بيئة

غابات الاسمنت تفتك ببساتين النخيل في العراق

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

العراقيون يشيدون (الفلل) في البساتين ويقطعون ولا يزرعون

تتعرض غابات النخيل في العراق لقطع عشوائي وتشييد البنايات مكانها،بعد أن كان العراق الاكثر نخيلاً في العالم.

وسيم باسم من بغداد: مع اقتراب موسم حصاد التمر في العراق في نهاية يوليو (تموز) وبداية أغسطس (آب)، يتهيأ الفلاح العراقي لقطف ما تجود به النخلة العراقية التي تنحسر أعدادها في المدن التي اشتهرت بها تاريخيا.

البنايات تبتلع غابات النخيل في العراق

وينظر المزارع أبو توفيق لبستانه الممتد على مساحة كيلومترين في منطقة الوردية جنوب الحلة (100 كيلومتر جنوب بغداد )، مسرورا الى ثمار الرطب الصفراء بعدما اينعت الأجزاء الخضراء وتدلت ( العثوق ) على جانبي النخل.

قلق من المستقبل

لكن سرور ابو توفيق يساوره قلق من المستقبل، ومن وجدوى جني التمر بعدما عانى الأمرين في المواسم السابقة من صعوبة التسويق وانخفاض الأسعار ومنافسة المنتج الأجنبي من الرطب ومشتقاته.

لكن ابو توفيق لا ينسى المراحل الصعبة التي تمر بها زراعة النخيل من انحسار المياه والآفات الزراعية التي تتكاثر بسرعة مذهلة، إضافة إلى انعدام تقنيات الري الحديثة التي تساهم في انحسار غابات النخيل،لتحولها الى مساحات فارغة يزحف نحو العمران.

ويعزي ابو توفيق صمود النخلة بوجه الأزمات التي تمر بها الى تحملها الأجواء الجافة والمالحة.

عزوف عن زراعة النخل

ومناطق الفرات الأوسط (منطقة جغرافية تقع جنوب وسط العراق في منطقة حوض نهر الفرات تضم محافظات النجف، كربلاء، الديوانية وبابل) التي تشتهر بغابات النخيل الكثيفة منذ أكثر من 7000 عام تنتظرها كارثة تحولها الى بؤر صحراوية لعزوف العراقيين عن زراعة النخل، بسبب صعوبة توفير مستلزمات خدمتها من خطط اروائية وانعدام خطط تسويق الإنتاج المتراكم من التمور لدى المزارعين في وقت يستورد فيه التجار التمور من الدول المجاورة.

موسم " الكصاص "

ويهيأ الحاج احمد السلطاني بين شهري تشرين الأول وتشرين الثاني لموسم " الكصاص " من كل عام. لكنه يتألم للإنتاج الضعيف، بسبب الملوحة وندرة المياه.

يؤكد السلطاني: ان المشكلة ليست وليدة اليوم فمنذ التسعينيات تفاقم الوضع، مع اشتعال الحروب، لكن تحسن وسائل الري وتوفر الكهرباء بقدر اكبر هذا العام يبعث على الاطمئنان.

وفي مدن جنوب ووسط العراق، وهي التي اطلق عليها ارض السواد في كتب التاريخ تبلغ اعداد أصناف النخيل حوالي سبعمائة صنف، في حين تشير تقديرات الى ان اعداد النخيل تبلغ حوالي 11 مليون نخلة، لكن هذا العدد تراجع إلى أقل من ثلاثة ملايين نخلة بعد عام 2003

زحف العمران

ويشير الحاج احمد الى بستانه التي كانت تضم حوالي سبعين نخلة لم يتبقى منها سوى نصف العدد. لكن بستانه الذي ظل صامدا مع بساتين اخرى مجاورة يواجه زحف العمران.

ويشير الحاج أحمد الى القصور الواسعة التي يبنيها اصحابها في بساتينهم.
و يتألم ابو احمد قائلا : لم نعد نميز بين الحي السكني والبستان فقد تحولت غابات النخيل الى كتل من حيطان واسمنت.

وعلى رغم ان الحكومات المحلية ترفض تحويل الارض الزراعية والبساتين الى "طابو " أي ملك عقاري سكني الا ان الناس يمضون باقتلاع أشجار النخيل وبناء الفلل من دون أي رادع.
وإذا استمر الأمر على هذا المنوال فان انقراض غابات النخيل امر لا مفر منه بحسب المهندس الزراعي كريم لفتة.

وفي الوقت الذي يشيد الناس الفيلات والقصور في البساتين، فانهم يتقاعسون عن زراعة شتلات النخيل.


حملات شعبية لزراعة النخيل

سليم الخزاعي الذي يشيد فيلا ضخمة في بساتين ابيه ودعاه ذلك الى قطع حوالي ثلاثين شجرة، لم يفكر بزراعة شتلات للتعويض عن الاعداد المقطوعة بغية الحفاظ على التوازن العددي.

يقول الخزاعي.. لم أفكر بذلك لاني أسعى لتحويل القسم المتبقي الى مساحات جرداء تبني عليها عقارات أخرى.

ولم تنجح المصلحة العامة والتفكير الجمعي العراقي في الشروع بمبادرات للحد من الظاهرة او البدء بحملات شعبية لزراعة النخيل، لكن هذا الوعي لم يرافقه التطبيق الميداني.


وفي أطراف المدن البعيدة فان غابات النخيل بدت صامدة أمام عبث البشر، لكنها مهددة بالزوال أيضا شاذا استمر الأمر على هذا المنوال.

وفي منطقة الوردية شرق مدينة الحلة تتهيأ الأسواق الشعبية والمخازن لاستقبال التمور من البساتين.
وعلى الطريق الزراعي الممتد في اعماق الريف تظلل اشجار النخيل الحافات حيث ينتشر التمر الناضج قليلا والمسمى "الجبجاب" بشكل عشوائي، وهي الثمار التي تقطفها الريح وتتساقط من الأشجار قبل الجني.

ويلائم احمد اللامي بيته الذي يتوسط البساتن الى مخزن كبير استعداد لموسم الجني.
كما هيأ الحصران المصنوعة من السعف والأواني الخاصة لإنتاج الدبس.
ومنذ العام الماضي لم ينجح اللامي في بيع كل ما جمعه من التمور حيث مازال يجمعها في أوعية مصنوعة من سعف النخيل تسمى "حلانات".

وعلى طول الطريق يشير اللامي إلى أنواع التمور التي يجنيها الفلاحون ومنها الحلاوي والبرحي والساير والخضراوي. وفي بستان مجاور لبيته يزدهر نخيل الديري والزهدي والخستاوي.

وفي بساتين اخرى مجاورة تجنى تمور الخضراوي والبربن وأصابع العروس والشكر والسلطاني والدكل والشرسي..


طريق مشهور بغابات النخيل

واشتهر في جنوب شرق مدينة الحلة اشهر ممر لنقل المحاصيل الزراعية، حيث تلتف حوله وبكثافة بساتين النخيل الممتدة على طول نهر الحلة الى منطقة الهاشمية.
وفي السبعينات بلط الطريق بالإسفلت، في محاولة لتسهيل طرق المواصلات بين قرى النخيل البالغة اكثر من ثلاثين قرية.
لكن الزحف العمراني على جانبي الطريق تسبب في اقتلاع الكثير من الأشجار.
ويشير سليم الاسدي، الى المطاعم المنشرة بشكل عشوائي بين البساتين على جانبي الطريق الإسفلتي الضيق.
وبحسب الاسدي فقد صارت المهن مزدوجة، فالفلاح الذي لا يجد في زراعة النخيل موردا جيدا يتجه الى اقامة المطاعم والدكاكين الصغيرة بغية الكسب السهل.

وعبر السنوات السابقة أتجه الكثير من أصحاب مزارع النخيل نحو مشاريع تجارية استهلاكية بدلا من المشاريع الزراعية الإنتاجية.

ويجني الاسدي من كل نخلة حوالي مائة كيلوغرام، كما يوظف الجذوع والسعف في أعمال البناء من سقوف و سياجات.
كما تستخدم أجزاء أخرى للطهي و صناعة الأثاث مثل الكراسي والأسرة والمكانس والمراوح اليدوية و الحصران.

والى جانب الزحف العمراني، نال التخريب والاعمال المسلحة في عام 1991، من غابات البساتين الكثيفة كما عمدت السلطات في السنوات اللاحقة الى تقويض مساحات كبيرة من هذا البساتين لانها كانت مكانا مثاليا لانطلاقة الأعمال المسلحة عام 1991، اذ استغل المنتفضون بساتين النخيل لأعمال المقاومة واستخدامها في حرب العصابات ضد قوات النظام آنذاك.

نقص الدعم

ويعزي الحاج ابو زينب عزوف الفلاح العراقي عن الاهتمام ببساتين النخيل الى نقص الدعم. ويشير الى ان الإنتاج الغزير يتطلب خطط تسويق ملائمة.
ويشير ابو زينب الى أكوام التمر المتكدسة لفترات طويلة في المخازن وفي العراء.
وبحسب خبراء فانه يمكن تصدير التمور الى الخارج او انشاء صناعات تحويلية تحول التمر الى منتج طويل العمر، كاستخدامه في انتاج الدبس والحلويات والمشروبات والأعلاف والمنتجات الغذائية.

وفي السبعينات حين كان الإنتاج غزيرا أنشأ أهالي المنطقة الكثير من مكابس التمور، لكنها اليوم تعمل بطاقة اقل بسبب فقر الإنتاج.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف