المسعود: تخلف الفن الاسلامي سببه تخلفنا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حوار مع الفنان الخطاط حسن المسعود
المعمارية الجديدة في الخط العربي
حاوره موسى الخميسي/ روما: الخطاط الفنان التشكيلي العراقي حسن المسعود،يتمتع بطاقات ورؤى تحمل جدية كبيرة مقارنة بعدد من الفنانين الذين يعاصرونه، من خلال النهج المتدرج الذي اختاره واخضعه لقناعة واعية للسير فيه في عملية تطوير عوالم الخط العربي ،اقام مجموعة كبيرة من المعارض الشخصية في جميع انحاء العالم، معروف باسهاماته ومداخلاته النقدية، سواء بالصحف والمجلات، واصدر عدد من الكتب باللغات العربية والفرنسية والايطالية والانكليزية حول اصول وانجازات ومستقبل فن الخط العربي.
هذا الفنان وقبل خوضه في تطبيق مسائل جمالية محضة وقبل الشروع في ارتياد تجربة ذات خصوصية طموحة تطلبت منه اختراق مجالات اوسع وارحب في الافق البعيد، قبل ذلك ، درس الفن التشكيلي في البوزار الفرنسية التمكن اولا من التقنية والصنعة الفنية والادوات، ومن اجل استيعاب نظري لتاريخ الفن وفلسفة الفن العربي والاسلامي، والنظر الى المسار والايقاع الذي يضبط كلا من الفن الغربي ونظيره العربي الاسلامي
لم تغب عنه التطورات الحديثة في الفنون التشكيلية العالمية، آخذا بعين الاعتبارتجارب العديد من اساتذة الصنعة وزملاء المهنة في العراق ومصر وتركيا ومدن آسيوية وعربية متعددة.
لقد خرج حسن المسعود بخلاصة اساسية، وهي ان الفن او الممارسة التشكيلية بصفة عامة تعالج بعدين اساسيين وهما: بعد الفضاء وبعد الزمن، فقد اعتمد على حصر الحرف العربي داخل فضاء وتكثيفه داخل حيز مساحة الورق التي يرسم عليها، الا انه كان يوهم بابعاد تتجاوز تلك المسافات الصغيرة، وتتجاوز الحدود الفصل بين الممارسة التشكيلية عن الممارسة المعمارية او التزويقية التي تمثلها اساليب الخط العربي، وحقق نجاحا باهرا ومتميزا في تجاربة المتواصلة منذ اكثر من اربعين عاما لتغوص اعماله عميقا في ذاكرة الاخر المتلقي بهذه البناءات المعمارية الجديدة للخط ، وهي تحمل ايقاعات عصرية تتميز بتراكمات جمالية جديدة وبنوع من التضاد التي كسر من خلالها الايقاعات القديمة، عبر مفاهيم استيطقية او تشكيلية مشحونة باحاسيس حية حديثة، فخلق بها عمق لاعلاقة له بالفضاء كمادة ولكن بالفضاء كمفهوم حسي.
*ماهو رأيك بما يقال بان سبيل الفن التشكيلي نحو الحداثة هو بالتركيز على النقش والخط العربيين؟
-لا اعتقد ان الفن التشكيلي يتطلب تحديد اتجاهات مسبقة. الابداع في الفن يأتي من احساس الفنان نفسه، ويثري تجربته من الاطلاع المستمر والمتواصل على الاثار القديمة والنتاجات الفنية التي قدمتها الشعوب، اضافة الى تعزيز الاطلاع على ما تقدمه كل الفنون العالمية المعاصرة. الفنان المبدع يفاجىء الجمهور على الدوام بولادة فن غير مطروح من قبل، فكل فعالية فنية ، هي اطروحة جديدة للفنان يقدمها بشكل ابداعي جديد لجمهوره. ان روافد الفن العربي هي كثيرة منها فنون وادي الرافدين والفنون المصرية القديمة والفن الاسلامي، اضافة الى ما انتجته الانسانية من فنون عظيمة في فترات تاريخية مهمة. ان صدق الفنان واصالة تجربته ستعطي نكهة محلية متميزة في عمله التشكيلي.
* تجربتك المتميزة في التجديد واجهت ولا تزال ردود فعل سلبية من قبل اصحاب وجهات النظر التقليدية. هل تعتقد بانك استطعت تثبيت ما كنت تسعى اليه منذ بداياتك الاولى في الثمانينات من القرن الماضي؟
-ان عملية الخط عندي هي كما لو تنتابني الحمى واكافح للتخلص منها، وعندما املىء العشرات من الاوراق اشعر بان عافيتي قد عادت اليّ. يقول المثل الياباني" الخط هو الانسان نفسه" ان خطوطي تعكس حقا طبيعة حياتي. كنت خطاطا في مدينة بغداد لسنوات، ومن بعدها شددت الرحال الى مدينة باريس قبل 36 سنة، من اجل الشروع بدراسة الفن الغربي والاطلاع عن قرب على تجارب وخصائص الفنون المعاصرة، وقد تعرفت على الخطوط الصينية واليابانية وعوالهما الساحرة. في كل مرة امام هذه الممارسة تمتلكني الرغبة بان تكون للكلمات التي ادونها على الورق مثابة هياكل معمارية عالية وتماثيل كبيرة تعيش في وحدة الصحراء. تقف على خط الافق داخل فضاء فسيح في جو من الحرية. ان استعمالي الخط في التكوينات التشكيلية ربما يكون كرد فعل ازاء تطور وسائل التصوير كالسينما والتلفزيون، واحب صداقة الخط العربي للادب فانا اخط دائما القصائد والابيات الشعرية، فان لا ارى في مخيلتي اشكالا ابحث عنها عند الشعراء وكمثال اعطيك بيتا لاسامة ابن منقذ يقول فيه :
انظر الى حسن صبر الشمع يظهر للرائين نورا وفي النار تستعر... انه يتكلم عن الانسان المحترق في سبيل الاخرين. انا افكر بكلمة النار واحولها الى شكل لهب، اي امزج الخط بالرسم. احاول على الدوام التعبير عن جوهر العبارة من خلال الشكل الجديد للكلمة والالوان والطاقات التي اشحن بها الحروف. انا اريد ان تكون خطوطي بمثابة هياكل عالية ونصب رشيقة تتسم بالسمو لتعيش وسط الصحراء، تقف على خط الافق داخل فضاء فسيح في جو من الحرية، وفي كل ما ذكرت عن هذه التجربة فانها لا تشابه الخط التقليدي، وحتما ان خطوطي بهيئتها وتوجهاتها وخصوصيتها تخلق بعض الارباك عند من يزال يعتقد ان قيم الجمال في الفن هي قيم ثابتة، بينما يظهر لنا التاريخ بان الخط العربي يرينا تطور في كل فترة تاريخية، كقفزة الخط الكوفي الهندسي وخروجه من كوفي المصاحف الى كوفي يتسم بالحداثة والتشذيب والمطاوعة وهو يمتلك جماليته المتميزة ايضا.
* ماهو مستقبل لوحتك ولوحاتهم؟
-الحكم على الفن يعود كما تعرف للاخرين ، للمتلقي نفسه، فالخط بامكانه كما اعتقد ان يخرج الى العالم له القدرة والمطاوعة الكبيرتين في ان يتخذ اساليب متعددة ومتجددة باستمرار
*تعني انك تحمل قناعة كبيرة بنجاح مستقبل ما تقدمه في تجربتك الحالية؟
-ينطلق عملي الفني من تراكمات التراث الخطي وخصوصا ما هو قادر على اظهار الشكل المعماري كبناء جمالي يمتزج بتناسق ومطاوعة مع الفنون الاخرى، من اجل الوصول من خلال هذه المزاوجة التي تتسم بحرية الحركة ، الى فن يعكس ثقافتي الشخصية ووعيي بضرورة تقديم ما هو متجدد في حياة متغيرة . الخط العربي يمكنه موازاة فنون البلدان الاخرى التي تشهد تطور في وسائلها الفنية وذلك لخلق معابر جديدة للحوار معها خارج حدود الافاق التقليدية التي ميزت المراحل التاريخية القديمة.
*يقال ان خلق تواصل حقيقي فيما بين التشكيليين الحروفيين العرب سيكون له اذا حصل انعكاسات ايجابية، اهمها خلق حافز لتشجيع التراكمات ومعاينة التجارب الجادة التي يمكن الاستعانة بها لتأسيس وبناء اساليب تميز الواحد عن الاخر عوضا عن دوائر التقوقع والتكرار والاجترار التي يقوم بها البعض؟
-ان وجود تواصل عبر لقاءات ومداخلات وحوارات عملية ونظرية واقامة معارض مشتركة من شانه كما ذكرت سيلقي اضواء كثيرة وجديدة في ابراز التجربات الجديدة والمتيزة لكل خطاط ، لاني مقتنع تماما بان الخط ككل الفنون الاخرى يمكنه المساهمة وبجدية بارتقاء المجتمع على ان لا يظل اسير عملية التكرار والاجترار التي اشرت اليها بل من خلال الاخذ به للبحث عن صياغات واساليب تتناسب وطبيعة المرحلة التي نعيشها مع العالم الذي يسرع نحو التغيير الدائب والمستمر.
