لقاء إيلاف

الفروه جي: الغربة داء خطير ينخر في الإنسان

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

"الغربة غربة روح والوحدة تاذيها .. بيها الكلب مذبوح ومحد يواسيها"


حوار مع الفنان العراقي اسماعيل الفروه جي:
أنا ضائع في الغربة فالبلد رغم جماله ليس بلدنا والناس ليسوا بناسنا ..
كاظم الساهر إختار اغنيتي ( تساليني) كأفضل اغنية لعام 1992 .

حاوره ماجد عزيزةفي تورونتو: جميعنا يعيش أوجاع وآلام الغربة، رغم توفر الأمن والإستقرار والحياة الحرة الكريمة، لكن يبقى الوطن الأم هو الأول والآخر، فالعين ترنو له، والقلب ينبض بحبه، والعقل يصرخ والذكريات تترى بين الحين والحين، تعيد المغترب العراقي إلى شوارع وحارات وأزقة العراق الحبيب... هكذا هو شعور أغلب أبناء العراق الذين تغربوا عن بلدهم، فكيف بالفنان؟ اسماعيل الفروة جي.. شجرة باسقة في بستان الأغنية العراقية، إقتلع جذوره من الأرض التي نفخت فيه الحياة ( والسبب مشترك بين جميع أهل العراق ).. رحل من بين أهله وأصدقاءه حاملا همومه وفنه وموسيقاه، واتجه صوب بلاد الغربة.. كيف يعيش اسماعيل الفروةجي غربته؟ وهل أثرت في فنه وابداعه؟ وهل سيستمر البعاد طويلا؟ أسئلة حائرة حملناها مع باقة حبنا للفنان الكبير وطرحناها عليه في جلسة لم يغب عنها ( العود والكيتار ) والذكريات.. قال :
صدقني.. الإنسان يمر بفترات في حياته يطلق عليها (الفترة المظلمة)، أنا الآن( وأقولها بصراحة ) أتمنى أن أعود لتلك الفترة المظلمة التي مرت على العراق وعشتها مع بقيه أهلي العراقيين، ولا أعيش المعاناة التي أعيشها هنا في الغربة، الغربة كحشرة الأرضة، تأكل أشياء منك بشكل بطيء، وإذا لم تحتاط وتكافحها فإنك تنتهي، الغربة ليست سهلة لا يمكن للإنسان تحملها، حشرة الأرضة هناك علاج لها، لكن الغربة داء خطير ينخر في الإنسان ولا علاج.. كيف الحل؟ انا أسال.. بلادك الآن تعيش في خطر كبير، البلاد العربية لا تقبلك إذا لا تمتلك أوراق رسمية وجواز سفر، ماذا تفعل؟ الألم الذي أحسه شخصيا هنا في بلاد الغربة هو اضعاف ما تحسه في اي مكان آخر. لكن أتمنى وبعون الله أن أتجاوز هذه المرحلة بعد أو بدأت التحضير لمعالجة ( مرض الغربة).. وقد أثرت الغربة كثيرا في أعمالي بل يمكن القول انها طغت عليها، فهناك أغنية تقول:
انساني أحسن إلك تنسه.. انساني تره آني تغيرت هسه
الغربة غيرتني الغربة تعبتني.. الغربة خلتني حتى إلك أنسه
الغربة غربة روح والوحدة تاذيها.. بيها الكلب مذبوح ومحد يواسيها
الناس غير الناس... هنا يندفن الإحساس
وبيها الكلب ينداس... وما ينسمع حسه

سألته.. هل تحس بأن المتلقي العربي والعراقي هنا في الغربة يستجيب لفنك؟ قال:
طبعا.. هناك استجابة، فأنت طالما تعيش هنا فأنت دائما مع الناس وأمامهم، لكن الأمر محدود.. فنسبة العرب والعراقيين قليلة.. هم نفسهم دائما جمهورك الذي يسمع لك، وهكذا.. أما في بلدنا فالأمر يختلف.. هناك الملايين الذين يعرفون فنك ويستمعون اليك، فالذي لم يأت ليسمعك هذه السنة سيأتي ليسمعك في السنة المقبلة.. فمساحة الجمهور أكبر في بلدنا. وعلى العموم.. الناس هنا ( عربا وعراقيين ) مشغولين بأمور الحياة والعمل المتواصل، ولا يمكنهم الحضور والإستماع دائما.. نعم هنا الأمان موجود.. لكن ( راحة البال ) غائبة. وراحة البال تأتي من الحياة السهلة، هنا الحياة صعبة جدا، ففي العراق يتمكن رجل واحد أن يديم حياة عائلة كاملة، أما هنا فالكل يعملون وبالكاد يعيشون بشكل طبيعي. نعم.. الحياة في الغرب منظمة وتسير وفق نسق رائع، لكننا نحن هنا تماما (كالضائع) بسبب المعاناة التي نعيشها، فالبلد رغم جماله، فهو ليس بلدنا، والطبيعة ليست طبيعتنا، والناس ليسوا بناسنا..
وأضاف الفنان الفروجي بأن الغربة اضافت له اشياء كثيرة، يقول : في الكثير من اللحظات أحس بأني لست اسماعيل الفروةجي الذي أعرفه، القسوة التي اعاني منها تجعل قلبك ( جلدا) تجعل منك شخصية أخرى، وللأسف أقول، اصبح لدي تغيير في دواخلي، أحس بأني أتلقى ضغوطا من كل مكان، الحنين للعراق، للأهل، للأصدقاء.. الحياة هنا شكل آخر تماما، في العراق كان الكل يحسون بك، يسلمون عليك، يساعدوك.. هنا تحس بأنك غريب، لا أحد يعرفك، اللهم إلا القليل من القريبين منك، فقط في الحفلات أحس بقرب الناس مني. نعم أثرت الغربة كثيرا في طريقة تفكيري وتعاملي مع الناس، هذا اضافة لظروفي الخاصة التي عشتها. سالته هل يطور الإحتراف قدرات الفنان حين يتفرغ للعمل الفني بعد أن يتخذه كهواية؟ قال : هناك نوعين من الفنانين ( أتمنى أن لا أكون من النوع الثاني).. النوع الأول هو المتحمس دائما، الذي ينتقل من الهواية إلى الإحتراف ويبدا بالتجديد والتواصل مع ابداعه. والثاني الفنان الذي يصل للإحتراف ويكتفي، بأنه وصل هذه المرحلة فيبدأ بالعمل ببطء، ومع الأسف أعترف بأني من النوع الثاني ! أنا أعمل ببطء الآن، بسبب الظروف التي تحيطني، على الرغم من أن أعمالي الفنية دائما تكون هي السباقة، خذ مثلا.. أنا أول فنان أدخلت ( الراب) في الأغنية العربية، ثم جاء عمرو ذياب بعد سنوات ليدخله لأغانيه، والدليل على ذلك أني قدمت اغنية ( شلون أنساك) وبعد سنوات قدم الفنان عمرو ذياب ( حبيبي يا نور العين). نعم أنا بطيء في العمل، لكن أعد جمهوري بأني ساتجاوز محنتي، واقدم أعمال جديدة ستعجبهم، ولدي ألبوم غنائي جديد ( سي دي) هو أفضل ما قدمته في حياتي الفنية، سانتهي منه قبل نهاية العام الحالي.
قلت له : هل أضاع اسماعيل الفروه جي تواصله مع الفنانين الملحنين والكتاب الكبار الذين كان يعمل معهم في العراق.. هل اضاعهم في الغربة؟ قال : نعم ! فأنا هنا أعتمد على نفسي، رغم اني كنت أكتب كلمات الأغاني في العراق وألحن أغلبها، لكني أفتقد هنا للشعراء اصحاب الخبرة الذين حين تطلب منهم كتابة موضوع معين لأغنية فإنها تكون جاهزة في فترة قليلة، الآن يمكن أن أنتظر سنة كاملة لأنتهي من كتابة أغنية، ثم هناك مشكلة ستوديوهات التسجيل هنا، فهي لا تفي بالغرض.
اغنية ( تساليني).. وبعدها ( لو يسمعوني هلي) رغم بساطتها.. كانتا الهوية التي تقدمت بها للجمهور.. ( هكذا أجاب الفروه جي عن سؤال أية أغنية قدمتك للجمهور) وأضاف : لأنهما وخاصة ( تساليني ) اكتسبت شعبية كبيرة، فكانت أحدث أغنية عراقية في ذلك الوقت بكل مواصفات الأغنية، طريقة كتابتها ولحنها أيضا كان جديد، حتى أن أخي الفنان الكبير كاظم الساهر حين سئل عام 1992 عن افضل الأغاني أجاب ( تسأليني).
وعن غناء ( الدويتو) قال : لم اجرب ذلك حتى الآن، لكن لا مانع لدي من خوض التجربة، لكن يجب أن يختار الفنان الصوت النسائي القريب من صوته، والذي ينسجم مع صوته ولا يكون نشازا، وإذا اخترت فأنا سأختار.. الفنانة أصالة نصري.
وأخيرا ً.. قال : لدي مجموعة سفرات فنية إلى نيوزيلندا وأستراليا والدانمرك وألمانيا والولايات المتحدة.. وبعدها انشاء الله سأعود إلى بلدي الحبيب العراق.

طفولة مشاكسة/

قال اسماعيل الفروه جي عن طفولته، بأنه كان رغم هدوئه، عصبيا و( مشاكسا) وكان يحب الغناء، فكان يطلب منه أن يغني وهو بعمر خمس سنوات، فكان يقف على كرسي عال، ويغني، وحين ينتهي ولا يصفق له الحضور يبكي ويصرخ، ويطالب بحقه في تلقي التشجيع. وكان جهاز الراديو لا يفارقه، ويستمع دائما لأغاني فريد الأطرش.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف