العالم بمواجهة الايدز بعد 25 عاما
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
المؤتمر العالمي اختتم اعماله ..بمهاجمة جنوب إفريقيا
العالم بمواجهة الايدز بعد 25 عاما على إكتشافه
تورونتو: قال باحثون ودبلوماسيون ان حكومة جنوب افريقيا مازالت "متبلدة"و"مهملة" في أسلوب مواجهتها لمرض الايدز وانه يجب التنديد بها.وخصص كبار المتحدثين في المؤتمر الدولي السادس عشر للايدز كلماتهم الختامية لتوجيه انتقاد طويل ومفصل لجنوب افريقيا وحكومة الرئيس ثابو مبيكي والتي نفت في البداية ان فيروس اتش أي في يسبب الايدز ثم قاومت بعد ذلك تقديم أدوية لهذا الفيروس لشعبها.
وتقول تقديرات ان واحدا من بين كل تسعة من مواطني جنوب افريقيا مصاب بالفيروس الذي لا شفاء له كما انه قاتل ولكن يمكن كبح جماحه بالادوية.وقال ستيفن لويس مبعوث الامم المتحدة الخاص بشأن الايدز في الجلسة الختامية "انها الدولة الوحيدة في افريقيا من بين كل الدول التي سافرت اليها خلال السنوات الخمس الماضية والتي مازالت حكومتها متبلدة ومعرقلة ومهملة بشأن تقديم العلاج."وتعرض وزير الصحة مانتو تشابالالا مسيمانج لانتقادات لتشجيعه علاجات تقليدية مثل الثوم وجذور البنجر والليمون.
وسلط المؤتمر الضوء على التقدم في علاج مرضى فيروس الايدز مع حصول أكثر من مليون شخص في افريقيا على أدوية لانقاذ حياتهم. ولكن المتحدثين أمام المؤتمر أشاروا الى ان 76 في المئة من مرضي هذا الفيروس في العالم الذين يحتاجون إلى ادوية لم يحصلوا عليها بعد.كما ان اساليب الوقاية الجديدة ومن بينها ختان الذكور واستخدام مبيد الميكروبات بالنسبة للنساء واستخدام الادوية للوقاية من الاصابة ربما توفر ما يوصف بأنه "نقطة تحول" في هذا الوباء ولكنها لم تدرس بشكل كامل ولم يتم توفيرها.
وقال لويس إن هناك ازمة تلوح في الافق بشأن تمويل الوقاية من الايدز وابحاثه وعلاجه. واضاف ان هذا التمويل بلغ 8.3 مليار دولار في عام 2005 فيما يعد قفزة كبيرة.ولكنه قال"نحتاج إلى 15 مليار دولار هذا العام و18 مليار العام المقبل و22 مليار عام 2008.ومن بين المشكلات الكبيرة الاخرى نقص موظفي الرعاية الصحية في أسوأ الدول تضررا بهذا المرض .وقدرت منظمة الصحة العالمية ان هناك حاجة الى اكثر من اربعة ملايين موظف صحة في شتى أنحاء العالم لمواجهة الايدز.
كفاح ضد المرض وتداعياته
منذ اكتشاف الإيدز أصيب به أكثر 65 مليون شخص يف شتى أنحاء المعمورة. وبجانب المعانة الجسدية فإن الكثير من المصابين بهذا المرض لا يعانون فقط من أعراضه فقط، بل يعانون في المقام الاول من تهميش واستقصاء المجتمع المحيط بهم. هذه الظاهرة لا تقتصر فقط على الدول العربية، فجلاديس من فيلادلفيا المصابة منذ عشرين عاما بالفيروس تحكي عن صديقها قائلة: "منذ أن اكتشفت عائلته إصابته بالفيروس وأمه تقدم له الطعام في أطباق وبملاعق من البلاستيك لكي تتخلص منها بعد ذلك. إنهم يعاملونه كأجذم."
ونظرا لتطور الأبحاث الطبية في الدول المتقدمة تم التوصل إلى أدوية ترفع تقدير العمر، مما رفع من استعداد المخاطرة لدى الشباب بشكل خاص في الدول الغربية، مما دفع الكثير منهم إلى الاستغناء عن الواقي الذكري إذا كان مظهر الشريك الجنسي صحيا وشابا. فانيسا من نيو يورك تظهر مدى خطورة هذا التصرف: "لقد تحدثت إلى الكثير من الشباب الذين لا يستخدمون أي نوع من الوقاية خلال ممارستهم للجنس. وعندما يسمعون أنني مصابة بالعدوى يصابون بصدمة ويسألونني: ولكن مظهرك جيد جدا! إذا ما استطعت أن أنقذ حياة شخص ما بواسطة قصتي فسيكون لحياتي مغزى." وفانيسا مصابة منذ عشرة أعوام بالفيروس. في ذلك الوقت كانت ابنتها تبلغ الثامنة. أما اليوم فيبلغ عمرها ثمانية عشر عاما. ولا تتمنى فانيسا كل يوم أكثر من أن ترى ابنتها وتتحدث معها، وأن تعيش لترى يوم تخرج ابنتها من الجامعة. "لا يهمني كيف. أود أن أرى ابنتي معتمدة على نفسها."
الحلقة المفرغة: الإيدز في العالم العربي بين الإنكار والجهل
عندما سئل طالب مصري مرة عن معلوماته بشأن الايدز أجاب قائلا: "ليس لدينا مصابين بالإيدز في العالم العربي. الإيدز لا يصيب إلا المثليين جنسيا والعاهرات، ونحن لا توجد لدينا مثل تلك الأنماط". هذه المقولة تمثل قطبا من قطبي معضلة الإيدز في المجتمعات العربية وهي الإنكار. المجتمعات العربية لا تزال تعاني من رفض الاعتراف بوجود أنماط في المجتمع مرفوضة من وجهة نظرها أخلاقيا وتعتبرها غير كائنة أصلا. وعندما تتحد تلك الظاهرة مع الجهل المتفشي في الكثير من المجتمعات، فإنهما يشكلان معا حلقة مفرغة يصعب معها الاحتفاظ بالأمل في إمكانية القضاء على الإيدز في المستقبل.
المجتمعات الدينية ترفض تلك الأنماط من الأساس
تتسم المجتمعات الدينية التقليدية برفضها للتغيير وثباتها على المبادئ الموروثة. عندما يتضح في مجتمع ما أن الأنماط المخالفة للعادات والمبادئ موجودة أصلا ويتم ممارستها، وان كان ذلك على نطاق ضيق، فان ردود فعل المجتمع تتراوح ما بين إعلان الحرب عليها وعلى ممارسيها أو إنكار وجودها والتظاهر بـ"سلامة" المجتمع منها". ويرتبط بهذا الإنكار عامل الخوف الشديد من انحراف المجتمع باتجاه نمط حياة المجتمعات الغربية البعيد كل البعد عن أصول الدين. وبالطبع يساهم عصر العولمة الذي نعيش فيه في زيادة حدة هذا الخوف، لاسيما وان الإعلام الغربي ساهم عبر تقنيات الوسائط المتعددة في نقل نمط وأسلوب حياة المجتمعات الغربية إلى جيل الشباب في المجتمعات المحافظة وهذا ما يشير إليه البعض بالغزو الثقافي، الأمر الذي يقود إلى احتماء الكثير بالدين بل واللجوء إلى التطرف لحماية أنفسهم من هذا "الغزو".
لكن الواقع الاجتماعي القمعي والواقع الاقتصادي المتجه من سيء إلى أسوأ يجبران الكثير من الشباب على الابتعاد عن المبادئ الدينية والالتزام بها. فالأوضاع الاقتصادية المتردية مصحوبة بنسبة بطالة مرتفعة لا تسمح للكثيرين بتحمل نفقات الزواج، وهذا جعل الكثيرين يتجهون إلى الزواج العرفي أو زيارة بيوت الدعارة أو إلى ممارسة الجنس مع رجال آخرين، ناهيك عن انتشار مشكلة المخدرات في بعض المجتمعات. هذه الأنماط متواجدة في مجتمعاتنا العربية وبكثرة، لكنها تحدث دائما في الظلام، ليس فقط خوفا من المجتمع ولكن لأنها في كثير من الأحوال ممنوعة قانونيا. هذا الاستتار يدفع بالناس إلى عدم التحدث عن تلك التصرفات أو الظواهر ولو كان هذا حديثا عاما لأنها تعتبر مواضيع محظورة في المجتمع، مما يساعد على تفشي الجهل بخصوص مخاطر تلك العادات إذا مورست بطريقة خاطئة. الحل يكمن هنا في توعية الناس الى طرق الإصابة بالإيدز وكيفية الوقاية من تلك الأخطار. هنا يلعب الجزء الثاني من المعضلة دوره.
مشكلة عدم المعرفة وكارثة عدم الرغبة في المعرفة
عندما يتضح في دولة ما أنها تعاني من مشكلة تعليمية يُنتظر من الحكومة أن تتولى تنظيم حملات توعية ودورات تعليمية لأنها قادرة على الوصول إلى جميع فئات الشعب. هذا الحال لا ينطبق على معظم المجتمعات العربية، إذ نها تعيش في خوف من الحكومات بصفتها ممثلة للقانون. لذلك لم يكن هناك استجابة لخدمة الفحص المجاني للإيدز التي قدمتها بعض الحكومات العربية كالحكومة المصرية مثلا ذلك أن الكثيرين يرون أن هذا الفحص ما هو إلا خدعة للقبض على المصابين بالإيدز لأنهم مثليين جنسيا أو مدمنو مخدرات. وفي هذا السياق تقول مها عون من مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز UNAIDS (المكتب المصري) في حوار مع موقعنا: "رغم الخدمات الكثيرة التي تقدمها الحكومة المصرية مثلا مثل توفير الاختبارات الطوعية دون إعطاء أية معلومات شخصية أو توفير الأدوية المعالجة مجانا للمرضى، فإنها لا تستطيع الوصول إلى تلك الفئات، ليس فقط لأنها تعتبر خارجة عن القانون، لكن لأنها تخاف من الحكومة ولا تستجيب للخدمات التي تقدمها. هنا يأتي دور الجمعيات الأهلية التي تحاول الوصول بنفسها إلى تلك المجموعات."
هذا بالنسبة إلى المجموعات المعرضة للإصابة بالإيدز. أما فيما يتعلق ببقية شرائح المجتمع، فتأتي محاولات الحكومة الحالية عن طريق التعاون مع رجال الدين الذين يحاولون في مواعظهم كسب العطف نحو المصابين عن طريق التركيز على ضرورة العناية بالمرضى. هنا يتضح دور التفسير الديني في توجيه تعامل المجتمع مع الأنماط المرفوضة فيه. ففي بداية انتشار المرض في العالم العربي كان الكثير من رجال الدين يصفونه في خطبهم ومواعظهم على أنه "عقاب الله على الفساد الجسدي والأخلاقي". هذا الموقف أدى بدوره إلى استقصاء المرضى من المجتمع وطردهم من عائلاتهم. وتضيف مها عون في هذا السياق: "للأسف تلك النظرة ما زالت منتشرة، ليس فقط في العالم العربي ولكن في العالم أجمع. لكن لأن الحالات المصابة به تفضل البقاء في الخفاء فان عملية معالجة المرض غير فاعلة بالشكل المطلوب." محاولات الحكومة وكل الجهات المهتمة بالمرض لتثقيف الناس ونشر التوعية عن الإيدز تبوء في كثير من الأحوال بالفشل بسبب رفض الكثير للحصول على تلك المعلومات. ان التوعية بأساليب الوقاية الجنسية تشجع على الجنس بدلا من الخوف منه واللجوء إلى أساليب خاطئة من وجهة نظر الكثيرين، وإعطاء مستهلكي المخدرات حقن نظيفة تشجعهم على الاستمرار في هذا الطريق على سبيل المثال. في هذا الإطار يقول د. أسامة طويل من مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز UNAIDS (المكتب الإقليمي للشرق الأوسط): "أظهرت تجاربنا أن المناقشات مع رجال الدين ضرورية وأنه يمكنهم في أحوال كثيرة الإسهام في دعم ورعاية الأشخاص المتعايشين مع فيروس العوز المناعي البشري HIV. فعلى سبيل المثال تم تجنيد رجال الدين في دول مثل الجزائر لكسب المزيد من التقبل والخدمات للمحتاجين إليها."
أخيرا، إن نسبة الجهل العالية تلعب دورا كبيرا في تضخيم هذه المشكلة. في مجتمع يسهل فيه نشر الشائعات مثل أن الإيدز ينتقل بالمصافحة أو أن المرض لا ينتقل إلا عن طريق ممارسة الجنس مع الغربيين يصبح من دروب المستحيلات الوصول إلى سيدة وتوعيتها أن الفيروس يمكن أن ينتقل إليها من زوجها إن كان قد سبق له إقامة علاقة مع سيدة أو رجل في دولة يختلف الواقع الكائن فيها تماما عن الواقع المفروض.
دويتشه فيله -رويترز - ا ف ب