ترفيه

يبكيه الاضطهاد ولا يعرف ما يضحكه

طالب القره غولي في حوار لم ينشر يستقرئ أحواله النفسيّة

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بغداد : تمرّ اليوم الجمعة الذكرى الأولى لرحيل الملحن العراقي، طالب القره غولي، صاحب الروائع الغنائية التي أصبحت علامة فارقة في تاريخ الأغنية العراقية.

ها هي الذكرى الأولى لرحيل الملحن العراقي تحلّ لتعلن مرور سنة كاملة على رحيله عن 74 عامًا بسبب المرض، وإذ لابد من الاحتفاء بهذه الذكرى، من خلال هذا الحوار الذي لم ينشر من قبل، ويعود تاريخه إلى عام 2001، ومكانه في دائرة الفنون الموسيقيّة بوزارة الإعلام السابقة، حيث أردت من خلال الحوار التعرف عن كثب إلى دواخل القره غولي وما يخبئه في طيات روحه من إنثيالات نفسية وهو في قمة النجومية، فتحدث بصراحة وعفوية عن كل ما يختلج في نفسه وذاكرته.

هل انت انسان عاطفي؟
جدًا، العاطفة هي الجانب الجميل في الإنسان، والجانب الصادق فيه الذي يمثل صدقه في مشاعره وسلوكه وحياته، والذي لا يملك عاطفة لا يملك الحب، وعليه أنا عاطفي 100 %.&
&
هل تعتقد أن النظام مهم؟
النظام أساس الحضارة سواء على صعيد الأفراد أو المجتمعات أو الأمم والشعوب، والفرد الذي لا يملك حسًا نظاميًا يكون متخلّفًا دائمًا، لأن النظام اساس الجمال، وأنا منظّم جدًا.

هل تشعر بالراحة وأنت بمفردك؟
نعم، جرّبت ذلك دائمًا وأنا أسافر خارج العراق، الأحرى بالمسافر حين ينزل مدينة يذهب ليتفرج عليها، أنا على العكس، عندما أصل مكانًا وأستقرّ فيه تجدني أنفرد بنفسي أوقاتًا كثيرة، يعجبني الهدوء.
إنّ ميل الإنسان الى الهدوء يجعله يترك الضجيج، سواء في الدائرة أو في البيت أو في الشارع، عندما يكثر الضجيج من حول الإنسان ينفرد بنفسه حتى يستطيع أن يفكر.

هل أنت إنسان قلق في طبيعة حياتك وفنك؟
عندي شيء من القلق. والقلق مصدره الإنسان الذي ينتظر شيئًا ما، ويعتقد أنه لم يعمل شيئًا أو في عقله الباطن توجد أمنية لم تتحقق على صعيد العمل أو الإبداع أو على المستوى الشخصي، القلق حالة مشروعة وأنا في حالة قلق مستمر.
&&
متى تشعر بالرعب؟
الفقر والعوز، واضطهاد الإنسان وعدم قدرته&على الدفاع عن نفسه، أمور تشعرني بالرعب.

متى تشعر بالحزن؟
عندما أغني أو ألحن. أعتقد أن الغناء والتلحين هما القناة المشروعة الوحيدة التي أعبر بها عن مشاعري في شكل صادق، وهي تحمل شيئًا من الحزن.

هل شعرت مرة أنك على وشك الانهيار؟
لا، أنا متماسك لأنني أبتعد عن الأشياء التي لا يحق لي الخوض فيها، أنا أحرص على عدم الإنزلاق في أمور لا تخصّني، من مزاياي أني لا أتدخل في شؤون غيري ولا أتدخل في ما لا يعنيني.

متى تضحك ومن يضحكك؟
لا أعرف من وما يضحكني، المعروف عني أنني متجهم دائمًا، والقريب مني يعرف أنني على العكس من ذلك، أخذ الأمور بلطف، وجوابي يحمل نكتة دائمًا.

وماذا يبكيك؟
تبكيني الأمور التي تشعرني بالرعب، حين أرى في التلفزيون اليهود يضطهدون الفلسطينيين ويقتلونهم، فيما نشاهد العالم يضجّ لمقتل إسرائيلي واحد ولا يحرك ساكنًا لمقتل آلاف الفلسطينيين، والممارسات الرهيبة أمام العالم الذي لا يستنكرها، لا أفعل إزاءها إلا أن أبكي، الاضطهاد في شكل عام يبكيني.

هل يشغلك مظهرك بالدرجة الأولى؟
أعتبر المظهر شيئًا مكمّلًا لشخصية الإنسان، وأنا دائمًا أحب أن يكون مظهري لائقًا وأنيقًا ومرتبًا، ولكني لا أحب المبالغة في المظهر.

هل تمثل في الحياة؟
مرات كثيرة، لكن التمثيل هنا ليس بقصد الإساءة إلى الآخرين أو الكذب، وإنما عدم جرح الآخرين، أحيانًا تمرّ اوقات&تمثل بها، تظهر ما لا تبطن أو تخفف اللهجة أو تمثل الرضا أو الزعل أو الغضب من أجل أن لا تجرح المقابل.

