لقاء إيلاف

قاسم بياتلي: لا وجود لمسرح الحركة والصورة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

حوار مع المخرج المسرحي العراقي قاسم بياتلي:
مهرجان دمشق المسرحي تلكأ في عملية تنظيم العروض
اردت ان اعكس جانباً من تلك الكارثة التي اصابت العراق
يجدر بكل فنان مسرحي أن يطلع على تجربة باربا

أجرى الحوار صالح حسن فارس: الدكتور قاسم بياتلي مخرج وباحث مسرحي عراقي من مواليد بغداد عام 1952، درس وتخرج في معهد الفنون الجميلة ببغداد عام 1976 غادر الوطن متنقلاً من بلد إلى اخر وأستقر به المطاف اخيراً في أيطاليا ويعيش فيها منذ ثلاثين عاما، أكمل دراسته الجامعية فيها في مجال "الدراماتورج" يشتغل في أكثر من مجال أبداعي بين الكتابة المسرحية، التمثيل، الاخراج، والترجمة، لم يقتصر عمله على اخراج النصوص المسرحية فقط بل هو منهمك في البحث المختبري المسرحي لفن الممثل، تربطه علاقة وثيقة بالكاتب والمخرج الايطالي"ايوجينو باربا" و ترجم له أغلب اعماله المسرحية إلى العربية، له عدة مؤلفات: دوائر المسرح، حوارات حول المسرح، الرقص في المجتمع العربي، وغروتوفسكي .. والمسرح، وكتب مترجمة منها مسيرة المعاكسين، مسرحيات داريوفو، وزورق من الورق. شارك البياتلي في الكثير من المهرجانات العالمية والعربية من خلال تقديم أعماله المسرحية:الى خليل في الغربة، برزخ نور الشرق، جزة الخروف الذهبية، رقصات الاركان، حكاية المتزهد، وقام باعداد ورش مسرحية في دول عربية واوربية. اسس فرقة مسرح الاركان في ايطاليا، ويعطي دروسا في مجال الرقص الشرقي، بمناسة تقديم عمله المسرحي "شهرزاد والتفكير في بغداد" ضمن فعاليات مهرجان دمشق المسرحي التقته ايلاف وكان هذا الحوار:

* حدثنا عن تجربتك المسرحية في ايطاليا، وعلى ماذا تشتغل من ادوات في العمل المسرحي؟
- في عام 1984 بعد انتهائي من الدراسة الجامعية في قسم الفنون والموسيقى والعروضD.A.M.S في جامعة بولونيا الأيطاليه، قمت بتأسيس فرقتي المسرحية" مسرح الأركان" مع شخصين كانا يحملان معي نفس الهموم الفنية، ومنذ ذلك الوقت وأنا أعمل مع هذه الفرقة من الفنانين المحترفين الطليان، وقد قمتُ معهم بأخراج 12 عرضاً مسرحياً، ولكني لم أقتصر في عملي على إخراج العروض المسرحية فقط، بل كان هناك نوعاً من البحث والتنقيب "المختبري" الطويل على الحفر والتنقيب في أرضية المسرح، وخصوصاً في أرضية عمل" وفن الممثل" وقد تمخض عن ذلك توجه عملي- نظري- خاص سميته "بالمسرح الوسيط" وهو في حالة حركة ونمو مستمرين واهتم بشكل منهجي بأشكاليات التربية" البداغوجية" الفنية للممثل في مجال "الأعداد والتكوين" للممثل- الراقص في المسرح الدرامي كتربية فنية دائمة موجهة نحو إنماء امكانية مايدعى ب"دراماتورجية الممثل" أي امكانياته في إستخدام مواده الفنية بكل مفرداتها التي يتغذي بها ويهضمها لكي يقوم بتحويلها إلى طاقات ملموسة في حبك ونسج وتأليف الأفعال الدرامية التي يعمل بموجبها. وهكذا فأن شغلي الشاغل في ايطاليا هو الحرث والزراعة في أرضية المسرح، والعمل على بث مايتمخض من أمور وإمكانيات فنية وإيصالها للاخرين سواء من خلال العرض المسرحي أو الورش والدورات التدريبية" النابعة والممتدة من البحث المختبري- الطويل الامد" أو الدروس الجامعية والمحاضرات والأماسي أو من خلال تأليف الكتب حول معطيات العمل التطبيقي الذي أقوم به.

* أعمالك المسرحية تركز على المسرح البصري وأمكانيات الجسد والتصوف ماهو سر هذا الاهتمام؟
- يأتي الجانب البصري في أعمالي المسرحية ليس من خلال أهتمامي بالصورة بل من خلال تركيزي على الفعل ورد الفعل للممثل ولكل العناصر المكونه للعرض، والتي تظهر في صور دقيقة هادفة لأني أعمل على "الفعل التام" البصري- السمعي- اللمسي الذي يحدث أمام بل مع المتفرج بحضوره ووعيه وأنتباهه كمكمل للعملية الأبداعية، فالعرض لايحدث من أجل أن يبصره ويسمعه المتفرج، بل هو موجه نحو انتباهه وادراكه وحضوره الحيوي.
اما بما يخص شغفي بالتصوف فهو امر لابد منه فله تأصيله في جذور ذاكرتي الجمعية والفردية، وذاكرتي هي ليست مسجلة في الكتب والمعمار والذهن فقط بل هي محفورة في اخاديد وجودي وحضوري الكلي- هنا والان- ويظهر ذلك في صوتي- غنائي- وحركتي- رقصي- وايقاعي وصورتي في الفعل الذي امارسه وأعيشه في الحياة وفي المسرح. اضافة إلى ذلك انني ارى في كل العناصر والوحدات المكونة لطقوس الصوفية مايوازيها ويشبهها في بناء العرض المسرحي سواءً على مستوى المفردات: الغناء، الرقص، الشعر، والكلام، والايقاع والحركة، والازياء- وبأبعادها الروحانية والرمزية أو على مستوى البنية التكوينية للطقس" الذكر والسماع" القادرة على اثارة نوعية خاصة من الأنشداد الفعلي مابين القائم بالفعل والشاهد عليه، ويأتي اهتمامي بذلك ايضاً من منطلق روحاني" ميتافيزيقي" يتناضح مع الموضوعية" الفيزيقية بعيداً عن اي تاطير ديني سلفي.

* هل تعتقد ان هناك قنوات جديدة لبث طاقة الممثل في الموسيقى والغناء والرقص الصوفي؟
- لقد أتاحت ليّ الصوفية في رؤيتها وممارساتها العملية فهم واستعياب كيفية استخدام مراكز الطاقات المتعددة الكامنة في الكائن- الانسان، وكيفية امتداد تلك الطاقات في قنوات دقيقة ورقيقة لتظهر في صورة الفعل الابداعي، وفي واقع الامر ان الأستقاء من عالم الصوفية لمواد ملموسة عملية نافعة في فن وشغل الممثل هو امر في غاية الصعوبة والتعقيد، وقد قضيت نصف عمري في البحث والتقصي في ذلك وبالقرب من اهل التصوف. ويمكن أن يؤدي هذا النوع من البحث إلى بعض المخاطر في الأنسياق وراء متاهات الوهم في العالم اللامرئي، ولكني استطعت من خلال تجربتي الميدانية- المشفوعة بالمعرفة العرفانية- أن أغرف من الطاقات الروحانية- الملموسة- للمتصوفة وأن احولها إلى امكانيات عملية لشغل الممثل، وقد حصل ذلك لأني بحثتُ وبشكل متوازي ايضاً في ينابيع اخرى في تراثنا العربي - الاسلامي أي بحثي في ثنايا وأصول "الرقص الشرقي" الذي أمارسه وأقوم بتدريسه منذ زمن، والذي نشرتُ عنه المقالات والكتب، وهكذا توجهتُ في حركتي- في المسرح- مابين ماهو ظاهري- ملموس أرضي وماهو باطني لامرئي سماوي. ومنم هنا نما وظهر المسرح الوسيط بين العالم السفلي والعلوي، بين الظاهر والباطن"الأفقي" وبين الذاكرة الجمعية والفردية كعالم موضوعي وسيط يظهر في فعل الكائن- الانسان- الممثل- الراقص.

* هل ترى ان هناك تناظرا بين ثنائية النص المنطوق واداء الممثل على المسرح وبين ثنائية الروح والجسد؟
- إن اشكالية الثنائية بين الروح والجسد هي من "ابداعات" الفكر المثالي والرؤية الميكانيكية للحياة، والتي تواجدت سواءً في الحضارة الاوربية أو العربية الاسلامية، وقد أخذ هذا النوع من التفكير بالأهتزاز والتخلخل بعد ظهور العلوم الحديثة- النظريات النسبية والفيزياء الكمية- وصولاً إلى البحووث النووية- وخصوصاً بعد أن بدأ نوعا من التلاقح مابين الرؤية الشرقية" الهند والصين واليابان" والفكر الغربي، ولهذا نجد اليوم هناك من يفكر بجدليه تكاملية ورؤية احتمالية، بدلاً من الجدل الثنائي والحتمية، وحتى لو نظرنا إلى مفردة الجدل باللغة العربية- التي لها صلة وثيقة بالجديلة"الظفيرة" فهي متكونة من ثلاث وحدات لتتظافر، إذن، فأن الرؤية العميقة للحياة وللاشياء تنلطلق- مبدئياً- من ثلاث عناصر، وهذه الثلاثة هي التي تنبع منها الطاقة الحيوية- كما هو في النواة الفيزيائية. وحتى في طبيعة التناسق- الهارموني- في الانسان السويّ" وليس الخارق للعادة" فلذلك حساب اخر- يستوجب وجود ثلاث أنواع من الطاقات الأولية: الجسم، العقل، النفس. والتي تظهر في كل فعل تام. ومن الواضح ان الفكر الثنائي- الميكانيكي- قد هيمن- من خلال الفلسفة والعلم الميكانيكي- ولقرون طويلة، على الفن بكل اجناسه وهكذا نجد في المسرح مثلا بروز ظاهرة ميكانيكيه فصلت ما بين النص المكتوب" الادب الدرامي" والعرض المسرحي وقد دفع ذلك في أحسن احواله إلى انتشار فكرة كيف يتم تجسيد "جسّدّ" أفكار المؤلف- أو المخرج- وتم خطاءً- الخلط بين الفكر المثالي وماهو "روحاني" وأخذ بالجسد كمرجعية لمفهوم التجسيد "المادي" وهكذا قُطع الرأس عن الجسد وتفاقم الصراع بين ماهو مثالي وماهو مادي، بين الفكر"وكأنه الروح"؟! و"الجسد" وكأنه مجرد" جسم مادي منفصل، ومن هنا نرى وجود ظاهرة المسرح النثري "prosa" الذي يقال عنه انه يعتمد على النص"الرأس" وتفسيره وتجسيده بواسطة وسائل- مثل الممثل والموسيقى والانارة والازياء الخ، وفي الجانب الاخر راح البعض- خصوصا في المسرح المعاصر- يبحث عن بديل لذلك في مسرح الحركة أو مسرح الصورة وماشابه ذلك من اخراجات " لربما مفيدة للنقاد الكسالى" التي لاوجود لها من وجهة نظر المسرح الدرامي الفني الحقيقي الذي يعتمد على "الفعل ورد الفعل" وبمستوياته المختلفة- البيولوجية والنفسية والعقلية. اوالطاقات بعوالمها السفلية والعلوية والوسيطة، وبكلمة اخرى عالم الحيوان- والملائكة والانسان. وذلك مابحثت فيه ضمن العملية الابداعية لدى الكائن- الانسان- الفنان ومن منطلق تكاملي.
ومن هنا لاارى ان هناك شئ اسمه مسرح الكلام ومسرح الحركة او الصورة، بل هناك مسرح الفعل الدرامي التام، وهو بحد ذاته يشكل صورة "الفكر في فعل" أو "الفكر في حركة ملموسة" ويظهر ذلك في عملية "التماس" الفعلية بين انسان وانسان، بين انسان والعالم الذي يعيش فيه.

- هل تعتقد أن هناك دراسات ومصادر كافية تتحدث عن الجسد بكل ابعاده المسرحية ورحلته في التأريخ؟
- ان الكتابات والدراسات عن "الجسد" بأبعاده الفنية والمسرحية هي نزرة جداً، سواءً عبر التاريخ الاوربي أو في الواقع المعاصر، وفي أغلب الأحيان كانت هناك دراسات فلسفية عامة حول ذلك بعيدة عن اصول ومبادئ التعبير وحتى في حالة كتابات بعض المفكرين والفلاسفة حول الممثل والتمثيل مثل كتابات ديدرو الفرنسي، خصوصاً كتاب "مفارقات حول الممثل" وكذلك كتابات الالماني لسنج في كتابه "دراماتورجية هامبرغ" نجد انها لم تتوقف عند قضايا واشكاليات الحضور "للجسد" في فن الممثل، لغاية ان وصلتنا دراسات منهجية ميدانية قام بها بعض الفنانين المعلمين المعنين بالأمر مباشرة ومن الداخل مثل "ردولف لابان" وكتابه المعروف "فن الحركة على الخشبة" وبحوث ايتيان ديكرو "الفرنسي معلم مارسيل مارسو" التي نُشرت في كتاب "كلمات حول المايم" وهناك بطبيعة الحال بعض نصوص غروتوفسكي وكتابات باربا.

