التغيير الأخضر ينتشل الاقتصاد العربي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد التفراوتي: بعد إطلاقه ثلاثة تقارير وازنة حول البيئة العربية: تحديات المستقبل والبيئة العربية: تغير المناخ ثم البيئة العربية المياه: إدارة مستدامة لمورد متناقص أبى المنتدى العربي للبيئة والتنمية"أفد" هذه السنة إلا أن يسبر أغوار محور يعد أحد رهانات المرحلة من اجل عالم عربي متغير وفق اقتصاد أخضر..
واستمرارا في أداء رسالته الحضارية في تنبيه العالم عامة والعربي خاصة على المخاطر المحدقة بكوكبنا الأزرق وسبل المواجهة وفق دراسات دقيقة ومتخصصة، أطلق المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، تقريرا قيما آخر تحت عنوان "الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغيّر" وذلك في مؤتمر حاشد، انعقد في نهاية أكتوبر الماضي في بيروت، أبرز من خلاله أن خفض دعم أسعار الطاقة في المنطقة العربية بنسبة 25 في المائة سوف يحرر أكثر من 100 بليون دولار خلال مدة ثلاث سنوات، وهذا مبلغ يمكن تحويله لتمويل الانتقال الى مصادر الطاقة الخضراء. وبتخضير 50 في المائة من قطاع النقل في البلدان العربية، نتيجة ارتفاع فعالية الطاقة وازدياد استعمال النقل العام والسيارات الهجينة (هايبريد)، تتولد وفورات تقدر بنحو 23 بليون دولار سنوياً. وبإنفاق 100 بليون دولار في تخضير 20 في المائة من الأبنية القائمة خلال السنين العشر المقبلة، يُتوقَّع خلق أربعة ملايين فرصة عمل. وعلى البلدان العربية أن تعزز كفاءة الري واستخدام المياه وتمنع تلوثها، مع العمل على زيادة نسبة مياه الصرف المعالجة التي يعاد استخدامها من 20 في المائة حالياً إلى مئة في المائة. ومن شأن ذلك أيضاً تخفيض كلفة التدهور البيئي في المنطقة العربية البالغة نحو 95 بليون دولار سنوياً.
وأظهر التقرير نتائج مشابهة في مجالات متعددة، كمردود الاستثمار في تخضير قطاعات النفايات والصناعة والسياحة والزراعة. وهو يتضمن أكثر من 60 دراسة حالة عن تجارب ومبادرات ناجحة في العالم العربي في مجال التحول الى الاقتصاد الأخضر.
صعب: أعمال المنتدى في سنة
وتحدث أمين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية نجيب صعب، فقال: "الاصلاحات السياسية تؤدي إلى وضع حد للفساد كما لسوء إدارة الموارد الطبيعية. ولا بد للحكومات الأكثر تمثيلاً لشعوبها أن تعمل بإرادة سياسية أقوى لادارة الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة".
وقدم صعب تقريراً عن أعمال المنتدى لسنة 2011. فضمن برنامج المسؤولية البيئية لقطاع الأعمال، أقام المنتدى ورش عمل حول كفاءة المياه، بناء على الدليل الذي أصدره، بدأت نتائجها في اتجاهات جديدة للسياسات. وتم تقديم تقرير المنتدى لعام 2010 حول المياه العربية ومناقشته مع مسؤولين من جميع القطاعات، وصولاً الى توصيات لاصلاحات في السياسات المائية. وأعد المنتدى مبادرة للاقتصاد العربي الأخضر، وأقام ثلاث ورش عمل واجتماعات تشاورية حولها في سبع عواصم.
وشارك المنتدى في مفاوضات تغير المناخ، وعمل مع العديد من الوفود العربية للتوصل إلى مواقف متقدمة، حتى إقرار تقنية احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) في مؤتمر كانكون، كإحدى آليات التنمية النظيفة. كما شارك في إعداد ستة تقارير وخطط عمل إقليمية ودولية للتكيف مع تغيّر المناخ في المنطقة العربية.
تخضير قطاعات الزراعة والمياه والطاقة والصناعة
نوقشت في الجلسة الأولى مفاهيم الاقتصاد الأخضر، الذي يتطلب التحول إليه مراجعة السياسات الحكومية وإعادة تصميمها لتحفيز تحولات في أنماط الإنتاج والاستهلاك والشراء والاستثمار، وذلك في ثمانية قطاعات ذات أولوية. شارك في الجلسة الدكتور محمد العشري الرئيس التنفيذي السابق لمرفق البيئة العالمي، وحسين أباظة محرر تقرير "أفد" حول الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغيّر.
وتناولت الجلسة الثانية، برئاسة وزير الزراعة السابق في مصر الدكتور أيمن أبو حديد، تخضير قطاعي الزراعة والمياه. فتحدث الدكتور عبدالكريم صادق، كبير الاقتصاديين في الصندوق الكويتي للتنمية، داعياً الحكومات العربية إلى إيلاء التنمية الريفية الزراعية أولوية، مع تقديم خدمات الإرشاد الزراعي الجيدة التصميم. ومن شأن إعادة الحيوية الى القطاع الزراعي أن تزيد حصته في القوة العاملة على نحو يحسّن مستويات المعيشة ويحدّ من هجرة أهل الأرياف الى المدن. وكان تعقيب للدكتورة أسماء القاسمي مديرة الأكاديمية العربية للمياه في أبوظبي، والدكتور علي الطخيس عضو لجنة المياه في مجلس الشورى السعودي. وتناول النقاش كفاءة الري وحفظ التربة وتحسين نوعية البذور وغير ذلك من الممارسات المستدامة.
تلت ذلك جلسة تشاورية خاصة حول مسودة تقرير البنك الدولي عن "التكيف مع آثار تغير المناخ في المنطقة العربية". وانعقدت طاولتان مستديرتان، واحدة حول الوظائف الخضراء نسقتها الاسكوا، والثانية حول الاستثمار في مجال الرياضة والبيئة قدمت فيها حلولا مبتكرة لبناء الملاعب وإضاءتها بكفاءة.
خصصت الجلسة الثالثة لتخضير قطاعي الطاقة والصناعة. فتحدث الدكتور ابراهيم عبدالجليل، مدير برنامج الإدارة البيئية في جامعة الخليج العربي، عن أهمية الاستثمارات المستدامة في مجالات كفاءة الطاقة وفي مصادر الطاقة المتجددة، من خلال الجمع بين المقاييس التنظيمية والحوافز الاقتصادية. وأكد طارق السيد، المدير في بوز آند كو الشرق الأوسط، أن على البلدان العربية أن تضع استراتيجيات منخفضة الكربون للتنمية الصناعية، تحفزها فرصة التطور إلى اقتصادات فعالة في مجالات الطاقة والإنتاج الأنظف، وهذا يعزز المنافسة الصناعية وتنوع المداخيل وخلق فرص العمل. وكان تعقيب لمارون سمعان الرئيس التنفيذي لبتروفاك إنترناشيونال، ومحمد مكاوي مدير المشاريع في نفط الهلال بالشارقة.
أما الجلسة الرابعة فتناولت سبل التحول إلى اقتصاد أخضر في عالم عربي متغيّر. وشاركت فيها مجموعة من كبار المسؤولين وقادة الأعمال في حوار مفتوح مع الحضور.
تخضير المدن والمباني والمواصلات والسياحة والنفايات
تناولت جلسة صباحية لليوم الثاني برئاسة الدكتور عبدالرحمن العوضي، الأمين التنفيذي للمنظمة الاقليمية لحماية البيئة البحرية، التدابير الرامية إلى تخضير المدن والمباني والمواصلات. فتحدث طارق المطيرة، الباحث الرئيس في الطاقة والاستدامة في جامعة لوند السويدية، عن أهمية خلق مجتمعات مدينية صحية وتنافسية اقتصادياً. وأكد أن مقاربة تصميمية شمولية، تدمج المبادئ البيئية في شكل المبنى ومواده ووجهته والمعدات المركبة فيه، تستطيع أن تحقق مكاسب أعلى في كفاءة الطاقة.
ودعا الدكتور فريد شعبان، أستاذ الهندسة في الجامعة الأميركية في بيروت، إلى تبني سياسات تدعم نظم النقل العام الجماعي ومعايير لفعالية وقود السيارات، ومن شأن ذلك تقليل التلوث وزحمة السير والتمدد الحضري العشوائي. وكان تعقيب للمهندسة المعمارية الهولندية فلورنتين فيسر الخبيرة في العمارة المستدامة، وعبدالواحد فيكرات مدير إعداد التراب الوطني في وزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية في المغرب.
وشهدت الجلسة السادسة برئاسة وزير البيئة والطاقة السابق في الأردن خالد الإيراني نقاشات لأوراق عمل حول تخضير السياحة وإدارة النفايات. فأشارت الدكتورة هبة عزيز، رئيسة قسم السياحة المستدامة والتنمية الاقليمية في الجامعة الألمانية للتكنولوجيا في مسقط، الى أن قطاع السياحة العربية اجتذب نحو 60 مليون سائح عام 2010. ويقدر أن يؤدي المزج بين اعتماد تدابير كفاءة الطاقة واستخدام مصادر الطاقة المتجددة إلى تخفيض 45 في المئة من استهلاك الطاقة و52 في المئة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في هذا القطاع، إضافة الى تخفيض استهلاك المياه بنسبة 18 في المئة باعتماد تدابير كفاءة المياه.
وتحدث الدكتور رامي الشربيني، الأستاذ في جامعة القاهرة، عن الحاجة الى تحول أساسي في التصدي لمسألة النفايات البلدية الصلبة، من الرمي العشوائي والحرق والطمر الى مقاربة إدارية تجني أرباحاً إيجابية من النفايات باعتماد التقليل وإعادة الاستعمال والتدوير والاسترداد. ويمكن أن يؤمن تخضير قطاع إدارة النفايات للبلدان العربية 5،7 بلايين دولار سنوياً، إضافة الى خلق وظائف. وكان تعقيب لمحمد حديب مدير عام سوكلين الذي عرض التقنيات الحديثة التي تعتمدها شركته لإدارة النفايات في عملياتها. وقدمت عروض للشركات ودراسات حالة ناجحة حول الاستثمار في الاقتصاد الأخضر، تخللتها نقاشات حول المياه والزراعة والطاقة والمدن والأبنية والمواصلات.
أما الجلسة السابعة فتناولت الاقتصاد الأخضر كمحرك للنمو، وترأسها مدير عام الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية عبدالوهاب البدر. وشارك فيها الدكتور أندرو ستير المبعوث الخاص للبنك الدولي حول تغير المناخ، ونبيل حبايب الرئيس التنفيذي لجنرال إلكتريك أفريقيا والشرق الأوسط.
كما عقدت جلسة خاصة رفيعة المستوى بعنوان "من الأفكار الى السياسات"، شارك فيها وزراء ورؤساء منظمات وشركات. واختتم المؤتمر بجلسة نقاش عامة أعقبها إعلان التوصيات.
وأعلن أمين عام المنتدى نجيب صعب، خلال اختام المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) مؤتمره السنوي،توصيات المؤتمر، التي جاء فيها الموافقة على ما ذكره تقرير "أفد" من أن نماذج التنمية الاقتصادية العربية يجب أن تلبي طموحات الناس في الأمن الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وكفاءة الموارد وحماية البيئة، وأن التدهور المستمر في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ولّد اجهاداً شاملاً لمصادر الرزق والصحة والرفاه البشري، وقد يؤدي حتى الى مزيد من الانتفاضات الاجتماعية والسياسية. كما وافق على ما خلص اليه التقرير من أن أجندة التنمية الخضراء التي تسعى الى تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة والعدالة الاجتماعية توفر أساساً سليماً لمعالجة نواقص الاقتصادات العربية.
ودعا المؤتمر الحكومات العربية الى إعطاء اهتمام أكبر للتنمية الزراعية الريفية كهدف أساسي استراتيجي لتحقيق الأمن الغذائي وتخفيف وتيرة الفقر في الأرياف وعكس اتجاه سنوات الاهمال. وطلب من الحكومات إحداث تحول في السياسات نحو ادارة الطلب على المياه بشكل ينظم الوصول اليها ويحسن كفاءة استخدامها ويمنع تلوثها، مع فرض تعرفات عادلة للمياه من شأنها ترشيد الاستخدام، وتحقيق استرجاع التكاليف بشكل تدريجي، وتعزيز العدالة من خلال دعم مالي هادف للأسعار.
وأوصى باعتماد استراتيجيات وطنية وإقليمية لكفاءة الطاقة والطاقة الأنظف والطاقة المتجددة، وباعتماد أنظمة لتصنيف الأراضي البلدية عمرانياً، وبوضع سياسة صناعية وطنية توفر إطاراً مؤسسياً وتنظيمياً مؤاتياً للصناعات المنخفضة الكربون والقدرات البحثية والتطويرية. وحث المطورين العقاريين ومالكي الأبنية التجارية وأصحاب المنتجعات الكبرى على إيلاء كفاءة الطاقة والمياه أولوية عالية في تصميم وتشغيل الأبنية والفنادق والاستفادة من الجدوى الاقتصادية لتسخين المياه بالطاقة الشمسية. وأكد ضرورة توظيف استثمارات مستمرة في النقل العام الجماعي في المدن العربية، وتبني مقاربة للنفايات البلدية الصلبة تسعى الى تحقيق قيمة من المواد المهملة عن طريق التقليل واعادة الاستعمال وإعادة التدوير والاسترجاع. وطالب بتنفيذ ممارسات سياحية مستدامة في خدمات السفر والضيافة والاستجمام، مع إعطاء عناية خاصة للسياحة البيئية والثقافية.
ودعا المؤتمر المنظمات الإقليمية والحكومات الى تفعيل مرفق البيئة العربي لتمويل المشاريع والبرامج البيئية، وإطلاق مبادرات اقليمية تتعلق بالاقتصاد الأخضر، بما في ذلك مجالات: الأبحاث والطاقة النظيفة والمتجددة والمدن الخضراء والانتاج الأنظف والزراعة المستدامة وشبكات النقل الإقليمية.
يشار إلى أن المؤتمر أقيم برعاية رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان، وقد مثله وزير البيئة ناظم الخوري، بحضور أكثر من 20 نائباً. وشارك نحو 500 مندوب من جميع أنحاء العالم العربي ودول أخرى، 25 في المائة منهم من الحكومات والقطاع العام، و25 في المائة من القطاع الخاص، و20 في المائة من منظمات المجتمع المدني، و20 في المائة من الجامعات ومراكز الأبحاث، و10 في المائة من المنظمات الإقليمية والدولية، إضافة الى ممثلي 86 مؤسسة إعلامية عربية وأجنبية.
وكان بين الحضور رئيس جمهورية كوستاريكا السابق رئيس غرفة العمليات الكربونية خوسيه ماريا فيغيريس، ورئيس الوزراء الأردني السابق الدكتور عدنان بدران، والمدير العام للصندوق الكويتي للتنمية عبدالوهاب البدر، ونائب رئيس البنك الدولي أندرو ستير، ومديرة الأكاديمية العربية للمياه أسماء القاسمي. وحضرت وفود رفيعة المستوى من وزارات وهيئات البيئة في معظم الدول العربية، تميز بينها وفد الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في السعودية.
كما حضرت وفود نيابية من العراق ومجلس الشورى السعودي وحزب الخضر التونسي للتقدم برئاسة منجي الخماسي، ووفود من صناديق التنمية العربية، إضافة الى عدد كبير من السفراء، وحشد من الدبلوماسيين ورجال الأعمال ورؤساء الشركات والهيئات الأعضاء في المنتدى العربي للبيئة والتنمية. وشارك أساتذة وطلاب من 18 جامعة عربية.
ويذكر أن المنتدى أصدر دليلاً عملياً لكفاءة الطاقة في المنطقة العربية وللادارة البيئية في قطاع الأعمال. كما أعد دليلاً شاملاً في التربية البيئية لاستخدامه في المناهج التربوية والتعليم. وتم توسيع التعاون مع وسائل الاعلام الأعضاء، حيث تنشر 12 صحيفة يومية رائدة في جميع أنحاء العالم العربي صفحات بيئية أسبوعية أو شهرية بالاشتراك مع المنتدى.