جمال الدين: علمانية الدولة والدستور (1/3)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حوار مع المفكرالسياسي الاسلامي الشيعي اياد جمال الدين (1 من3)
إقرأ أيضا:
إياد جمال الدين: دستور العراق كتب على الطريقة الإيرانية
أسامة مهدي من لندن: يعتبر أياد جمال الدين من رجال الدين الشيعة الشباب المعروف بالعصرنة والدعوة لابعاد تدخل الدين في شؤون الدولة وتشريع قوانين علمانية في ظاهرة تعتبر نادرة في المجتمع
الديني.. وقد اثارت مداخلته في مؤتمر الناصرية عشية سقوط نظام صدام حسين وهو المؤتمر الذي حضرته شخصيات سياسية معارضة دخلت الى العراق بالتنسيق مع القوات الاميركية في مارس 2003 وهي المداخلة التي تناقلتها وسائل الاعلام على نطاق واسع ودعا فيها الى دولة علمانية وهو صاحب العمامة الشيعية السوداء والمرتدي لجبة رجال الدين.كانت أول مساهمة سياسية لاياد جمال الدين في عام 1977 حين حاولت الحكومة العراقية منع الشيعة من السيرعلي الإقدام الى كربلاء لأداء شعائرهم فتظاهر الزائرون وقصفتهم طائرات الهيلكوبتر.. وقد عرف بانه واضع أول هتاف علني ضد الحكومة " صدام قل للبكر كل الشعب لا يريدك " (البكر هو رئيس الجمهورية احمد سن البكر انذاك) وكان صدام وقتها نائبا لرئيس الحزب ومجلس قيادة الثورة.. وبقي أياد بعدها متخفيا حتى خرج من العراق عام 1979 إلي سوريا ومن ثم إلي إيران التي درس فيها العلوم الدينية والبحث الخارج لمدة 8 سنوات كما درس الفلسفة والتصوف. وقد ذهب الى الإمارات العربية المتحدة في عام 1995 بناء علي دعوة من شيعة دبي ليكون إمامهم وبقي هناك حتي عاد الى العراق عام 2003 مع سقوط صدام حسين.
وأياد جمال الدين من دعاة العلمانية.. وفي مؤتمر الناصرية قال " دفاعا عن الدين أنادي بالعلمانية , القران الكريم مختطف بيد الدولة الإسلامية لان الدولة هي التي تقوم بالتفسير, وعلينا تخليص الدين من براثن الدولة " وهو يقول ان دعوته ليست سياسية وإنما دينية فلسفية وإيمان بأنه ما من شيء اضر بالدين الإسلامي وشوه تعاليمه الجميلة كما أضرت به الدولة الإسلامية أما أن يقال أن الدين هو الذي يسيطر علي الدولة فهذا مالا يمكن تصديقه ويرفضه التاريخ.. ويؤكد ان كل الدول التي حكمت العالم الإسلامي يكون الدين فيها في البداية هو المهيمن علي شؤون الدولة وسرعان ما تنقلب الآية وتسيطر الدولة علي الدين ". "إيلاف" التقت المفكر الاسلامي الشيعي والسياسي العراقي اياد جمال الدين خلال زارته الحالية الى لندن.. فكان هذا الحوارحول مختلف قضايا الساعة :
ضرورة علمانية الدولة
* كنتم من اول رجال الدين العراقيين الذين دعوا علنا لاقامة دولة علمانمية في البلاد بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع صدام سين.. لماذا هذه الدعوة؟
- العلمانية في تصوري هي الية لادارة شؤون الدولة والبلد وتعتمد على استخدام قوانين وضعية ليس لقصور في القوانين الالهية والشرعية لكن ان نعطي صفة القداسة التي هي ملازمة حقيقية للدين الى الدولة فهذه مشكلة اولا.. وثانيا انه طوال التاريخ العربي الاسلامي كانت الدولة هي المهيمنة على الدين ولم يكن الدين في يوم من الايام هو المهيمن على الدولة فكانت الدولة تستخدم الدين كما تستخدم الجيش والمال والادب والشعر لبسط نفوذها وترويض وتركيع الناس فكان سيف الفتوى وسيف الشعر وسيف المال وسيف الحديد كله بيد الحاكم بامر الله – منذ زمن معاوية بن ابي سيان الى زمن صدام حسين – كل هذه السلطات استخدمت سلطة الدين القوية لان كل تلك الادوات التي ذكرناها هي مجموعة سلطات وضعت بيد الدولة وهي تستثمرها لصالحها.. فلصيانة الدين ومن اجل المحافظة على قدسيته ارى انه يجب فصل الدين عن الدولة وان نضع برزخا حائلا بين الدين وبين الدولة لكي لاتستخدم الدولة هذا الدين الذي يجب ان يبقى في يد المرجعيات الدينية ولها كامل الحرية في ترويج الدين وشعائره وتعاليمه في البيت والمجتمع .. وعبارة العلمانية التي اقصدها هو تقليم اظافر الدولة.. لانها يجب ان لا تكون دولة شمولية.
الدستور الجديد والاسلام
* ماهو رايكم بتعامل الدستور العراقي الجديد مع الاسلام؟
- انا لست راضيا عن ذلك ولكن راي شخص واحد او شريحة من الناس لايكفي لان هناك اراء وشرائح اخرى من المجتمع العراقي وبالتالي اقروا هذه المادة بان دين الدولة هو الاسلام وانه مصدر اساس او احد مصادر التشريع.. ولكن الفقرة التي تقول انه لايجب سن اي قانون يخالف ثوابت احكام الاسلام فان هذا سيوقعنا في اكثرمن مطب واكثر من مازق.. وهذه الفقرة هي مفتاح لولاية فقيه جديدة وسوف ياتي السؤال هو من سيميز هذا القانون الذي اقره البرلمان.. هل هومخالف للاسلام ام متفق مع تعاليمه , فلابد ان تكون هناك هيئة من الفقهاء تميز بين ماهو موافق للاسلام اوهو مخالف له وهذه الهيئة تكفلت ببيانها المادة 92 من الفصل الثالث من خلال تخويل المحكمة الاتحادية العليا وهي تتكون من فقاء قانونيين وفقهاء شريعة هم الذين سيقرون دستورية هذه القواين التي سيقرها البرلمان وهذه مستنسخة بالضبط عما هو موجود في ايران.. بما يعرف مجلس صيانة الدستور.. حيث هناك ستة من الفقهاء القانونيين وستة من فقهاء الشريعة لكي يميزوا.. وهذا بالضبط ما وقفت ضده في ايران الولايات المتحدة والغرب عموما.. لكنهم وافقوا عليه في العراق لانهم يقولون ان اللجنة لتي كتبت الدستور العراقي هي هيئة منتخبة وان هناك في العراق الية لاختيار اعضاء المحكمة الاتحادية العليا حيث يرشح رئيس الوزراء مجموعة من الاشخاص ويوافق عليهم البرلمان ولكن يبقى ان هذه المحكمة حق النقض على البرلمان وتحديد حرية المشرعين العراقيين الذين يسنون قوانين لصالح الناس. الاميركان لم يتدخلوا في كتابة الدستور العراقي وانما دورهم تنسيقي وبالتالي فان الاميركان احترموا ارادة العراقيين في ان يكتبوا دستورهم. وفيما يتعلق بمسالة الدين والدولة فهناك موازنات بين القوى السياسية.. الائتلاف الشيعي قوة موجودة ومدعومة من قبل مرجعيات دينية.. ويبقى التوافق السياسي هو ما توصل اليه كتاب الدستور.
البديل للنص على ان الاسلام مصدر اساسي للتشريع
* اذا اهو البديل في التعامل مع الاسلام عما تم النص عليه في الدستور الجديد؟
- اولا لم يقع اجماع حول هذه المادة والبديل كان هو تاجيل كتاية الدستور ولكن هذ امر انتهى.. ولذلك فان البديل الممكن حاليا هو ان يفتح باب التغيير في الدستور لا ان يؤجل الى دورتين انتخابيتين كما هو منصوص عليه في فصل المباديء بانه لايجوز المساس بمواده الا بعد دورتين انتخابيتين.. والمفروض ان يبقى الدستور مفتوحا للتغيير والدورةا لبرلمانية القادمة يمكن لها ان تناقش مواده.. فليس من الصحيح سلق الدستور في شهرين وتقديمه الى الناس ونقول هذا هو الدستور الكامل.. فلابد من مراجعات له.. وانا على ثقة بانه عند استقرار العراق امنيا وسياسيا واقتصاديا فانه سيكون للعراقيين وجهات نظر اخرى غير الراهنة.
التحالفان الشيعي والكردي والمصالح الوطنية
* هل تعتقد ان الائتلاف الشيعي والتحالف الكردي بحثا عن مصالح حزبية او فئوية انية عند كتابة الدستور وابتعدا عن الاهداف الوطنية والتاسيس لمستقبل افضل؟
- ان الحالة الحاكمة على كتابة الدستور كانت حالة الخوف بالنظر الى الماضي وليس الى المستقبل.. فقد كان الائتلاف خائفا من التاريخ الدموي الرهيب الذي وقع على الشيعة.. والاكراد ايضا خائفون من التاريخ الدموي القاسي الذي عانوا منه سابقا.. فكان الخوف من الماضي والسعي لعدم تكراره في المستقبل ظل حالة مهيمة على من كتبوا الدستور.. فلم يكتبوه بنظرة تفاؤلية الى المستقبل وكيف يراد لهذا البلد ان يبنى انما وضعوا عقبات وعراقيل تمنع ظهور دكتاتور جديد والحق معهم في هذا والجمهور يريد ذلك ولكن يجب ان نميز بين الحيلولة عن ظهور دكتاتور واقامة دولة ضعيفة جدا.. بما يعني لايمكن ان نستبدل الدولة المركزية الدكتاتورية بفيدراليات دكتاتورية صغيرة هنا وهناك.. فنحن جميعا نتفق على انه يجب ان يتضمن الدستور الية لمنع ظهور اي دكتاتورية سواء كانت دكتاتورية فرد او حزب او طائفة او منطقة او غير ذلك.. ولكن في الوقت نفسه علينا ان ننشيء سلطة ودولة قوية تستطيع ان تفرض سلطة القانون وتساعد على التنمية الاقتصادية وعلى بسط الامن والسلام وسيادة القانون.
اهمية اعادة كتابة الدستور
* هل تعتقد انه من المهم ان تعاد كتابة الدستور بعد ان يستقر العراق بعد كذا من السنين مثلا؟
- لابد ان يبقى الباب مفتوحا لتعديل الدستور وحتى بعد الانتخابات المقبلة بعد ثلاثة اشهر فالبرلمان القادم يجب ان يراجع مواد الدستور الاساسية.. المؤكد ان البرلمان الحالي ممثل شرعي جاء من خلال انتخابات شرعية ونزيهة ولكن الوضع السياسي الذي افرز البرلمان الحالي لم يكن وضعا مستقرا وبالتالي هناك شرائح اخرى.. لا اقصد السنة فقط وانما هناك الليبراليين والديمقراطيين والعلمانيين كلهم غيبوا مقابل صعود نجم الخطاب الديني ولذلك لايمكن ان نقول ان البرلمان متوازن وقادر على كتابة دستور متوازن للعراق.. فلابد ان نمرر هذا الدستور الان ولكن لابد ايضا من ابقاء الباب مفتوحا لاجراء اصلاحات عليه في المستقبل.
الدعوة لفيدرالية الوسط والجنوب
* ماهو موقفكم من دعوة السيد بد العزيز الحكيم رئيس لمجلس الاعلى للثورة الاسلامية لفيدرالية الوسط والجنوب؟
- الفيدرالية اقرت في قانون ادارة الدولة المؤقت كما اقرت في الدستور الحالي ولكن المفروض تحديد معالمها وصلاحياتها.. اذا كانت فيدرالية ادارية فلا باس من ذلك.. والافضل من الفيدرالية هو اللامركزية الادارية لاعطاء مزيد من المرونة الى العاصمة بغداد وحكومتها.. لاسيما وانها حكومة ديمقراطية وسوف يكون للاغلبية الشيعية الدورالبارز لهذه الحكومة.. فلماذا الصيرورة الى تجزئة البلد الى فيدراليات؟ قد تكون الفيدرليات مساعدة على ادارة البلد ولكن لابد من ابعادها عن ان تكون فيدرايات طائفية.. فيدرالية للشيعة واخرى للسنة وثالثة لغيرهم.. اما ان تكون قومية فهناك تسليم في العراق ان اقليم كردستان هو للاكراد.. بالرغم ان هذه القضية هي جرح غائر في خاصرة العراق منذ امد.. هنا توافق سياسي بين جميع القوى السياسية على اعطاء الاكراد حقهم في اقامة اقليم كردستان.. ولكن ماتبقى من العراق فارى من الخطورة بمكان ان ننشيء اقليما فيدراليا شيعيا واقليما فيدراليا سنيا لان ذلك سينعكس سلبا على كل المنطقة.. نحن نؤثر ونتاثر فيما يحصل في منطقتنا.. واول الدول المهيأة للفيدرالية هي ايران.. والفيدرالية كفكرة لاتعرف الحدود.. وايران هي اول دولة ستعصف بها رياح الفيدرالية اذا اقرت في العراق لان فيها عربستان وهذه تختلف قوميا عن سائر الجسد الايراني.. وهناك كردستان ايران تختلف قوميا ومذهبيا.. ثم بلوشستان وتركمان صحراء تختلف ايضا.. اضافة الى وجود نزعات انفصالية قديمة منذ توحيد الدولة الايرانية ايام رضا شاه الذي وحد البلاد.. وكانت هناك امارات مستقلة تدفع ضريبة الى الشاه وبالتالي هناك ارضية للفيدرالية..ولكن السؤال يبقى هو هل تتحمل منطقة الشرق الاوسط حاليا مثل هذه التغييرات الجذرية في الانظمة السياسية والمجتمعية؟ وهل يمكن تطبيق الفيدرالية بمثل هذه السهولة التي نتحدث بها ام انها ستطبق على بحار من الدماء التي ستسيل.. انا اعتقد ان منطقة الشرق الاوسط بامس الحاجة الى الاستقرار ونزع فتائل التوتر مع اعطاء حريات للناس وللثقافات ولكن ان تاتي موجة عاتية من الفيدراليات فان هذه المنطقة غير مستعدة لها ثقافيا وسياسيا واقتصاديا ومع انتشار ثقافة العنف فيها فان ذلك امر خطير ليس على ايران والسعودية وغيرهما وانما ايضا على جميع دول المنطقة.. فاذن على العراقيين ان يكونوا اكثر صبرا وحلما وبعد نظر لكي نحافظ على استقرار بلدنا واستقرار المنطقة بشكل عام.
(يتبع)