ترفيه

حولت "مدينة الرياح" إلى فضاء لم الشمل

"الأندلسيات الأطلسية" تبث الفرح بالصويرة المغربية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

"إيلاف- المغرب" من الصويرة: لا تنفك مدينة الصويرة المغربية تدهش زوارها وعشاقها. فهي المدينة التي تتميّز بطبيعة التعايش الثقافي والتاريخي بين مختلف مكوناتها، والتي صارت تتنفس في العقود الأخيرة الفن والثقافة، سواء عبر المواهب التي ترعرعت فيها، أو من خلال مهرجاناتها المتعددة، وفي مقدمتها "كناوة وموسيقى العالم" و"موسيقى ربيع الأليزي"، وأيضاً "الأندلسيات الأطلسية" التي تواصلت فعاليات دورتها الرابعة عشر على مدى أربعة أيام، واختتمت أمس.
 

حاييم لوك 

وكعادتها، منذ العام 2003، وفت التظاهرة بكل وعودها، ملبية أفق انتظار جمهورها العاشق للموسيقى، المؤمن بأهمية الثقافة في تحقيق التنمية وتمتين العلاقات الإنسانية، بغض النظر عن اللغة والدين والعرق، وغيرها من عناوين الاختلاف المزعوم، التي صارت تحكم كثيراً من العلاقات عبر العالم، مؤكدة تحول المهرجان إلى "لحظة من الفرح الكبير"، والصويرة إلى فضاء لــ"لم الشمل في أجواء هادئة ومطمئنة".
 

ريموند البيضاوية 

منذ حفل الافتتاح، الذي جمع حاييم لوك وعبد الرحيم الصويري، بمرافقة مميزة لجوق محمد العربي التمسماني، القادم من تطوان، بقيادة محمد الأمين الأكرمي؛ مررواً بلقاء نهيلة أقلعي وشالوم إفري؛ وحفل "الإخاء والأمل والسلام"، الذي جمع دافيد مناحيم والفنانة الفلسطينية لبنى سلامة؛ وحفل أيقونة الموسيقى المغربية ريموند البيضاوية، برفقة أوركسترا الشرقاني، بقيادة عازف الكمان أحمد الشرقاني، وحفل لقاء التقاليد الصوفية الإسلامية والتقاليد الصوفية اليهودية، بحضور منشدين من المدرسة الحاخامية المغربية والأصيلة، التقوا للاحتفاء بشاعرين صويريين كبيرين من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، هما دافيد الفلاح دافيد القاييم.
 

أنغام الفرح

ولا ننسى ليلة السماع والمديح مع الحاج مرينة، وليلة عيساوة بدار الصويري؛ انتهاء بحفل مرسديس رويز، التي نالت سنة 2015 نجمة رقص الفلامينكو بإسبانيا، مرفقة بموسيقييها ومغنيها. حيث قدمت نموذجاً مشجعا  للعصرنة والتعايش، التي هي من ثوابت أندلسيات الصويرة؛ تحقق الحوار الفني الراقي تأكيداً لدفء العلاقات الإنسانية، المستندة إلى ما ترمز إليه الصويرة، التي قال عنها أندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس، والرئيس المؤسس لـ"جمعية الصويرة موغادور"، إنها، اليوم، "عنوانٌ للمغرب المنفتح الذي يتقدم من دون عُـقد. المغرب المتجذر في هويته وقيمه، مع وفاء كبير للذاكرة، من دون خوف أو تخوف من الذهاب نحو الآخر والانفتاح على كل أنواع الموسيقى والثقافات والديانات والأعراق"؛ قبل أن يضيف: "إننا، حين نتحدث عن الصويرة، نكون بصدد درس إنساني نقدمه للعالم، وعلى الذين لا يزال في رؤوسهم هذا المفهوم المتعلق بصراع الحضارات والثقافات أن يزورونا في المدرسة الصويرية".
 

رقص الفلامانكو

ما يؤمن به أزولاي وظل يعبر عنه، سيعيد التأكيد عليه في دورة هذه السنة من "الأندلسيات الأطلسية"، وذلك في معرض كلمته، في ندوة "مدرسة الصويرة، أهمية المكان، وأهمية الرابط"، ضمن فقرة صباحيات المهرجان، بفضاء دار الصويري، حيث شدد على "رفض تغييب الذاكرة"، مع الحرص على "عدم الركون" إلى"النسيان"، مشدداً على الحاجة إلى استحضار ذلك في كل ما يتعلق بـ"العلاقة بين الإسلام واليهودية"، التي وجدت لها في الصويرة "عنواناً وفضاء حقيقياً" و"حياً"، حيث يمكن أن "نعيش التنوع، بما في ذلك التنوع الفكري والفلسفي والسياسي"، و"احترام الآخر"، مؤكداً التزام بلده "في سبيل مزيد من الانخراط والتفهم والتعبئة من أجل الكرامة والعدالة والسلام".
 

أندريه ازولاي وزوجته خلال حفل ريموند البيضاوية 

في الصويرة، بقدر ما كان الموعد فرصة، على المستوى الفني، لحوار بين الأجيال، ولقاء بين الحساسيات الفنية، وعناق لغوي بين العبرية والعربية، ونقاش فكري هادئ يرسم طريقاً لإعادة ضبط عقارب العلاقات بين الأفراد والدول عبر العالم، بشكل يستعيد ما يبني لإنسانية الإنسان، في إطار من التعايش والإيمان بثقافة الاختلاف والتسامح والقبول بالآخر، تأكدت أهمية ما يبني لكلمات "الوفاء" للذاكرة والرموز و"الانتماء" للبلد وثقافته.
 

وسواء تعلق الأمر بلقاء حاييم لوك وعبد الرحيم الصويري أو متعة الاستماع إلى ريموند البيضاوية، فقد كانت الغاية واضحة: تأكيد الانتماء إلى ثقافة بلد غني بتاريخه وحضارته، متميز بموسيقاه التي تعكس أصالة موسيقى مغرب سعيد بتنوعه.
 

وبقدر ما شكلت استعادة مقطوعات غنائية للراحل عبد الصادق شقارة، خصوصاً أغنيته "بنت بلادي"، فرصة لـتأكيد الوفاء للذاكرة وللرموز الفنية التي صنعت التاريخ الفني الحديث والمعاصر للبلد، مع نقله إلى الأجيال القادمة عبر الوجوه الفنية الصاعدة، من قبيل زينب أفيلال وعبير العابد وفاطمة الزهراء القرطبي؛ فقد أكدت اطمئناناً إلى خلف يحمل المشعل الفني، بفنانين من كلا الجنسين، حضرت بينهم، في دورة هذه السنة من المهرجان، إلى جانب أقلعي وأفيلال والعابد والقرطبي، أسماء أخرى من قبيل مروان حاجي وسامية العنتري وهشام دينار.
 


 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف