زقزوق: مساحة فنية لغزة المحرومة من المساحة

حوار مع الفنان الفلسطينيشادي زقزوق

حاوره علي أبو خطاب: شادي زقزوق فنان تشكيلي شاب من غزة، استطاع أن يحقق -رغم عمره الفني القصير- حضوراً متميزاً على الصعيد الفني الغزي بل والفلسطيني، وقد جرّب عدة مدارس فنية حيث انتقل من الرسم الكلاسي إلى الرسم الطبيعي إلى السريالي إلى التكوين إلى التحوير..الخ. وأخيراً فاجأ أصدقائه الفنانين بمراحل جديدة من سرياليته وهي رسمه لوحات كاريكاتيرية مصحوبة بتعليقاته الحادة، وقد أثارت هذه الرسومات إعجاب الجميع خاصة المهتمين، واعتبروها نقلة نوعية جديدة في فن الكاريكاتير رغم أن زقزوق يعترف بأنه ما زال في خطواته الأولى. وقد كان له مؤخراً معرضان متتاليان، الأول يمتاز بالعفوية الفنية حيث التخطيطات العبثية، أما الثاني فكان معرض صور فوتوغرافية بمشاركة الفنان محمد جحا، كما قدم في كليهما فيديو آرت شهدا له بالتميز في هذا المجال. كان لنا لقاء معه في المركز الثقافي الفرنسي وجاليري الميناء - وزارة الثقافة حيث كان افتتاح معرضيه الأخيرين.

- كيف كانت الولادة الفنية؟
ولادتي كانت في مقر جمعية الشبان المسيحية عام 1999 حيث بدأت الدراسة الأكاديمية، وكانت الجمعية تعلم الرسم بالفحم، وفن الغرافيك، والتصوير الزيتي.. ثم انطلقت من الدراسة للبحث الذاتي في العديد من التجارب. استوقفتني وأخذت من وقتي المدرسة السيريالية، حيث أبهرتني عبقرية الفنان السيريالي سلفادور دالي، فتتبعت نهجه وأسلوبه وحاولت مراراً الوصول لشيء يخصني أنا بأسلوبي وتكتيكي لأعرضه بصورة شخصية، لكن للأسف لم أتمكن من الوصول لذلك الشيء الذي توسمت أن يمثل روحي الشخصية في تلك الأعمال. انتقلت بعدها بصورة تدريجية إلى الفكر الخيالي العالي في الفنون المعاصرة من فيديو آرت وتكوين (installation)، حيث كانت لي العديد من التجارب في هذا المجال الواسع. ثم عدتُ إلى الرسم (painting) وتصوير الواقع بشكل واقعي بحت، واعتمدت الأسلوب الانطباعي والتأثيري في عرض مواضيعي. وحالياً أبحث في خلق مدرسة فنية تخصني، وأستطيع القول أنها ستكون الشعرة ما بين العفوية والتحكم الإرادي، وسأشتغل على أطراف الجسد حيث أبحث في مناطق التوتر والضغط ودلالاتهما النفسية.

- قبل أن نغوص في تفاصيل تنويعاتك الفنية، نسأل لماذا هذه النقلات المتتابعة من مدرسة فنية إلى أخرى حتى أنك انطلقتَ من الكلاسية ووصلتَ إلى الفيديو آرت مروراً بكل المراحل الفنية وذلك في سنوات قلائل؟
لم تكن نقلاتي سريعة على ما أظن، لقد كنت منعزلاً في مرسمي أثناء انتقالي لمدارس فنية مختلفة، وعشت تلك اللحظات كاملة، حيث أخذتْ مني كل مدرسة على حدة حقها في البحث والدراسة، ولكني ظهرت بشكل مفاجئ وقوي للجمهور وهذا ما أدهش الجميع، فقد عرضتُ تجاربي الفنية بشكل ملمّ وجمعي.

- المعروف في الوسط الفني أن الفنان شادي أبحر في السيريالية، لكن نتاج هذه الأعمال لم تخرج في معظمها لعين المشاهد حتى الآن في أي معرض، فما هو السبب رغم أنها أفضل أعمالك في نظر الكثيرين؟
الفنان هو نتاج قلق وتوتر نفسي دائم باعتقادي.. إلا أن هذه اللوحات لم تكن برأيي أفضل أعمالي، رغم أنها احتوت عرض لمهارة عالية في تصوير واقع معين بخيال جامح. لم تخرج لأنها لم تصل لما يتعلق بي بشكل شخصي بل باتت فقط بحث في اللاوعي، ولم أرَ أنها تطرحني كما ينبغي.

- بالنسبة للفيديو آرت الذي قدمته بشكل متميز، هل ترى أن الفيديو آرت قد يكون هو العلاقة بين السينما والفن التشكيلي، فالبعض يعتبره فيلم قصير؟ وكيف يكون هذا الفيلم أقرب للفن التشكيلي من السينما؟
تجربتي مع الفيديو آرت كانت محاولة، سعيت من خلالها -وما زلت- للبحث عنها بشكل متقدم. الفيديو كما أرى هو وسيط فني وليس تطور للفنون بحد ذاته، لقد وجد الفيديو لوجود أعمال فنية في العصور الحديثة لا يمكن التعبير عنها ويستحيل تقديمها من خلال وسيط آخر. الفيديو آرت لا يتعلق بالسينما، مع أن الفنون حالياً تتداخل بشكل رهيب لم يسبق له مثيل، وباتت الفنون البصرية كفن واحد.

- لقد ضم معرضك الفوتوغرافي الأخير الكثير من صور طلاب مدرسة وأسواق وحيوانات وبرطمانات مخللات وأكداس حديد وكلها من واقع الحياة والهامش الفلسطيني، ما هو الجديد في عرض أشياء تتكرر أمامنا بشكل يومي؟
في معرضي هذا "الرحاية" أعرض فكرة المساحة وتكرار الأشكال التي نراها كل يوم، فالمساحة باتت واضحة في أعمالي مؤخراً، وفي طرحي لها إما بالرسم أو بالفوتوغراف أو الفيديو. لأن المساحة بالنسبة لي تشكل غزة المحصورة، وقد رأيت غزة -في هذا المعرض- مجموعة من الكراسي الموضوعة في مخزن المدرسة بشكل رتيب وممل. كما طرحت في المعرض فكرة الرسم على الفواكه والخضار وحجزها في مرطبانات، وكانت رسومي على الفواكه تمثل الشعب المكبوت والمخنوق، والمحروم من المساحة.

- حدثنا عن بداية بزوغ فكرة الرسم الكاريكاتوري لديك.
* "في البداية لم أقصد أن أرسم كاريكاتيراً، كان مجرد بحث عن أسلوب فني، ثم وجدت نفسي أكتب تعليقات، هذا صار أقرب إلى الكاريكاتير، وأصبح الشيء سياسياً وواضحاً ومباشراً ويخاطب المشاعر، وقد رسمت حتى الآن 20 مخططاً عدا التجارب الأخرى غير المكتملة. إن هذه المرحلة كانت نتيجة حالة الخنق التي كنا نحياها في غزة والأوضاع التي فرضت أن أكون صريحاً ومباشراً في الطرح الكاريكاتيري".

- وما علاقة هذه الرسومات بلوحاتك العفوية التي رأيناها في معرضك وبالفيديو آرت الذي عرضته؟
* "إن معرضي هذا هو عبارة عن لوحات فنية بدون تعليق لكنها امتداد للكاريكاتير، لأن أعمالي الكاريكاتيرية جاءت في منتصف المدة التي كنت أعمل بها على هذا المعرض. أما عن علاقتها بالفيديو آرت الذي عـُرض في المعرض أيضاًً فهي أنها تحكي مثله عن الحرب والعنف وعلاقتهما بالإنسان والعلاقات الإنسانية أثناء الحرب".

- كيف ترى آفاق هذه التجربة الكاريكاتيرية؟
* "التواصل وارد لكن ليس ثمة مشروع معرض حالياً، أرسم الكاريكاتير من فترة لفترة إذا كان ثمة موضوع مهم، أنا لا أحب الفرض في الكاريكاتير بل أنه ينبع من داخلي بفعل حب لرسم الكاريكاتير".

- كيف تنظر لحال الحركة الفنية الشبابية تحديداً كماً وكيفاً وكيف تنظر للدعم الرسمي وغير الرسمي وهل هو بالمستوى المطلوب؟
لقد برزت مؤخراً حركة شبابية فنية تشكيلية في غزة والقطاع غاية في التميز، ووجدت نخبة من الشباب المبدعين المفكرين الذين هم نتاج عالمي، وقد فجروا بركاناً من الغضب والرفض، كما تعاملوا بشكل انفتاحي مع الفنون وواكبوا الفن العالمي. في الحقيقة لا أرى دعماً حكومياً إلا ما ندر، أما دعم المؤسسات أو الدعم الأهلي فمتواجد حيث تم مساعدة نخبة من الفنانين الذين لهم مشاريعهم وتم إنجاز مجموعة لا بأس بها من هذه المشاريع بتمويل من القطان وخليل السكاكيني على سبيل المثال. إلا أن هذا كله لم يكن كافياً، لأن الفنان يحتاج إلى إتاحة الفرصة له ولمشاريعه ومعارضه، داخل الوطن وخارجه حتى يتمكن من نقل ثقافته وثقافة شعبه للكثير من البلدان العربية والأجنبية، والتي باتت لا تعرف الكثير لا عن معاناة هذا الشعب الحقيقية، ولا عن التطور السريع للفنون في هذه البقعة من العالم.