مثقفون عراقيون حول النشيد الوطني العراقي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
النشيد الوطني العراقي – بين الطموح والواقع
حوار مع نخبة من المثقفين العراقيين
أجراه حسين السكاف
ترى متى يكف العراقي عن التفكير العميق بوطنه، متى يشعر بالإحباط والملل واللاجدوى؟، لقد حشدوا علية كل كلاب الأرض لتنهش لحمه وأحلامه في آن واحد، دججوا أرضه بالسلاح والقنابل، وغرسوا فيها عبواتهم الناسفة وعربات الموت المفخخة، قذوا على أرضه جيف التكفير وعفونة التخوين وحقد العقول المهترئة بقانون الوتر الواحد. ورغم ذلك نجد العراقي يبتسم للحياة، يفكر بالمستقبل، وكأن كل تلك الجيف بعقولها العفنة لم تمر على أرض بلاده.
لم أكن أشاكس حين طرحت أسألتي على ضيوفي، لم أكن ألهو، بل أردت منهم المشاركة في طرح آرائهم المهمة، وهم نخبة من أبناء جلدتي، في رسم صورة العراق التي يرمون إليها، متخذاً من موضوعة النشيد الوطني متكأً يعينني على ترجمة أفكارهم. كان يشاركني في جلستنا تلك صديقي الفنان المسرحي قاسم حسن الذي عمل بجهد استثنائي على إدارة الحوار بشكل لم تعرفه بعد الكثير من البرلمانات والمجالس الوزارية. صحيح أن عدد الضيوف كان محدوداً، وصحيح أيضاً كانت المودة والحرص العراقي النبيل يسيطران على جو الجلسة، ولكن ما طرح من أفكار وأمنيات كان يثير الدهشة.
* السكاف - التفكير في إنجاز نشيد وطني في وقتا الحالي، وسط الكوارث وحمامات الدم التي تشهدها شوارع وساحات وأزقة العراق، هل تجدوه تفكيراً صائباً؟
الفنان المسرحي هادي الخزاعي – أنا آرى إن عملية إنجاز النشيد الوطني في وقنا الحالي، سوف تخرجه بشكل لن يكون خالٍ من الإلتباسات السياسية السائدة على الساحة العراقية الآن، وأقصد بذلك، أن النشيد والوطني ستيعرض إلى ما تعرض له دستور العراق الجديد من محاصصات وإرضاءات تأتي في أغلبها على حساب ذوق ومصلحة المواطن العراق.
الدكتور عبد الإله الصائغ – النشيد الوطني يجب أن لا يمثل الوضع العراقي الراهن، بل ينبغي عليه أن يخرج بصورة يعشقها ويقدسها ويغار عليها الناس وبمحض إرادتهم، بشكل يجعل العراقي يسمعه بقدسية وخشعوع، وليس بطريقة الفرض والإجبار كما حدث مع نشيد الدكتاتور الذي كتبه شفيق الكمالي ولحنه وليد غلمية وعزفته فرقة موسيقية يونانية، وكل هؤلاء ليسوا بعراقيين، وبالتالي خرج بمفاهيم مقرفة جعلت الشعب ينفر منها ولم يحفظه سوى الأطفال كونه كان فرضاً إلزامياً في المدارس، وما حفظ الأطفال لنشيد الدكتاتور سوى ترجمة لشغفهم بالصور الكارتونية.
الشاعر والقاص حميد العقابي – أتمنى أن يؤجل العمل بالنشيد حتى وقت الإستقرار، وليس في هذا الوقت الذي لا زلنا نفكر ونطرح رؤانا فيه، على أثر هاجس سنوات الحكم الدكتاتوري، وهذه الطريقة الملتبسة في التفكير تحتوي على مزالق ومخاطر كبيرة، وأريد أن أسأل، ماذا لو طالب الأخوة الأكراد بأن يكون نصف النشيد باللغة الكردية، وهذا من حقهم، ولكن كيف سيصاغ النشيد؟ ماذا لو فازت القوى الدينية بالإنتخابات القادمة وأرادوا إدخال إيقاعات العزاء الحسيني داخل النشيد؟ وهذا من حقهم أيضاً، حسب وجهة نظرهم بالطبع، كيف سيكون شكل النشيد حينها؟، بالتأكيد سيأخذ شكلاً مرتبكاً لا يخلو من الهفوات ومصادرة حق الآخر، لذا أجد أن فكرة التأجيل بعمل مهم كهذا ضرورية جداً.
قاسم حسن – أجد أن فكرة تأجيل العمل بإنجاز النشيد الوطني، هي الفكرة الغالبة على أغلب الأفكار التي طرحت. ولكن دعونا أن نستمع إلى المزيد من الآراء وأترك الحديث للفنان المسرحي والمخرج السينمائي طارق هاشم.
المخرج السينمائي طارق هاشم – ربما أكون متطرف بعض الشئ إذا قلت بأننا لسنا بحاجة إلى نشيد وطني، ولكن دعوني أن أشير إلى صورة مهمة، صورة كثيراً ما أرعبتني، هي أن المبدع العراقي حين يشرع في عمل ما، نجده يفكر بتأثير الزمن العراقي المنصرم، وأقصد بذلك زمن الحكم الدكتاتوري، وزمن الفوضى منذ سقوط التمثال، وبدون أن يشعر يجد نفسه يتحدث أو يفكر كما السياسي، وهذه صورة خطرة جداً، بحيث نجد أن المبدع وبعد وقت قصير يعلن عجزة عن التفكير أو ينتج بعد اصرار وعناد مرير عملاً مشوهاً يأخذ صورة الواقع العراقي المشوه. لذا أجد أن التفكير بإنجاز عمل كبير ومهم كالنشيد الوطني، بحاجة إلى بعض التأني.
الشاعر علي ريسان – موضوعة النشيد الوطني لا تختلف عن موضوعة العلم العراقي، وأنا أميل إلى تأجيل العمل على إنجازه إلى فترة الإستقرار، النشيد كما أراه صورة حسية تُطرح للمواطن كي يعشق بلده بكل جوارحه، تماماً كما يعشق المرء حبيبته، وهذه الفترة الدموية القلقة التي يعيشها العراق، هي أرضية أو مناخ غير صالح لإنتاج مثل هكذا عمل مهم.
* السكاف – دعوني قبل أن أطرح سؤالي عليكم أن أستذكر وإياكم بعض الآراء التي طرحها فنانون عراقيون لهم تأثيرهم الواضح على مسيرة الموسيقى العراقية، وهم في نفس الوقت كانوا ضمن الفنانيين الذين لبوا نداء وزارة الثقافة العراقية الفتية في إنجاز نشيد وطني عراقي ضمن المسابقة التي طرحتها الوزارة الأولى بعد سقوط الدكتاتور، ولكن للأسف ذهبت جهودهم أدراج الرياح، ولم يسمعوا حتى كلمة شكر.
الملحن طالب غالي(1) - كيف يمكن لفنان أو شاعر أن يبدع عملا فنيا حقيقيا دون ان تكون هناك نوابض في الاعماق تحمل بعضا من أوليات العمل واحساسا عن تحركه صعودا وامتزاجا بالحالة أو الموضوع المراد ابداعه؟ وان عملا كهذا يفترض ان يكون شاملا من حيث البناء الشعري والنغم الموسيقي، لاسيما وانه سيكون نشيدا وطنيا لشعب له مكوناته واطيافه المتعددة وثقافاته المتباينة وله سيكولوجيته المتميزة والوانه الغنائية المتنوعة. ألا ترى معي بأن الذي تشرب دمه بشمس العراق ورائحة ترابه وتوضأ بأمطاره وتحمل معه آلامه ومعاناته واحتضن جراحاته وسافر معه في الحلم والمناجاة هو الأقدر على تجسيد عمل يحتوي كل هذا النبض الحقيقي ليأتي معبرا عن كل الارتعاشات الحقيقية وخفق الوجدان؟ وهناك مثل يقول: الحمل الثقيل لا يقوم به الا أهله. وانا اقول ان عمل مثل النشيد الوطني هو عمل كبير لا يجيد كتابته وتلحينه غير ابنائه الذين تملحوا بترابه وحملوه بأحداقهم ونبض قلوبهم.
الفنان باهر هاشم الرجب(2) - بمناسبة النشيد والسلام الوطني لابد لي الإشارة الى آراء بعض الزملاء ممن يود ان يكون ايقاع الهيوة وغيرها من صفات موسيقية عراقية بحتة في تركيبة لحن النشيد الوطني او آخرين ارادوا او وضعوا بالفعل موسيقى مقامات عراقية كمقام الحسيني وغيره، أن ينتبه جميهم الى اننا نتكلم عن نشيد وطني وسلام وطني تعزفه فرق دول العالم الشرقية والغربية، فكيف ستعزف هذه الأجواق العالمية موسيقانا المتضمنة (للربع تون)؟، كما ان البعض الآخر عارض ميزان المارش المعروف، ألا توجد موازين اخرى غيره؟؟ هناك بالطبع العديد منها ومابين المارش وفكرة الهيوة ( ستر الله ) نشيدنا الوطني القادم.
الفنان فلاح صبار(3) - في الحقيقة أخذ مني التفكير في كتابة مشروع النشيد الوطني مايقارب الشهر، وكانت الأفكار في رأسي متزاحمة ومتلاطمة، لأن مجرد التفكير في الاقدام على عمل كبير كالنشيد يحمل معاني وروحا عظيمة، مسؤولية كبرى بل مغامرة، ولكنها مغامرة مدهشة بديعة تستحق الأهتمام والأقتحام. كان لابد لي من اختيار اسلوب ومضمون النشيد، فإبتعدت عن ايقاعات الطبول والمارش العسكري الصارخ المقيت، وكذلك تغاضيت عن فكرة استعمال الألات الهوائية كآلات أساسية، إضافة لعدم إستخدام المقام الكبير" ماجور" الذي إعتاد عليه أغلب المؤلفين الموسيقيين عند كتابة الأناشيد. لقد إستثمرت في إختتام النشيد روح مقام الحسيني العراقي، والذي يذكّر بالمقامات البغدادية. كذلك لعبت على مقامات متعددة قريبة للروح، واستخدمت هذه المقامات من درجات مختلفة، فحمل النشيد روحا عصرية رقيقة، ساهم في ذلك النص الشفاف والمتين الذي كتبه الشاعر الصديق ( هاشم شفيق ) والذي كان متعاونا بشكل رائع، كشاعر مبدع أصيل، لم يفارقه العراق فحمله معه حين غادر أرض الوطن قسرا.
* السكاف – أعود إلى ضيوفي الكرام لأسأل: ما هو الشكل أو الصورة التي يراد من النشيد الوطني أن يكون عليها، ماهي الرموز والدلالات التي يجب أن يتضمنها النشيد الوطني العراقي؟
الدكتور عبد الإله الصائغ – النشيد الوطني يجب أن يكتبه العراقيون، ولا ينبغي أن يتضمن الحس القومي أو المذهبي أو العسكري، بل يجب أن يتوفر فيه الحس المدني، وينبغي عليه أن يتخلص من فكرة نحن الأقوى ونحن الأعظم والأشرف والأزكى. على النشيد الوطني أن يكون جامعاً مانعاً، يعني أن يجمع كل مزايا الشعب العراقي حيث لن يتخلى عن حبة رمل أو نقطة ماء، ويمتنع عن أن يتداخل مع مزايا الشعوب الأخرى، وعليه أيضاً أن لا يكرس الخطوط الحمراء بين القوميات، بل على العكس عليه أن يزيل تلك الخطوط، أن يتلبس النشيد الوطني حس مدني، ويكون هذا هو العنوان المميز له، وإلا عدم وجود النشيد هو أفضل مليون مرة من أن يخرج بصورة قومية أو عسكرية أو طائفية.
الشاعر والقاص حميد العقابي – على النشيد الوطني أن يكون خالي من النعرات القومية، وإذا أجبرنا على إنتاج النشيد الوطني في وقتنا الراهن، فعليه أن يخرج بصورة تترجم جمال طبيعة العراق الجغرافية، صورة الأرض ودجلة والفرات والنخلة وغيرها من الرموز العراقية الجميلة، وهذا هو الجانب الذي سوف لن يختلف عليه العراقيون، وسيخرج بصورة تعزز المحبة والوئام بين أفراد الشعب على اختلاف ألوانهم وإنتماءاتهم.
الفنان المسرحي هادي الخزاعي – نحن بحاجة إلى نشيد وطني يخاطب العقل ولا يخاطب العاطفة، أتمنى أن يكون إعتماد بناء النشيد الوطني على الموسيقى وليس الكلام، إسوة بالأمم المتقدمة التي إتخذت من الموسيقى نشيداً لها. نحن العرب تؤسرنا المفردة، لغويون، فالكلمة لها تأثيرها الخاص ودلالتها الخاصة، لذا أرى أن يبنى النشيد على الموسيقى فقط، من أجل أن نتخلص من هوس الكلمة والعبارة التي تظهر الإلتباسات القومية والطائفية وغيرها، علينا أن نعتمد الموسيقى فقط. ماضي العراق وحاضره ومستقبلة هي عبارة عن جمل موسيقية، حزينة كانت أم مفرحة، مربكة أم مستقرة وغير ذلك من صور وتناقضات، هي صور موسيقية يعرف الموسيقي جيداً كيف يوصلها لأسماعنا.
الفنان الموسيقي كاظم ناصر – الطبيعة وأرض العراق وأجوائها هي الرموز الوحيدة القادرة على جمع الشمل العراقي، كذلك الإيقاعات والمقامات بما فيها الإيقاع الحسيني، وإذا كان له ضرورة حسب ما يراه الملحن فلا ضير في ذلك، أما إذا جنحنا للقول أو الرأي الذي يريد من اللهجة العامية أن تكون لغة النشيد فأننا سنصتدم بتعدد اللهجات العراقية، وندخل في دوامة المحاصصة البغيضة على حساب الفرد العراقي البسيط.
السيدة ليلى صالح، أخصائية علم نفس – أتمنى أن تكون موسيقى جميل بشير هي الموسيقى المعتمدة لبناء النشيد الوطني العراقي. موسيقى جميل بشير تعكس جماليات العراق وتراثه، ويمكن أن تكون موحدة لكل الفسيفساء الذي يتكون منه عراقنا الجميل. وهناك نقطة أخرى أود الإشارة لها، هي أن النص الشعري الذي يتضمنه النشيد، إذا ما دخلت بين ثناياه عبارات الحرب والدبابة والخنجر والدم وغيرها، سيصبح نشيداً مخيفاً لا تتقبله الأذن المحبة للحياة والخير والسلام، وهنا أود أن أذكر بأن النشيد الملكي الذي تعتمده المملكة السويدية يتضمن عبارة ( يجب أن أدفن في بلاد الشمال )، وهذه عبارة كثيراً ما أثارت الجدل والنقاش، فهي تمثل نزعة قومية يرفضها الديمقراطي واليبرالي السويدي، فكيف لنا أن نتقبل كلمات أو رموز تثير النعرات القومية أو الطائفية، أو صور تجسد منظر الحرب والدم؟
* السكاف – يبدو أن الآراء التي تدعو إلى إلغاء النص الشعري من النشيد الوطني، هي التي أخذت حصة الأسد، ولكن هذا يعني أن اسم النشيد سيتغير، فكلمة نشيد تختص البشعر قبل الموسيقى، لذا يمكننا أن نسميه السلام الوطني، وهو اسم مألوف لدينا، ولكن ماذا لو قرر سياسيو العراق أن يكون نشيداً وطنياً وليس سلاماً موسيقياً؟
المخرج السينمائي طارق هاشم – أنا ضد أي نشيد يقول نحن أفضل الشعوب وأحسن خلق الله، وهنا أأيد كلام الأستاذ الدكتور عبد الإله الصائغ. ولكني أعود لأقول بأن فكرة إلغاء النشيد الوطني برمته لا تزال هي المسيطرة على تفكيري. ولكن إذا كان لابد من العمل على إنجاز نشيد وطني، وإذا كانت هناك ضرورة لوجود النشيد الوطني فأقترح أن تكون كلمات مقطع من قصيدة للشاعر بدر شاكر السياب التي تحمل عنوان " وصية من محتضر " هي كلمات النشيد الوطني العراقي الجديد، وأسمحوا لي أن أقرأها عليكم:
يا أخوتي المتناثرين من الجنوب إلى الشِّمالِ
بين المعابر والسيولِ وبين عالية الجبالِ
أبناء شعبي في قراهُ وفي مدائنهِ الحبيبة
لا تكفروا نِعَمَ العراق
خير البلاد سكنتموها بين خضراءِ وماءِ
لا تبتغوا عنها سواها.
هي جنةٌ فحذارِ من أفعى تدب على ثَراها.
أنا ميتٌ، لا يكذب الموتى. وأكفر بالمعاني
إن كان غير القلب منبعَها
فيا ألقَ النَّهارِ
أغمرْ بعسجدكَ العراقَ، فإنَّ من طينِ العراقِ
جسدي ومن ماءِ العراقِ ..
الشاعر طارق حرب – جميل أن نسمع هذا المقترح لتلك الكلمات التي كتبها السياب إبن العراق، وبالعودة إلى الموضوع، أرى أن على النشيد الوطني أن لا يلغي إعتزاز الآخرين بأوطانهم، وأن لا يحاول أن يقفز فوق الأوطان الأخرى وشعوبها، وأقترح أن نلغي فكرة وجود النشيد الوطني، فنحن لسنا بحاجة إلى نشيد وطني بقدر حاجتنا إلى سياسة وطنية، السياسة الوطنية هي الكفيلة باخراج العراق من هذه الكوارث وهي ما يحتاجه الشعب العراقي، أكثر من حاجتهم للنشيد الوطني. ولكن إذا كان لابد من نشيد وطني، فأنا أتفق مع الرأي القائل الذي يشير إلى إنجاز النشيد الوطني على الموسيقى فقط، العراق معبأ بالمشاعر والحزن والبكاء، العراقي يتأثر بالأغنية لذا أرى أن أي نص في النشيد الوطني سوف يحوله إلى أغنية بنظرهم – وأرى أن النشيد الوطني يجب أن تنجزه يد وعقل عراقيين، كي نجد فيه حساً عراقياً، فمن البديهي أن يكون إبن الأرض هو من يستطيع أن يرفع خصائص تلك الأرض إلى العلن وأمام أنظار الشعوب الأخرى.
الشاعر علي ريسان – أتمنى أن تدخل القيثارة السومرية ضمن موسيقى النشيد الوطني العراقي، وهناك آلات عراقية أخرى أتمنى أن تتمازج موسيقاها مع موسيقى القيثارة، وأتمنى أن يكون النشيد الوطني عبارة عن فسحة موسيقية للتأمل وليس لإثارة النعرات القومية والطائفية.
الشاعر الدكتور حسين أبو السعود – أنا لا أرى بأن موضوع النشيد الوطني العراقي يجب أن يبحث بمعزل عن العلم العراقي وشعار الدولة، بل أرى أن يعمل بهذه الرموز الثلاثة سويةً، أذكركم بأننا كنا نمتلك شعار طير جارح مخيف يمثل القوة والتسلط كشعار للدولة العراقية، وهذه الصورة المخيفة لا تتناغم مع الجمالية والشفافية التي تقترحونها حول صورة النشيد الوطني العراقي، حيث لا يمكن أن ينجز النشيد الوطني بشفافية وجمال إنساني، وشعار الدولة يمثل أشكالاً مخيفة والعكس صحيح، نريد أن تكون رموزنا رموز إنسانية، تعطي الآخر صورتنا الحقيقية في حبنا للآخر، دعوتنا للسلام، واحترام النفس النشرية.
* السكاف – وصلني سؤال مكتوب من السيدة الجزائري، موجه إلى الدكتور عبد الإله الصائغ، السؤال يقول، الصورة المرجوة من النشيد الوطني العراقي التي طرحها الدكتور الصائغ وغيره من الأصدقاء، صورة جميلة نتمنى فعلاً تحقيقها، ولكن، هل من الممكن أن تتحقق، وهل هناك شاعر أو ملحن عراقي يمكنه إنجاز عمل بتلك الصورة التي جرى الحديث عنها؟
الدكتور عبد الإله الصائغ – أنا لاأدعو إلى ملحن واحد، ولا لشاعر واحد، أنا أدعو إلى فريق عمل جماعي متماسك يمكنه انجاز مثل هذا العمل الوطني المهم. العمل بالتالي – وأقصد النشيد - سيمثل العراق بكل مكوناته، فلماذا لا تشترك النخبة العراقية في إنجازه. النشيد الوطني كما أراه، وحسب مفهوم علم الرياضيات، هو مثلث، قاعدته الماضي وجانباه الحاضر والمستقبل، وحين نغفل إي ضلع من أضلاع المثلث، سوف يتحول النشيد إلى شئ آخر عصي على الفهم والقبول.
السكاف – حين نفكر بالصورة التي نبتغيها أو نتمناها لنشيدنا الوطني الجديد، علينا أن لا ننسى بأننا عراقيون، علينا أن لا ننسى بأننا مثقلين بموروثات تتربع الكلمة على عرشوها، فكيف سيكون النشيد موسيقى فقط، وكيف سنفهم الموسيقى إذا كانت هي الغائبة عن أذهان مجمعنا؟، نحن لا نعرف الموسيقى سوى من خلال الأغنية التي يأخذ منها الكلام أو الشعر الغنائي حصة الأسد، ولكني ورغم ذلك أضم صوتي إلى فكرة السلام الوطني الموسيقي الخالي من الكلمات، عله يكون بداية حسنة أو الخطوة الأولى في تعلم التذوق الموسيقي. ولكن، لو خرج النشيد على الصورة التي نتمناها، علينا أن لا ننسى بأنه لا يمكن للنشيد أو السلام الوطني أن يرى النور دون موافقة السياسي صاحب القرار، فهل سيحالفنا الحظ ويكون صاحب القرار متذوقاً جيداً للموسيقى؟.
أشكركم من القلب
halsagaaf@hotmail.com
الهوامش
(1) من حوار أجراه الكاتب محمد ناجي مع الفنان والملحن العراقي طالب غالي.
(2) مقال للفنان باهر الرجب بعنوان " من الذي سينصفنا إذاً " نشره حسين السكاف في موقع إيلاف ضمن مقال له بعنوان " اعلان وزارة الثقافة العراقية يثير الذهول والإحباط " الذي تضمن عدة مقالات تناولت النشيد الوطني العراقي.
(3) حوار أجراه الكاتب محمد ناجي مع الفنان والملحن العراقي فلاح صنار.