايعة السلطان، مجموعة من رجال الأعمال المغاربة الحاليين ينحدرون من فاس وكان أجدادهم يتحكمون في إدارة شؤون البلاد، كما هو الحال بالنسبة إلى رجل الأعمال عثمان بن جلون، صاحب مصارف وشركات تأمين وأحد أكبر أغنياء المغرب، فجده كان أول من بايع ملك المغرب في القرن التاسع عشر الحسن الأول. هيمنة أصحاب المال استمرت إلى الفترة الحالية، فالبيوت الكبرى في فاس تتحكم في دواليب الاقتصاد المغربي.
ظلت فاس المدينة اللغز للهيمنة على المغرب، وخلال القرن الثالث عشر أسس أبو يوسف يعقوب المنصور ما يعرف حاليا بفاس الجديد (1276 ميلادي). كان المرينيون الذين حكموا المغرب انطلاقا من فاس استدرجوا نخبة من اليهود المغاربة، بعد فترة اضطهاد أيام حكم الموحدين للمغرب.
الأسرة الحاكمة للمغرب "العلويون" سيطروا على المغرب بعد سيطرتهم على فاس في العام 1667. وبداية القرن العشرين ظلت فاس المدينة المستعصية على الاستعمار الفرنسي، ولما دخلوها تمكنوا من إخضاع مناطق كثيرة من المغرب للحماية الفرنسية، الفرنسيون بدورهم أسسوا مدينة جديدة.
وتشتهر فاس بأزقتها الضيقة، كل زقاق مخصص لحرفة معينة، كان المسلمون وإلى سنوات خلت، يمتهنون مهنا "نقية طاهرة"، بينما يمتهن اليهود المهن "المتسخة"، وقد ظهر أول حي خاص لليهود في فاس أواسط القرن السادس عشر، زمن حكم السعديين، وسمي كذلك لأن اليهود كانوا يضعون الملح على رؤوس المذنبين والمعارضين للنظام بعد قطعها، ثم تعلق على أبواب المدينة الرئيسة. ومازال اسم الملاح موجودا في فاس، ويطلق على المنطقة التي يتواجد فيها أحد القصور الملكية. أماكن أخرى ساحرة مثل المسجد الكبير في فاس الجديد والمدرسة البوعنانية والبرج الشمالي وفندق سقاية النجارين ودار البطحاء تستحق الزيارة.
من أشهر معالم مدينة فاس مسجد القرويين، وهو مغلق حاليا بسبب إصلاحات، وقد أسسته في العام 857م فاطمة الفهرية، أما صومعته الشهيرة فقد أنجزت أواسط القرن العاشر، ليتسع في القرن الثاني عشر على يد المرابطين. وتعرف فاس بمسجد الأندلسيين، بني هو الآخر في القرن التاسع ميلادي من طرف أخت مؤسسة القرويين وتدعى مريم أخت فاطمة الفهرية، وشهد تغييرات كثيرة زمن الموحدين والمرينيين والعلويين. كما تتميز بأبوابها الكثيرة كل باب يحمل اسما معينا. جمالها وسحرها ودفاع أبنائها الذين تبوأوا مناصب سامية في هذه المنظمة، جعل اليونسكو تعتبرها أحد مواقع التراث العالمي في العام 1981 .
najim@elaph.com