فوكوياما:الإسلام سيشهد تطوراً كالمسيحية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من الدار البيضاء: نشرت جريدة "صوت الناس" اليومية المغربية نص المقابلة التي أجرتها قناة "الحرة" الفضائية مع صاحب نظرية "نهاية التاريخ" المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما. وتحدث فيه عن الإصلاح الديني في أرض الإسلام وعلاقة المجتمع العربي بالتكنلوجيا وإشكالية الهوية الإسلامية في البلدان الغربية، وتوقع أن يشهد الإسلام تطورا مشابها لما شهدته المسيحية. كما أثار موضوع الصراع العربي الإسرائيلي والإصلاحات في العراق ومدى نجاح التجربة الأميركية في هدا البلد.وتطرق إلى موضوع فتح حوار مع الجماعات الأصولية، ولا سيما منها "حماس" و"حزب الله".
وهنا نص الحوار:
*يطرح كثر من المراقبين ضرورة الإصلاح الديني في العالم الإسلامي.ما رأيك بروفيسور فرانسيس فوكوياما ؟
-أعتقد أن الإصلاح الديني مهم، لكني أستحضر بعدا آخر من حيث وجود تعددية الأصوات خاصة في أرض الإسلام، حيث لم يوجد هناك مبدأ محوري يتبلور بالطريقة التي انتشرت بها أفكار الكنيسة الكاثوليكية التي تتمحور حول عقيدة كاثوليكية واحدة. كانت هناك طائفة متنوعة من الاجتهادات لتفسير الإسلام، وأعتقد أن من الممكن في هذا المنحى التحول إلى تطبيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية محددة واعتبار عملية الإصلاح ذاتها ببساطة تحدياً سياسياً بسبب وجود قدر من المجازفة في التفكير حسب تصوري. ذلك أن أي ثورة ثقافية تقوم في إطار ديني قد يصيب المجتمعات العربية والإسلامية بالشلل أكثر من تطبيق الأمور التي تحتاج إليها.
المثال على ذلك جنوب شرقي آسيا وفيهامجتمعات إسلامية كبيرة العدد في أندونيسيا وماليزيا وبروناي، حيث بدأ تطبيق سياسات اقتصادية ناجحة. فقبل ثلاثين عاما كانت أندونيسيا من الدول الأكثر نجاحا في مكافحة الفقر، قبل الانتكاسة الاقتصادية الكبيرة، لكنها الآن واحدة من أكثر الدول الإسلامية من حيث الكثافة السكانية وفيها أيضا تجربة ديمقراطية جديدة وناجحة نسبيا. قد نختلف في الرأي حول مدى تباين شكل الدين بين أندونيسيا والعالم العربي، وهذا أمر صائب، لكني أعتقد أن تطورها لم يتطلب قيام حركة دينية من أجل تطبيق الإصلاحات السياسية المنشودة.
*إذن لماذا لم يحصل التطور الذي حصل في جنوب شرقي أسيا في العالم العربي، علما أن العالم العربي يحظى بثروة نفطية هائلة، هناك بعض الدول العربية الغنية، نتيجة لارتفاع أسعار النفط ؟
-أعتقد أن الثروة النفطية شكلت عائقا. وهناك قضية مثيرة يتحدث عنها خبراء الاقتصاد وهي لعنة الموارد الطبيعية. إذا ما تأمل المرء العالم سيجد أن أغلب الدول النامية التي تتمتع بموارد طبيعية كالنفط والذهب والماس، لم تحقق القدر الكافي من التنمية والسبب أنها لا تتقدم جيدا بسبب اتكالها على الثروة دون الحاجة إلى بناء مؤسسات عصرية. فكرة الاعتماد على الموارد الطبيعية تبعد الحاجة لتطبيق الإصلاحات المنشودة سواء في اتخاذ القرارات السياسية أو في تطبيق السياسات الاقتصادية أو حتى في إصلاح المؤسسات. وإذا تأمل المرء في أوضاع بلد كاليابان، فهي دولة لا تتمتع بثروة نفط أو ماس ولا أي ثروة أخرى، سوى سواعد رجالها ونسائها الذين كانوا في مستوى جيد نسبيا من التعليم، قبل الحقبة الراهنة، واليوم هي ثاني أكبر الأنظمة الاقتصادية في العالم، بعد الولايات المتحدة، بسبب قدرة سكانها على إنشاء مؤسسات فعالة.
*إذن بروفيسور فوكوياما المشكلة عند العرب وليست في الإسلام ؟
- لا أود توجيه اللوم إلى جماعة محددة. لكني أعتقد أنه يمكن أن يكون هناك اختلال بين ثقافة سياسية عربية قائمة بذاتها وبين ثقافة إسلامية شاملة في ظل وجود حالات ناجحة، وإن كانت قليلة في مجال التنمية الاقتصادية، أو قيام تجارب ديمقراطية في دول إسلامية غيرعربية ، فتركيا مثلا تتمتع بديمقراطية ناجحة نسبيا، وكذلك أندونيسيا وماليزيا اللتان تشهدان توسعا اقتصاديا سريعا. وقد تكون هناك عراقيل ثقافية في وجه التحديث لكنها ليست مرتبطة بأي رباط مع الدين
التجربة التركية
*هنا دعني أقرأ ما يقوله المفكر بيرنار لويس بهذا الشأن. فهو يتحدث عن محاولة نقل الديمقراطية إلى الشرق الأوسط، ويقول إن الديمقراطية ستظل نبتة غريبة وذابلة عند شعوب الشرق الأوسط بسبب ثقافتهم السياسية، التي تحل فيها قيم الطاعة والإيمان والجماعة محل الحرية والمواطنة والفردية... وهو يرى أنه لا مستقبل للديمقراطية إذا لم تكن مصحوبة بقرينتها العلمانية
- البروفيسور لويس يفكر حقيقة في تجربة تركيا كنموذج لنظام ديمقراطي دنيوي متكامل منذ تأسيسه على يد مصطفى أتاتورك ، وليس كديمقراطية، بل كدولة عصرية تقوم على أساس صيغة من النموذج الدنيوي العصري في أوروبا. وفي اعتقادي أنها ليست الطريقة الوحيدة لتحقيق الديمقراطية، لأن تركيا نفسها الآن تشهد صحوة إسلامية قوية إذ يحكمها حزب إسلامي معتدل، هو حزب العدالة والتنمية، ولا ينطوي هذا الوضع في نظري على تضييق خناق أو إلغاء للدين كلية، بل أنها طريقة أخرى نحو الديمقراطية، من خلال تنامي نزعة التسامح وقبول الحزب الحاكم المبادئ الديمقراطية.
في أوروبا مثلا كانت الكنيسة الكاثوليكية، في حالات عدة في الواقع حتى الستينيات من القرن الماضي، خصما للديمقراطية المعاصرة، وخلال الحرب الأهلية الإسبانية كانت الكنيسة الكاثوليكية في صف الفاشيين، ولم تتحقق المصالحة مع الديمقراطية إلا مع ظهور الديمقراطية المسيحية المعاصرة في إيطاليا وإسبانيا ودول أخرى، لذلك أعتقد أن ما يحتاجه العالم الإسلامي حقيقة هو صيغة إسلامية للديمقراطية المسيحية، تسمح للمواطنين بالتعبير عن تطلعاتهم الدينية في إطار سياسي، ولكن بما يتماشى مع التعددية والتسامح، ومن خلال منافسة دستورية منسجمة بين مختلف وجهات النظر. وبمعنى آخر ديمقراطية يكون فيها مجال لتأثير الدين كما هو الحال في أوربا المعاصرة..
*في ضوء هذا الكلام، لا سيما التجربة التركية، هل تتوقع أن يتمكن الإسلام من الفصل بين الدين والدولة، أي أن نتوصل إلى مجتمع مدني إسلامي، أو بعبارة أوضح : علمنة الإسلام ؟
-الأمر يعتمد على ما تقصده بفكرة الفصل بين الدين والدولة. وأعتقد أن غالبية الدول أقرت قدرا من المشاركة السياسية للجماعات الدينية. وكما ذكرت ، إن الديمقراطية المسيحية تتمسك بمواقف قوية في مناحي التعليم وقضايا أخرى كالأبحاث الطبية وتستخدم السياسة بالتالي لخدمة أهدافها، لكني أعتقد أن من الأمور الأساسية قبول الجماعات والهيئات الدينية بنظرة ليبرالية بسيطة للسياسة تقوم على فكرة ممارسة العمل السياسي من خلال التعددية. ولن يكون هناك إقرار لمنطق واحد إزاء القضايا العامة، بداية من التعليم ونهاية بالسياسة الاجتماعية.
ومن المؤكد أنه يتعين وجود مناخ ديمقراطي للتنافس بين مختلف التصورات، حتى لو كانت لدى المتدين معتقدات راسخة، وأعتقد أن هناك أشخاصا متدينين للغاية في أغلب المجتمعات، لكنهم مقتنعون بأنه يمكن تحقيق غاياتهم الدينية ضمن نطاق حياتهم الشخصية وليس من خلال فرض آرائهم الدينية على الآخرين عبر القوى السياسية التي يمتلكونها.
*هذا يقودنا إلى إشكالية الهوية : الأمة الإسلامية الواحدة أم المواطنة (خصوصا في أوروبا) ؟
- أعتقد أن المشكلة في أوربا هي أن الطرفين معا يتحملان الخطأ . ينبغي أن يقبل المهاجر الجديد الآتي إلى مجتمع مفتوح وديمقراطي وعصري، أن هناك تعددية وأن ثقافته ودينه سيكونان جزءا من عدة ثقافات وأديان مجتمعة ، وأعني بذلك أن أي مجتمع عصري هو في حد ذاته مجتمع التعددية الثقافية.
أعتقد أن أوروبا تشهد مشكلة أسوأ من الولايات المتحدة أو مناطق أخرى في النصف الغربي للكرة الأرضية. والسبب في ذلك أن هناك تكريسا لفكرة المواطنة على أساس أنها يمين يستند إلى تركيبة الأقليات، وفي ألمانيا مثلا لم يتم تعديل قانون الجنسية إلا أخيرا0 قبل ذلك كان يتعين أن تكون والدتك ألمانية حتى تكون لك أهلية الحصول على الجنسية الألمانية، وحتى أبناء الجيل الثالث من أصل تركي ممن يتحدثون الألمانية بطلاقة لم يحصلوا على الجنسية الألمانية، فيما يتمتع بها الروس المتحدرون من أصل ألماني وإن كانوا لا يتقنون اللغة. أعتقد أن هذا خطأ من جانب الأوربيين، إذ أنهم لا يؤسسون لمجتمعات يشعر فيها المهاجرون بالترحيب والقبول بهم كأعضاء منتجين، وينظر إليهم بالتالي كمواطنين يتمتعون بحقوق متساوية في الهوية الوطنية لتلك الدول.
*إذن أنت تحمل مسؤولية عدم الاندماج إلى الدول المضيفة أكثر مما تحملها للمهاجرين، أي أنك لا تحمل المهاجرين أي مسؤولية في عدم الاندماج؟
- أعتقد أن المسؤولية تقع على عاتق كل من البلد المضيف والمهاجر في آن واحد. ويتعين على البلد المضيف التشجيع على الشعور بهوية وطنية ينتمي إليها المهاجرون ويتطلعون إليها، ربما على مستوى الجيل الأول، لكن من المؤكد أن تتم بالفعل على مستوى الجيلين الثاني والثالث، وأعتقد أن المسؤولية أيضا على عاتق المهاجر الذي يستقر نفسه في بلد جديد، وينبغي أن يظهر رغبة الانتماء إلى وطنه الجديد وأن يكون عنصرا من عناصر ذلك المجتمع، هي قبول الشروط البسيطة للعقد الاجتماعي، وإلا فماهي الغاية من الهجرة أساسا؟ لذلك أعتقد أن هناك التزاما يفرض نفسه على الطرفين : أي على المهاجر من جهة، والمجتمع من جهة أخرى، من أجل نشر شعور قوي بالانتماء إلى المجتمع.
سؤل: هل تأمل في إسلام أوروبي أو أميركي يظهر في أوروبا أو في أميركا ؟
- أعتقد أن الإسلام قد يشهد تطورا مشابها لما حدث للمسيحية قبل ثلاثمائة أو أربعمائة عام، بمعنى أن تطور التعاليم الإسلامية ينطوي على وحدة متماسكة جدا بين الدين والسياسة. فالخليفة في الدولة الإسلامية كان حاكما دنويا وحاكما دينيا. وفي الغرب عند نهاية القرون الوسطى بدأ كل من هذين الدورين بالانقسام إلى ماهو ديني من جهة، وما هو علماني من جهة أخرى. واليوم كما تعلمون إن الدين في أوروبا قضية شخصية إلى حد كبير، فيما تعد الدولة مؤسسة علمانية على نطاق واسع.
وأعتقد أن هناك إمكانية لأن يصبح الإسلام في أوروبا، من خلال وجوده في مجتمعات تعددية ومتعددة الثقافات، مجرد شعائر وفروض يمارسها المرء بشكل منفرد أو داخل أسرته، أي في ظل حرمة بيته، دون توقعات بأن يحظى ذلك بتأييد السلطات السياسية، وذلك لأن هذا التحول لن يحدث في المجتمعات الغربية.
العرب وصناعة التكنولوجيا
* تقول إن التحديث، والتكنولوجيا والاكتشافات العلمية هي أساس في حركة التاريخ، وفي التقدم. العالم العربي معروف أنه ضعيف جدا في هذين العنصرين، سواء في الاكتشافات العلمية أو في التكنولوجيا، قد يستخدم الأدوات التكنولوجية، ولكنه لا يصنع التكنولوجيا؟
- أعتقد أن التكنولوجيا والعلوم المعاصرة تحتاج إلى نوع من الانفتاح في المجتمع لتعزيز روح التجديد وإلى نظام تعليمي يرتكز على أساس الدليل العلمي والمنطقي، وليس صحيحا القول إن العالم العربي كان دائما متخلفا، كانت هناك أمور عدة في عهد الأندلس في مراحل سابقة من التاريخ العربي، مما عزز ذلك التنوع والانفتاح، وأعتقد أن انغلاق العقل العربي لم يحدث إلا في مرحلة حديثة لدى الأجيال الأخيرة التي لم تظهر انفتاحا في آفاق تفكيرها.
وهنا أعود إلى مقارنة مثيرة للغاية مع دول شرق آسيا بسبب أن الثقافات غير الغربية تبدي بعض التردد والخوف عندما تواجه قوة العلم والتكنولوجيا.
أعتقد أن هذا صحيح بالنسبة لليابان والصين والهند وغيرها، ففي بعض الحالات تقاوم تلك الدول تيار التحديث الذي يستند إلى تطور العلوم، لكنها تدرك في النهاية أنها لن تستطيع التنافس مع بقية دول العالم دون القبول بالقواعد البسيطة ومنها انفتاح المجتمع للأفكار الجديدة، وللدليل العلمي ولأمور أخرى مشابهة، وأعتقد أن من الأسباب التي تجعل اليابان والصين والهند أكثر الدول نموا في العالم، هو استعدادها ليس لقبول التكنولوجيا الغربية أو المنهاج العلمي الغربي، بل قبولها بمنطلق إنساني لتلك المعطيات العلمية.
* أنت متفائل بمستقبل العالم العربي من هذه الناحية؟
- حسب اعتقادي أن المرء في حاجة أحيانا إلى أزمة قبل تطبيق إصلاح حقيقي، وأعتقد أن العالم العربي يعيش حاليا أزمة حقيقية، والسياسة أيضا في مأزق، ولديكم الحكام أنفسهم في بلدانكم ولأجيال متلاحقة، والآن أصبحت المجتمعات العربية في حالة جمود. أعتقد أن الأزمة في مرحلتها الحاسمة، وقد تشهد الأوضاع مزيدا من التردي قبل أن تبدأ بالتحسن، لكني أعتقد أنها ستكون في نهاية المطاف قاعدة لانطلاق التغيير.
أميركا وإسرائيل
* كيف تقوّم العلاقات الأميركية الإسرائيلية، البعض يعتبر أن إسرائيل توجه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، والبعض الآخر يقول بالعكس، أي أن الولايات المتحدة هي التي توجه السياسة الإسرائيلية في المنطقة، ما رأيك بروفيسور فرانسيس فوكوياما؟
- أعتقد أن فكرة زعامة إسرائيل للولايات المتحدة هي فكرة سخيفة، الولايات المتحدة نظام ديمقراطي يستطيع من خلاله الأميركيون اليهود التعبير عن آرائهم لكن، كما تعلمون، هم يشكلون صوتا من مجموعة أصوات أخرى، وهناك مصالح أميركية واسعة أخرى يتعين مراعاتها ضمن النظام السياسي الأميركي، لذلك أعتقد أنها علاقة متينة بين دولتين تجمعهما روابط صداقة، وهناك تأثير متبادل بين الدولتين، كما هو الحال في الروابط التي تجمع بين الولايات المتحدة وبريطانيا والولايات المتحدة واليابان. لكني أعتقد أن فكرة سوء تأثير كل طرف في الطرف الآخر تظل فكرة خاطئة.
*بالتحديد بروفيسور، في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي، ألا ترى تأثيرا إسرائيليا على القرار الأميركي بهذا الشأن؟
- ما من شك في أن إسرائيل تؤثر في السياسة والإعلام الأميركيين، لكن هناك دولا أخرى حليفة، تؤثر أيضا في أميركا، لدينا عدد كبير من المهاجرين المكسيكيين الذين يزداد تصويتهم في الانتخابات ويجدون مساحة أكبر لهم في النظام السياسي الأميركي وبالطبع يوجد هذا النوع من التأثير، لكن القضية كما تعلمون هي أن هناك ترويجا لنظرية المؤامرة في العالم العربي، تفيد بأن واشنطن ببساطة تدور في فلك تل أبيب، وأعتقد أن هذه رؤية سخيفة، بسبب أن أميركا كما تعلمون دولة كبيرة وتتخذ قراراتها بنفسها عندما يتعلق الأمر بمصالحها..
*هل تعتبر أن حل النزاع العربي الإسرائيلي يشكل مدخلا لحل بقية النزاعات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط؟
- أعتقد أن الصراع العربي الإسرائيلي سيصل إلى مرحلة تسوية في النهاية، لكن لا تشكل هذه التسوية شرطا لتحقيق التقدم في مناطق أخرى، وأعتقد أيضا أن إحدى المشاكل الكبرى في السياسة العربية وربما أحد أسباب جمود السياسة العربية هو قدرة الساسة العرب على توجيه اللوم بسهولة إلى الآخرين وتحميلهم المسؤولية عن فشلهم في تسوية القضية الفلسطينية.
وأعتقد كذلك أننا بحاجة لتحقيق بعض التقدم في شأن القضية الفلسطينية، وينبغي أن تكون هناك دولة فلسطينية تتمكن من العيش بأمان بجوار إسرائيل، لكن هناك خطة إصلاحات ينبغي تطبيقها خارج فلسطين حتى لا تظل القضية رهينة لما يحدث بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
البعد الديني للصراع
*البعض يعتبر أنك لا تعطي أهمية للبعد الديني في الصراع العربي ـ الإسرائيلي. اليوم نعلم، لاسيما مع نمو الحركات الأصولية أو حركات الإسلام السياسي، أن النزاع العربي الإسرائيلي أخذ بعدا دينيا أكثر من البعد الوطني أو القومي، كيف ترد على ذلك؟
- ما من شك في أن البعد الديني حل مكان البعد القومي، وأن حركة مثل حركة "حماس" تظل من الحركات المهمة جدا، لكني أخمن: هل هذا الوضع هو الذي سيحدد ماهية النزاع بشكل دائم؟ وهل سيحدث تطور ما نحو حل سياسي يمهد لتطور العنصر الديني نحو وضع ما، يتلاءم مع أي تسوية سلمية ممكنة، لا أعرف الكثير عما سيكون عليه موقف "حماس" وما إذا كانت ستشكل العقبة التي ستؤدي إلى ذلك الوضع، وهل تكون هناك أطراف أخرى أو طرق أخرى لتحقيق ذلك؟ ولا أعتقد أن هذا سيشكل عقبة نهائية ستحول دون تحقيق أي تسوية جديدة.
* بروفيسور فرانسيس فوكوياما بماذا ترد على الذين يتهمونك بأنك معاد لإسرائيل؟
- لست متأكدا من خلفية ذلك الاتهام، ويشاطرني في ذلك عدد من الأمبركيين غير اليهود. إن التحالف مع إسرائيل مهم جدا لأنها ديمقرطية، وهي واحدة من الأنظمة الديمقراطية التي تعمل بشكل جيد في الشرق الأوسط، وأحد الأسباب في نظري يكمن في أن الفلسطينيين بمقدورهم تأسيس ديمقراطية حقيقية بجانب إسرائيل، من خلال تجربة سياسية قد تمتد إلى خارج أراضيها وبالنظر إلى هذه الأسباب أعتقد أن الروابط بين إسرائيل والولايات المتحدة عميقة وحقيقية وتقوم على أساس الأفكار التي تنطوي على قيم ديمقراطية مشتركة.
*إذن لماذا لا تعتبر أن الولايات المتحدة وهي القوة العظمى الوحيدة اليوم، لا تستطيع أن تفرض حلا على الفريقين، الإسرائيلي والفلسطيني؟ أنت تقول إنها غير قادرة على فرض هذا الحل؟ لماذا برأيك؟
- أعتقد أن هناك حدودا معينة لما تستطيع فعله القوة العظمى الوحيدة في العالم، هناك حدود للسبل التي تستطيع من خلالها ممارسة قوتها وصلاحيتها خاصة عندما تكون لديها أهداف أخرى، فيتعين أن تكون تسوية عادلة ومنظمة وتستند إلى الديمقراطية وإلى الإجماع الداخلي لدى كل طرف، أعتقد كذلك أن أي تسوية سياسية تفرضها قوة عظمى خارجية لن تكون طويلة الأمد، لأنها تستمر ما دامت القوة العظمى مستعدة للجلوس مع الأطراف وإرغامهم على التصرف بشكل محدد، وأعتقد أن هذا لن يشكل القاعدة الملائمة لسلام دائم.
أميركا والعراق
* ما هي أسباب تعثر المشروع الأميركي في العراق؟ أو الاخفاقات التي تحصل اليوم، وما نشاهده من عنف وعنف مضاد في العرق؟
- أعتقد أنه من السابق لأوانه القول إن المشروع الأميركي في العراق غير ناجح، وبالتأكيد لم يحدث هناك تحول إلى ديمقراطية مستقرة كما يأمل عدد من المسؤولين في حكومة الرئيس بوش، لكن وبإجراء الانتخابات العراقية في 15 كانون الاول / ديسمبر، انطلقت حركة سياسية حقيقية في العراق، وأعتقد أنه يمكن تأسيس دولة هناك تكون قوية بما يكفي للدفاع عن نفسها. لن يكون العراق شبيها بسويسرا بالطبع، لكن قد يكون على غرار كولومبيا، وهي دولة جربت مستوى عاليا من أعمال العنف خلال ثلاثين عاما، ومع ذلك ظلت ديمقراطية وتحظى بالاستقرار.
* إذن أنت لا تعتبر أن المشروع الأمريكي قد فشل أو تعثر، حتى لا نقول فشل، في العراق؟
- أعتقد أنه إذا تأملنا في الانتخابات العراقية نلمس أن الحكومة الأميركية أرادت تشجيع سياسة الانتخابات المنفتحة والسلمية في بلد عربي، القول بفشل هذا المشروع يأتي متأخرا، والآن ومن خلال منظور أمريكي، ثمة عدة تساؤلات: هل هذا التحول يبرر عدد الأوراح التي أزهقت، والمبالغ التي تم إنفاقها؟
هذا تساؤل منفصل ينتظر الإجابة من الأميركيين، لكني أعتقد أن التطورات الراهنة في العراق غير واضحة لتحديد ما إذا كان المشروع قد وصل إلى الفشل.
إيران والشيعة
*لماذا يعتبر عدد كبير من المراقبين والمحلليين أن إيران هي في الحقيقة الرابح الرئيسي والأكبر من الحرب في العراق؟كما يقول البعض الآخر إن هناك رهانا أميركيا على الشيعة، في المنطقة، ليس فقط شيعة العراق، بل كذلك شيعة لبنان؟ أريد أن أعرف رأيك بهذا الشأن تحديدا؟
- ما من شك في أن تأثير إيران ازداد على المدى القصير بسبب العدد الكبير لحلفائها بين الأحزاب الدينية في جنوب العراق، ولا أعلم ما إذا كان هذا الوضع سيمهد لزيادة دائمة في حجم التأثير الإيراني.
*لا تعتقد أنه سيزداد؟
- لا، لا أعتقد ذلك، وإذا ما تأملنا تاريخ الحركات الثورية الأخرى، نرى أنه يصعب على لدولة الأصلية أن تحكم السيطرة على الثورات الأخرى، وإذا نظرنا إلى الشيوعية نلاحظ أن الانقسام كان بين الصين والاتحاد السوفياتي، حيث سعى كل منهما لتحقيق غايات متباينة، وأعتقد أن هذا سيحدث في عالم الشيعة، أي أن الشيعة العراقيين سيخدمون مصالحهم وليس مصالح إيران.
* ماذا بشأن خوف أكثر من محلل، حتى هنا في الولايات المتحدة من أن تتحول المناطق الجنوبية من العراق، إلى مناطق شبيهة الجمهورية الإسلامية في إيران؟
- أعتقد أن ما يحدث في البصرة وفي المناطق التي سيطرت عليها الأحزاب الشيعية، يدل على مؤشرات مقلقة إلى غياب التسامح الديني، حيث ترغم النساء على ارتداء الحجاب وتتعرض محال بيع الكحول للهجمات وما إلى ذلك، وطبعا لم تتدخل الولايات المتحدة هناك لإقامة مثل هذا النظام الديني في العراق . أعتقد أن علينا أن نكون حذرين في شأن ذلك وأن نعمل على ضمان ألا يتحول الدين إلى شكل آخر من أشكال عدم التسامح في المناطق الشيعية، لكني أعتقد أن السبيل لتحقيق ذلك هو مواصلة العملية السياسية الراهنة لأن هناك بعض الفئات داخل المجتمع العراقي ممن تقتضي مصالحهم ألا تكتمل تلك العملية السياسية . فالنظام الدستوري الذي يشهده العراق حاليا يشكل أفضل ضمان لوضع حد لذلك النوع من السياسات المرتكزة على الدين.
* هل تتوقع خروج الأمريكيين سريعا من العراق؟
- لا أعتقد ذلك، ومن البديهي أن هناك الكثير من الضغوط السياسية على الرئيس بوش من أجل سحب سريع للقوات الأمريكية من العراق، لكني أرى أن من الممكن أن يقاوم الرئيس إلى أن تصبح الحكومة العراقية قادرة على تحقيق الاستقرار بعد الانسحاب الأميركي، لأن الجميع يدرك أن عراقا غير مستقر لن يكون في مصلحة أحد.
*لماذا قلت أن قرار الدخول في حرب العراق كان نتيجة ضغط لوبي يرجح المصالح الإسرائيلية على المصالح الأميركية؟
-أنا لم أدع قط إلى تلك الفكرة ولا أؤمن بها، أعتقد أنه تم إعلان الحرب تبعا لاعتقاد أن هناك أسلحة دمار شامل في يد ديكتاتور خطير، من هذه الناحية أعتقد أن الحكومة كانت صادقة في نواياها، لكن خطأ حكومة الرئيس بوش تبين عندما استحال الحصول على تلك الأسلحة. وهذا هو الاعتقاد الذي كان سائدا بين الكثير من الأميركيين تبعا لتقديرات جهاز الاستخبارات العامة، لذلك أعتقد أن ما أعلنته إدارة الرئيس بوش كان هو الدافع الحقيقي للتدخل في العراق.
* ننتقل بروفسيور فوكوياما إلى موضوع العنف السياسي، والإرهاب، أنت تعتبر أن "القاعدة" لا تشكل تهديدا وجوديا للولايات المتحدة ، قد يكون هذا الأمر صحيحا وقد يكون غير صحيح. إنما السؤال هنا : ألا تعتبر أن "القاعدة" تشكل تهديدا لدول الشرق الأوسط، وينبغي بالطبع على الولايات المتحدة أن تتدخل لحماية هذه الدول ؟
- أعتقد أن "القاعدة" تشكل أخطر تهديد على المنطقة وعلى دول الشرق الأوسط، ولقد شاركت في نقاش حول قضية ما إذا كان التهديد موجها إلى وجود بعض الدول، وأعتقد أن القضية هي مجرد دلالة ألفاظ، فتهديد ضد الوجود في نظري معناه تهديد قادر على تغيير نظام الحكم في الولايات المتحدة وتأسيس دول إسلامية فيها. وأعتقد أن هذا احتمال غير وارد في أي وقت في المستقبل. في هذا المنحىلا أعتقد أننا عرضة لذلك النوع من التهديد، لكن من المؤكد أن تنظيم "القاعدة" خطير وإذا ما تمكن من امتلاك أسلحة دمار شامل فيبدو لي أنه سيشكل تهديدا خطيرا.
* إنما سؤالي هو : ألا تعتبر أن واجب الولايات المتحدة أن تتدخل لحماية حتى دول المنطقة التي قد تكون مهددة من حركات تنظيم القاعدة ؟
- لدى الولايات المتحدة خليط من الأهداف في الشرق الأوسط. وأعتقد أن هناك حاجة لحماية دول من هذا النوع من الإرهاب العشوائي. ومن جهة أخرى قالت حكومة الرئيس بوش بوضوح إنها تريد إصلاحات سياسية وانفتاحا للأنظمة السياسية في المنطقة. وأعتقد أن من الصواب القول إن خطر الإرهاب قد يكون تبريرا ملائما لعدد من الديكتاتوريين في الشرق الأوسط من أجل مواصلة السلطة المحكمة جدا، وأعتقد أن الولايات المتحدة ليست بحاجة لدعم مثل تلك السياسات لكنها بحاجة لدعم الحكومات الشرعية ومساعدتها من أجل الدفاع عن نفسها ضد هذا النوع من التهديد بالإرهاب.
الحوار مع الأصوليين
* بروفيسور هل تشجع الحوار مع الحركات الأصولية مثل "حماس" و"حزب الله"؟ وكذلك الحوار بين الولايات المتحدة وتلك الحركات ؟
- أعتقد أن توقيت مثل هذه القضية أمر في غاية التعقيد لأنه لا يمكن تقديم مكافأة لمثل تلك التنظيمات على مواقفها المتصلبة، لكني أعتقد أن بوسعنا الأمل على الأمد البعيد في أن تتطور تلك التنظيمات في اتجاه مسالم، فحزب الله مثلا يتذبذب حاليا حول فكرة اتخاذ القرار بالكف عن اعتبار نفسه منظمة عسكرية ليصبح حزبا عاديا على غرار ما حدث بالنسبة للجيش الجمهوري الإيرلندي في إيرلندا حيث تم ذلك باستيعابه ضمن الأحزاب السياسية المشروعة. وإذا ما حدث هذا بالفعل لحزب الله، فسيكون تطورا إيجابيا وستعمل الولايات المتحدة على تشجيعه. لكن هل سنشهد ذلك في الوقت نفسه إزاء حركة "حماس"، لا أستطيع الجزم بذلك، وأعتقد أنه من السابق لأوانه فتح حوار مع المسؤولين في "حماس" لكني أومن أن ذلك سيحدث كجزء من حل طويل الأمد في الشرق الأوسط.