" توبر": طقس احتفالي بالبيئة الزراعية في الجزائر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"توبر" هو طقس احتفالي موسمي شائع في جنوب الجزائر، حيث يواظب المزارعون هناك على إحيائه في مواسم الحرث والبذر والحصاد، ويعتبره هؤلاء في تصريحات خاصة بـ"إيلاف" رمزا مبشرا بخصوبة دائمة للبيئة الزراعية وما تمثله من جسور وظلال خضراء في الحياة المحلية.
كامل الشيرازي من الجزائر: يشير العم محمد صاحب الـ70 عاما، إلى أنّ إحياء موسم توبر بكل من مناطق توات، تاغيت، تيميمون وأدرار (جنوبي غرب الجزائر)، دلالة على التعلق الشديد لمواطنيه بالأرض، والأمر لا يقتصر بحسبه على فريق المزارعين فحسب، بل يمتد إلى عامة الناس الذين يثمنون الفعل الزراعي، ويرون في العناية بالنخيل والمشاتل وما يتصل بها، قيما اجتماعية ترقى بمكانة الطبيعة وفضائل خدمتها.
وعن سيرورة طقس "توبر"، يحيل التيجاني وهو مسيّر لتعاونية زراعية، إلى أنّ الجميع يتجندون ككتلة متوحدة، والأمر يقوم بحسبه على تنسيق يضاهي نظم خلايا النحل، حيث يقوم كل فرد بالدور المنوط به حسب طاقته وموقعه، ما يضفي على العملية لمسة خاصة تزيد من متعة المشهد الذي يلم شمل العائلة الزراعية الكبيرة، ويكرس أيضا مفهوم التماسك والانسجام بين المنتسبين إليها.
ويركّز التيجاني، على أنّ طقس توبر يقوم على إذكاء الروح الجماعية، ففي مشهد تكاملي لافت، ينهمك الشيب والشباب في تهيئة الواحات من خلال تقليم أشجار النخيل وتنظيف البساتين باقتلاع الأعشاب الضارة، فضلا عن إصلاح مجاري المياه والسواقي وما يُعرف محليا بـ"الفقاقير" (آبار تقليدية).
وفي مناطق تشتمل على أزيد من مائتي واحة منتشرة عبر مساحاتها الشاسعة وسط بيئة صحراوية جافة، يلفت النذير وهو أحد المزارعين المخضرمين إلى أنّ ناشطي "توبر" يحرصون على جلب كل المواد الضرورية التي تقتضيها عمليات الاعتناء بالأراضي والمحاصيل، أملا في تحقيق مردودية ناجعة.
ولدى افتتاح طقس توبر في النصف الثاني من شهر تشرين الأول/أكتوبر من كل سنة، يلاحظ النذير أنّ غالبية المزارعين يولون اهتماما خاصا للقمح والشعير، ناهيك عن عموم الخضروات الموسمية كالبصل والطماطم والجزر، وتواكب العوائل المحلية حراك "توبر"، بطائفة من العادات كإعداد "الكسرة" العريقة التي يُطلق عليها مسمى "الطنجية" وهي عبارة عن رغيف تقليدي لذيذ المذاق يتم طهيه بعد ردمه تحت الرمل الصافي ووضعه على حجر مصفح.
كما يشرح كل من نصر الدين وأحمد أنّ طقس توبر على ما ينطوي عليه من جمالية، يمثل أيضا قدرا أكبر من العناء، إذ يعتمد السكان في نقل المواد العضوية كالأسمدة وغيرها إلى البساتين، على ظهور الدواب نظرا لصعوبة وصول الشاحنات الى الحقول والواحات وذلك لضيق المسالك المؤدية إليها.
ويصف الباحث "محمد عباس" تقليد توبر بالممارسة الفائقة الأهمية في ظرف وأمكنة تعاني بفعل ما تشكو منه الصحراء الجزائرية من ضحالة منذ أشهر، بعدما جفت العيون ويبست عشرات أشجار النخيل التي تزين هذه الواحة المتهاوية في أعقاب تأثر المخزون الباطني من المياه الجوفية التي كان يتزود بها أبناء الواحات على مدار سنوات طويلة.
ويعد تقليد توبر مكمّلا لآخر تحييه منطقة تكوت التابعة لمحافظة باتنة (430 كلم شرق)، حيث دأب المزارعون هناك على الاحتفال دوريا بعيد الأرض، تيمنا بربيع ناضج واستبشارا بمحاصيل زراعية في المستوى.
ويقام بالمناسبة سوق شعبي كبير تتحول فيه مدينة تكوت الصغيرة إلى ميدان كبير للمزارعين يعرضون فيه مختلف محاصيلهم الزراعية من حبوب وخضر وفواكه وتوابل.