الطب ليس وراثياً في الإمارات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
زيد بنيامين من دبي
علي.. طبيب مواطن يعمل في دائرة الصحة والخدمات الطبية في إمارة دبي.. الامارة التي لا تنام.. فوجئ كغيره من زملاء المهنة اصحاب الدرجة الوظيفية الاولى وحتى الرابعة بقرار اصدرته الدائرة (شفهياً) في بداية شهر سبتمبر الماضي ويقضي باستعادة منحة كان قد امر بها المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد ال مكتوم حاكم دبي الراحل لجميع الاطباء المواطنين تتراوح قيمتها بين 180 - 200 الف درهم إماراتي (50 - 54 الف دولار) استعادتها على شكل دفعات شهرية بعد ان كانت قد دفعت على شكل دفعة واحدة باعتبارها مكرمة.
لم يلزم علي وقتا طويلا لكي يعرف ان الدائرة جادة في تنفيذ قرارها.. فبمجرد مراجعته لحسابه وجد ان راتبه الحالي قد شهد تراجعاً في قيمته بحوالى اربعة الاف درهم وهو على ما يبدو ما يجب ان يعتاد عليه خلال السنوات الاربع القادمة حتى يكون قد اعاد كل مبلغ المنحة الذي تحول بين يوم وليلة الى محنة بعد ان كان الرجل الذي قضى اثني عشر عاماً من عمره في دراسة الطب.
ليس غريباً ان تجد نسبة الاطباء المواطنين في مستشفيات دبي قليلة بالنسبة الى الوافدين فعلي مثلاً يعمل لسبعين ساعة اسبوعياً وينال الراتب نفسه الذي يناله موظف في بلدية دبي يعمل نصف هذا الوقت وحينما سألته هل سيدرس ابنك الطب قال" ما الفائدة!".
في مدينة لا تعرف الهدوء فان العمل في غير القطاع الخاص قد يعد مضيعة للعمر والوقت للكثيرين وخصوصاً لطبيب شاب مثل علي الذي قد لا يجد وقتاً لعائلته وبالتالي يكون اعتماده الكلي على راتبه امراً مسلماً به ولكن يبقى السؤال المطروح: هل يمكن ان يكون الراتب موضوعاً للمساومة بهذه الطريقة.
اسئلة كثيرة دارت بيني وبين علي اثناء حديثنا عن القضية ومنها "هل نستطيع ان نقول انها اعمال انتقامية مثلا لموقف سابق" و "كيف يستطيع قرار مجهول مثلاً ان يوقف قرار اصدره حاكم الامارة وخص فيه جميع الدوائر وليس دائرة الصحة على وجه الخصوص دون ان يصدر القرار بايقافه من مستوى عال ومعروف وضمن تعميم موقع ومنشور بالطريقة الرسمية" و"لماذا كانت دائرة الصحة فقط هدفاً لهذا القرار دون غيرها من الدوائر" ..
كنت انظر لعيني علي لانه قرر الحديث عبرهما هذه المرة بعد ان عجز لسانه عن النطق.. كأنه يقول ان هذه الاسئلة تدور في عقل اي شخص بمجرد سماعه عن هذا الموضوع ومحاولة منه في انهاء حالة الصمت التي سادت بعد ان انتهت الاسئلة قال "يمكن يعاقوبنا عشان طلعنا دكاترة!" .. ولم يدر انه سؤال اخر اضيف الى قائمة الاسئلة التي طرحت ولا يمكن ان احسبه جواباً باي حال من الاحوال.
يقول تقرير اصدرته دائرة الصحة والخدمات الطبية لعام 2006 ان مجمل العاملين في الدائرة في الرعاية الصحية الاولية من المواطنين هم 145 ومنهم 28 فقط من الذكور يضاف اليهم الاطباء العاملون في مستشفيات الوصل ودبي وراشد والادارة العامة ليصل العدد الى 450 طبيباً وطبيبة اي بنسبة 37% من الاطباء العاملين في مستشفيات الامارة وهذا يعني ان مجمل مبلغ المنحة لو صح منحها للجميع هو 90 مليون درهم اماراتي (24.6 مليون دولار) وهو مبلغ يسهل الاستغناء عنه على الاقل في اماراة كدبي التي كانت قد اعلنت في وقت سابق استراتيجيتها للسنوات المقبلة ويبدو هذا المبلغ ضئيلاً لا يتواجد معه المبرر لاستعادته بل يجب استغلال مثل هذه المنح من اجل تشجيع المواطنين ليكونوا اطباء فاعلين في مجتمعهم وينهي العزوف الجماعي عن هذه المهنة التي تستهلك مجمل وقت العامل بها بدل الجلوس والتساؤل عن اسباب هذا العزوف.
وكانت دراسة جامعية نشرت في ابريل الماضي افادت ان الاطباء الاماراتيين يعيشون حالة كبيرة من الاحباط والقلق النفسي بسبب سوء أوضاعهم المالية والاجتماعية وكثرة مشاكل وضغوط العمل مؤكدة أن غالبية الأطباء المواطنين يتمنون ترك مهنة الطب ولا يرغبون في إلحاق أبنائهم بكلية الطب حتى لايعيشوا مأساة آبائهم وذكرت الدراسة أن 66 في المئة من الأطباء أكدوا أن رواتبهم لاتكفيهم لمواصلة الحياة بصورة كريمة كما رأى 70 في المئة من الأطباء أن وضعهم الاقتصادي والاجتماعي لا يحمسهم على تطوير أنفسهم علميا وتطوير الخدمات الصحية.
في نهاية الحديث قال علي جملة "لو شيوخنا يدرون.. جان ما سكتوا" وهي جملة يقولها الجميع في الامارات خصوصا مع سهولة الوصول الى الحاكم وتقديم التظلم او الشكوى عن امور كهذه فما بالك ان كان حكام دبي هم ال مكتوم.