هو أقرب لتلفزيون الواقع من العمل السينمائي
فيلم "غداء العيد" يقفل الباب على جملة تساؤلات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
"إيلاف" من بيروت: إستفز المخرج لوسيان أبو رجيلي عين المشاهد حين أقفل البوابة في المشهد الأخير من فيلمه غداء العيد على جملة تساؤلات تحمل جدليات واسعة طرحها من واقع حال العائلة اللبنانية وتحدياتها اليومية دون أن يعطي حلاً للإشكاليات، ولا أجوبة إفتراضية من وحي قناعاته. فهذا الفيلم الذي يطرح القضايا بتلقائية الأحداث يكاد يكون جلسة عائلية لبنانية حميمة وصريحة أكثر من عملٍ سينمائي. خاصةً عندما يُقفل بابه بوجه المشاهد في المشهد الختامي ليشعر للوهلة الأولى وكأنه طُرِدَ خارج هذا البيت بعد أن شارك سكانه بأبسط تفاصيله!
وحين نستعيد سياق السرد، نتوقف حكماً عند عدة محطات بدءاً من دخول الأبناء إلى منزل العائلة ليجتمعوا على مائدة العيد مرولاً بتطور الحوارات المتقطعة بين طرفة يطلقها أحدهم وذكرى يستعيدها آخر، وحلم يناقشه شخص يقابله طموح أو خطة يطرحها بعضهم خلال الجلسة التي تبدأ بأجواءٍ ودية على مائدة تنوعت أصنافها وسمعنا رنين كؤوسها وتعرفنا من خلالها على طقوسٍ لبنانية تسرق قلب المشاهد إلى يوميات في حياته الخاصة أو حياة أصدقائه وربما معارفه أو جيرانه.
فـ"أبو رجيلي" قد كتب نصه في باقة من يوميات البيئة اللبنانية ونقله مصوراً بإخراجٍ ركز على تلقائية الفرد ليناقش عدة قضايا بدلالاتٍ واضحة تحاكي الشارع اللبناني في شقه السياسي والطائفي، العائلي والاجتماعي والاقتصادي، وما يتبعه من الأزمات المعيشية المتراكمة، وصولاً إلى اليأس الذي يضرب طموح الشباب ويدفعهم إلى اتخاذ قرار الهجرة. فيستخدم عبارات مثل "مفهوم الحرية مغيطة.. وكل واحد بشوف الحرية من وجهة نظره"، ويتحدث عن مبدأ الزواج الديني والمدني، واعتناق الدين والمذهب منذ الولادة دون أن يكون للمرء فرصة اختيار دينه. كما يقارن أسلوب حياة اللبنانيين بين بلدهم ودول الإغتراب.
ولا يفوته التركيز على ثقافة اللبناني الواسعة فيستطرد بلسان ضيوفه لواقع الوجود الإسلامي في المجتمعات الأوروبية ومشهد المحجبات هناك، واندماجهم في بيئة مسكنهم، والتفجيرات المتنقلة حول العالم.
ولقد جسد بعض أبطاله مشاهد جريئة. حيث تُجري الحبيبة المسلمة لإبن العائلة المسيحية فحص البول على مرأى الكاميرا للتأكد من حملها منه قبل الزواج، رغم المشكلة القائمة برفض العائلة لهذه العلاقة بين الديانتين المختلفتين والزواج المدني. كما يتطرق الحوار لقضية الإكتفاء بإنجاب ولد واحد بسبب صعوبة تربيته وتكاليف تعليمه، بالإضافة لحرية المرأة ودورها كأم وزوجة مضطهدة، وخيارها القاسي بين التربية ومزاولة العمل.
ويشير أيضاً لرمزية الأديب جبران خليل جبران وحبه للأديبة مي زيادة . ثم يضيء على واقع المحبة المزيفة والتكاذب الطائفي والمذهبي ليضيء على ظاهرة "حديث الخفاء والنقاش الذي لا يظهر للعلن".
وإذ يناقش قضية الفساد الوظيفي والرُشى، يتطور الأمر لحدوث سرقة افتراضية تقود أفراد العائلة لمواجهات عنيفة تتطور بشكلٍ قاس بين الصهر وشقيقة زوجته، ثم تعم الإتهامات المتبادلة بالسرقة، لتطال الخادمة الأمينة التي يتم تفتيش مفتنياتها.
ولا يخلو العمل من الكوميديا الصادمة في بضعة مشاهد حين تظهر بعض الأغراض الحميمة والملابس المثيرة في الخزانة، بالإضافة لمشهد الغضب الذي يجسده الإبن الأصغر الذي يحبس نفسه في المرحاض احتجاجاً على اتهامه بالسرقة ثم يخرج خالعاً ملابسه دفاعاً عن براءاته!
في المحصلة، يمكن القول أن "غداء العيد" ليس فيلماً بل واقعاً لبنانيا يجمع قصصاً متفرقة يستعرضها المخرج عبر أشخاص غير معروفين يشكلون بتواجدهم معاً بطلاً واحداً هو "العائلة". فهؤلاء الأبطال غير المحترفين لبسوا شخصياتهم وسجلوا قفزةً نوعية بتلقائية تقلهم للتفاصيل التي رافقت أجواء هذا اللقاء العائلي الذي استعرض قصة مجتمع وأزمة المواطن في وطنه المأزوم، ليقدموا بدعةً جديدة في السينما اللبنانية في مشهدياتٍ تحاكي تلفزيون الواقع.
فقد نقل "أبو رجيلي" صورة عائلة لبنانية متفككة بقناعاتها ومواقف أفرادها عبر فيلمه "غداء العيد" بواقعيةٍ لا تحتاج للتمثيل. فألأم التي تقدم الطعام على المائدة تستغرق وقتها في صف الحلويات وفي حديثها مع الخادمة، ثم تنبِّه الجالسين على المائدة من وجود ذبابة على أحد الأطباق! والأب يلعب دور الحاضن المستمع بطيبة، لكنه يحافظ على هيبة صاحب السلطة كرب لهذه الأسرة. وهو بعودته للمنزل يذكّر زوجته أن المال الذي قبضه من عمله قد تم إيداعه بالمصرف ولم يُسرق، لتنهمر دموع الأم بينما تلبس الحيرة الوجوه مع الخجل، ثم يُقفَل الباب فجأة دون أن يرى المشاهد خواتيم مقنعة ومواقف محقة في هذه النقاط الشائكة.
ويمكن في المعإنه في الحقيقة فيلم يحمل نمطا جديدا يحاكي تطور المدارس السينمائية، إلا أنه رغم جودة مضمونه وقع بفخ المشاهد المصورة بطريقة ربما تكون غير متنقنة ومنها مشاهد الكاميرا القريبة جداً من الذراعين والوجوه، رغم أن الهدف ربما يكون تقديم رؤية غير تقليدية وتعويد المشاهد على شاهد مختلفة أحدثت صدمة غير متوقعة فعم الصمت بعد إقفال البوابة!