* نشهد جميعا تحول التشكيليين في الغرب الى الفضاء الحقيقي برغبة جامحة لاجل احتلاله بابعاده الثلاثة المتمثلة في الارض والسقف والجدار. اين باعتقادك موقع الفنان العربي من هذا؟
-نرى الكثير من المعارض في اوربا تبتعد عن اللوحة نحو احتلال الفنان للقاعة بابعادها الثلاثة التي اشرت اليها، انها تجارب لابد من النظر اليها بجدية، مع اني لا احمل في كثير من الاحيان قناعة لعديد من العروض هذه، اذ تبدو لي انها مفروضة على الفنانين من جهات اخرى ومن طروحات بعيدة عن العملية الفنية بقدر تجاوبها مع الطروحات النظرية. اللوحة عندي كسطح تشكيلي بامكانها ان تعكس نظرتنا للعالم وانطلاقا من اي عمل مهما كان صغيرا يمكن ان نؤثر من خلاله على الحياة بالمساحات والحجوم التي نريدها. انا اعتقد بان العمل الفني له القدرة والمطاوعة على خلق التأثيرات التي يريدها الفنان ، في حال ان تكون تجربته متميزة وجديدة وتحمل عطاء في الابداع.
* الا تعتقد بان الفن العربي الاسلامي توقف منذ القرون الوسطى التي كان فيها الاحساس والوعي بالزمن بطيئا بالمقارنة مع توالي الاحقاب والازمنة بعكس الفن الغربي الذي ساير تطور المراحل والتحولات؟
-الفن يظل شاهدا على حركة ومسيرة اي مجتمع من المجتمعات الانسانية. ان تخلف الشعوب العربية والاسلامية هو سبب تخلف الفن الاسلامي، ولكن يمكن للكثير من فنانينا ان ينهضوا بحركة فنية تدفع بشعوبنا نحو التقدم. ان التعرف والاطلاعات المستمرة على الفنون العالمية اليوم يجعل التقليد امرا ساذجا، ويفرض المجيء بفن له علاقة بارضنا وتقاليدنا ومفرداتنا واذواقنا الجمالية، وسوف يعطي الفنان الدرس للاخرين بعدم تقليد الغرب في كل شيء وبكل ما ينتج، لان من شان هذا الغاء خصوصيتنا كبناءات فكرية وحضارية وثقافية.
*انت لاتزال تشتغل على اللوحة. الاتعتقد بانها محدودة الفضاء وانت من ناحية اخرى بعملك تحاول على الدوام توسيع بناءاتك وفضاءاتك؟
-هناك قاعدة ذهبية في الفن تقول بعمل الاشياء الاكثر اتساعا بواسطة اسهل شيء، لهذا فاني ارى بان لوحة صغيرة لربما يمكنها ان تعبر عن عالم فسيح. في الخط توجد متطلبات كحيوية الحركة فاني استطيع ان انجز حركة سليمة بطول متر واحد وان اقوم بحركة طولها اربعة امتار فانها ستكون متكلفة لان ذراعي لها قدرة محدوة. في السابق كان الخطاط يعمل تكويناته الخطية على الورق ويعطيها الى المهني لكي يكبرها باعادة الرسم فيكون خطا مرسوما، وانا ومنذ ثلاثين عاما استعمل طريقة في الخط الفني خارج اللوحة بالخط على جهاز يعكس ما انجزه من خطوط وبشكل مباشر على شاشة كبيرة، كما توجد الان وسائل جديدة تقنية متطورة تتمثل في استخدام الكاميرة الرقمية التي بامكانها تصوير اليد وهي تخط لتبعثه مكبرا بعدة امتار على الجدار.
* مساهماتك النشطة في المهرجانات العالمية واخرها مهرجان اسنطبول هدفها ايصال تجربتك والربط ما بين الجمهور والفنان التي حرصت على الدوام تمتينها؟
-مع مجموعة الرقص الكلاسيكي الغربي" كارولين كارلسون" و فرقة عازف الناي" قدسي اوركنر" شاركت في مهرجان اسنطبول بهذا المهرجان فقد كنت اخط عبارات شعرية تصورها الكاميرة وتبعثها على الشاشة او على اجساد الراقصين امام اكثر من1500 مشاهد حضروا لمشاهدة هذه العروض المتميزة في احدى صالات احد القصور التاريخية القديمة الذي يعود تاريخه للقرن الخامس الميلاديوقد تم تصوير هذه الفعالية سينمائيا لاجل استخدامها في انتاج افلام قصيرة كونها تجربة متميزة. لقد كانت مشاركتي في هذه الامسية عمل لوحات خطية ساهمت فيها ظلال الرقص على نغم الموسيقى ثلاث مدن فرنسية طلبت عرض هذه التجربة الجديدة في منتصف السنة القادمة ضمن مهرجانات فنية متخصصة في فرنسا. وهذا العمل هو دليل على امكانية الخط العربي في مجاوراته وتمازجه واستئناسه في مجاورة الفنون الاخرى وايضا الخروج على ما هو مألوف وسائد نحو التجديد.