مفاهيم خاطئة للمرض والعلاج النفسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بعضهم يرى إرتباطه بالجنون
مفاهيم خاطئة للمرض والعلاج النفسي
إن هذه الاعتقادات تؤدي إلى التردد عند زيارة الطبيب النفسي والخجل من ذلك بل ربما الامتناع عن الإقدام عليه، على الرغم من الحاجة الشديدة إلى ذلك، ولكن من السهل مراجعة راق دجال أو مشعوذ ودون تردد. ونتيجة لهذه الأفكار والممارسات فإن الناس يتأخرون في مراجعة العيادة النفسية حتى يستفحل المرض وتصبح عملية العلاج أطول. وعلينا أن نتذكر بأن المرض النفسي يتدرج من الاضطراب البسيط الذي يمكن علاجه بالإرشاد النفسي والطمأنة إلى الفصام العقلي شديد الاضطراب الذي يتحكم به دوائيًا، فأمراض القلق والإكتئاب والوساوس والمخاوف والهستيريا وإضطرابات النوم وإضطرابات الأطفال وغيرها من الأمراض النفسية قابلةللشفاء، وإن هناك نسبه قليلة من الأمراض النفسية التي لا تشفى ولكن يتحكم بها من قبل الأدوية، ولو نظرنا إلى الأمراض غير النفسية فإن الأمر لا يختلف كثيرًا، فهناك العديد منها يستمر طوال العمر مثل مرض السكري والضغط وأمراض القلب ويحتاج المريض المصاب بها إلى تناول علاجه مدى الحياة.
لقد أثبتت التجارب العلمية بأن سبب الأمراض النفسية هو اختلال في مستوى النواقل العصبية في الدماغ وذلك نتيجة عدة عوامل منها تأثير الوراثة والبيئة والتربية وعوامل عديدة أخرى، والمرض النفسي مثله في ذلك مثل الأمراض العضوية الأخرى له أساس عضوي، وانتقال الأمراض النفسية عبر الوراثة يعكس الطبيعة المرضية لتلك الأمراض.
والتجارب العلمية مدعومة بالخبرات العملية والمشاهدة اليومية أثبتت نفع الأدوية النفسية في علاج الأمراض النفسية.
وتختلف العلاجات النفسية عن غيرها بأنها تحتاج إلى عدة أسابيع حتى يبدأ مفعولها وقد يستمر العلاج لفترات قد تمتد إلى أشهر أو أكثر ويعتمد التحسن على مدى استمرارية المريض على العلاج . وللارتقاء بالمستوى الصحي والنفسي للفرد داخل المجتمع العربي عليه أن يتخلص من هذه المفاهيم الخاطئة وأن يبني قناعاته على أسس علمية ثابتة وليس على الخرافات والإشاعات.
هذه الأفكار الخاطئة أوجدت الاتجاهات السلبية للمرض النفسي من قبل العائلة في حالة إصابة أحد أفرادها به: فإذا أجرينا مقارنة متعلقة بموقف الأهل في حالة الإصابة بالمرض العضوي والإصابة بمرض نفسي نجد أن الأهل في الحالة الأولى يستدعون الطبيب بشكل فوري، وينفذون تعليماته بدقة، ويعطونه ثقة كبيرة، ويقبلون بتشخيصه، ويكون المرض مناسبة اجتماعية للزيارات، وتسود الأجواء مشاعر التعاطف مع المريض ورغبة في متابعة علاجه حتى الشفاء التام. أما في حالة المرض النفسي فنجد الأهل يترددون كثيرًا قبل مراجعة الطبيب، ويحاولون التهرب من تنفيذ تعليماته، ويفضلون مراجعة أكثر من طبيب، ويحيطون التشخيص بالتشكيك، ويحملون عدائية غير ظاهرة للمعالج، كما أنهم يحاولون أخفاء أنباء المرض حتى عن المقربين، ومحاولة إنهاء العلاج بأقصى سرعة ممكنة (حتى قبل أوانه)، كما يحملون مشاعر هجومية نحو المريض ويوجهون انتقادات مكثفة إليه.
من العوامل التي ساهمت في ترسيخ المفاهيم الخاطئة هي وسائل الإعلام: لقد تعودنا من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والرواية العربية على تقديم صورة مشوهة عن العلاج والمعالج النفسي ممّا جعل هذه المفاهيم تتغلغل في وجدان الناس ومن الصور المشوهة التي قدمت في الأفلام والرواية العربية شخصية الطبيب النفسي، فتُظهر الطبيب النفسي وكأنه غير مستقر نفسيًا. ومنها أيضًا طريقة العلاج النفسي وتنفيذها، والمثل الواضح على هذا هو العلاج بالاختلاج الكهربائي والذي يصور على انه نوع من العقاب ويعرض بطريقة تثير اشمئزاز المشاهد، فنجد المريض يصرخ ويتألم وكأن الذي يحدث هو تعذيب للمريض وليس علاجًا له، وإظهار الممرض النفسي بأنه شخص قاسٍ عديم الرحمة، عابس الوجه، عنيفًا في حديثه وأسلوبه وتعامله. وأيضًا هناك تركيز لوسائل الإعلام على عرض المرضى النفسيين ذوي الحالات المزمنة وغير القابلة للشفاء وهذه الأمراض تحدث بنسبة قليلة مقارنة بالأمراض النفسية الأخرى والتي تعالج ويشفى منها تمامًا.
ولكي نتخلص من موروث سنوات طويلة من المفاهيم والمعتقدات الخاطئة عن الطب النفسي، على وسائل الإعلام والعاملين في مجال الصحة النفسية أن يقوموا بدورهم لتحسين الصورة المشوهة عن الطب النفسي، والمساعدة في توصيل المعلومات الصحيحة عن الأمراض النفسية وطرق العلاج النفسي، ونحن نتوق إلى ذلك اليوم الذي تصبح فيه زيارة العيادة النفسية أمرًا عاديًا وان نتخلص من الخوف والخجل والوصمة السلبية .
إن الهدف الذي نسعى إليه هو الارتفاع بمستوى قدرات الفرد ليعيش حياة أفضل ويساهم في بناء المجتمع بأقصى طاقاته. ولتحقيق هذا الهدف على الفرد داخل المجتمع العربي أن يتخلص من هذه المفاهيم وأن يبني قناعاته على أسس علمية ثابتة وليس على الخرافات والإشاعات.