ترفيه

زاهي وهبي لـ إيلاف: الموت غدرني وأنا حاقد عليه

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بعد صدور ديوانه الجديد "تتبرّج لأجلي"
زاهي وهبي لـ "إيلاف": الموت غدرني وأنا حاقد عليه

إيمان إبراهيم من بيروت: "أقرأ زاهي في كتاب وصحيفة، وأسمعه في أحاديث تلفزيونيّة، وفي كل مرّة يتمّ اللقاء بيني وبينه أشعر بأنّي اكتسبت"، بهذه الكلمات يقدّم الشّاعر الكبير سعيد عقل، الإعلامي والشاعر زاهي وهبي، في مقدّمة كتابه الجديد "تتبرّج لأجلي" التي خطّها بقلمه، بعد أن جمعهما لقاء تلفزيوني، سبر فيه وهبي أغوار الشّاعر الصعب المراس، فكشف الكثير، ربّما أكثر ما كان عقل يتوقّعه، وتعاهدا على صداقة من نوع خاص، على الرغم من فارق العمر والتجربة.
شاعر هو بالفطرة، وإعلامي من طراز خاص، لكنّه يعترف أنّ نجوميّته التلفزيونيّة سرقت البريق من شعره، فعاد ليجمع مقتطفات غالية على قلبه، ويطرحها في ديوان شعري، عسى أن يكتشف المتلقي العربي البسيط، الوجه الآخر لزاهي. الوجه الأشد صلابة، الأقل دبلوماسيّة وتحررًا من ضوابط المجتمع والدين والمحرمات.
في أحد مقاهي بيروت، حيث اعتاد أن يكتب وسط ضجيج الروّاد والعابرين إلتقيناه، كان يحمل رزمة من الأوراق تختصر الحياة الثقافيّة في بيروت، التي لا تزال الوجه المضيء للعاصمة، الكتابة عن الثقافة في أوج الأزمة السياسيّة، ربّما هو هروب لا يحاول زاهي نفيه، فهو لم يشعر يومًا بالرغبة في الخوض في دهاليز السياسة، على الرغم من استضافته أهم الشخصيات السياسيّة أمثال الرئيس الراحل رفيق الحريري والسيّد حسن نصر الله، الذي يبدو اسمه اليوم غير مطروح على قائمة ضيوفه وإن أنكر، بعد أن أصبحت المحطّات التلفزيونيّة أبواقًا حزبيّة.
زاهي الذي يقدّم اليوم برنامج "أحلى الناس"، سيغيب شهرًا كاملاً عن الشاشة الصغيرة، بعد أن كان نجمها في شهر رمضان من خلال برنامجه الناجح "ست الحبايب"، فبعد رحيل الوالدة، تبدو فكرة البرنامج غير مطروحة في الوقت الراهن، فهو لن يستطيع أن يتجرّد من عواطفه ومشاعره، التي جعلته حاقدًا على الموت، كارهًا له بعد أن سلبه أمه وأبيه وأقرب المقربين.

ومع استراحة برنامجه الجديد "أحلى الناس"، نسأله:
من هم أحلى الناس، ومن يقرّر أن فلان هو أحلى الناس؟
ثمّة أشخاص اعتقدوا أنّ "أحلى الناس" هم ضيوف برنامجي، وسألوني من يقرّر إذا كان فلان أحلى الناس، أنا أقول إنّ هذا الوصف قد ينطبق على الضيف، كما على الطلاب المشاركين في البرنامج أو حتى المشاهدين في منازلهم أحلى الناس.

*مع انتشار الفضائيات الإخباريّة، التي أتخمت المشاهد العربي بكم من البرامج الحواريّة والكلام المتواصل، ماذا يقدّم "أحلى ناس" لمشاهد عربي يعاني من كل هذه التخمة في البرامج والمعلومات وكلام لا ينتهي؟
أحاول قدر الإمكان تقديم مادة تحترم وعي وعقل المشاهد العربي، لأني من الأشخاص الذين يراهنون على الإنسان العربي، وضد نظرية "الجمهور عايز كده"، لأنها نظرية ظالمة للعربي، فالناس بالفطرة السليمة والسليقة يستطيعون تمييز الصح من الغلط والغث من السمين والعميق من السطحي.

*العميق بالمعنى الذي يقدّم فيه حاليًا، يبدو مملاً بالنسبة إلى المشاهد العادي؟
نعم، وهذا ما يعيدنا إلى نظرية السهل الممتنع، الحمد لله منحني الله شخصية قريبة من الناس إلى حد ما، وليست معقدة، أحاول أن أوصل الفكرة العميقة للناس بشكل يستطيع أن يفهمها المثقفون وعامة الشعب على حد سواء.

الحوار العدائي ليس مقياس نجاح المحاور
*عامل الجذب في كل برنامج هو الضيف، هل كسرت هذه القاعدة طالما أنّ ضيوفك ليسوا جماهيريين بالمعنى المتعارف عليه؟
قبل أيام، استضفت أحد النقاد، ولم يكن الطلاب الموجودين في الاستديو يعرفون شيئًا عنه، غير أنّهم استمتعوا جدًا بالحوار وكانت الحلقة من أنجح حلقات البرنامج، وقبل سنوات استضفت معلومة بنت الميداح مطربة موريتانية ولم يكن أحد يعرفها، لكنّ الحلقة كانت من أمتع الحلقات، لذا أؤكد بأنّ نجوميّة الضيف ليست دائمًا مقياسًا، فثمة مشاهير لا يجيدون كيفيّة تقديم أنفسهم، ولعل أهم ما يميز أي حوار هو كيفية الإعداد والتحضير له.

*بعض الضيوف غير متكلمين، بمعنى أنّ المحاور قد يعد أسئلة جيّدة لكنّه لا يجد لها إجابة، لأنّ الضيف لا يجيد التعبير عن نفسه؟
مهمّتي أنا كمحاور أن أدفعه إلى التعبير عن نفسه، يجب أن يمتلك المحاور مفاتيح ضيفه، وأن يكون مناورًا جيدًا ليدفع الضيف إلى الإجابة.

*أنت مناور لطيف، والجمهور العربي عمومًا يميل إلى المناورات الشرسة؟
هذا فهم خاطىء لما يريده المشاهد العربي، وفهم خاطىء لدور المحاور، بسبب بعض الآراء النقدية التي تعتبر أن كل حوار يجب أن يكون شرسًا وأن يكون الحوار عدوانيًا، أنا شخصيًا أتابع الحوارات الأجنبيّة مع كبار نجوم الإعلام مثل لاري كينغ وأوبرا وينفري، ولم أجد أنهم عدائيون إلى هذا الحد.

*لكن لو طرح إعلامي عربي ربع ما تطرحه أوبرا من أسئلة، لأوقف برنامجه على الفور...
(يجيب موافقًا) هذه وجهة نظر، أنا أحاول أن أدفع الضيف إلى الحديث من خلال أسلوبي السلس، لا يوجد سؤال لا يطرح، أو موضوع لا يطرح، المهم من السؤال نفسه هو كيفية طرح السؤال التي هي أهم من السؤال نفسه. كلمة صباح الخير، يستطيع أي منّا إيصالها بأسلوب تبدو من خلاله قصيدة شعر، كما يستطيع أن يقولها بطريقة استفزازيّة فتبدو شتيمة.

أحن إلى "خليك بالبيت"
*زاهي وهبي كشاعر، هل ساعدك في عملك التلفزيون؟
بالطبع، أنا استفدت كثيرًا من تجربتي الشعريّة التي ساعدتني في عملي الإعلامي، كما استفدت من معرفتي بالشعراء، وتعلمت من ضيوفي كبار المثقفين من الشعراء العرب أمثال سعيد عقل، محمد درويش، أدونيس، بول شاوول، طلال حيدر، من مجموعة كبيرة من الشعراء العرب الذين حاورتهم على اختلاف آرائهم.

* هل لا يزال الحنين يراودك إلى برنامج "خليك بالبيت"، المنبر الذي استضفت فيه أهم المبدعين العرب وكان بوّابة عبورك إلى النجوميّة؟
برنامج "خليك بالبيت" هو ربع عمري تمامًا، من الصعب أن أنفصل عنه أو أن ينفصل عني، وكما قلت سابقًا، البرنامج قد يعود بعد سنة أو سنتين، أما "أحلى الناس" فهو موسمي لا يعمّر طويلاً، أنا لا أريد تكرار تجربة "خليك بالبيت"، بل كان هدفي من هذه التجربة التواصل المباشر مع الشباب من طلاب المدراس والجامعات، ولا تزال هذه التجربة في طور الاختبار، قد تستمر لبعض الوقت ولكن ليس لكل الوقت، برنامجي السابق كان قائمًا على ضيف وعلى محاور ومحاور، ولم يغب البرنامج حتى في أصعب اللحظات، حيث لم تحل الحرب دون تقديم حلقات جديدة، برنامج "أحلى الناس" قائم على الضيف ومعه خمسون طالبًا في الاستديو، في الظروف الصعبة لانستطيع أن نطلب من خمسين طالبًا أن يتركوا بيوتهم وهذا ما دفعنا إلى تأجيل أكثر من حلقة. برنامج "خليك بالبيت" بدأ في أوائل التسعينات، زمن الاستقرار والنهوض، زمن رفيق الحريري، كان الضيوف يتحمسون للمجيء إلى بيروت بعد الحرب، اليوم نتفق مع ضيف على تصوير حلقة، فيصادف موعد حضوره مع انفجار أو خضة أمنية، فيتصل بنا معتذرًا عن الحضور، وأنا أتفهّم هذا الأمر.

لن أغامر بحياة ضيوفي
*تتفهّم أو تشعر بحسرة؟
هذه بالنهاية مشاعر إنسانيّة، الكثير من المبدعين العرب جاؤوا إلى لبنان في أصعب الظروف، حتى في أيام الحرب، لكنّي لا أستطيع أن أغامر بحياة ضيفي لأجل برنامج تلفزيوني.

*تتحدّث عن صعوبة إحضار خمسين طالبًا إلى الاستديو في الوقت الذي كانت الاستديوهات المخصصة لتصوير البرامج الفنيّة تمتلأ بالجمهور، حتّى في أصعب الظروف الأمنية وأكثرها توترًا؟
ثمّة فارق بين الطلاب الحاضرين إلى الاستديو ليتعلموا من تجربة الضيف أثناء التصوير وقبله، وبين الجمهور الآخر في البرامج الفنية الذي يأتي مقابل بدل مادّي.

*هل ستضطرون في المستقبل إلى دفع مبالغ مالية للطلاب ليحضروا إلى الاستديو؟
لن أقول لا، لكن أتمنّى ألا نصل إلى هذه المرحلة، ففكرة البرنامج تقوم على أن يأتي الطالب بنفسه ليستفيد من تجربة الضيف.

في استديو أحلى الناس مع الفنان رفيق علي أحمد *بين هذا الكم من المبدعين العرب، كيف تختار ضيوفك وعلى أي أساس؟ على أساس تجربتهم، نجوميتهم، أم قدرتهم على التعبير عن هذه التجربة؟
للظهور التلفزيوني شروطه، والمبدع الذي لا يستطيع أن يتكيّف مع الظهور التلفزيوني، من الأفضل له ألا يظهر، إذا لم يكن لديه ملكة التعبير عن نفسه. من الظلم أن يظن أي محاور أنّه حاور كل مبدعي العرب، فثمة طاقات كبيرة في العالم العربي، وأنا أحاول أن أسلط الضوء على كل تجربة إبداعيّة حتى لو كان الضيف يطل للمرة الأولى.

* من الضيوف الذين مرّوا معك في "خليك بالبيت" ولن يمروا في "أحلى الناس"؟
كل الذين فقدناهم، أما الشخصيات الأخرى التي حاورتها فمن الممكن أن نستضيفها في البرنامج الجديد، طالما أن تجربتها مثمرة. ثمّة ضيوف لاحقتهم سنوات حتّى أتمكّن من محاورتهم، مثل الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي بقيت أطلب محاورته على مدى سبع سنوات، وأمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله الذي طلبت المقابلة منه قبل سنتين من إجرائها.

لا يوجد فيتو على السيّد نصر الله
* اليوم لم يعد ورادًا استضافة السيد نصر الله في برنامجك؟
لما لا، أنا أتمنى مقابلته من جديد.

*يبدو غير منطقي حتّى مجرد التفكير أن السيد نصر الله يحل ضيفًا على برنامج في تلفزيون "المستقبل"؟
المحطة لا تضع أي فيتو على أي شخصية، ويبقى هذا الأمر ضمن الخيارات الشّخصيّة للسيّد حسن.

* هل أنت متأكد أنّ إدارة المستقبل لا تعارض استضافة السيّد حسن على شاشتها؟
نعم بالتأكيد، ليس ثمّة فيتو على أي شخصية في برنامجي.

*سياسة برنامجك منفصلة عن سياسة تلفزيون "المستقبل"؟
البرنامج هو جزء لا يتجزأ من المستقبل.

*إذًا أنت خاضع لخطوط المحطّة الحمراء؟
لا خطوط حمراء على برنامج ثقافي اجتماعي فني.

*لكن ثمّة جزء منه سياسي؟
السياسة بمبادئها العامة وثوابتها.

*برأيك هل لا يزال ثمّة مبادئ عامّة للسياسة في لبنان؟
لا أعرف. لكنّي اقول يجب أن نحافظ على هذه المبادئ.

لن أرمي حجرًا في بئر المستقبل
*قبل سنوات قليلة، كان برنامجك وهواء "المستقبل" مشرّعًا لكل الشخصيات السياسيّة والآراء على تنوّعها، وكانت الخطوط الحمراء تصب في مكان آخر، على اختلاف ما نشهده اليوم من بلوكات سياسيّة وانقسامات حادّة، هل تشعر بحسرة وأنت القادم من بيئة مقاومة، كونك اليوم تابع بشكل أو بآخر إلى منبر إعلامي مناهض للبيئة التي نشأت فيها؟
تلفزيون "المستقبل" جزء من هذا التاريخ المقاوم، جزء من احتضان قضية الأسرى بشكل خاص، سواء الأسرى اللبنانيين أو الفلسطينيين، لكن ثمّة فارق بين المقاومة والمعارضة، لا أريد الخوض طويلاً في متاهات السياسة اللبنانية، لكن ما أستطيع قوله هو أنّه ليس ثمّة خطوط حمر على شخصيات برنامجي، وهذه دعوة مفتوحة لكل الشخصيات ذات التجارب المثمرة أيًا يكن انتماءها السياسي وفكرها الإيديولوجي. أنا أحب أن أكون صلة وصل بين كل اللبنانيين وكل العرب،غير أنّي أنتمي بكل جوارحي إلى هذا البيت الذي اسمه تلفزيون "المستقبل"، الذي أعطيته 15 سنة من عمري، لن أرمي حجرًا في بئر المستقبل لأن التحالفات السياسية تبدلت، لكنّي سأظل أعبر عن آرائي وأفكاري، فالتلفزيون ليس مؤسسة حزبية.

*لكنه تابع لتيار سياسي؟
أنا شاعر غير متحزّب، وأرفض أن أنتمي إلى أي كادر يحدّ من حريّتي وخياراتي.

*ثمّة حساسيّة في بعض المناطق الجنوبيّة تجاه تلفزيون "المستقبل" مع الانقسام السياسي الحاد الذي يشهده لبنان، هل لا زالت قريتك الجنوبيّة تستقبلك بالترحاب نفسهوأنت المحسوب على تيار سياسي مناهض لها؟
أنا لست محسوبًا على التلفزيون، بل أنا جزء منه، علاقتي بقريتي وطيدة وحميمة وأكتب عنها باستمرار، وفي الحرب سخرّت برامجي لأجل المواجهة مع العدو الإسرائيلي. لا زالت قريتي تستقبلني بالمحبة نفسها، لأنها تعرف أني أنا أنا، البلد تغير وأنا لم أتغير، لا زلت أفخر بانتمائي إلى الجنوب وإلى تاريخي المقاوم. كما سبق وقلت، ثمّة فارق بين المعارضة والمقاومة، أنا أؤيّد المقاومة ولست من مؤيدي المعارضة، ولا أعتبرها معارضة، بل أراها جزءًا من السلطة، خصوصًا أن بعض رموزها رؤساء ويشاركون في الحكم.

*بعد أن كان الإعلامي يحاسب على المادّة التي يقدّمها، أصبح اليوم يحاسب على المنبر الذي يطل منه، فهل باتت المحطات التلفزيونية وزرًا يحمله الإعلامي على أكتافه بعد أن تحولت هذه المحطات إلى ما يشبه منابر حربيّة؟
لا أشعر أنّ هذا الأمر يسري عليّ، وأشعر أنّي أستطيع تقديم نفسي بنفسي، من دون أن أستفز أحدًا أو أدع أحدًا يستفزني.

لست متحمّسًا للحوارات السياسيّة
*هل أنت موضع إجماع؟
لست موضع إجماع، بل موضع احترام، لن أشارك مهما جرى في أي عملية تحريض أو شرذمة أو تقسيم، أو في أي خطاب إنفعالي أو عنفي.

*هل نفرت من الحوارات السياسيّة في هذا الوضع المتأزم؟
أصلاً أنا لست من المتحمسين للحوارات السياسيّة.

* لكنك قدّمت أروع الحوارات السياسيّة، وكنت محاورًا ناجحًا؟
أنا مع أن نحاور السياسيين لكن ليس فقط في الشؤون السياسيّة اليوميّة، بل مع الغوص في أعماق الشخصيات السياسيّة، كما فعلت مع أكثر من شخصيّة. أنا اتخذت خيار أن أكون صوتًا معتدلاً، هادئًا، طبعًا لدي قناعاتي وأفكاري وأعبّر عنها كتابةً، لكنّي لا أريد أن أحول برامجي إلى منبر إضافي للخطابات الانفعاليّة، والتحريضيّة ولصياح الديكة.

*أنت منكبّ اليوم على كتابة ما يشبه القراءة في الحركة الثقافية في لبنان، بعد حرب تموز، هل حاولت الإبتعاد عن هذه المرحلة المأسوية، والهروب نحو واقع أقل سوداويّة؟
لا أبدًا، في الحرب كتبت الكثير، وظهرت على معظم الشاشات العربيّة، وألقيت نصوصًا كتبت تحت وطأة مجزرة قانا والعدوان الإسرائيلي، وبعض الحرب شاركت في عدّة أمسيات شعريّة في الجنوب، وتشرفت بتقديم عبد الرحمن الأبنودي في المربع الأمني المدمّر في حارة حريك، لكن أيضًا الكتابة عن بيروت هي نوع من الكتابة عن المقاومة، لأن بيروت عاصمة المقاومة ومنها انطلقت الشرارة الأولى للمقاومة. هذه هي بيروت الحقيقية، بيروت الجميع التي تحتضن كل الألوان. كتبت بيروت الأمكنة الخلاقة والمبدعة، التي هي فسحات نور من ضمنها المسرح الذي هو جزء من النقاش والحوار القائم في البلد حول كل القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية.

*الكتاب تأريخ لهذا المسرح؟
كتبت في الكتاب جملة معناها أنّ هذا الكتاب ليس تأريخًا وليس أرشيفًا، بل هو انطباعات متفرّج كاد يقفز من الصالة إلى خشبة المسرح لشدّة شغفه بالمسرح وحبه له. كتبت عن صورة بيروت كما تبدو من خلال المسرح، بكل تناقضاتها كما تبدو، في حلوها ومرّها، في استقرارها واهتزاها، بكل ألمها وأملها. عصب بيروت يشتد في أوقات الأزمات، تخيلي أنّه على الرغم من كل هذه الأزمات لدينا أكثر من مسرحيّة في البلد. ثمّة تراكم في الحركة الثقافية، يضاف إليه نشاط سينمائي ملفت. في الأوقات الصعبة يبرز الفن الحقيقي الذي يخاطب العقل والقلب والوجدان، ويتراجع الفن السطحي، ويتراجع الفن الترفيهي والاستهلاكي.

"تتبرّج لأجلي"
*"تتبرّج لأجلي" كتابك الجديد الذي صدر أخيرًا، يضم مختارات من شعرك من دواوينك الأربعة السابقة، لماذا أعدت طرح تلك القصائد؟
لأنها بكل أسف لم تصل إلى شريحة كبيرة من القراء في العالم العربي، لذا أتمنّى أن يصل هذا الديوان إلى القراء، أتمنى أن ينصفني هذا الكتاب. وهنا أحب أن أشير إلى أن الشاعر سعيد عقل الذي تربطني به صداقة من خلال التلفزيون، كتب مقدّمة كتابي، وهذه إحدى فضائل التلفزيون عليّ، أنّه عرّفني إلى سعيد عقل وقرّبني منه، ونشأت بيني وبينه مودّة.

*في الكتاب الجديد قصيدة كتبتها لوالدتك بعد وفاتها، وسابقًا كتبت لها قصيدةّ، بين قصيدة الرثاء وقصيدة الوفاء ورحيل الوالدة بينهما، أين يكمن الفارق بين القصيدتين؟
ثمة فارق كبير، أنا لا أجيد تفسير قصائدي، القصيدة التي كتبتها بعد الوفاة ستكون موجودة ضمن الديوان الذي سأطرحه آخر السنة.

*تستعد لمرحلة مهمّة في حياتك، حيث ستصبح أبًا خلال أشهر قليلة، فكيف تعيش هذه المرحلة؟
أعيش اليوم أحلى انتظار.

*هل كنت تتمنّى أن تكون والدتك موجودة لتحتضن طفلك؟
بالطبع، وهذه حسرة أعيشها وأندم عليها، لأنّ أمنية والدتي في الحياة كانت أن ترى حفيدًا لها، لم يكن لديها أمنية أخرى، أتحسر وأقول أنها ربما موجودة في مكان ما تراني وتشعر بي، أشعر ببركة رضاها على كل جوانب حياتي.
الدنيا أم، الذي يعزّي في الفقدان أنّ الأم لا ترحل، كنت أستمع إلى كلمات من هذا النوع من ضيوفي في برنامج "ست الحبايب" الذين كانوا يؤكدون أنهم لا يزالون يشعرون يوجود أمهاتهم على الرغم من رحيلهن، كنت أعتقد حينها أنه نوع من الشعر، لكن عندما وصلني الدور، وللأسف كل واحد منا سيصله الدور، عندما مررت بالتجربة ذاتها، شعرت بصدق كلامهم.

*بعد رحيل والدتك، قدّمت برنامج "ست الحبايب"؟
لا، لا أستطيع أن أقدمه. هذا العام لن أقدّمه.

*الأم هي ضعف أم قوّة؟
هي نقطة ضعفنا وقوتنا في الوقت نفسه.

*من هي نقطة ضعفك وقوتك اليوم؟
زوجتي رابعة، هي بمثابة الزوجة والرفيقة والأم.

*حاقد على الموت أم مستسلم؟
الموت غدرني مرتين في أقل من سنة، مرّة حين خطف رفيق الحريري ومرة ثانية حين خطف أمي، وسبق له أن خطف والدي في مرحلة مفصليّة في حياتي، كما خطف خيرة شباب بلدتي عيناتا في الحرب الأخيرة. بالطبع أحقد على الموت وأكرهه.

*الحقد على الموت هو كفر؟
الموت حق، الله إني لا أسألك ردّ القضاء ولكني أسألك اللطف فيه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف