البتر التناسلى للإناث - الحلقة الرابعة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
قراءة سيكولوجية للختان
ختان البنات هذا الطقس الدموى الذى نحتفل فيه بذبح فتياتنا، غالباً ما يغلفه الأهل فى ورقة سيلوفان رقيقة ملونة لتقديمه وتبريره لهذه الفتاة المذبوحة، هذه الورقة إما أن تكون على شكل فروض دينية أو ضرورات إجتماعية أو أعراف وعادات سلوكية، وعندما تبدأ البنت فى فك ورقة السيلوفان لتبتلع الحلوى المسمومة سرعان ما تكتشف حجم الخديعة التى صنعها الأهل، وعمق الفخ الذى أوقعوها فيه، وأن المسألة ما هى إلا مجرد عقد نفسية ومتاعب سيكولوجية يعانى منها المجتمع قبل الأهل، ويغرق فيها الأهل قبل البنت، ويمهد الطريق للبنت لكى ترث كل هذه العقد والمتاعب، يتم كل هذا بقلب بارد وحس متبلد، وكأننا فى شبكة مافيا غامضة لا نعرف خيط بدايتها من طرف نهايتها.
سيناريو الختان ذكرنى بما تفعله مجموعة دينية مغربية تقوم بتجريح الرأس حتى تنزف وذلك إعتقاداً منها بأنه يخرج الجن والأرواح الشريرة، وهذه الجماعة تؤمن بوجود جنية شريرة تدعى "عائشة قنديشة" يمكنها أن تقتل كل من يعصى أوامرها فتأمر أتباعها بهذه المذبحة تعطشاً للدماء!، وعقدنا النفسية هى بمثابة "عائشة قنديشة" الخاصة بنا، وأولى عناصر هذا التفسير النفسى للختان هى أنه مظهر من مظاهر التسلط الإجتماعى من الذكور على النساء وأيضاً من النساء على النساء، وكما يبحث الرجل عن وسائل لتقويته الجنسية بداية من المأكولات البحرية حتى الفياجرا مروراً بجميع أنواع المنشطات، يبحث أيضاً وخاصة إذا كان فرق السن كبيراً عن تثبيط أو مايتخيله هو تثبيط للرغبة عند المرأة، وبالطبع أسهل وأنجح الوسائل هى الختان، ولذلك تقترح د. كاميليا عبد الفتاح أن من أهم عناصر مكافحة ختان الإناث هو مكافحة تعدد الزوجات ونظام الزواج بفرق كبير فى السن بين الرجال والنساء، تقول د. كاميليا عبد الفتاح "إن معنى الختان فى الطبقات الفقيرة يرتبط بإرضاء الرجل إلى جانب إرتباطه بالنظافة وعدم الهياج وبأنه سنة مرغوبة فى الطبقات الأعلى، فالبنت الصغيرة تخضع لهذه العملية بل وتستريح لها طالما أنها ترضى الناس وأنها المتطلب الرئيسى للرجل حيث تشيع فكرة أنه يفرح بذلك، وأن ختان البنت هو من ضمن المؤهلات التى لن تقبل كزوجة بدونه"، أما ما أدهشنى حقيقة هو نتيجة البحث القيم الذى كتبته د. سهام عبد السلام ود. آمال عبد الهادى تحت عنوان "موقف الأطباء من ختان الإناث"، وأهمية هذا البحث تأتى من أن عينة البحث تتكون من الأطباء فقط وهم أكثر الناس معرفة بأضرار الختان الطبية ولكن عند النزول إلى الواقع وسماع آرائهم نجد كم هى قوية الأعراف والتقاليد؟، وما يهمنى هنا هو رأى الأطباء الرجال وخاصة من ينظرون إلى المرأة منهم بنظرة دونية، وقد وجدت الباحثتان أنه هناك إرتباط إيجابى بين الموافقة على عمل المرأة وبين رفض الختان، فالإتجاه الغالب بين معارضى الختان يوافق على عمل المرأة بدون قيود أو شروط ووصلت نسبتهم إلى حوالى 61%، ونسبة الرافضين حوالى 11%، ونأتى إلى الفريق الآخر وهو مؤيدو الختان الذين منهم من يرفض عمل المرأة نهائياً ونسبتهم 31% أما الباقى فيقبل العمل المشروط بشروط كثيرة ومجحفة، ومؤيدو الختان يصفون عمل المرأة للباحثتين بأن له أثر سلبى على الأسرة وضياع لحقوق البيت وبأن الزوجة أساساً ست بيت وحرام عملها خارج البيت الذى هو مملكتها، وأنها تضيع فرصة الرجال فى العمل، وأيضاً المرأة غير كفء فى العمل، وعمل المرأة ضد الفضيلة ومخل بالآداب العامة ويثير شهوة الرجال، وتختتم الباحثتان تغطية هذه النقطة بقولهما "رفض الختان هو جزء من موقف عام يرى المرأة كائناً عاقلاً مساوياً للرجل فى الحقوق والواجبات والقدرة الإجتماعية، ويرى أن تقدم الوطن مرهون بإسهام كل مواطنيه رجالاً ونساء، بينما ترتبط الموافقة على الختان بنظرة دونية للمرأة تراها أقل كفاءة من الرجل، وأن مكانها المنزل لخدمة الزوج والأبناء، وخروجها خارج هذه الحدود يرتبط بالمشاكل الأسرية ويخلق فوضى جنسية".
نستخلص مما سبق أن التسلط الذكورى موجود حتى فى الفئة المثقفة التى تعرف تماماً خطر هذه الجريمة على البنت وكيف تحرمها من البهجة والحياة الجنسية السليمة بل والحياة الإنسانية السليمة وتنتهك حقها الإنسانى البسيط، إن الأطباء الذكور يعرفون كل هذا بل هم متأكدون منه تمام التأكد وبالرغم من ذلك ولا أبالغ إذا قلت أنه من أجل ذلك يوافقون على الختان هذه العادة المتخلفة لأن موقفهم الإجتماعى أصلاً متخلف، وهذا يتطابق مع ما قاله أحد الرؤساء الأفارقة -توماس سنكارا- عن الختان "هناك محاولة للحط من المرأة بجعلها تحمل هذه العلامة التى تنقص من وضعها والتى تشعرها دائماً بأنها ليست إلا إمرأة ناقصة عن الرجل، لا يحق لها حتى الإستفادة من جسدها وأن تفرح وتُفرح جسدها وكل كيانها، فلها حدود فرضها عليها الرجل، لذلك فالختان وسيلة لإذلالها"، ولا بد أن نذكر فى هذا السياق ما فعله الرئيس جومو كينياتا فى دعايته الإنتخابية من ترويج لعادة ختان البنات حتى يكسب الجولة!!، وحتى فى أمريكا سنة 1848 كما يذكر د. سامى الذيب كان هناك علاقة أو رابطة ما بين إعلان حقوق المرأة فى الولايات المتحدة فى هذا العام وبين تأييد الرجال هناك لختان الإناث كرد فعل لإرجاع المرأة إلى دورها الذى إعتادوا عليه وبسبب خوف الرجال من أنوثة المرأة، فهم يرون أن المرأة كانت تميل إلى الرذيلة مما يتطلب علاجها ببتر أعضائها الجنسية، ومما يساهم فى تبرئة الرجال من تهمة الترويج للختان نتيجة التسلط الذكورى ما تطلق عليه د. سهام عبد السلام مؤامرة الصمت، تقول د. سهام عن هذه المؤامرة "تنشأ النساء على أن من العيب أن تعلن المرأة الامها لاسيما المرتبطة منها بالجنس، بذلك تنكر النساء هذه الآلام سواء التى مررن بها فور إجراء التشويه لهن أو التى يعانينها فى حياتهن الزوجية من جراء هذا التشويه، ويكررن ما جرى لهن فى بناتهن، علاوة على ذلك أدى سياج الصمت المضروب حول الحديث عن هذا الموضوع إلى إحجام السيدات والفتيات التى لم يجر لهن هذا التشويه الجنسى وأسرهن عن الحديث مع بقية أخواتهن بما يعرفنه معرفة اليقين من عدم ضرورة هذه العملية وأن العفة والنظافة لا ترتبطان بها، وأن حياتهن تسير فى مجراها الطبيعى قبل الزواج وبعده مع تمتعهن بالسلامة الجسدية، بل بلغ الأمر حد جهل أصحاب الموقفين بوجود بعضهما البعض أصلاً، فمن تخلوا عن ممارسة التشويه الجنسى للإناث صاروا يعتقدون أن مصر كلها قد حذت حذوهم ولم يعد فيها من يمارس هذه العادات، ومن ما زالوا يتمسكون به يعتقدون أن هذه هى طبائع الأمور، وأنه لا توجد فى مصر كلها إمرأة لم تجر لها هذه العملية".
تحدثنا من قبل ونحن نصف حفلة الختان عن الفرحة العارمة التى تنتاب الأمهات والنسوة الجالسات حول الفتاة الذبيحة، والمدهش أن من يحافظ على مسيرة الختان هن النساء!، فالجدات والأمهات هن اللاتى يقررن ويخططن لهذه العملية، والداية الأنثى هى التى تذبح وتضرب أول فرشاة دماء فى لوحة المهانة الأنثوية، والخالات والعمات والجارات والحبايب هن اللاتى يقمن بالتكتيف وعماية الأسر وكتم الأنفاس ولى الأيادى وشل الأرجل ووقف الصراخ وملاحظة العرق المفصود وكم الإزالة المضبوط...الخ، إنها مشاركة نسائية غير مسبوقة لتقديم تاء التأنيث كقربان، ولا أعرف على حد علمى المتواضع مثل هذه المشاركة النسوية فى صنع دونية لمن هى من بنات جنسها، وإذا كان الرجل هو المايسترو الإجتماعى فى عملية الختان فالمرأة هى الأوركسترا التنفيذى الذى يعزف لحن العذاب!.
شكل إنعزال المرأة عن المشاركة فى الحياة الإجتماعية نمطاً سلوكياً جعل الشرنقة الأنثوية تفرز خيوطاً من الأنانية والتسلط والعدوانية، فهى وإن غاب صوتها خارج البيت فقد ترك لها حسم بعض الأمور داخل البيت الذى ضحك عليها الرجل وقال أنه مملكتها كى يلهيها عن صنع مملكة خارج أسوار هذا البيت، ومن ضمن هذه الأمور كل ما يتعلق بالعادات والتقاليد وأهمها ختان البنات وضرب سياج من التربص بتصرفات البنت ونصب الفخ تلو الفخ وكأننا فى رحلة صيد، وقد ترتب على منع خروج السيدات قديماً من المنزل ظهور طبقة من المترددات على المنزل ممن يقضين حاجاته وقد تميزن بطول اللسان والكلام المكشوف حتى مع الرجال وكأنهن يعوضن بتطرف كبت الأخريات وصمتهن، ومن أمثلة تلك المترددات الدلالة التى تبيع الملابس، والماشطة لعمل الحمام والحنة وغيرها من الأعمال داخل وخارج المنزل ومن ضمنها الترويج لبنات الأسرة وبيان صفاتهن الحميدة وأهمها أنهن مختونات طبقاً للمواصفات القياسية!!، وبالطبع الداية التى تقوم بعمليات الختان والتوليد، قام هذا "الجيتو" النسائى بغزل خيوط المؤامرة على مر التاريخ، والمساهمة فى ترسيخ الدونية الأنثوية ونشر الدفء المزعوم الناتج عن الإنتماء للجماعة، والخوف عند عدم تنفيذ الأمر من الطرد من جنة هذا الدفء الحاضن الآمن، ويورد د. سامى الذيب رأى إحدى الباحثات السيدة "هيكس" والذى يعبر عن المعنى السابق فهى تقول "أن النساء يساندن ختان الإناث لأنهن يحصلن من ورائه على التقدير والإحترام الإجتماعى ولقمة العيش، فمن دون ختان لا زواج ولا إحترام، فهذه وسيلتهن لحماية أنفسهن وضمان دورهن فى المجتمع، والختان يخضع المرأة للنظام الإجتماعى المتضامن الذى من دونه لا حياة لهن، كما يعتبر ختان الإناث وسيلة لفقد الفردية ودخول جماعة النساء التى غايتها حماية عادات المجتمع الثقافية فيكرسن حياتهن للصالح العام"، أما د. سامية سليمان رزق فتقدم تفسيراً آخر لمشاركة المرأة فى ختان بنات جنسها وهو الرغبة فى الإنتقام من الزوج وتقول أنه يرجع إلى "معتقدات لدى البعض وبخاصة النساء من أن كبت الرغبة الجنسية لديهن من خلال الختان هو بمثابة سلاح فى أيديهن لمواجهة هذا الزوج وإذلاله، وهو أمر يوضح كيف أن النساء أنفسهن أصبحن مع الوقت يقمن بإعادة تشكيل القمع الذى يلحق بهن ويبررن حدوثه لصالحهن"!، إنه تفسير غريب ومدهش ولكنه من الممكن أن يكون حقيقى فهو نوع من الإنتقام اللئيم لتراث من القهر والقمع الرجالى ولكنه مخلوط ببعض السذاجة التى توارثتها الأنثى نتيجة العزلة الإجبارية عن الذوبان فى المجتمع، ففعلت كما يفعل جندى الأمن المركزى الغلبان للهروب من الجيش ببتر ساقه!.
وتفسير آخر تقدمه طبيبة سودانية من خلال بحث بعنوان السجينات لـlightfool-klien يقدم لنا مبررات تلك العدوانية الغريبة من إمرأة المفروض أنها تألمت ونزفت من تلك العملية وتكرر بغباء نفس التصرف، وتقول الطبيبة السودانية أنه ليس غباء ولكنه ثأر!، فالنساء هناك كما تخبرنا تلك الطبيبة ليس لهن دور فى المجتمع، فيقمن بصب كل سيطرتهن المكبوتة على الأبناء والبنات، فيجرين لبناتهن عملية الختان كما أجريت لهن أنفسهن، فكل إمرأة تألمت كثيراً لا بد لها من الثأر، ولكن لا يمكنها الثأر إلا من بناتها رغم محبتها لهن، وتشعر الجدة أنه إذا أبطلت العادة فإنها سوف تفقد كل ما لها من سلطة، وتضيف هذه الطبيبة أن هذا الإصرار ليس لأن هؤلاء الجدات شريرات على العكس فقد يكن متدينات وطيبات، ولكن مشكلتهن أنهن يعتقدن أنه لا يمكن الحفاظ على بكارة البنت إلا إذا اجرى لهن الختان والنوع الفرعونى منه بالذات، وتضيف أن النساء رغم الألم الذى عانينه يقمن بختان بناتهن إختياراً للطريق الأسهل وتهرباً من مقاومة المجتمع، إنه ليس حب التدمير من أجل التدمير ولكن لأنها لم تختزن فى عقلها الباطن إلا هذا السلوك تجاه المرأة، إنها تصرخ من خلال بناتها، إنها الجين النفسى الذى يحافظ على نقل تلك العادات السلوكية من جيل إلى آخر، وترى د. سهام أن المرأة لا تفعل ذلك إلا إرضاء لنزعة الرجل فهى بمثابة الوكيل المنفذ لإرادته، وهى تشير فى ذلك إلى قول إمرأة عجوز صرحت لها "يجب أن تختن البنات لأن الرجال فقراء، فهم يأكلون فراخ المزارع التى تربى بالهورمونات، ولذلك لا يمكن للرجال أن يرضوا نساءهن غير المختونات "!!، فالسيدات اللاتى ينبشن من أجل الختان يتحركن تجاه هذه الجريمة بتنويم مغناطيسى من المفاهيم الجاهزة حول العلاقة بين الرجل والمرأة التى يغلفها التحدى لإثبات الرجولة والفحولة بمعناها الضيق الآلى البحت، الذى لا تظلله أية عاطفة أو حب، إنها علاقة باردة لو زادت عن المقدار المحدد لها -وبالطبع الذى يحدد هذا المقدار هو الرجل- لو زادت هلك الرجل ولا بد من أحد حلين، الأول أن يبتعد الرجل وينزوى وهذا مستحيل ففيه جرح لكرامته ورجولته، والثانى هو أن يطمس ملامح الزوجة العاطفية والجنسية فتظل كالتليفون منقطع الحرارة جسماً معدنياً بارداً بلا إرسال أو إستقبال!.
يفسر البعض سيكلوجية الختان على أنه خليط ما بين المازوكية أو الماسوشيزم والسادية أو الساديزم، والأولى هى نسبة إلى مازوش الذى كان يتلذذ بتعذيب نفسه وبتر أعضائه، والثانية منسوبة إلى الماركيز دى صاد الذى قضى 16 سنة فى السجن و11 سنة فى مستشفى الأمراض العقلية ويتصف هذا المرض بالرغبة فى تدمير وإيذاء الغير كما فعل الماركيز عندما كان يجلد ضحيته وأحياناً يسلخها!!، فهل يرضى مجتمعنا فى القرن الواحد والعشرين أن يوصف بالسادية أو المازوكية تجاه نفسه وتجاه بناته بالذات، إننا لا نستطيع أن ندين الآخرين الذين يصفوننا بهذا الوصف قبل أن نعدل من سلوكياتنا تجاه العنف ضد المرأة.
إذا كنا قد حاولنا توصيف وتأصيل الجذور السيكولوجية للختان، فإن توصيف الآثار السيكولوجية المدمرة على البنت نتيجة الختان والتى تحدثنا عن جزء بسيط منها من قبل تحتاج إلى مجلدات ومجلدات، فكل حالة ختان هى حالة منفردة لها عقدها الخاصة ومشاكلها المتفردة وعندما نفتح خزانة الذكريات سنجد ما يندى له الجبين خجلاً وما يشيب له الولدان فزعاً، وهذا ليس تلاعباً بالكلمات الفصحى المتقعرة البليغة ولكنها تعبير عن واقع مرير يصرخ بالرعب، ففضلاً عن الإنتهاك الجسدى والجنسى للأطفال الصغار، فهناك خدش البراءة وعمل FOCUS أو تثبيت وتقريب بعدسة العادات والتقاليد والأخلاق على "تابو" الجنس ففى هذا السن الصغير تبدأ البنت فى التفكير بأن هذه المنطقة هى منطقة القاذورات والدماء والعنف والمحظور، وممنوع عليها الإقتراب من هذا المكان البغيض الكريه، وتبدأ بالونة الفزع فى التضخم والإرتفاع حتى تنفجر فى وجه المجتمع وأحياناً فى وجه الضحية نفسها، وتبدأ البنت فى تعلم إخفاء إنفعالها الحقيقى المؤلم لإرضاء الأهل الذين يقنعونها بأن هذا الإجراء هو الصح، ويتطور هذا الإخفاء إلى إتقان التمثيل والكذب، فتمثل على الجميع بأنها طبيعية، وتمثل على زوجها بأنها مستمتعة، وتمثل على أهلها بأنها ممتنة، ويمتد حبل الكذب حتى يخنق أبسط المشاعر الإنسانية الجميلة التى خلقها الله فى قلوبنا للإستمتاع بالحياة، إننا بالختان نزرع الكذب والخوف والنفاق فى عقل وروح البنت لنشكل على هوانا مسخاً إنسانياً نمارس فيه عقدنا النفسية الناشبة أظفارها فى لحم حياتنا.
أما سكوت المجتمع على هذه المذبحة فكثيراً ما أتخيل أنه خرس ناتج عن مخدر عام إستنشقناه فقررنا "الطناش" واللا مبالاة والصمت الرهيب إزاء هذه الجريمة النكراء، وبمناسبة المخدرات فالكثير من الباحثين يرجع سبب هدية الحشيش الروتينية التى تمنح للعريس والتى هى جزء من محبة الجيران والأقارب للقادم على الحياة الجديدة، يرجعها هؤلاء إلى الختان حتى يتخيل العريس أن لقاءه دهر وساعات طوال، وحتى يتوه عن الحقيقة بأن لقاءه فى الحقيقة لقاء بدون إحساس، بارد برودة الفريزر، يفتقد إلى الحياة والدفء والنبض، ويوجد باحثون ومفكرون كثيرون أدانوا الختان كسبب من ضمن أسباب إنتشار المخدرات، فيقول المفكر أحمد أمين فى قاموس العادات والتقاليد عن الختان "فى هذه الأيام من حياتى، أعنى فى سنة 1950 وما بعدها، نادى بعض الناس بقصر الختان على الذكور دون الإناث، وحجتهم فى ذلك أن ختان البنات قد سبب إنتشار عادة تعاطى الحشيش والمنزول والأفيون ونحو ذلك، وذلك بسبب أن البنت إذا أختتنت ثم كبرت فختانها يقلل من لذتها الجنسية، فيضطر الرجل إلى إستعمال المخدرات التى ذكرناها، فنادوا بعدم ختانها حتى لا يضطر الرجل إلى مثل هذه المخدرات"، ويورد د. سامى الذيب آراء أخرى فى هذه المسألة على موقعه فى الإنترنت منها رأى د. محمد سعيد الحديدى الذى يقول "إن المخدرات والمغيبات بكافة أنواعها قد إنتشرت فى بلادنا إنتشاراً مخيفاً قد تعدى كل الإحصائيات فى أى بلد آخر رغم العقوبات الشديدة والقوانين الصارمة التى يؤخذ بها كل من تجرأ وتعاطى هذه المخدرات، ما السر فى هذا يا حضرات السادة، لو إهتدينا إلى هذا السر لوفرنا على أنفسنا وعلى أمتنا المال الكثير الذى يبذل لمكافحة هذه الأشياء ولجنينا فوائد أعظم، فكم من أشخاص زجوا فى السجون وكم ضحوا بأموالهم وعقولهم وأسرهم لتعاطى هذه السموم، ما السر فى ذلك إذاً؟، إنى أسلم معكم بأن كثيراً ممن يتعاطون هذه المواد المخدرة يتعاطونها لنقص فى إدراكهم وتكوينهم العقلى، ولكن ما رأيكم فيمن يتعاطون هذه المواد من أناس يشهد لهم نجاحهم فى حياتهم العملية والعلمية والأدبية والمادية بقسط أوفر من رجحان العقل بل النبوغ؟، الجواب بسيط، وهو الرغبة فى تخدير الحساسية لدى هؤلاء الرجال ليحصل التكافؤ بينهم وبين من يلامسون من نساء مختتنات، ويقول د. رشدى عمار أيضاً "فى 62 حالة كان الأزواج يتعاطون المخدرات أو المشروبات الكحولية للمساعدة على الإتصال الجنسى ورغبة فى إشباع الزوجات والأزواج، وبسؤالهن عن النتائج كانت الإجابة أنه أفاد فى بعض الحالات وأنه يأتى بنتيجة عكسية فى حالات أخرى، ونحن جميعاً نعلم أن من أسباب إدمان بعض الرجال على المخدرات أو المشروبات الكحولية هو الرغبة فى إطالة اللقاء الجنسى نظراً لزيادة نسبة البرود كنتيجة للـ ((طهارة))".
إنه كابوس أسود، أو بلغة ومصطلحات الطب النفسى إن الختان وسواس قهرى متسلط، وضلالات مسيطرة علينا توحى بأن البنت عار، وبأننا مطاردون من العالم المتحضر الذى يريد أن يطمس ثقافتنا والتى نتخيل أن من سماتها الأساسية الختان، أليست ثقافة الشعوب فى حاجة إلى غربلة وإعادة فرز من آن لآخر لطرد كل ما هو ضار ودخيل فى هذه الثقافة؟، أعتقد انه قد آن الأوان لعمل هذه الغربلة وتنفيذ هذا الفرز حتى تصبح ألف باء ثقافتنا هى حقوق الإنسان وأولها حقه فى جسد غير منتهك.