ترفيه

مقتطفات من سيرته الذاتية ج2

عمر الشريف: طفولةٌ صعبة في العلاقة مع شقيقته!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

"إيلاف" من القاهرة: تسلط إيلاف الضوء على مسيرة الفنان العالمي الراحل #عمر_الشريف من خلال استعراض مقتطفات من سيرته الذاتية التي كتبتها الصحفية الفرنسية ماري تيريز جينتشار ونشرت تحت عنوان "الرجل الخالد في منتصف العام 1975 حيث تحدث بصراحة عن أمور كثيرة في حياته.
 



طفولة صعبة 
طفولتي كانت محمية، كان هناك حاجز أمان يحيط بها ويصد عنها كل الضربات، والصدمات القادمة من الخارج التي كانت تتلاشي وتخف حدتها كالأمواج على صخور الشاطئ لأن اسرتي كانت دائما في يقظة من أمرها لامتصاص كل صدمة قبل ان تطالني او تصل إلي. لكن، حين كنت في السادسة وفدت على بيتنا زائرة جديدة وأطالت الإقامة، كنت في تلك السن المبكرة. ولكنها أختي التي جاءت إلى الدينا ضعيفة هزيلة إلى درجة أن الأسرة كانت تعتقد أنها لن تعيش طويلاً.
ولقد احاطها والدي بكل ما كان يملك من حنان، وكان من الطبيعي أن يفسدها التدليل مع الأيام وأن تتحول إلى إنسانة صعبة لا تطاق أحياناً. ورغم كل هذا كان والدي يتصدى لأي انسان يحاول ردها أو ردعها. وكانت أختي من الذكاء بحيث اتخذت من حب أبي ذريعة تصد بها كل ما لا يؤيدها. ولقد استخدمته أحيانا كدرع لتحمي به نفسها مما تتوهم أنه خطر عليها. بحيث كانت تحاول فرض نزواتها علي. فحين كنت أدير مفتاح الراديو لاستمع إلى موسيقي أحبها، كانت تسارع إلى إسكاته. وهذا مثال بسيط لمضايقاتها المتتالية لي، والتي لم تكن تتوقف لحظة. وعليه، لم تعد الحياة تقاس بيننا بالأيام وإنما غدت سلسلة معارك صغيرة متتالية.

لقد كنت الأقرب إلى أمي في حين كونت هي جبهة مع أبي الكاثوليكي المتمسك بأحكام دينه. فأصبحت أختي إنسانة متعصة للغاية ترى في أغلب الأفعال العادية خطايا مميتة. وهي انطلاقاً من هنا، كانت تدين جميع تصرفاتي سواء في البيت أو خارجه. وعندما غيّرت ديني بسبب الزواج، كان الأمر في نظرها كارثة كبيرة.
أما أنا بطبعي،  ومنذ نشأتي كنت غير متمسك بالمعتقدات الدينية. لذا جاءت معارضة أختي لتقوى في أعماقي، من باب صدها أو مقاومة ميولها العدائية. أنا اليوم أحب اختي جداً لأنها شقيقتي. فالروابط الأسرية لها أهميتها وقيمتها عندي. ثم نحن اليوم على وفاق، ولم يعد لصدامات الأمس ولا خلافاته أي وجود أو ذكر.


سرقة بريئة
وبستعيد ذكرياته: "في ليلة من الليالي البعيدة، خرجت فيها للسهر كعادتي في فندق سميرامس الفاخر في القاهرة، والذي لا يبعد كثيراً عن منزل الأسرة. وفي الثالثة صباحاً، كاد المحل عندها أن يُغلِق أبوابهه، تقدم إلي الساقي بورقة الحساب، واكتشفت ساعتها أنني لم أكن أحمل نقوداً على الإطلاق
فسألت صديقي: هل معك مبلغ ما؟ فرد: ابداً. وكذلك فعل الصديق التالي! ورحت أسال الرفاق الواحد بعد الآخر لأسمع الجواب ذاته. فقد كنا جميعاً مفلسين. ويبدو أن كل منهم كان يعتمد على الآخرين. أو لعلهم جمعياً كانوا يعتمدون علي. فخطرت لي فكرة، وقلت للجميع انتظروني هنا لن أغيب أكثر من دقائق، كان من غير المعقول طبعا أن أوقظ أبي أو أمي في مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل لأطلب مبلغاً من المال، ولكني كنت أعرف جيدا أن أختي تدخر مبلغاً تضعه بداخل وعاء خزفي على هيئة حبة كمثري وتخبئه في مكانٍ أمين، وكانت الفكرة في البداية بدافع أن أوقظها من النوم لأسالها قرضاً. ولكني رددت الفكرة لأني كنت أعلم تمام العلم أنها بدافع العناد، لن تستجيب لرجائي أبداً.
وما أن وصلت إلى البيت حتي خلعت حذائي وتسللت بخطى لا تسمع إلى غرفتها وأمكنني بعد قليل أن أهتدي إلى المكان الذي تخفي فيه كنزها الثمين وحطمت حبة الكمثري الخزفية خارج الغرفة واستوليت على كل ما بداخلها من قطع نقدية وأوراق مالية ثم عدت إلى الأصدقاء لأطلب لهم كؤوسا جديدة وأدفع للساقي بسخاء. 
وصحوت في اليوم التالي مبكراً ولم أكن دخلت في النوم إلا منذ ساعاتٍ قليلة على صراخ أختي العالي. فقد اكتشفت السرقة وانحصر الإتهام في شخصي غير الكريم. وعذرتها لتصرفها. ولكني لمتها فقط لأنها لم تحاول التفاهم معي بهدوء قبل أن تثير الفضيحة وسط العائلة. كان في نيتي أن أرد لها ما أخذت وأكثر. ولقد فعل هذا والدي فعلاً، سترا لفعلة ابنه النكراء. لكنني ظلت لسنين طويلة آخذ على أختي عدم تعاونها معي وربما أيضا عدم تسترها على. 

ويضيف: "ليست خلافاتي مع أختي وحدها هي التي كانت تبعدني عن محيط الأسرة، وإنما هناك ظروف آخرى منها ثقافتي الإنجليزية وحبي للمسرح وعمي الفرنسي وأصدقائي الكثيرون الذين غالباً ما كنت أقضي في بيوتهم عطلات نهاية الأسبوع. فقد كنا شلة من الصبية تنمو معا وتكبر معا، أما البنات فلم يكن لهن وفقا لتقاليد الشرق أي وجود إلى جانبنا.


العلاقة الأولى
وبالرغم من أنني أتممت السادسة عشرة إلا أن البنات ظلت من المحظورات في حياتي. وكان يحدث أحيانا أن نقيم الحفلات الراقصة فكان لابد من أن يحضرها قريب حتى تنتهي فترة الإختلاط المؤقتة بسلام، أما النساء بمعنى الكلمة، فلم تكن أمامنا فرص سانحة لمشاهدتهن إلا في الأوبرا حيث الفرق الغربية تقدم عروضها، أو ضمن أعضاء الفرق المسرحية الفرنسية الزائرة. أو عندما كنا نخرج للبحث عنهن في الشوارع في أماكن معينة  شاحبة الضوء، كليلة المصابيح. حيث كان من الممكن أن نتجمع بقلةٍ منهن لأسبابٍ معروفة.
وعلاقتي الأولى وعبارتي استعيرها من لغة الأطباء فكانت مع "قطة ليل" مع بعض الأصدقاء من ضاحية مصر الجديدة. ومصر الجديدة أو "هليوبوليس" شهيرة بمواقع كثيرة منها المعركة التي هزم فيها سلطان المماليك سليم، وكانت على أرضها ومنها إنتصار كليبر على فيلق تركي. أما معركتي أنا مع نفس الضاحية فكانت في التقاط بقايا إمرأة ألقت بها المقادير في شارع معتم من شوارعها.
ويتابع سرده أن "البداية هي ذاتها في كل أرض وزمان. ولقد طلبت القطة مني بدراية أن أقود سيارتي إلى مكانٍ ناء قريب من المطار القديم. حيث أقام شخص وسط الصحراء كشكاً صغيراً لبيع المرطبات وكان ذلك الشخص يمنح زبائنه الرعاية والحراسة مقابل شراء بعض زجاجات سعرها زهيد للغاية.
إنضممت إلى القافلة. ركبت سيارتي وسط عشرات السيارات في منطقة نفوذ بائع الكوكاكولا الهمام ومصر أيام حكم فاروق لم تكن متزمتة إلى حدٍ بعيد. ولكنها رغم هذا لم تكن أبدا لتسمح بممارسة الحب في سيارة متوقفة بالقرب من المارة. أما الصحراء البعيدة فلها حكمها ولها حاميها بائع المشروبات الغازية! ووسط قافلة السيارات التي قدرتها بخمسين على الأقل كنت انا ألتقي لأول مرة في أول سيارة وأول إمراة، وبعين المحروم رأيت أول إمراة جميلة إلى درجة أن صورتها بقيت لفترة قصيرة محفورة في مخيلتي. ولم أكتشف انها لم تكن جميلة فعلاً إلا بعد ان ولت تلك الأيام التي يطرز فيها الخيال أحلامنا أكثر مما يفعل الواقع.


التمثيل  حلم حياتي
لقد نصحني أكثر من مدرس تعرّف بي بأن اتجه بدراستي إلى الإختصاص بمادة الرياضيات لأنني كنت موهوباً في مجالها، وماهراً للغاية في الحساب. إلا أني لم آخذ بمشورتهم. فالكل كان يعرف أن قبلة عمري هي التمثيل، عدا أسرتي التي تجاهلت الأمر رغم علمها بميولي الفنية. 
تابعت دراستي، وتقدمت إلى امتحان الجزء الأول من شهادة البكالوريا ثم الجزء الثاني من بعده وكان على أوراق الإمتحان أن تطير إلى إنجلترا ليتم تصحيحها هناك، ولتعتمد في النهاية من جامعة أوكسفورد حتي أستطيع ان أكمل دراستي في الجامعات الإنجليزية.
وحصلت في النهاية على درجات تفوق تؤهلني لمتابعة الدراسة في إحدى جامعات إنجلترا فعلاً. ولكن كان هناك ما شدني بعيداً عن تلك المعاهد، وهو شعوري بعدم الرغبة في تكملة التعليم بصرف النظر عن تذكية أساتذتي وحثهم لي على المتابعة. وبعدها بعامين كونت أول فريق مسرحي برئاستي. وكان كل أعضائه من الهواة. واخترت رواية للمؤلف الفرنسي الكبير جان أنوي لتكون أول ما نقدمه،

أما عن سبب اختيارنا لقصة انوي بدلاً من راسين أو موليير مثلاً، فيعود لغياب الدعم المالي. لذا كان علينا أن نستعيد الكلاسيكيات، لأنها لا تتطلب الكثير  من المال لإعداد الديكورات والملابس. وأنا أذكر أن والدي في عيد ميلادي السادس عشر أهداني سيارة جديدة خاصة، ودار على المشارب والمقاهي التي اعتدت التردد عليها أو السهر فيها ودفع جميع ديوني، وطلب مني أن اخرج مع أصدقائي، وأتمتع على حسابه، فعل كل هذا عن طيب خاطر، لكني لو طلبت منه مبلغا صغيرا لدعم فرقتي المسرحية لما استجاب، ذلك لأنه كان يرى أن الفن سوف يختطف منه ابنه الوحيد، عماده مستقبلاً في تجارة الاخشاب. ولهذه الأسباب اكتفيت من الروايات بابسطها كلفة، ولجأت إلى الهواة من تلاميذ مداس الفريروالجيزويت، لأكون من أبرعهم، فكنت أدير الانتاج، وكنت أخرج الرويات وأيضا كنت البطل.
وعلى مايبدو، فأن شكلي ومظهري أوما يصفونه اختصاراً بوسامتي كان له الفضل في انطلاقتي الأولى. فقد بدات ألاحظ اهتمام البنات بي وأيضا إعجاب الزملاء بأدائي. فالناس دائما على استعداد لأن تتقبل شخصاً وسيماً أكثر من آخر حرمته اأاقدار من عطايا الجمال. 


المرأة الجميلة
ولا بد من القول  هنا أن معظم الناس يرددون أن المرأة الجميلة غبية والأمر ليس قاعدة، ولا هو صحيح في الغالب. ولعل ما يروج عن الجميلة من غباء راجع إلى قلة المجهود الذي تبذله من أجل جذب الرجل لها. ولأن الجميلة لا تبذل جهداً حيث غيرها تفعل، اعتبرت كسولة ثم غبية وهي في الواقع لا هذه ولاتلك.

تهنئة قيمة
ولقد كنت وأفراد فريقي نتدرب في الغرف الخالية من بيوت الأصدقاء. أما التمرينات النهائية فكانت تتم في إحدى قاعات المسرح الجامعية التي كنا نستأجرها أيضا لتقديم الرواية، ولم تكن أي من رواياتنا لتعرض أكثر من ثلاث حفلات، ليس لعيبٍ فيها أو فشلٍ منا، وإنما لأن عدد الجماهير المتذوقة للفن الفرنسي في القاهرة كان قليلاً.

وأذكر ذات مرة، وبعد أن توفرت لنا الخبرة بممارسة العمل لمدة عامٍ ونصف، أنني دعوت سفير فرنسا في مصر إلى افتتاح مسرحيتنا. ولقد هنأني السفير في فترة الإستراحة بجدارة، فشعر والدي الذي كان بين الحاضرين بالزهو، فكاد يوافقني على اتجاهي، ولكنه تذكر تجارة الأخشاب فجأة، فسحب اعترافه قبل أن يخرج من شفتيه ويسجل عليه!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف