اسرائيل: الآثار التي سرقها ديان ما زالت تثير الجدل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أسامة العيسة من القدس: أدت عملية إحباط تهريب، راس تمثال بيزنطي، من إسرائيل إلى الولايات المتحدة الأميركية، إلى تسليط الضوء من جديد على مجموعة الآثار التي كان جمعها موسى ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، من الأراضي الفلسطينية، بطرق غير شرعية. وحسب بيان لسلطة الآثار الإسرائيلية، فان مفتشيها تمكنوا من احبط تهريب راس تمثال قديم من إسرائيل، إلى هواة جمع الآثار في الولايات المتحدة الأميركية.
وقالت السلطة، بان التمثال مدار الحديث يعود تاريخه إلى الفترة البيزنطية، وهو بحالة جيدة جدا، ومنحوت بشكل متقن في الحجر الجيري. ويمثل التمثال وجه امرأة جميلة، أبدع الفنان البيزنطي في تشكيله، وقدر مفتشو الآثار انه يعود إلى القرنين الخامس أو السادس الميلاديين.
مصر تتخوف من تدفق مئتي ألف فلسطيني إليها وتدعو لمراجعة كامب دايفيد وتم القبض على المتهم وهو يحاول تهريبه إلى الولايات المتحدة، وبعد إلقاء القبض على المتهم بمحاولة التهريب، قال والده، بأن التمثال آل إلى العائلة من وزير الدفاع الإسرائيلي السابق ديان. وافاد الوالد، بان التمثال حصلت عليه العائلة من ديان، مقابل خدمات قدمتها إلى وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، الذي كان معروفا عنه شغفه غير المحدود بالآثار.
وقال بيان لسلطة الآثار، التي احتجزت التمثال ليكون دليل إدانة في المحكمة للمتهم، بان تصدير الآثار من إسرائيل، يستلزمه تصريح خاص، وبخلاف ذلك فانه يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون لمدة تصل إلى عامين، بالإضافة إلى الغرامة.
وآلت المجموعة الأثرية لديان إلى زوجته الثانية راحيل، التي باعتها للمتحف الإسرائيلي بمليون دولار، إلا أنها اخفت قطعا أخرى، هي التي تباع الان في المزاد بمبالغ وصفها عالم الآثار الإسرائيلي يغال شيلو بأنها زهيدة، لا تتعدى 100 دولار للقطعة الواحدة.
ولكن كيف وصلت هذه الآثار الفلسطينية لتباع بالمزاد؟ تجيب الصحيفة العبرية بأن زوجة ديان الثانية باعت جزءاً من القطع الأثرية التي ورثتها عن زوجها لايفرنغ برينستن، الذي كان يشغل منصب مدير (جمعية النداء اليهودي الموحد)، واحتفظ ورثته بالقطع النفيسة لانفسهم، ويريدون بيع القطع المتبقية في المزاد.
وحسب هارتس فان ديان جمع خلال 30 عاما، من خدمته العسكرية نحو ألف قطعة أثرية، كان يخفيها في بيته، واستخدم الجنود والضباط الذين تحت إمرته، لاستخراجها. وقالت الصحيفة بان المؤسسة السياسية والقانونية في إسرائيل غضت الطرف عن نشاط ديان غير القانوني، وعندما كان يهدد أحد بتقديم شكوى ضده، كان يقول له "اذهب واشتكي للشرطة".
ووفقا لمصادر فلسطينية وإسرائيلية مطلعة، فان ديان لم يكتف بسرقة الآثار من الأراضي الفلسطينية، ولكنه تمكن من شراء قطع أثرية من دول عربية أخرى كسوريا ولبنان، ووظف ذلك بالإضافة للمكاسب الشخصية وإشباع فضوله وهوايته، أيديولوجيا وسياسيا. وجال ديان في مختلف المواقع الأثرية الفلسطينية التي بدت مفتوحة أمامه بعد الاحتلال، ونقب في برية القدس ونابلس ورام الله وبيت لحم، مسخرا إمكانيات السلطة المحتلة الجديدة.
وروى يعقوب بيري، رئيس جهاز الأمن العام الداخلي الإسرائيلي المعروف باسم (الشاباك) وهو قسم المخابرات الإسرائيلية الذي عمل في المناطق المحتلة، في مذكراته حكاية عن ديان. فقد كان بيري مسؤولا عن (الشاباك) في منطقة نابلس المحتلة عام 1968م، وتلقى اتصالا من رئيسه طلب منه أن يوجد في يوم حدده، على مفترق طريق مستوطنة بيت أيل، الساعة السابعة والنصف صباحا، دون حراس، لمقابلة موسى ديان والانصياع لأوامره.
وفي المكان والزمان المحددين وصل ديان مع عشيقته راحيل، التي تزوجها بعد ذلك بسنوات، وطلب من بيري ركوب سيارته، واخبره انه يود الذهاب إلى قرية اسكاكا.
ويروي بيري ما بدا انه مغامرة "كانت تلك المرحلة صعبة بصورة خاصة، فنابلس ملتهبة، والضفة الغربية ثائرة، والعمليات تتوالى بلا توقف، وكل سفر إلى اسكاكا دون حراسة عسكرية مكثفة، كان يعتبر بالنسبة لي عملا غير مسؤول، أما السفر إلى هناك في ظل الشروط التي أواجهها، ومع موسي ديان، الذي اشرف على احتلال الضفة الغربية، فقد بدا لي الجنون بعينه، ليس هذا فقط بل أن الإسرائيلي البشع والكريه جدا في الضفة الغربية، والذي يعتبر هدفا يسعى إليه كل عربي، لم يكن مسلحا، حيث لم يكن بحوزتي سوى مسدس ومخزني رصاص، تسلحت بالجرأة لأسأله: ما الذي سنفعله في اسكاكا؟؟ قال: سنقوم بأعمال حفريات، وأدار السيارة وبدأ المسير دون انتظار لردي".
ويكمل بيري القصة ويروي كيف وصلوا إلى قرية (اسكاكا)، وعندها فتح ديان خريطة وسأل عن وسط القرية، حيث وجدوا حفرة مهجورة، واخرج ديان أدوات الحفر ونزل إليها طالبا من بيري البقاء مع عشيقته راحيل.
ويضيف بيري انه بدأ العشرات من القرويين الذين تعرفوا على ديان يتوافدون إلى المكان وهم يقولون: ها هو الوزير واخذوا يتجمعون حول الحفرة في حين بقيت أنا وراحيل في السيارة، اختفى ديان عن أعيننا، الأمر الذي جعلني أخشى حدوث كارثة في كل لحظة، لذا أنزلت راحيل من السيارة، وأخذت اشق لها طريقا وسط القرويين، ونزلنا معا إلى الحفرة، وقد أملت في ألا يقوم القرويون بمهاجمة المرأة، أو مهاجمتنا جميعا، بدأ ديان الحفر ببطء وبرود، متجاهلا تماما الجماهير من حوله، ثم اخذ يخرج من الأرض قطعا أثرية من الفخار والزجاج جميلة المنظر بينما السكان يراقبونه بتأثر، وفي كل مرة يستخرج شيئا، كان ديان يلتفت إلينا قائلا: انظروا كم هو جميل".
وفي حين لم تكن سرقات ديان تحظى باهتمام الرأي العام العربي، فإنها كانت بعد سنوات أحد المواضيع المثارة لدى الرأي العام الإسرائيلي.
وبعد سنوات من وفاة ديان ونتيجة لضغوط الرأي العام الإسرائيلي، قدمت عائلته، ما عرف بـ (مجموعة ديان)، للعرض في متحف إسرائيل تحت عنوان (عودة الإنسان إلى وطنه) ضمت نماذج مما سرقه من مختلف المناطق الفلسطينية والمصرية، ومن أبرزها مكتشفات عثر عليها في دير البلح. ويتضح من عنوان عرض المجموعة التوظيف السياسي والأيديولوجي لتلك المجموعة التي يراها السائحون والحجاج الذين يزورون الأراضي المقدسة، ومرة أخرى لاقى ذلك انتقادا ليس من الأطراف العربية والإسلامية، التي لم تولي عملية نهب الآثار اهتماما يذكر، بل من أثريين إسرائيليين تمتعوا بقدر من الحيادية والعلمية، مثل رفقة مرخاف أمينة متحف إسرائيل السابقة، التي قالت متهكمة على الاسم الذي اختير للمجموعة "هل دير البلح وطن ديان؟، كان يجب أن تسمى المجموعة آثار الفلسطيني في وطنه".
أما اهارون كمبيسكي، وهو أثري إسرائيلي معروف، يتمتع بقدر من الموضوعية، فقال معلقا على ذلك "هذا من اغرب الأمور في دولة إسرائيل، فبدلا من أن تذهب هذه المجموعة إلى مركز الشرطة، باعتبارها مسروقات مضبوطة، ذهبت إلى متحف إسرائيل". وبعد سنوات طويلة من وفاة ديان، ما زالت الآثار التي حصل عليها بطرق غير شرعية من الأراضي الفلسطينية متناثرة هنا وهناك، مثل التمثال الذي تم إحباط تهريبه إلى الولايات المتحدة، ولكن بدلا من إعادته إلى الفلسطينيين، صادرته سلطة الآثار الإسرائيلية.