* عملك المسرحي الاخير(شهرزاد والتفكير في بغداد) الذي شاركت به في مهرجان دمشق المسرحي الثالث ماهي فكرة العمل وماذا تريد أن تقول؟
- مسرحية "شهرزاد والتفكير في بغداد" التي اشتركت بها ومع فرقتي في مهرجان دمشق المسرحي الثالث عشر هي احدى المحطات المهمة لي في مسيرتي الطويلة، وهي ليست المسرحية الاولى التي استقي موادها من الف ليلة وليلة، بل فقد اخرجت مسرحية "حكاية المتزهد" في عام 1984 التي قمت بصياغتها من بعض الحكايات القصيرة حول الحيوانات والمتزهد، ومن ثم ولفّت حولها نصاً عرضياً بروحية وصياغة طقوسية، سواء من حيث توظيف المفردات التعبيرية- الكلام، الغناء، الرقص، والعزف، أو من حيث توظيف البنية العرضية.
"شهرزاد والتفكير في بغداد" جاءت كعرض درامي راقص مبني على افعال" مرئية ومسموعة" والتي اردت ان اتناول فيها قضية تلك النساء اللاوتي قتلن- الف امرأة قتلهن الملك السلطان- ولم يتحدث عنهن التاريخ بل تم التركيز على شهرزاد لوحدها، وهنا تصورت أن احدى تلك النساء- العذارى اللاتي ازال الملك بكارتهن "ليقتل في كل ليلة واحدة منهن" قد حملت منه ودفنت وهي حامل بجنين يلد في القبر- وهي حكاية شعبية عراقية "خرافية" تدعى "بزبز القبور".. ويخرج بزبز من القبر ليحمل لشهرزاد سر الخلود "حزام الخصب ولسان السرد" ليعطيها كسلاح لها في مواجهة وتحدي السلطان، ولكي تستعيد كرامة النساء اللاتي قتلن جوراً، ولكي يقام لهن مأتم جنائزي راقص درامي كريم يليق بهن، ومن خلا ل ذلك اردت ان اعكس جانباً من تلك الكارثة التي اصابت اهلي في العراق ومن دون اطنابات أدبية ولامغالات ايدلوجية أو هتافات سياسية، والتأكيد على إشراقية المرأة - الفتاة العراقية - شهرزاد التي لايتعدى عمرها الثامنة عشر والتي استطاعت ان تنجب ثلاثة أولاد وتروي مئات الحكايات، وان تلوي رقبة السلطان الجائر ولتذكره بحكمة الشعب وحكمة الاجداد، ولتقول له: أن تستأثر بالخلود؟ منذ الأزل وكل شئ فان، فلاتنظر في ظلام البئر بل أنظر إلى عمق الحقيقة.

* كيف تقيم مهرجان دمشق المسرحي الثالث عشر؟
- من خلال عرضي لمسرحية "شهرزاد والتفكير في بغداد" في مهرجان دمشق، وجدتُ الضيافة العربية الكريمة واللائقة، ووجدتُ جمهوراً متعطشاً لرؤية تجارب مختلفة، وقد سعدت جداً في هذا اللقاء الذي سمح لي ولفرقتي أن نتعرف على بعض الفنانين العرب وأن نتحاور معهم حول بعض القضايا المهمة بالنسبة لنا. ويبدو لي انه كان هناك بعض التلكأ في عملية تنظيم العروض، أولاً لكثرة عددها، ومن ثم بسبب عدم حضور البعض منها من دون اعلام الأدارة، وذلك مما جعل حصول بعض الخلل في تنفيذ البرنامج بالشكل المطلوب، وفي نفس الوقت لم يظهر إلى العيان وبشكل واضح البرنامج الموازي للعروض من نشاطات فنية.

* نعود الان الى تجربتك في مجال الترجمة كيف تترجم من اللغة الايطالية وأنت تفكر باللغة العربية أو تعيش فيها؟
- فيما يخص الترجمة من الأيطالية إلى العربية فقد كانت هي ايضاً احدى المعطيات الضرورية في مسيرة عملي الفني: اولاً لأقوم بنقل بعض التجارب من المسرح الأوربي للعاملين والمثقفين في المسرح العربي، وفي نفس الوقت لأتوقف بعمق عند بعض الدراسات والبحوث للمعلمين في المسرح للقرن العشرين، وبطبيعة الحال ساعدني ذلك في فهم أصول التفكير لثقافة غير ثقافتي، على أعتبار ان اللغة ومفرداتها كتقنيات للفكر، ومما لاشك فيه ان تعاملي مع لغة اخرى والتوغل في ثناياها قد اثر على طبيعة تفكيري الحالي وطبيعة حتى صياغة نصوصي الفكرية. ولكن ذلك هو نوع من التلاقح والانفتاح الذي نعيشه في الثقافة المعاصرة من دون نكران الأصل، وقد اضاف ذلك نوعاً من الغنى الثقافي على ثقافتي العربية- الاسلامية الغنية بروافدها المتعددة.

*ماهي الصعوبات التى واجهتك على صعيد اللغة الثانية الايطالية؟
- إن الصعوبات التي واجهتني في تعاملي مع اللغة الايطالية هي أمور لها صلة بأصول وينابيع اللغة، حيث ان هناك في اللغة الايطالية استخدام ملحوظ لمفردات ومصطلحات جاءت من اللغة الاغريقية والاتينية، وذلك هو احياناً مايتعبني للوصول إلى المغزى المراد منها ضمن سياقات التعبير لفكر معاصر، حيث ليست لدي معرفة أولية ، اكاديمية في تلك اللغات القديمة التي تشكل رافداً من روافد الفكر والثقافة الأوربية.

* ماذا أكتشفت داخل اللغة الايطالية؟
- اكتشفتُ في اللغة الايطالية إضافة إلى مفردات إبستيمولوجية لثقافة كلاسيكية- اغريقية انسانوية- اكتشفتُ طرق تفكير متنوعة حديثة - مثل جان باتيستو فيكو "القريب من فكر بن خلدون" وافكار انطونيو غرامشي- في المثقف العضوي- وكذلك طريقة خاصة في التعامل مابين الفكر والثقافة والفن بدءً من براندللو، بازوليني، ايتالو كالفينو، لغاية التعامل السيمويتكي لأومبرتوايكو والذي تسنى لي التعلم منه بشكل مباشر في داخل الجامعة في بولونيا، وفي كل هولاء اكتشفت كيفية تداخل مفردات الفكر في مفردات الفن اي كما يطلق عليه غرامشي "ثقافة التطبيق" "prassi" او الثقافة الفاعلة "cultura attiva" ....

*ماهو سر اهتمامك بترجمة أعمال المسرحي الايطالي "ايوجينو باربا" دون غيره؟
- ان أهتمامي ب"ايوجينو باربا" قد جاء من علاقتي الأنسانية والفنية المباشرة به، فهو الذي ترك بلده ايطاليا هارباً نحو الدول الاسكندافية وبالتالي عاش الغربة وكل اشكالياتها كما عشتُ أنا الغربة في بلده هو، وقد فتحت عيوني، حقيقة، وبصيرتي في الفن من خلال لقائي به واستقائي من تجاربه وبحوثه الفنية والتقنية في المسرح ، وخصوصاً في تأسيسه "للمدرسة العالمية للمسرح الأنثربولوجي" (I.S.T.A ) في عام 1979 حيث كنتُ أدرس في جامعة بولونيا مع اساتذة كانو من "ولايزالون" من المساهمين الفاعلين في تلك المدرسة العالمية، مثل فرنكو روفيني، فرندناندو تفياني، وفابريتزيو كرجاني، وهكذا شربت من نبع باربا الذي تدفق في مسيرة المسرح الأوربي في المنتصف الثاني للقرن العشرين وقد وجدتُ باربا مع غروتوفسكي هو شبيه "في بعض الجوانب" من مايرهولد وعلاقته بالمعلم ستانسلافسكي، وكل ذلك أعتقد يستحق الاهتمام والمتابعة، ومن ثم وجدتُ انه من الضروري الكتابة عنه وترجمة بعض نصوصه المهمة في المسرح المعاصر، وهذه العلاقة الوثيقة بزميلي باربا هي التي جعلته أن يقدم كتابي الأخير الذي صدر في هذه السنة في ايطاليا، وان يتحدث عن التقارب والتباعد مابين تجربتنا الشخصية والفنية. اذن فأن اهتمامي الكبير به لايقتصر على أهمية مسرحه "الاودن" وفكره المسرحي" الذي يجدر بكل فنان مسرحي عربي عل الأقل أن يطلع عليه" بل وكذلك لأننا رفاق درب لمسيرة طويلة في الحركة المسرحية المعاصرة، نواجه فيها صعاب الحياة من أجل مسرح اخر بعيداً عن تكالب السوق بل عن هيمنة السوقية السلعية و"الفكرية" وفي الواقع ليس هو باربا وحده الذي أهتم به كثيراً بل وكذلك معلمي " الغير مباشر" يرزي غروتوفسكي والذي قمتُ بأعداد كتاب بالعربية عن تجربته المختبرية بعنوان " غروتوفسكي... والمسرح" وأنت شخصياً كتبت عنه في إيلاف، ولدي كتاب جديد حول تجربة اخرى له وهو في قيد الاعداد، وهناك بطبيعة الحال اخرون من اهتم بهم في المسرح الاوربي، مثل داريوفو، إيتيان ديكرو، ورودولف لابان وغيرهم.

* ماهي اخر الاعمال التي قمت بترجمتها للمخرج الايطالي "باربا" وماهي أهم اهم المحطات التي اكتشفتها في هذه الاعمال؟
- اخر عمل ترجمته لباربا هو كتاب "زورق من الورق" - الذي وعدتني أن تكتب عنه في إيلاف- الذي صدر عن هيئة الكتاب في مصر، ويشكل هذا الكتاب مرحلة انعطافة مهمة، حيث يعرض علينا المبادى الفكرية والتجارب الميدانية التي تدخل ضمن "انثربولوجيا المسرح". من المحطات التي اكتشفتها في هذه المسيرة من البحوث في "فن المسرح الانثربولوجي" هي دراسة اصول ذلك الفن من الداخل ومن الممثل وليس حول الممثل، بل من رؤية ومنطلقات الممثل المعني بالشأن من خلال كلامه وتقديمه للبراهين حول عمله، واكتشفت كذلك أن مايُدعى بالادب في المسرح لايقتصر على النص الادبي الدرامي بل وكذلك يشمل كتابات رجالات المسرح، مثل كتابات حول شغل الممثل أوتجربته، مثل كتابات "المسرح وقرينه" لارتو أوكتابات براندللو حول المسرح، أو كتابات داريو فو حول المسرح، وكتابات المعلمين قاطبة، كلها تعتبر من ادبيات المسرح.. أي الكتاب في صورة مسرح كما يدعوها تفايني اي مسرح معروض في كتاب وليس فقط كتاب يدخل في العرض المسرحي، واكتشفت ايضاً ان هناك حلقات عديدة في المسرح تحدث عنها باربا وغروتوفسكي كثيراً: حلقة البروفة، حلقة التمرين "Training" والتدريب للممثل، وحلقة العرض المسرحي، وحلقة اللقاءات والدورات التدريبية "الورش" وحلقة المختبر الخ، وكلها ومع حلقة الأدب الدرامي كذلك "الذي له واقعه وتاريخه الخاص" تشكل امكانيات شغل رجالات المسرح في مسيرة تاريخ المسرح.ولامجال هنا للحديث عن أمور مهمه اكتشفتها لها علاقة في عملي الشخصي في الابداع والفكر المسرحي وخصوصا في تعاملي مع التراث العربي الاسلامي.

* من هم اهم الكتاب الايطالين الذين ترجمت لهم؟
- لقد اشرت إلى ترجمة كتب باربا من الأيطالية، وقد ترجمتُ ثلاث نصوص كوميدية "لداريوفو" الحائز على جائزة نوبل للاداب، وقمت بترجمت "حكايات على التلفون" للاطفال من تأليف جاني روداري "تحت الطبع" وكتاب اخر جاهز للطبع تحت عنوان "فن وعلم" مجموعة كتابات لويجي براندللو حول المسرح والتمثيل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف