احمد: أدواتي ليست كثيرة او معقدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الفنان مظهر احمد خزين من المهارات الغرافيكية، وحاضر بقوة أختامه
حاوره في السويد ناصر مؤنس: أزاميل خياله ابتكرت العديد من التقنيات، وبين يديه تلمع بالعافية لوائح المعدن، وتلمع الصفائح والألواح. في أعماله لا نبحث عن الإنسان بل عن تجريده، لا عن الخطوط بل عن أنواعها، لا عن التعبير بل عن الإيحاء، ولا عن اللون بل عن ذهوله الأسود. وهو لا يؤمن بأن اللون " عافية الرسم " لهذا نراه زاهداً بالألوان ينثر الحبر على بياض الورق، فتشرق الألوان بطاعة من الكمال، أما عن أشكاله المحفورة كممرات إلى الخيال فهو يرسمها بخطوط وعلامات تذكر بعلوم البدء.
فهو منذ أن أقام مشغله أو ورشته للغرافيك في مدينة { فالون}في السويد ودوَّن عليها بالنقش الغائر ألقاب الحبر وهو يدون نقوش خياله على ألواح المعدن ويجلو عن المحفورات صدأ الطبعات البائدة والسائدة، وكأنه يبتكر تأريخا أخر للغرافيك ويؤسس لأساليب أخرى في الطباعة { أساليب حية في تكويناتها ولا تشبه تلك المسودات الميتة وليدة الصياغات المسبقة } فمرة يمزج بين تقنيات " الغرفة المظلمة " للمصور الفوتوغرافي وبين آلات الضغط. ومرة يبتكر طريقة جديدة باستخدام لوائح الأوفسيت كبديل للطباعة بالحجر، ومرة يستخدم قفا الصفائح، وأخرى يأخذ آلات قديمة ويجعل من تأثيراتها رسوماً، وهكذا تتنوع أساليبه.
لهذا سرعان ما استنسخت أعماله من قبل بعض الفنانين - من العراقيين والعرب- ممن أشْكلت عليهم الطبعات، وانصرف عنهم الخيال، وفارقتهم مدارك التذوق الفني.
وبين ورشته وبيته في مدينة "فالون " كان لنا معه هذا الحوار الذي يحاول أن يكشف بعض مكاشفات المعدن والمعنى.
- ما هي أهم التطورات التي حصلت في الغرافيك؟
- بالنسبة للحفر البارز كانت التطورات هي التغيير في نوعية الأخشاب أو " البليت" أو "اللينو". وبالنسبة للغائر بدل الزنك تم استخدام النحاس، وبدل الحديد البلاستيك، ثم جاء التغيير الأهم، وهو دخول الفنان الغرافيكي إلى غرفة المصور الفوتوغرافي والاستفادة من التصوير في عمل الصفائح، ثم الذهاب إلى غرفة النجار والحداد والصباغ والمهن الأخرى، في سبيل تنفيذ القطعة بالشكل الصحيح، وأصبح الغرافيك عبارة عن شخص يذهب إلى دكان.
- أدواتي ليست كثيرة أو معقدة
- ضمن العمل الطويل والتجريب بالمواد توصلت إلى عدة طرق أو استخدامات غير مألوفة في تحقيق الطبعات، ومن هذه الاستخدامات المزج بين طريقتين في آن واحد، على سبيل المثال، أقوم بعمل الصفيحة
- ميزان العناصر
- في مفهوم بناء العمل الفني أو التكوين يلجأ كل فنان إلى الطريقة المحبذة إلى نفسه، من ناحيتي، أحبذ البساطة في استخدام الأشكال والألوان، وهي بالنتيجة ممارسة لا يقوم بها إلا من يستطيع السيطرة على
أعود لسؤالك حول زهد اللون في أعمالي،
أنت تجد أن ما يميز أعمالي من هذه الناحية هو الخطوط، والسواد العنيف، واللون القليل الهادئ، وكل هذه العناصر موزونة على السطح الأبيض، رغم الحركية أو السكونية التي تطغى على العمل.
- غياب الظل
- صحيح، يغيب الظل في أعمالي، فأنا لا أقوم باستنطاق الظل، وأساس اعتمادي في بناء العمل الفني هو استخدام البعدين العمودي والأفقي، لا أحب العمق في العمل الفني، وهذا يرجع أيضاً إلى طبيعة بحثي وأسلوبي وتعمقي في هذا المجال وهو ألا يكون العمل الفني بثلاثة أبعاد.
- كائن يروض شغب الخيال
- لا يوجد عندي تحديد أو أسلوب في استخدام مادة معينة، ولا توجد طريقة ثابتة في تنفيذ أعمالي، كل شيء يختلف من عمل إلى آخر، لكنني أستطيع القول أن الورق مادة أساسية في عملي الفني، ولا يقتصر استخدامه على الأعمال المنفذة بطريقة الطبع المسطح فقط، بل يتعدى ذلك إلى المجسمات أيضا، فعلاقتي بالورق علاقة مهنية، أتعامل مع التخطيط على الورق، الطبع على الورق، التأطير بالورق، والورق بالنسبة لي هو الكائن الذي يروض شغب الخيال.
- المواد الأخرى
- لا توجد أشياء كثيرة أو لنقل بعيدة عن دائرة البعدين ودائرة التكوين، وعنصر الاختزال، وتكبير الأشكال وتصغيرها، وفي النهاية توزيعها كما هو الحال في الطبعات الغرافيكية.
- فن البوستر
- البوستر من أهم الدروس التي حصلت عليها من دراستي في أكاديمية وارشو، وفي اعتقادي أن الفنان الذي يعرف صناعة البوستر يعرف كيف يتعامل مع السطح بشكل جيد، لأن التعامل مع الخط والرسم أو الشكل والكتابة يجعلك تتابع مشاكل التكوين بشكل عميق جداً، ويصنع خبرات تؤدي إلى معلومات قيمة عن التكوين في سطح اللوحة أو الطبعة الغرافيكية.
وأنا أعتبر فن صناعة البوستر من المصادر الراقية والمهمة في تعلم لعبة التكوين، وكيف يمكن التصرف مع الشكل، حجمه، توازنه، كسره، والذي يدرس البوستر بشكله الكلاسيكي يستطيع أن يصنع اللوحة لأنه يعرف أين يضع الثقل أو الضعف. كان حلمي وما زال أن أعود إلى العراق وأعمل معرضاً خاصاً للبوستر البولندي، أما لماذا البولندي، لأن البولنديين يعتمدون على الرسم وليس التصميم.
- الدراسة في بولندا
- عندما سألت الفنان البولندي رومان أرتموفسكي { Roman Artymowski } في أحد اللقاءات في بغداد، هل هناك مجال لدراسة الليثوغراف في بولندا؟ أجاب، نعم، في كل مكان في بولندا. هكذا بدأت بتهيئة نفسي وأنا في نهاية المرحلة الثالثة أو الرابعة في معهد الفنون، لقد قررت ونفذت وسافرت إلى بولندا ودرست في أكاديمية وارشو. المفاجأة كانت رائعة عندما تم قبولي في الصف الثالث مباشرة على اعتبار إنني أجيد الغرافيك، لكني رفضت وطلبت أن أدرس المواد من الصف الأول. كانت الدروس مكثفة جداً، ومشوقة بشكل كبير، ووجدت أن موضوع التكوين أو الإنشاء التصويري من أهم الأشياء نقصاً في تربيتي الفنية واعتبرت كل فترة دراستي في معهد الفنون عبارة عن العمود الفقري لبناء الهيكل، تعرفت على كيفية بناء العمل الفني سواء كان مسطحاً أو مجسماً، و تعرفت على الفرق الواسع والواضح والأكيد.
- رومان أرتموفسكي
- في الحوار المسجل الذي أجريته مع ارتموفسكي ترد كمية من الحقائق التي يمكن اعتبارها مصدرا مهما لمعرفة تأثير البولنديين على الفن العراقي، ربما، أنا وابن الفنان أرتموفسكي وأحد المتخصصين نتعاون في المستقبل لنشر تلك الوثائق ونكشف عن ذلك الأرشيف الهائل الذي يحتفظ به ابن الفنان، وقد أطلعت على جزء منه
وقبل أن أعود إلى الحوار والذي لا يقل أهمية عن تلك الوثائق، أود الإشارة إلى أن تجارب أرتموفسكي في العراق قد اعتمدت على قوالب مصنوعة من مادة " الغبس " وهذه المادة تكون عادة بيضاء على سوداء، وعندما تحفر تصنع " بوزتيف "، وبعد هذه الإشارة العابرة أعود بك إلى الحوار، حيث ترد الكثير من المعلومات الطازجة والتي لم يشر إليها في دراسة التشكيل المعاصر في العراق، سأورد لك حكاية صغيرة من هذا الحوار الطويل، يقول أرتموفسكي: { كنت أنظر إلى كل شيء بعيون جديدة وكنت أراه فناً، وعندما تجولت في الأماكن الأثرية في العراق واشتريت بعض القطع المحلية من محافظة كربلاء، نقلتها إلى الطلبة، وقلت لهم، هذا هو الغرافيك، قالوا، لا، نحن نريد الغرافيك الحديث، فذهبنا بسفرة إلى كربلاء لنكتشف أن الناس هناك قاموا بابتكار طريقة مذهلة وهي أخذ مقطع صغير من إطار سيارة قديم ووضعه على ماسكة خشبية ويصبح بمثابة الختم، ويطبع على القماش }.
هذه العملية تؤكد أن الغرافيك كمادة موجودة في العراق، وقد ذكرها أرتموفسكي للطلبة، لكن يبدو أن الطلبة في ذلك الوقت لم يدركوا الفرق بين " تلولحي" و " تمرجحي " أي بين العمل الفني ومصدره.
- خيال الكتاب
- ربما كان مخبأ في داخلي، متغذياً بطبائع أعمالي، وربما كان مدوناً بحبر خيالي، وربما، لقد ولد هذا العمل
حتى العنوان، فقد تركت هذا الأمر إلى ذوق المشاهد ومستواه الفكري أو الفني، طبعاً بإمكاننا أن نضع له من العناوين ما نشاء، هذا إذا أحتاج العمل إلى عنوان أصلاً، لم أرغب أن يتمرغ هذا العمل، أو يتوسل بالعناوين، أردته كالخارج لا يحجبه العويل، أنجزته بلا عنوان، بلا وطن، بلا حدود، بلا مياه، بلا أشجار، بلا ضوء، بلا هواء، مما جعلني أطوره من فترة إلى أخرى، مستخدماً تأثير المكان أحياناً، وأخرى مستفيداً من التكنولوجيا الحديثة ومن جهاز الكومبيوتر تحديداً، وتستطيع القول، يمكننا التمتع بتطوير هذا العمل لسنوات طويلة قادمة، طالما هناك مواد جديدة وطرق جديدة وأشكال جديدة، وكأن الأمر يشبه الفنان " جيم داين" عند الروك، فهو يرسم الشكل نفسه دون ملل، ودون أن يكرر نفسه، بل يدفع بالتجديد إلى مزاياه السحرية. وكذلك الحالة عند الفنان البولندي " رومان أرتموفسكي " في شكل عمله الشمس.
الإنسان يرسم لنفسه ويقدم للآخرين، هذه أنقى طريقة للعمل الفني والتعامل مع الفن يعني الصدق، والصدق مع النفس هو السعادة الحقيقية.
- الكتاب اليدوي
- الكتاب الفني، أو فن الكتاب كان ضمن منهاج دراستي في أكاديمية وارشو، ونفذنا الكثير من الكتب معتمدين على تصاميمنا الخاصة، من غلاف الكتاب والصفحات والتصميم الداخلي، وعملت عددا من الكتب على أساس كونها عملاً فنياً مجسماً، واستخدمت المواد المختلفة لإخراج الكتاب، وعملت أيضاً الكتب بالطريقة المألوفة، أي تلك الكتب التي تجمع بين الرسم واستخدام الكتابة، كما في كتابي عن الشاعر عبد الوهاب البياتي، وهناك مشاريع لكتب قادمة منها كتاب عن الشاعر السويدي توماس تراندسترمر، وعن الشاعرة البولندية الحاصلة على جائزة نوبل فيسوافا شيمبورسكا.
- جائزة نوبل
- هي جائزة نوبل للفنون، وهي محدودة على مستوى السويد فقط، تمنحها مدينة كارلسكوكا { Karlskoga } لأن مختبر نوبل في هذه المدينة، وكان وراء فكرة الجائزة { يوران بيرشو} فقد أخذ موافقات من مؤسسة نوبل، والجائزة تمنح في نفس اليوم في المدينة بينما الجائزة الكبرى تمنح في ستوكهولم، وقد حصلت عليها،
أما أكبر جائزة بالنسبة لي فهي عندما وضعني الإنكليزي { Richard Noyce } في كتابه، حين أختار 45 فناناً للغرافيك من كل العالم.
الجوائز الأخرى مثل جائزة كراكوف أعتبرها مهمة، والمنافسة كانت شديدة جداً، وكان حفل الجائزة في قصر المدينة، وكنت وحدي، وعندما ذكر اسمي واسم العراق، وقف الجميع، وقتها شعرت والدموع تملأ عيني، أن الجميع يقفون ضد الحرب في بلدي.
- أين تقف الآن؟
أستطيع القول، أنني وبعد مرور 30 سنة لم أنقش بعد صورة الكمال على لوح اليقين، أنني أقف مع قول " أبي علي " الشاعر عبد الوهاب البياتي حين يقول: عندما تنضج الثمرة تموت.
الموقع الشخصي للفنان مظهر أحمد
www.modhirahmed.com