لقاء إيلاف

قاسم عبد: هل بقي لنا شيء نحلم به

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الفلم الوثائقي الجيد هو الذي يمس مشاعر وعقل المتفرج.
مهرجان أمستردام الوثائقي فريد من نوعه.

قاسم عبد مدير تصوير، مخرج، ومنتج عراقي يعيش ويعمل في لندن منذ عام 1982 تخرج في معهد الفنون الجميله ببغداد واكمل دراسته في معهد السينما في موسكو (فكيك)، صور العديد من الافلام الوثائقية للمحطات التلفزيونية البريطانية والاوربية. شغل منصب رئيس قسم البرامج الوثائقية في محطة "ام بي سي" ورئيس قسم التصوير في محطة "اي ان ان".
درّس "قاسم عبد" الفلم الوثائقي والاخراج في جامعات ومعاهد دول عديده (بريطانيا، الاردن، إيران، فلسطين، كردستان العراق) وأسس مع زملائه بعد الحرب الأخيرة "كلية السينما والتلفزيون المستقلة" في بغداد عام 2004. ترأس لجنه تحكيم الافلام الوثائقية في مهرجان السينما العربية في روتردام عام 2004. حصل على جائزة (Excelence in Art).
من أعماله السينمائية: وسط حقول الذرة الغريبة (1991)، ناجي العلي فنان ذو رؤيا (1999)، حاجز سردا (2005). اثناء وجوده في هولندا لحضور مهرجان الافلام الوثائقيه العالمي في أمستردام الذي شارك فيه بفيلم" أيام بغدادية" الذي اشرف عليه، التقته إيلاف وحاورته عن الفن السينمائي، وعن الحياة في العراق وعن الكلية ومستقبلها وكان هذا الحوار:

المخرج العراقي قاسم عبد -هل يمكن أن تحدثنا عن كلية السينما والتلفزيون المستقلة وما هي أهدافها ؟
لم يكن سقوط الصنم في التاسع من مايس حدثا عابرا بالنسبة لي، بل كان كالزلزال هزني كما هز أغلب العراقيين الذين يعشون خارج الوطن، واثارت الحرب الكثير من النقاش والجدل حول امكانية عمل شئ ايجابي يساهم ولو بجزء قليل في اعادة بناء الوطن والانسان العراقي الذي دمرته الحروب والحصار. كنا انا وزميلتي المخرجة والمونتيرة العراقية "ميسون باججي" نتساءل ونفكر عما يمكن ان نفعله امام الخراب والدمار للحياه والانسان في العراق، من هنا جاءت فكرة تأسيس كلية مستقلة لتدريب الشباب السينمائي العراقي في سنة 2004 وبمواصفات وتقنية حديثة ورؤيا مستقلة للتعامل مع الواقع وتناقضاته اليومية بالاضافة الى نقل الخبرة الموجودة في اوربا من خلال تجربتنا في العيش والعمل هناك. الهدف من إنشاء الكلية هو تقديم برامج تدريبية مجانية في ميدان السينما والتلفزيون للفنانين الشباب العراقيين، مساندتهم وتشجيعهم في أعمالهم الفنية، توفير الأجهزة اللازمة لهم، وتزويدهم بالمعلومات فيما يخص تمويل مشاريعهم المستقبلية، بالإضافة إلى إعلامهم بالدورات التدريبية الأخرى المتوفرة لهم في داخل أو خارج العراق. طموحنا ان ندعم الفنان العراقي المستقل الذي ينظر الى الواقع برؤيا نقديه بعيدا عن كل الضغوط السياسيه والدينيه ونساهم في بناء سينما جادة.

-ما الذي يميز كليتكم عن كلية الفنون الجميلة في بغداد؟
هناك الكثير ما هو مشترك بيننا وبين كلية الفنون الجميلة في بغداد ونحن نكمل بعضنا الاخر واغلب طلبتنا هم من خريجي كلية الفنون ولكن تنقصهم الخبرة العملية في بناء قصص الافلام الوثائقية. نحن كلية مستقلة وغير حكومية واحدى مؤسسات المجتمع المدني التي تساهم في رفع المستوى الفني والتقني للفنانين الشباب. الدورات التدريبية التي نقدمها نحن تتراوح ما بين 1-3-6 أشهر وليس اربع سنوات كما في كلية الفنون دورات مكثفة مصصمة لانتاج الافلام ضمن برنامج عملي، حيث كل ثلاثة طلاب مطلوب منهم ان يقدموا في نهاية الدورة فلما وثائقيا قصيرا.
تقدم هذه الدورات مجاناً لطلبة تتراوح أعمارهم بين (20-30) سنة، ويلتحق في كل دورة (20-25) طالبا وطالبة، ونسبة النساء في هذه الدورات لا تقل عن 25%، تشمل الدورات التدريبية: (الإخراج، التصوير، الصوت، الإضاءة، المونتاج، الأفلام الوثائقية والروائية القصيرة). هذا وتأمل الكلية في المستقبل أن تقدم دورات في الريبورتاج التلفزيوني، والعمل في الأستوديو التلفزيوني، ما نسعى اليه هو ان يتعلم الطلبة، الأصول المهنية والحرفية الصحيحة للعمل في مجال السينما والتلفزيون، إضافة إلى فهم التقنيات الأساسية والحديثة لتطوير إمكانياتهم الإبداعية. التدريب في كليتنا يتم على كاميرات سوني دي في كام واجهزة المونتاج الرقمية.

-ماهي المشاكل التي واجتهكم في بداية المشروع؟
اثناء عودتي لم يكن يعرفني احد في بغداد كوني عشت اكثر من نصف عمري خارج العراق، وكل ما هو غريب وغير معروف مثير للشك والتساؤل، كما ان خطورة الوضع لم تساعدنا بان نعمل دعاية كبيرة في وسائل الاعلام خوفا من الاستهداف، كنت اذهب بنفسي الى اماكن تجمعات الفنانين الشباب في قاعة حوار وكلية الفنون ودائرة السينما والمسرح لكي اشرح لهم اهداف الكلية الجديدة. ومع مرور الوقت بدأ الشباب يعرف الطريق الى الكلية، ومع بداية هذه السنة كان قد تقدم للدراسة حوالي مئة طالب وطالبة، كان هذا شيئا رائعا.
تصور في هذه المدينة العجيبة هناك من يخاطر بحياته كل يوم من اجل التعلم. ولكن الوضع الامني تدهور بعد تفجيرات سامراء وبدأت دائرة الخطر تقترب منا يوما بعد اخر واصبحت الحياة في بغداد عذابا ومعاناة كبيرة وحصارا نفسيا مدمرا امام الفواجع اليومية. الغريب في الأمر انه في الاسبوع الذي اخترت فيه الطلاب للدورة الثانية للفلم الوثائقي حدثت تفجيرات سامراء ومع ذلك بدأنا الدورة رغم الخوف من العنف المنفلت، وبقيت في بغداد حتى نهايه حزيران. قربيا سأبدأ بمشاهدة المادة المصورة لاعمال الطلبة ولكن ليس في بغداد وانما في احدى دول الجوار ومن ثم نبدأ بعد ذلك المونتاج، وعسى نتوفق في انتاج مجموعه جديده من الافلام القصيرة.

-ماذا عن مستقبل الكلية ازاء ما يمر به العراق من فوضى سياسية؟
بعد الحرب كانت هناك وجهتا نظر بين المثقفين لما يجري في العراق. البعض قال إنّ من الافضل ان نتظر حتي تتحسن الاوضاع ونعود للعمل والبعض الاخر قال انه الان وقت العمل وزمن الحاجة للعودة لان ما يساعد العراق هو الذهاب الى هناك وعمل شئ، مهما كان صغيراً فهو انجاز.
انا وزميلتي ميسون تبنينا خيار عدم الانتظار وكان حلمنا ان ننظم كل سنة خمس الى ست دورات تدربية ولكن الوضع الامني حال دون ذلك وانتهينا ان نعمل دورة واحدة كل سنة. مع ذلك ان تعمل شئ ولو بسيط يقدم الواقع سنتميترا واحدا افضل من الثرثره والشكوى، والا ما فائدة المعرفة والخبرة التى اكتسبناها طوال كل هذه السنين اذا كانت لا تخدم الاخرين. لكن بعد ثلاث سنوات ونصف من التدهور المستمر وغياب سيطرة الدولة على الشارع العراقي وانتشار الفساد والبطالة والانهيار المرعب في القيم الاخلاقية والاجتماعية وخاصة بعد تفجيرات سامراء اصبحت بغداد من اخطر المدن وثالث اسوأ عاصمة في مجال الخدمات. مدينة مليئة بالفوضى وعصابات الجريمة المنظة ومتطرفي المليشيات المنفلتة ومافيات البزنس السياسي والعمائم الملونة. امام هذا المشهد المحبط للحياة التعليمية في العراق بدأنا نفكر بالبدائل، أحد هذه البدائل هو نقل الكلية لبرنامج السنة القادمة الى احدى عواصم دول الجوار دمشق او عمان. المهم الاستمرارية وعدم التوقف عما بدأنا به.

-كيف رأيتم مهرجان الفيلم الوثائقي العالمي في امستردام؟
مهرجان امستردام فريد من نوعه لانه يشكل ثقلا حقيقيا في دعم السينما الوثائقية الجادة، سينما التغيرات الاجتماعية والمعاناة الانسانية والتحديات التي تواجه الانسان المعاصر. في هذا المهرجان تتعرف على تجارب السينمائيين من مختلف انحاء العالم. انه مكان لتبادل الخبرات، وسوق كبير لبيع وشراء وانتاج الافلام. يكفي ان ترى ما يقارب ثلاثة الأف اسم في قائمة المدعوين والمشاركين لتتصور حجم وسعة هذا المهرجان. لقد عرض ما يقارب ثلاثمئة فلم في اربعة عشر قاعة ولمدة عشرة ايام وكانت مساهمة العالم العربي ومع الاسف فلمين فقط هما "ايام بغدادية" من العراق وفلم اخر قصير " الطريق الى البيت" لغاده تراوي من فلسطين.

-ما الذي اثاره فيك عرض فيلم "أيام بغدادية" في المهرجان؟ وأين تضع هذه الفيلم بين الأفلام المشاركة؟
كان المفروض ان تحضر مخرجة الفيلم "هبة باسم" للمهرجان وتقدم فلمها بنفسها ولكن وضع العراق وتعقيدات السفر ومشاكل الفيزا حالت دون حضورها، مما دعاني ان اقدم الفيلم واجيب على اسئله المشاهدين بعد كل عرض. عرض الفلم اربع مرات في المهرجان، وفي كل مرة كانت القاعات ممتلئة بالمشاهدين، كان الجمهور الاروبي يبحث عن شئ مختلف عما يراه كل يوم على شاشات التلفزيون، شئ حقيقي وصادق وتلقائي لتجربة امرأه عراقية تعيش في مدينة مضطربه كمدينة بغداد. الفلم الوثائقي الجيد هو الذي يمس مشاعر وعقل المتفرج، واعتقد ان "هبة" قد نجحت في ذلك حتي قالت لي احدى المخرجات المشاركات في مسابقة المهرجان انها تستطيع ان تجلس ساعات وبدون ملل تشاهد وتسمع كلام هذه الفتاة.
الفيلم يدخل طبعاً ضمن عروض الفيلم الاول لخريجي مدراس وجامعات السينما في العالم وقد تم اختيار ثلاثة عشر فيلماً للمهرجان من مختلف مدارس السينما في العالم. شعرت وأنا اشاهد الفيلم في المهرجان بالفخر لمدرسة لا يزيد عمرها على ثلاث سنوات، ان يدخل احد افلامها اكبر مهرجات السينما الوثائقية في العالم.
خلال وجودي في المهرجان طلبوا مني ممثلو ثلاثة مهرجانات في كوريا الجنوبية والمانيا وسويسرا ان يعرضوا الفلم في برامجهم للسنة القادمة. كما ان افلام طلبتنا قد عرضت في مهرجات أخرى عديدة (الولايات المتحده، بريطانيا، المانيا، ايطاليا، بلجيكا، البرازيل، قطر، مصر وغيرها من الدول) واخر عرض كان لفيلم ( ليبدأ العرض) للمخرج "ظافر طالب" قبل اسبوع في مسرح الفيلم القومي في لندن.

-حدثنا قليلا عن الفيلم؟
فيلم "أيام بغدادية" فيلم وثائقي طوله 35 دقيقة، يتناول حياة شابة من مدينه كركوك، اسمها "هبة" والتي هي مخرجة الفلم، تعود بعد الحرب إلى مدينة بغداد لإكمال دراستها فتجد القسم الداخلي الذي كانت تسكن فيه مغلقابعد تعرضه للسرقة والحرق. الفيلم عبارة عن يوميات شابة عراقية لمدة عام، وكيفية مواجهتها لمشاكل السكن والدراسة والعمل، والعيش بعيدة عن أهلها في مدينة خطرة كمدينة بغداد، إضافة إلى حادث الانفجار البشع والغريب الذي تعرض له ابن خالتها "علي" وفقدان بصره ويده اليمنى. فيلم "ايام بغدادية" واحد من اربعة افلام تم انتاجها خلال الدورة الاولى للفيلم الوثائقي في بغداد العام الماضي وهي: "ايام بغدادية" للمخرجة هبة باسم، "حوار" للمخرجة كفاية صالح، "عمر صديقي" للمخرج مناف شاكر، "ليبدأ العرض" للمخرج ظافر طالب. كل فلم من هذه الأفلام يفتح نافذة على حياة الإنسان العادي، في زمن غير عادي يمر به العراق والعراقيين منها: الانتخابات، اختيار حكومة مؤقتة، الاستفتاء على الدستور، فوضى تعم كل مرافق الحياة، وبصيص أمل يحلم به كل عراقي. وعلى الرغم من أن هذه الأفلام اعمال طلابية، ولكنها تعكس درامية الحياة العراقية، وقدرة الإنسان العراقي على المقاومة في سبيل البقاء. ولمعرفة المزيد عن هذه الافلام يمكن الدخول الى موقعنا على الانترنيت الموجود في نهاية المقابلة.


-هل هناك مشروع فني جديد يشغلك الان، وما هي مشاريعك التي تحلم بها ولم تتحقق بعد؟
ما ادهشني في اليوم الاول لوصولي الى البيت الذي عشت به قبل رحيلي من العراق لثلاثة عقود من الزمن انه كان هناك مجموعه من الاولاد والبنات في مختلف الاعمار والاشكال، لم ارهم في حياتي ابدا، قريبين وبعدين عني، اعرفهم ولا اعرفهم في نفس الوقت، لهم وقع ومذاق وشعور يبدو للوهلة الاولى عصي على الفهم أما اخواني واقاربي من كانوا في عمر الشباب فقد كبروا وشاخت عيونهم وقلوبهم تحت ظيم الدكتاتورية.
كان اليوم الاول لرجوعي يوما كرنفاليا لم تتوقف فيه الموسيقى حتى منتصف الليل ولا ادري اذا نمت في تلك الليلة، كنت قلقا اشعر برجفة الحمى تحت الغطاء الخفيف كان داخلي يقلب بعض الوجوه التي جاءت لاستقبالي ليعيد تركيبها كشخصيات لفيلمي القادم عبر رحلة دامت ثلاثه سنوات من وجودي في مدينه بغداد. هذه الشخصيات هي بعض من افراد عائلتي، جيلان من العائلة نصفهم رجال والنصف الاخر نساء اقتربت منهم وسجلت تفاصيل حياتهم اليومية، افكارهم، احلامهم، انتصاراتهم، هزائمهم، فرحهم، وحزنهم صراعهم مع بعضهم وصراعهم مع الحياة في مدينة مرعبة كمدينة بغداد. وكيف تحول الأمل ببناء عراق جديد حر وديمقراطي الى كابوس يهدد بزوال شئ اسمه العراق هذا الفيلم سيكون قصة العائلة العراقية التي ليس لها مصلحة لا في الحرب ولا في السياسه تدفع كل يوم الثمن باهضا واخرهم هو خطف اخي الاصغر "علي" من محلة في شارع الشيخ عمر على ايدي المليشيات وقتله مخلفا وراه ارملة مع اربعة اطفال. ابحث الان عن تمويل ودعم مادي لاكمال مرحلة المونتاج لهذه الفيلم.
اما عن الاحلام فانني اسألك يا صالح هل بقي لنا شئ نحلم به لوطن يموت ويحيا قليلا كل يوم.

موقع الكلية على شبكة الإنترنت: www.iftvc.org

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف