فرح: الفكر الشرقي يتحرك بشكل دائري ثابت
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لقاء مع الدكتور سهيل فرح:
-أزمة الحضارة المعاصرة علمية ودينية.
-هناك عقل محرك لكل هذا الكون.
-الفكر الماركسي من المذاهب الكبرى في التاريخ.
حاوره فادي عاكوم: كان لبنان وما يزال نقطة التقاء الحضارات وخصوصًا بين الشرق والغرب،والأرض التي استنبطت الحرف فربطت الأرض بالسماء تفكيرًا وتاملًا، لعل هذا ما حثّ الدكتور سهيل فرح أن يغادر اقاصي الشمال في لبنان متوجهًا الى روسيا ليبدأ دارسًا في جامعاتها، ولينتهي باحثًا متعمقًا في اصول الفلسفة والوجود والدين، مستفيدًا من تجربته الماركسية السابقة ومن اصوله الأورثوذكسية،
*الى أي من التيارات الفلسفية ينتمي سهيل فرح؟
-أميل الى تيار فلسفي اسمه تيار "الفلسفة الكونية" وقد تنقلت في الفكر من البيئة الأورثوذكسية الى الاشتراكية العلمية، الى الانفتاح على فلسفة العلم والحضارات ثم ثانية الى الروحانية الأورثوذكسية ببعدها الروسي، لاصل الى "الروحانية العلمية"، وانا مقتنع بان الشخصية البشرية لا يمكن ان تتطور الا بالتوازن بين ابعادها الاربعة: العقلاني والروحاني والغرائزي والوجداني. وحكمة العلم تكمن في كيفية التوفيق بين روحانية الشعوب واخلاقية العلم وانسانيته فالفلسفة الكونية هي فلسفتي لانها تجمع بين روح العلم وروح الحضارات والاديان، علما انه ليس لدي هذا الالتزام الصارم لاي منهج فلسفي.
*كلمنا عن كتبك وأبحاثك؟
- لي عدة مؤلفات وابحاث منها "تجربة في المسيحية والاسلام "والعقليتان الروسية والمشرقية العربية:أسئلة الدين والثقافة " و"الأورثوذكسية في الحاضرة الروسية والمشرقية العربية:مقاربة سوسيوثقافية " وهذه الكتب لها طابع شمولي او كوني اضافة الى العديد من الابحاث التي نشرت في مدن روسية متنوعة. ومؤلفاتي لا ترتبط فقط بالعالم العربي انما تتناول ايضًا مستوى التفكير الروسي والتفكير العالمي من خلال مسالة العلاقة بين الثلاثية الكونية الانسان والطبيعة والكون وطبعا نسبة الى وجهة نظري الخاصة، مرتكزًا على فلسفة العلم للظاهرة الدينية والروحية في مقاربة انتروبولوجية –فلسفية –سوسيوثقافية . واركز في دراساتي على المقارنة بين الذهنيتين العربية والروسية علمًا ان هذه العلاقة منسجمة على مستوى السلوكيات الحياتية الا انها متباعدة في ما يتعلق بدور العقل في العلوم النظرية والتطبيقية.
وللوصول الى افضل النتائج للمقاربات، تعمقت في اعمال توفيق الحكيم وميخائيل نعيمة ومحمد هيكل وطه حسين والفكر الفلسفي الاسلامي والفكر المسيحي المشرقي واللاهوتي، واعمال الجابري واركون والعروي مقارنة مع ابحاث بولغاكوف وبردياييف وتسيلكوفسكي، وبلاقاتسكاي.
*تناولت في ابحاثك البعد الثالث ماذا تقصد به؟
- من خلال مقارباتي الابستمولوجية بينت بان ازمة الحضارة المعاصرة ليست فقط مادية بل علمية ودينية. وبالتالي يتطلب الخروج منها مقاربة جديدة لفلسفة العلم، بمعنى انه لا يمكن ان يكون هناك دور واسع للعلم ما لم يرتكز على ابعاد ثلاثة وليس على بعدين كما هو حاصل الان: البعد العقلاني المجرد، والبعد الحديث البسيكو- اجتماعي والبعد ما فوق الشعوري المتضمن علم الباراسيكولوجي بما فيه من ايزوتريك وموجودات العقل الباطن والطاقة الروحية عند الانسا ن، واذا لم تتوفر في العقل العلمي اليوم التجربة التطبيقية لرصد البعد الثالث وتحليله فهذا لا يعني عدم وجوده بل هوموجود ويعتبر سرًا من الاسرار الكبرى المتوجب على العلم اكتشافها
* ما الرابط بين النسبية والواقعية؟
- للاجابة على هذه المسألة يجب القيام بمقاربة علمية تؤكد على صحة المقولة الفلسفية التي تقول بان العقل العلمي متواضع، وان كل شيء في الحياة نسبي وقابل للتطور، في حين ان وسع الكون يترك فسحة كبيرة للتفكير بوجود عقل كوني وفي ان الله كبير وهناك عقل محرك لكل هذا الكون. وهو اكبر من طاقتنا وطاقة العقل العلمي، إزاء هذا الامر وهو ما يجب ان يجعل الانسان في ظل واقعية لوضعه البشري ومحيطه الطبيعي والكوني ان يكون متواضعًا، ويترك مجال هذه الاسئلة مفتوحة على الوجود، وجود الانسان،علاقته بالكون، والطبيعة والله والعقل الكوني.
* هل اثرت نشأتك بافكارك الحالية؟
- طبعًا، ففي شبابي كنت شغوفًا بالادب الروسي وتعلقت بادب تولستوي ودوستويقسكي وبوشكين بالاضافة الى اعجابي المبكر بمدرستي بريخت وستانيسلافسكي المسرحيتين. ولا انكر تعلقي بالفكر اليساري بالتوازي مع روحانية روسيا، لكني طلقت الفكر الماركسي ولا أزال اعتبره من المذاهب الكبرى في التاريخ.
* 25 سنة من الماركسية ماذا عنت لك؟
- ان المشكلة في الماركسية موجودة بالنظرية نفسها،اذ ان المقاربة الماركسية للانسان ليست شمولية، فهي تركز على الانسان من خلال البعد الاجتماعي والاقتصادي، في حين ان الانسان هو كائن بيولوجي اقتصادي واجتماعي وثقافي بسيكولوجي، فكيف تم الاهتمام ببعض الجوانب واهملت الجوانب الاخرى؟ وكيف ستطبق هذه النظرية في الحياة من دون ان ناخذ بالاعتبار الاهمية المفروض اعطاؤها للعوامل الاخرى؟ هذا ما جعلني ادرس الماركسية مرتين، وكل مرة بزاوية ونظرة مختلفة، حتى توصلت للطلاق بيني وبينها حتى قبل انهيار الاتحاد السوفياتي.
* كيف تفسر جمود الحالة الحضارية لدى "الشرقي "؟
- عدة عوامل اساسية انتجت هذا الجمود في الحالة الحضارية لدى الشرقيين، ويمكن حصرها بغياب العقل العلمي في الذهنية العربية هويعتبر السبب الرئيسي، بالاضافة الى غياب التامل الايبستومولوجي داخل الابحاث العلمية، هذا الى جانب وجود نوع من التطرف الميتافيزيكي في العقل العربي.
* ما سبب هذا الضعف مقارنة بالحضارة الغربية؟
- ان العلاقة مع الله هي اساس الفكر الشرقي بمعنى اصح ان مركز الكون هو الله – المطلق – ويتحرك بشكل دائري ثابت، بينما الفكر الغربي علاقته مع اللا – مطلق او العقل ويتحرك ضمن خط مفتوح الى ما لا نهاية، ومركز الكون لديه هو الانسان ثم الطبيعة والله. لذلك ومن خلال ابحاثي وخبرتي استطعت الوصول الى استنتاج ان كل الحضارات تصل الى مرحلة خلال قمة تطورها تدور حول نفسها فيها، لتستوعب ما انجزته فتتطور ثم تعود الى الانحدار تدريجيا وصولا الى الانطفاء. وهنا يكمن الفرق بين الشرق والغرب، فالغرب رافق تطوره ديناميكية في العقل الذهني، بينما الشرق افتقد هذه المعادلة خلال مراحل التطور.
* أين الحل بنظرك وما هي الخطوات اللازمة الواجب اتباعها؟
- يجب علينا اولا ان نعيد التوازن بين العالم الروحي والعالم المادي اي بين الدين والعلم المعاصر، من خلال فلسفة جديدة تكون محور هذه العلاقة الجديدة، ويبحث العلم في الظواهر المادية المحسوسة والملموسة للمادة والطبيعة وحتى الانسان والكون، اما الدين فمجاله الرحب هوالبعد الروحي للشخصية الانسانية وعالمه الميتافيزيك والكونيات وفي حال اجتمعت حكمة العلم مع حكمة روح الاديان، تتحقق سمفونية الوجود باسمى معانيها. لهذا ظهر تيار جديد اسمه الفيزياء الصوفية، حيث يركز على مستويات ثلاث: العلم والدين والطاقات العقلية، اي ان الفكرة تركز حاليا على البعد الميتافيزيقي وهي حاضرة في العلوم الطبيعية والبيولوجيا.
وانا شخصيًا اجسد تجربتي الاكاديمية في تدريس مادة فلسفة العلم في جامعات الجزائر ولبنان وروسيا في ميدان فلسفة العلوم، التي يتوجب على صاحبها ان يكون على بينة من اخر الانجازات والابتكارات التي تتحقق في ميادين العلوم وخاصة الفيزياء الصوفية،التي تجمع بين الرؤية العلمية الدقيقة للفيزياء المعاصرة وروح الاديان الشرقية بمقاربتها لمفهوم الطبيعة والكون.
* هل من الممكن حصر الانسان ببعده المادي؟
- لا اعتقد انه الممكن حصر الانسان ببعده المادي، بسبب وجود بعد اكثر خلودية وازلية في الشخص الانساني، ويتجلى من النظرة الكونية للامور، وهذا اقرب الى فلسفة الشرق الاقصى،
* ما هو أثر الماركسية في عقلية الانسان الروسي؟
- على عكس ما يعتقد البعض فالماركسية التي ولدت اصلًا خارج الاتحاد السوفياتي كانت في خدمة الابداع، اكثر مما كانت في خدمة الحزب، وفتحت المجالات امام فنون عديدة ونشاطات ابداعية للتفاعل، ولقد تميزت على الرغم من توتاليتاريتها بالكونيات التي تعد من ارقى العلوم، بالاضافة الى الخيال العلمي والموسيقى والادب والباليه، فالعقلية الروسية نادرًا ما تحضر فيها الفلسفة الوسطية والروسي بطبعه شغوف الى التطوير وهذا قلما يوجد عند غيره.
وهذا الشغف يظهر جليًا داخل المجتمع الروسي حيث تربى جيل كامل على الادب الكلاسيكي الروسي والادب الكلاسيكي الغربي والفنون بانواعها، وتطورها عبر العصور المختلفة بالاضافة الى ادب الحزب، فهذه الثقافة الجماهيرية التي كانت سائدة خلال الحكم السوفياتي نادرة و لا مثيل لها ابدًا بين مختلف دول العالم.
* كيف تفسر عودة الروح الى الكنيسة الأورثوذكسية في روسيا؟
- ان الطبيعة البشرية لا تحتمل الفراغ، وليس خافيًا على احد الفراغ الذي احدثه انهيار الاتحاد السوفياتي وتبخر احلام الاشتراكية والاحلام لدى اجيال عدة فكان لا بد مع شيء من الحنين الرجوع الى اعرق مؤسسة روسية وهي الكنيسة الأورثوذكسية، لكن الكنيسة واللاهوت الاورثوذكسي حاليًا غير مهيئين لسد هذا الفراغ، بسبب التقليدية التي اعتمدتها الكنيسة لتحصين نفسها لحماية ضعفها في مواجهة الاديان التي بدأت تظهر في روسيا. ولابد ان يحصل تغيير على المستوى الليتورجي لمواكبة العلم المعاصر واللاهوت الغربي.
* هل بامكان الافكار الروسية الجديدة مجابهة العولمة؟
- اعتقد ان روسيا سوف تلعب دورًا هامًا في مواجهة الرأسمالية، والتقي في افكاري مع افكار كبار المفكرين والعلماء الروس بان كل حضارة مهما تكن قوية ماديًا وثقافيًا تتفتت بفعل عوامل داخلية. كما ان موضوع خطر العولمة وطرق مواجهتها كانا العنوان الرئيسي للعديد من محاضراتي وندواتي بالاخص المؤتمر العالمي الذي حضرته تحت عنوان " حوار الحضارات الشرقية والغربية ".
في مؤتمر مع البروفيسورة ايرينا
نبذة عن سيرة الدكتور سهيل الذاتية:
- سهيل فرح لبناني من بلدة منيارة الشمالية.
- حائز على دكتوراه في فلسفة التاريخ والحضارة ودكتوراه في العلوم الفلسفية من جامعات موسكو.
- عضوفاعل في الاكاديمية الروسية للتعليم.
- عضوفاعل في الاكاديمية الروسية للدراسات المستقبلية.
- عضوشرف في الجمعية الامبراطورية الروسية الفلسطينية.
- مستشار علمي لعدد من الجمعيات الثقافية والاجتماعية.
- عضوالهيئة التاسيسية للجمعية الفلسفية العربية في عمان.
- عضوالجمعية الدولية للتواصل بين ثقافات الشرق والغرب في جاكارتا.
- صاحب فكرة تاسيس للبيت اللبناني – الروسي واحد مسؤوليه.
بعض الجوائز التي حصل عليها:
-جائزة وميدالية بوشكين.
-الوسام الذهبي للصداقة بين الشعوب.
-جائزة علمية من قبل جامعة نجني نوفغورد والجمعية الروسية الامبراطورية ومؤسسة روموللعلاقات الدولية.
مؤلفاته وابحاثه:
-العلمنة المعاصرة بين ديننا ودنيانا – باللغة العربية.
-تجربة العلمنة في المسيحية والاسلام _باللغة الروسية.
-الاورثوذوكسية في الحاضرة الروسية والعربية _ باللغة الروسية.
-روسيا والمشرق العربي:لقاء الثقافتين _بالعربية والروسية.
-العقليتان الروسية والمشرقية:اسئلة الدين والثقافة _بالروسية.
-حوار الثقافات:تجربة روسيا والمشرق العربي _بالعربية والفرنسية والانكليزية والروسية.
-التنوع الثقافي _بالروسية والعربية.
الابحاث والمقالات المنشورة:
حوالي المئة بحث باللغات الفرنسية والعربية والانكليزية واليونانية والروسية وتتمحور حول المواضيع التالية:
-الاستشراق الروسي والثقافة العربية.
-العلمنة والدين.
-في فلسفة العلم والكونيات.
-الشخصية الثقافية الروسية.
-المسالة الثقافية في الفكر الفلسفي العربي المعاصر.
-الشخصية الثقافية اللبنانية والمشرقية.
-في فلسفة الحضارات والاديان
وشارك في تاليف الكتب التالية:
-الفلسفة العربية المعاصرة.باللغة العربية.
-روسيا واورثوذكس الشرق.باللغة العربية.
-الاستعراب الروسي في مائة عام.باللغة الروسية.
-حوار وتفاعل حضارات الشرق والغرب:خيارات القرن الواحد والعشرين. باللغة الروسية.
-الكنيسة الاورثوذكسية الروسية والفكر الفلسفي المعاصر. باللغة الروسية.
-حوار الاراء في عالم متعدد الثقافات والاديان. باللغة الروسية.
-الشرق والغرب امام تحديات العولمة باللغة الروسية.
-حوار الافكار:وحدة وتنوع الاتنيات والثقافات في العالم.
باللغة الروسية.
-حوار الافكار الحقيقة والوهم. باللغة الروسية.
-بالاضافة الى العديد من الابحاث والمنشورات حول العالم.