ماذا لو حدث أن قاطعك أحدهم أو حاول أن يكلمك وأنت على خشبة المسرح؟
حصلت معي في السبعينيات، فذات مرة في محافظة القادسية التي كان محافظها معجبًا بي جدًا، اشترط على المطرب ياس خضر أن يأتي ومعه طالب القره غولي، وقال له : سأستقبلكما خارج المحافظة إن جئتما معًا، وجئنا إلى الديوانية، وبالفعل وجدنا المحافظ في استقبالنا خارج المحافظة بـ 20 كيلومترًا، بعد أن تأكد من وجودي، وهناك طلب مني أن أغني، فغنيت وأنا لست مطربًا، وبلا إجراء تدريبات وعلى قدر ما تحفظ الفرقة الموسيقية، وكان بين الجالسين شخص أعتقد أنه كان ثملاً، قاطع غنائي وأسمعني كلمة خشنة سمعها كل الحاضرين، وقال ما معناه : (انزل.. كافي تغني)، وفور انتهائي من الغناء ذهبت إلى ذلك الشخص الذي أصيب بالذعر واعتقدني جئت إليه مهاجمًا، والواقع أنني اعتذرت منه وقلت له : (انا غنيت وربما أنت لا تحب صوتي، فاعتذر لك)، وفوجئ بما قلته له، وقال لي : (عليّ نذر أن أذبح خروفًا)، ومنذ ذلك الحين صار الرجل صديقًا لي.

هل تستفز بسهولة ؟
فنيًا أستفز عندما يلحّن أحد الملحنين عملًا في شكل رائع فاعتبر ما قدمه استفزازًا لي وعلي أن أتجاوب معه، أما الاستفزاز الكلامي أو الشخصي فلا أهتم له.

هل تشعر أحيانًا أنك فكرت بعد فوات الأوان؟
دائمًا، وفي أمور كثيرة، السرّ في ذلك أدواتنا في العمل الفني التي لم تتطور، إذا جاز لنا الحديث عن العمل الفني، مثلًا : من الممكن في هذا الوقت من العصر الزاخر بالتقدم العلمي، والمفروض أن أملك أدوات إنتاج شخصية، أذكر لك أنني في عام 1989 كنت في القاهرة أعمل ألحانًا مع الدكتور جمال سلامة، كان يملك أجهزة علمية تساعده على العمل، وهو يلحّن ويسمع الألحان مرتين وثلاث&مرات&ويغيّر بها نحو الأحسن، وذلك من أجل تحسين الإنتاج، فيصل به الأمر إلى انتاج متقن فنيًا وحرفيًا، أنا الآن عندما ألحن شيئًا وسط مشاغل الحياة ومشاكلها وظروف البيت، اغتصب الوقت اغتصابًا لأسجله على النوتة، تكتبه ولا تسمعه، تعمله مع فرقة موسيقية بأجور كبيرة، ولا تسمح لك الظروف بالإعادة لأن عليك أن تدفع للفرقة مجددًا، المفروض عندي كمبيوتر وأجهزة حديثة وأسمع وأرى الخلل، وهذا ما أعاني منه، فالكثير من الأعمال الفنية بعد أن أسجلها أجد فيها ضعفًا لكنني لا أستطيع إعادتها.

هل يتأثر مزاجك بالمحيطين بك؟
طبعًا، أنا اجتماعي أولًا، وأتأثر بالمحيطين العائلي والوظيفي، وعلى الفور تنعكس الظواهر المحيطة بي على نفسي سلبًا أو إيجابًا ولا يمكن لي أن انفصل عن محيطي.

هل تميل إلى عدم مقابلة الناس؟
لا، يعجبني أن أقابل أي شخص أو يسألني أي حاجة أو مساعدة.

ما الحكمة التي تعمل بها في حياتك؟
إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا.

من هي&الشخصية التاريخية التي أعجبتك وأثرت بك؟
أنا معجب بشخصية الإمام علي (ع).

من ضربك من قبل ولماذا؟
أذكر اثنين ضرباني، فأنا ضربت في حياتي من اثنين فقط، أحدهما معلم في مدرستنا، كان الوقت شتاء باردًا جدًا، وأحد الطلبة قام بحركة وادعى أنني قمت بها، وبسرعة أصدر المعلم أمرًا بمعاقبتي، فضربني بالعصا على يدي وآلمني. والمرة الثانية التي ضربت بها كانت من أب أحد الأطفال الذي كان يلعب معي، اعتقد الأب أن ابنه يبكي بسببي، فضربني والظاهر أنه كان يكرهني، وفي الحالتين لم أدافع عن نفسي، فشعرت باضطهاد وحزن ولم أخرج من البيت لأيام.

ما الكتاب الذي أثر فيك؟
أنا قارئ مدمن وقديم، أقرأ لجبران خليل جبران، أقرأ كتبًا تاريخية وروايات تاريخية لعرب وأوروبيين، قرأت لهمنغواي ولكولن ويلسون، أقرأ في اتجاه الأفكار الاجتماعية الحديثة وحتى السياسية، ولكن لم يبقَ في بالي كتاب، الكتب اعتبرها مصادر متساوية في الفائدة؟

هل تحب أن تكون محور اهتمام الناس؟
لديّ شيء من ذلك، عندي حب الذات واتهم بذاك، فأضحك وأقول :طبعًا أحب نفسي، ليس هناك أحد لا يحب نفسه، ولكنني لا أؤذي الآخرين.

بماذا تشعر إذا تجاهلك الآخرون؟
حدث لي ذات مرة في القاهرة، عندما كنت أزورها وأذهب إلى بليغ حمدي لأنه صديقي، ويستبقيني دائمًا في جلساته الليلية، وأذكر أنه في إحدى المرات ذهبت معه إلى مكان يرتاده وفيه أصدقاؤه وفنانون كلهم مصريون، دخلنا واذا بمعظم الحاضرين يسلمون على بليغ ولم يسلم عليّ أحد، وأهملوني إهمالاً غير متعمّد طبعًا، فشعرت بإحراج فظيع، والأغرب أن بليغ لم يقدمني في شكل واضح لأهل الجلسة وأيضًا في شكل غير متعمد، كان كابوسًا لازمني إلى بعد ساعة من الغناء، وهناك طلب البعض من بليغ أن يغني، فرفض قائلًا : لا أغني وهذا الرجل الخطر موجود، إنه أخطر ملحّن في العراق، عنده أخطر أغنية وهي (اعزاز) ، كان بعض الحضور يعمل في الخليج ويعرفون الاغنية، فقالوا : وهل سيغنيها أفضل من المطرب، كل هذا وأنا ساكت، فطلبوا مني أن أغنيها وألحّوا وانا اضطهدهم، فانتقمت لإهمالهم لي.

هل لديك القدرة على حلّ مشكلاتك بنفسك؟
عندي صفة قد تكون متعبة لبعض ناسي وأحبتي، وهي أنني لا أتصدى للمشكلات، لأنني أعتقد أنني حين أتصدى للمشكلة أعقدها أكثر مما أحلها، لأن المشكلات تحتاج إلى موقف وحل، أنا أؤمن بالوقت وأجد أن المشكلة تحلّ نفسها بالوقت، أنا أؤمن به لأنه يريحني ولا يأخذ مني طاقة.

ما الأغنية التي تردّدها دائمًا ولماذا؟
أردّد أغنية (يا عيني ع الصبر) لوديع الصافي، وهي من أجمل الأغاني وأحبها.

ما علاقتك بالقمر؟
لا توجد مشكلات بيني وبين القمر، كنت على علاقة به في بداية حياتي الفنية، ولكن الآن لا علاقة لي به، لحّنت وقتها أغنية (يا كمر) لحسين نعمة، أما الآن فلا آراه ولا يراني.

ما العلامة الفارقة لديك؟
الصراحة وهي تزعج الآخرين.

ماذا تحفظ من شعر الحب؟
أقرأ ولا أحفظ، هناك بيت شعر لابراهيم ناجي في أغنية (الأطلال) لأم كلثوم أحفظه (يا حبيبًا زرت يومًا ايكه، طائر الشوق أغني ألمي).

من هو الشخص الذي يثيرك أكثر من غيره؟
من لا يعرف قدره ويتكلم عن نفسه بدرجة ليست درجته.

ما أكثر شيء يزعجك؟
في الوسط الفني هناك عبارة أنزعج منها واصطدم بسببها مع بعض الفنانين، وهي قول البعض (المفروض أن تساووا بين الفنانين)، لا يجوز ذلك لأنهم ليسوا بمستوى واحد وعطاء واحد، وهي معادلة يطلقها الفنانون الفاشلون.

ما الشيء الذي ندمت عليه؟
لم أندم على شيء.

هل تؤمن بالحظ؟
لا

ما قولك في الشائعات؟
مادة يلوكها الناس الفارغون الفاشلون حسدًا للناجحين، ويطلقها بعض الناس الذين ديدنهم الشغب والضوضاء والنيل من الناس.

ما الألوان المفضّلة لديك ولماذا؟
الأزرق الفاتح لأنه لون السماء والماء، والرصاصي &- الرمادي لأنه مريح للعين، ولا أحب الأسود.

هل تحب الأماكن المغلقة أم المفتوحة؟
المفتوحة التي بها أفق .

هل تخاف الاماكن المرتفعة؟
أحب السكن في الأدوار الأخيرة من العمارة، وربما هو نوع من حب الاستعلاء أي أن أكون فوق والناس تحت.

كيف تنظر إلى الدنيا بعد كل هذه السنوات؟
فيها تفاؤل كامل، أنظر إليها نظرة متفائلة بيضاء ومشرقة جدًا، ويعجبني أن أعيشها وأجرب وأسافر وألتقي ناسها.

هل تفكر بالمستقبل ؟&
نعم

ما هو الرفيق الذي لا يفارقك أبدًا؟
العود

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف