بيئة

جبال الجزائر منمنمات خضر تستعيد مكانتها بعد فصول الارهاب

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بعد أن ظلت مهجورة لسنوات طويلة بسبب تدهور الظروف الأمنية، وكانت عنوانا للإرهاب، استعادت جبال الجزائر وقممها الشامخات مكانتها كجزر خضراء في مواسم الربيع بعدما جعل منها الثلج الناصع منمنمات بيضاء على مدار يوميات الشتاء، ووسط هذه الرئات النادرة تتفتق القرائح وتتعانق الأرواح الحالمة في بانوراما طبيعية جيولوجية حيوية متمردة تسطر عوالم عدة تستجليها "إيلاف" في هذا الاستطلاع.

كامل الشيرازي من الجزائر: من جرجرة، تمزقيدة، الشريعة وزكار في الشمال، مرورا بالأوراس الأشمّ والبيبان وجبل الوحش وسرايدي شرقا، وصولا إلى سلسلة الهقار والطاسيلي جنوبا، تترأى مرتفعات رائعة تحكي روعة الأمكنة التي تغري ساكنيها كما زوارها باستكشاف مسالك وتسلق قمم على مبعدة آلاف الياردات عن سطح البحر.
ويروي مخضرمون أنّ الجبال الجزائرية التي تجوبها شلالات وتنطبع بمناخ متوسطي ممزوج بالصحراوي وشبه الصحراوي، ظلت مشتلة هامة للزراعة والبستنة، حيث عمد الجزائريون الأوائل إلى غرس الأشجار المثمرة من رمان وتين وزيتون، بهذا الصدد، يشرح "سليم حراث" أنّ ما يغلّف الجبال من ثلوج يساعد زراعة الزيتون، إذ تذوب ببطء وتتغلغل في مسام التربة الكثيرة الحصى وسط بساتين الزيتون المتناثرة، مثلما يزيد الماء الناتج عن ذوبان الثلج في رفع منسوب مياه الوديان ويعمل على تهييج مجاري المياه المتدفقة.

ويشير الباحث "محمد غرناوط" إلى أنّ سلسلة جبال جرجرة المترامية بمدينة تيزي وزو (110 كلم شرق) تماما مثل مرتفعات تمزقيدة التابعة لمنطقة المدية (150 كلم جنوب) وما يتصل به من السلسلة الجبلية للأطلس البليدي، إضافة إلى جبل الوحش الشهير بمدينة قسنطينة (400 كلم شرق)، هي كنز أركيولوجي هام لم يتم الاطلاع على كل محتوياته.
ويوضح غرناوط أنّ "جبل الوحش" الذي جرى تصنيفه كفضاء محمي، يتميز بثرائه من حيث الحيوانات، إلى جانب غطاءه النباتي الاستثنائي على غرار عشرات الجبارات العملاقة وهي أشجار كبرى تم جلبها منذ أزيد من مئة عام من مناطق بعيدة بآسيا وأمريكا.

وليس بعيدا عن جبل الوحش، هناك جبل كردادة الصخري الأحمر الذي يعتلي مدينة بوسعادة العتيقة، ويمنح هذا الجبل ذاك المكان الآسر هيبة وأبهة وتألقا، ويعزز الرغبة في المكوث لأجل معايشة أجواء خلابة جادت بها الطبيعة.

ويركّز "الصديق بن عبد الله" وهو مدير جهوي للبيئة، على أصناف الصنوبر والبلوط تنتشر بكثرة على مستوى جبال الجزائر، بما حوّلها إلى جنات للتنوع البيئي، خصوصا مع وجود بحيرات جميلة تحيط بهذه الفضاءات الخضراء الخلابة، ما وفّر جوا مصغرا قابلا لإنتاج وتنمية أشجار الفلين وثروات نباتية وغابية أخرى كأرز الأطلس مع أصناف حيوانية موجودة كالبط البري ودجاج الماء وبعض الحيوانات الغطاسة.

بيد أنّ الإهمال وما يتصل به من ممارسات غير مشروعة، يدفع "نذير خازم" و"جمال بوسعيد" لإظهار مخاوفهما من مخاطر محتملة قد تلحق بهذه الجزر الخضراء التي تشكل رئات نادرة في الجزائر.

ويُبرز خازم وبوسعيد، هاجس "زحف الإسمنت" الذي ابتلع سهولا بكاملها على غرار المتيجة، ويهدد بالامتداد إلى الجبال، ويقحم الاثنان الانتشار الفوضوي للنفايات الملوثة.
من جهته، يرى "الطيب سحنون" وهو مدير مخبر محلي للعمران والبيئة، أنّ وضع المنظومة الجبلية لا يزال مهترئا ولم يرقى إلى الأفضل والأحسن بسبب التشويه الذي يطال البيئة المحلية، ويتفق "عزوز غوالمي" مع الطيب سحنون في حتمية توخي مراجعة شاملة تسمح باستغلال الرافد الجبلي الهائل وتفعيل السياحة الجبلية الواعدة.
جبال البرج: فسحة أخرى.

تشكّل جبال بودنة (1.364 مترا)، طفيرج (1.326 مترا)، شقبو (1.029 مترا) والجعافرة (1500 مترا)، فسحة أخرى في سفوح ولاية برج بوعريريج الشرقية، لا سيما في فترة الشتاء وأوائل الربيع من خلال حللها البيضاء وبساطها الثلجي الذي يبلغ سمكه أحيانا 50 سنتيمترا.
ومع تساقط الثلوج، تكتسي جبال البيبان ثوبا أبيضا يثير الحنين لدى سكان المناطق المحاذية الذين يحيون المجالس الليلية الطاولة حول مواقد "الكانون" خلال فصل الشتاء الثلجي الطويل.

ويشير العم عبد القادر ذو الستين عاما وجيرانه العمري، منير، ساعد وهم من قاطني المنطقة، إلى أنّ الجبال المذكورة مثالية بسحرها المطرّز المكنون الذي لم تنل منه السنون، لكنها تظل بلسان "بوبكر ذيابي" غير مستغلة رغم تزويدها شريان تلك المناطق بنفحات برد منعش يغذي صدور الغابات ويخلق للأطفال جوا للمرح المبتور بفعل قلة هياكل الاستقبال.

كما تزخر الجزائر بجبال لا تقل ثراء ببيئتها الصحية وهواءها النقي ومياهها المتدفقة من الينابيع، كجبل "كوكو" بأعالي الجزائر العاصمة، "تمزقيدة" بأعالي مدينة المدية (90 كلم جنوب)، "زكار" بمرتفعات مليانة (170 كلم غرب) وكذا محمية الشريعة الجبلية (50 كلم غرب) التي تعتبر مخبرا بيئيا حيا، بحكم احتوائها على 816 نوعا نباتيا، فضلا عن 394 صنفا حيوانيا، وهو ما يمثل 75 بالمائة من إجمالي الأنواع الحيوانية في البلاد.

وإلى جانب ما تقدّم، هناك جبال الأوراس الشاهقة (430 كلم شرق)، والسلسلة الجبلية الشهيرة "الطاسيلي والهقار" (1800 كلم جنوب) التي تتكون من تشكيلات جيولوجية رائعة تعود إلى العصر الجليدي، ناهيك عن ثروة حيوانية ونباتية وسمكية نادرة.

وتضم القائمة أيضا، قمة تكجدة (120 كلم شرق) التي تبعث على التأمل والتدبر في مفاتن الطبيعة، ويستغلها المولوعون بالرياضات الجبلية كالتزحلق على الثلوج وتسلق المرتفعات والتجوال على الأقدام.

وتعدّ تكجدة (ارتفاعها يربو عن 1400 متر) محطة مناخية بربوعها النظيفة وتلالها الغابية، ما يجعلها مقصدا مفضلا لمرضى الربو، حيث تمكّن المتجول فيها من اكتساب النشاط والخفة والرشاقة، على منوال جبال جرجرة التي يتوقف فيها الزائر مجبرا لتذوق مياهها العذبة لا سيما في فصل الصيف.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف