لقاء إيلاف

ناعوت: الشاعر راء لأنه لا يقتل الطفل في داخله

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حوار مع الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت

سلوى اللوباني من القاهرة: الشاعرة المصرية "فاطمة ناعوت"، شاعرة ومترجمة وناقدة وكاتبة صحفية، نالت درجة البكالوريس في الهندسة المعمارية من جامعة عين شمس، مديرة تحرير مجلة قوس قزح المصرية، لها العديد من الاصدارات الشعرية، شاركت بالعديد من المهرجانات، بالاضافة الى احياء العديد من الامسيات الشعرية في الدول العربية والاجنبية، صدر لها العديد من المقالات الفكرية والنقدية والترجمات، بجرائد ودوريات عربية وأجنبية، ترجمت عدة دراسات، فاطمة ناعوت تأثرت في بداياتها الاولى بابراهيم ناجي ونزارقباني، وقد ظهر صوتهما في قصائدها الاولى بجلاء، أحبت كثيراً جبران، اوسكار وايلد، وجون دون، ترى أن الفن بوجه عام هو ثورة وتمرد على عالم قار ومكرس وقائم بفعل الواقع، همها العام محنة العراق، وهمها الخاص محنة ابنها عمر، اما همها الوجودي هو نزعة الانتظار، فاطمة ناعوت تحلم بعالم مختلف، لا يوصف بكلمات ولا يخلو من مستحيل. * بداية ما تعليقك على مصطلح "شعر نسائي"؟ هل يختلف الشعر اذا نظمته امرأة أو رجل؟
- سأقبل المصطلح وأباركه، إذا ما صككنا مصطلحات أخرى موازية، من قبيل عمارة نسائية، نحت نسائي، تشكيل نسائي، موسيقى نسائية،... الخ.

* مصطلح "الأزمة" التصق بكل الاشكال الادبية في وقتنا الحالي، فما هي أزمة الشعر؟
- ليس من أزمة للشعر الآن، الأزمة تكمن في الميديا التي "تُخدِّم" على الشعر من نقد وتعليم وإعلام، النقد متعثر، ولم يعد قادرًا على مواكبة جموح القصيدة الجديدة، والميديا التعليمية مازالت تدرّس للطالب قصائد امرئ القيس، والبحتري، والباردوي في أفضل الأحوال، متجاهلةً كل ألوان الشعر الأحدث، والميديا الإعلامية تحجّم من ظهور القصيدة الراهنة، إرضاءً للسلفيين الرابضين على كراسي المؤسسة، منذ الأزل وإلى الأبد.

* وما هي مقومات القصيدة الجديدة؟
- هي مقومات القصيدة في كل عصر، الطاقة الشعرية هي وحدها التي تميز بين قصيدة جيدة وأخرى ضعيفة، هي الفيصل بين الشعر واللاشعر.

* كيف يمكن للشعر أن يصنع عالمًا مختلفًا؟ وهل يستطيع؟
- بالطبع يستطيع، وإن أخفق الشاعرُ في خلق عالم مواز، فهو لم يقدم شيئاً يستحق القراءة، الفن بوجه عام هو ثورة وتمرد، على عالم قارٍّ ومُكرّس وقائم بفعل الواقع، يبدأ الفن من لحظة الانحراف عن الواقع، بعدما يكتشف الشاعر أو الفنان أن هذا الواقع لم يقدم له "المقترح" الذي كان يرجوه الشاعر أو الذي يراه أكثر "منطقية"، وبالطبع سوف تختلف هذه "المنطقية" من فنان إلى فنان، وهذا سرٌّ من أسرار جمال الفن، فمنطق الفنان يختلف بالضرورة عن المنطق الجمعي، بل قد يناقضه بالكليّة، فالفكرة هي أن يقدم الفنان عالمًا مغايراً، حتى ولو انتظمه الجنون والعبث، فالعالم الذي اقترحه سلفادور دالي عبر سورياليته، يختلف كليّة عن عالم رينوار التأثيري، يختلف تماماً عن عالم درويش الشعري، يختلف عن عالم نجيب محفوظ الروائي وهكذا.

* وبشكل عام هل الكتابة الأدبية قادرة على التغيير؟
- الكتابة الأدبية هي لون من التمرد والثورة كما أسلفنا، وكل ثورة تُحدث تغيّرًا ما، مهما كان طفيفًا أو بطيئًا، حتى الثورات البيضاء مثل مسيرة الملح أتت ثمارها، الكاتب لحظة الكتابة لا يعوّل على التغيّر الكميّ الذي قد يبدّل العالم في لحظة شأن الثورات الكبرى، سوى أنه يؤمن بالتراكم البطيء الذي يعمل في منطقة الوعي الجمعي، بصبر لكن بانتظام، ولو لم تؤت الكتابةُ شيئًا غير عصْم كاتبِها من الزلل والسقوط، فقد أوفتْ.

* هناك تعلق روحاني بينك وبين فرجينيا وولف، وسيلفيا بلاث، هل التعلق هو نتيجة انبهار فني بعمل هاتين الأديبتين، أم نتيجة توافق بينك وبينهما في الحالة النفسية المبدعة؟
- الحالان جائزتان، ثمة علماء اكتشفوا وجود نزعة مشتركة في معظم الأدباء، أطلقوا عليها "جين سلفيا بلاث"، وما يدفع معظم الأدباء، الشعراء خاصةً إلى الانتحار، وأظن أن الأمر لا يبرح كثيرا تلك المنطقة التي أشرتُ إليها في سؤال سابق حول الاقتراح الأمثل للحياة، الذي يتوق إليه كل مبدع من وجهة نظره الخاصة، أظن أن الإنسان حين يكون متسقًا مع الحياة لا يبدع، بل يمعن في الحياة وحسب، وحين يصطدم بواقع يرفضه أو لا يستطيع أن يتماهى معه، يسلك أحد ثلاثة طرق.

* وما هي هذه الطرق؟
- إما أن يصفّي نفسه جسديًا عن طريق الانتحار، أو يصفي عقلَه الذي يرفض هذا الواقع عن طريق الجنون، أو يصفي الواقع ذاته عن طريق الفن، فيستبدل بذلك الواقع عالمًا مغايرًا، ولو تأملنا الحالات الثلاث السابقة سنجد تقاطعات كثيرة بينها، ولن نقف على تناقضات جليّة بين الطرائق الثلاث في معالجة محنة الحياة، بعض الفنانين يلجأون إلى حلين معًا مما سبق كما فعلت سلفيا بلاث حين أبدعت ثم انتحرت، وبعضهم سلك الطرائق الثلاثة مجتمعةً، مثلما فعلت فرجينيا وولف، التي أبدعت وجُنّت، ثم انتحرت، نعم أحب فرجينيا وولف وأؤمن بها جدًّا مما دفعني إلى التوفّر على ترجمتها.

* وماذا تفعلين لو جاءك قرار يقول انك لن تكتبي الشعر بعد اليوم؟
- هل هو قرار بشريّ سلطوي؟ أم قرار إلهيّ فوقيّ؟

* كما تشائين..
- في الحالتين سوف يكتب ذهني القصيدة تمامًا كما أفعل الآن، فقط لن ترَ النور، ولن تُكتب على الورق، ولا ضير في هذا على الإطلاق، لأنها ستكون في مأمن من القراء، وسوف يكون القراء في مأمن منها.

* ألا تجدين أن العمل يفقد روحه في عملية الترجمة؟
- بالطبع يفقد النصُّ الأدبي جزءًا من طاقته بعد الترجمة، سيما إذا كان شعرًا، ومن هنا فبزعمي أن الشعر لا يترجمه إلا شاعرٌ قدير في شعره الذي يكتبه بلغته الأم، فيكون قادرًا وقتها أن "يقلّص" من مقدار تلك الطاقة "المهدرَة" من القصيدة أثناء عملية الترجمة، ولي في هذا الشأن دراسة مطولة بعنوان "ترجمة الشعر فعلُ إبداع"، كانت الورقة البحثية التي شاركت بها في مؤتمر "الترجمة وتفاعل الثقافات"، بالمجلس الأعلى للثقافة، الذي عقد بمصر في الفترة في يوليو 2004.

* إلى أي مدى لعبت المعاناة دوراً في إبداعك؟
- "يولد الشعر في رحم المعاناة"، نعم، هذه العبارة صحيحة في معظم الأحوال، بمجرد أن انتظم وعيي الخاص وبدأت أتأمل الوجود من حولي، أدركت رأساً أن ثمة خللاً بالأمر، أن ثمة مقترحًا آخر للحياة كنت أود أن أصادفه ولم يحدث، أن ذلك العالم بقوانينه الحالية لا يناسبني على الأقل، وهذا ما تجلى في إهدائي ديواني الثالث "قطاع طولي في الذاكرة"، حيث قلت "إلى يوتوبياي، تلك التي لم أرها"، هذا عن المعاناة الموضوعية العامة، أما محنتي الخاصة التي مثلّها مرض ابني الأصغر "عمر"، فقد تجلّت كخيط من وجع في معظم قصائدي ولو على نحو غير مرئي.

* تقولين بأنك تخلقين عالم مختلفًا ولو على الورق؟ ما هو العالم المختلف بنظرك؟
- حُلمي العبثي الأرعن لا يمكن وصفه بالكلمات، وإلا كتبتُ القصيدة التي لم تُكتب بعد، لكنه على أية حال عالمٌ ذو أبعاد غير الأبعاد الثلاثية التي نعرفها، أو الرباعية حتى لا يغضب الفيزيائيون، أما حُلمي المعتدل العاقل، وإن لم يخلُ من مستحيل، فيتمترس خلف عالم ينتظمه الحب المطلق للآخر ولكل الموجدات، عالم يكرّس العدالة الاجتماعية على المستوى الطبقي والنوعي والعِرقي، عالمٌ بلا صراعات ولا ضجيج ولا حروب ولا بذاءات، ولو قال أحدهم أن عالمًا كهذا لن يجد الإبداعُ مكانًا فيه، حيث أن الفن محاكاة لليوتوبيا، فلو عشنا اليوتوبيا ذاتها فما دور الفن إذن؟ سأرد على هكذا سائل بأنه نسى أن كل واقع يفرز آليات إبداعه، فلو فزنا "جدلا" بمثل هذا الوجود، فسوف يخلق فنانوه فنونهم التي تناسب هذا الوجود، أعطني فقط هذا العالم وأراهن أن فنانيه سوف يبدعون ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت.

* ما هي القصيدة أو الديوان الاقرب الى قلبك؟ ولماذا؟
- ديواني الرابع "فوق كف امرأة"، وقصيدة "المتعَب"، أما لماذا، فلأنه آخر دواويني المطبوعة، وحين يصدر ديواني الخامس سأغير إجابتي، أما "المتعّب" فهي القصيدة، ربما الوحيدة، التي جمعت كل عوالمي معا، الهم العام وهو محنة العراق، والهم الخاص وهو محنة ابني عمر، والهم الوجودي وهو نزعة "الانتظار"، التي لا يفلت منها أي كائن بشري، وقد رمزت للانتظار باسم "ريم".

* من خلال قراءتي لقصائدك، ألمس أن فاطمة ناعوت لم تتجاوز العشرة سنوات، أرى ذلك واضحا في قصيدة "بورسلين"، هل تظنين أن المحافظة على هذه الطفلة الشاعرة التي لا تدعينها تنمو داخلك، هو أحد أسباب تميزك في الساحة الأدبية؟
- المحافظة على الطفل فينا ضرورة حيوية لكل إنسان، وحتمية فنيّة لكل شاعر، لو تخلى الإنسان عن الطفل داخله، لمجَّ رتابة الحياة وأصبح صيدًا سهلا للكآبة، أما الشاعر لو سمح للطفل داخله أن ينمو، فلن يكتب شعرًا بظني، العادة والتعوّد والاعتياد هي ألد أعداء الفن، والفن يبدأ من لحظة كسر الاعتياد، أو لنقلْ أنه يبدأ حين يخلع الفنانُ عن الموجودات "عاديتَها"، فيعيد اكتشافها على نحو مغاير، الأشياء نفسها مطروحةٌ أمام كل البشر على السواء طوال الوقت، فلماذا تلتقطها عينُ فنان وتغفلُ عنها عينُ الإنسان العادي؟ لأن للفنان عينًا تستطيع أن "تخترق" الاعتياد، وترى ما قد يمرُّ على العين الأخرى، ولماذا يمتلك الفنان عينًا مغايرة؟ لأنه لم يقتل الطفل في داخله، الطفل الذي مازال بوسعه أن يندهش، وألا يخجل من اندهاشه، بل يعلنه للوجود ويطرحه على صورة قصيدة، أو لوحة، أو قطعة نحتية، ذاك هو.
هل تصدقين أنني مازلت أندهش من اختراع "القلم" حتى الآن؟ مازلت أسأل كيف لعصاة صغيرة أن تشخبط على الورق، وترسم رموزًا وأشكالا، لو قرأها واحد آخر يستطيع أن يعرف ما في رأس الشخص الذي شخبط أو خطَّ تلك الرموز!! لا أسمح لنفسي أبدًا أن أستوعب الأمرَ كاملا، إلى الحد الذي أعتاد به على الأشياء فتموت فرادتُها، لكنني أتركها مؤرِّقةً مؤرَّقةً فاعلةً، حتى تظل الدهشةُ الأولى بكرًا موجعة وشاحذة للروح.

* وقصيدتك "الرقصة" لها مستويان، المستوى الأول بسيط قالته تلك الطفلة، ثم ظهرت فاطمة في المستوى الثاني الأعمق، هل تشعرين أثناء "ولادة" القصيدة بهاتين الشخصيتين كوحدة واحدة، أم هما شخصيتان مختلفتان؟
- عادةً ما تنبني قصيدتي على مستويين، أتعمّد أن يكون ظاهر القول بسيطاً طفوليًّا لا يحمل سوى نفسه، لكن القراءة السابرة المتعمقة ستكشف عن المستوى الدلالي الفلسفي العميق الذي أرمي إليه، والذي سيكون هو "الجوهر النشط" للقصيدة بتعبير فاليري، أما عن الشخصيتين ومدى شعوري بهما فلا أدري، فالحال أن فاطمة الطفلة والأخرى الناضجة كلتيهما تكتبان النص سوياً، لأن كلتيهما ترقبان الحياة معاً، وتعتملان داخلي.

* هل هناك فرق بين فاطمة الإنسان وفاطمة الشاعرة؟
- فاطمة الشاعرة هي سبب عذاب فاطمة الإنسان وفرحها في آن، الشاعر داخلي هو الذي وضع معاييرَ صعبةً أو مستحيلة للوجود، فسبب تعاسة الإنسان داخلي، لكن الشاعر أيضًا هو الذي بث الروح والحياة في كل الموجودات والجوامد من حولي، وعلمني كيف أحب النحلة والوردة والصخرة والورقة والبقعة الصغيرة التي على شاشة حاسوبي الآن، أحيا في وحدة طوال الوقت، لكنني مزدحمة بعالمي الممتلئ بأصدقاء من هذه الشاكلة، وجدت في صنعاء حجرًا صغيرا أحببته جدا، حجرٌ صغير ملقى على الأرض لا قيمة له، حين عدت إلى مصر عملت منه "لاية" أعلقها في سلسلة حول جيدي الآن، لأنني ببساطة وجدته أجمل وأكثر حياةً مما لدي من أحجار كريمة غالية الثمن، لقد أعطاني بهجةً ما، واستطاع أن يقيم معي حوارا دائمًا، فلم أعبأ باندهاش الصائغ وارتيابه في سلامة عقلي، حين طلبت منه صياغة حلقةً ذهبية لهذا الحجر، كما ترين يمكن للشاعر أن يلعب بالإنسان كدمية صغيرة، يفرحها تارةً ويبكيها تارة أخرى، على غير ما يُفرح أو يُبكي الناس عادة.


* لديك قصيدة تعتبر قصيدة حب بامتياز وهي "خاتم من أجل نائلة"، لقد بُترت أصابع نائلة في نهاية القصيدة كإشارة إلى حدث تاريخي، هذا البتر يشير أيضا إلى طريقتك في تناول الفن، تجاور الأضداد "خاتم في أصابع مبتورة"، كيف توفقين هذا التجاور، ألا تخافين من خلق اضطراب في جسد القصيدة؟
- الفن لا يتفق والمنطق، الفن في منطقة متجاوزة للقانون، والمنطق، والانضباط، والميزان، ومن هنا لا أخشى مما أسميتِه أنتِ اضطراباً، وأسميه أنا توتراً، بل أسعى لخلقه مثلما يسعى رامي السهام إلى شد قوسه حتى يتوتر، فيقذف السهم ويصيب الهدف، الشاعر مع القارئ في حال مشابهة، ولا سبيل إلى شحذ روح وعقل القارئ ما لم تستحثّ خلاياه وعقله وروحه عبر نصٍّ متوتر مشاكس، لا أميل إلى اعتبار الشعر دغدغةً للحواس والمشاعر، بل هو استحثاثٌ واستنفار لطاقات روحية وذهنية في حال خمول وكمون، وعلى الشاعر أن يعرف كيف يفتح قماقمها لتتوهج وتنفجر.

* لا يمكن شرح قصيدتك أو تفسيرها تفسيراً نهائياً، هي كما تبدو لي "حالة"، ويصعب على أكثر القراء استيعابها، هل تظنين أن هذا النوع من الشعر يحتاج وقتاً كي يستوعبه الناس، ويريد نقاداً جادين كي يقرؤوه، وهل تمت قراءتك نقدياً؟
- أما شطر سؤالك الأول فأرحب به، كون القصيدة الجيدة لا تفسير نهائياً لها، ولا ينبغي لها من تفسير نهائي، وإلا غدت بيانًا صحافيّاً، أو غدت قصيدةً مغلقة تعسة من الشعر الركيك، أما شطر سؤالك الثاني الذي يقول إن أكثر القراء يجدون صعوبة في استيعاب قصيدتي، فقد أخافني هذا الزعم، ولا أظنه صحيحاً، فعدم وجود تفسير نهائي لقصيدة ما لا يعني بالضرورة صعوبتها، بل ربما يعني ثراءها، وتعدد مستويات تأويلها ودلالاتها، ولا أظن أن قصيدتي عصيّة على هذا النحو، بدليل أن لي قراءً من شرائح متباينة، كل يأوّل النص حسب ثقافته، وحسب طرائق نظرته للعالم، وهذا ملمح صحي للشعر وللقارئ في آن، أما عن بقية السؤال، فنعم بالقطع مازلت أحتاج إلى نقادٍ جادين، يقرأون كتاباتي، رغم أن الكثير من رموز النقاد المحترمين قد قرأوا بعض أعمالي، وتناولوها بالدرس، سوى أنني، شأن كل الطامعين، أعتبر نفسي لم أُقرأ بعد.

* من باب الفضول أوجه لك هذا السؤال، ما علاقة العمارة بالشعر؟
- هذا السؤال هو القاسم المشترك بين كل اللقاءات التي أُجريت معي تقريبًا، ولمّا كنت لا أحب تكرار نفسي عبر إجابات واحدة، فقد اجتهدتُ في كل مرة أن أدلّل على تلك العلاقة، بين العمارة والشعر، بطرائق مختلفة، حتى تكوّن لدي في الأخير ما يشبه البحث أو المقالة حول الأمر، وفي كل حال فأنا أؤمن بالعلاقة الوثقى ليس بين العمارة والشعر وحسب، بل بين العمارة وكافة الفنون البصرية والسمعية، عبارة "العمارة أم الفنون" لم تتخلّق بسبب كونِ العمارةِ أول الفنون في التاريخ الذي مارسه الإنسان فوق الأرض، حين حاول أن يبني له مأوىً ينجيه من قسوة الطبيعة ويحمي خصوصيته وحسب، لكن بظني الخاص أن تلك العبارة تكّونت بعد سبر دقيق ومقارن لمجمل آليات الفنون التي أبدعها الإنسان منذ الأزل، فاكتشفنا حينها أن جلَّ الفنون تنهل من العمارة وتصب فيها، ويكفي أن نتأمل "المعجم المعماري" الذي يدرسه كل طالب في قسم العمارة بكليات الهندسة، ثم نقارنه بمعاجم الفنون الأخرى، كي نقف على التناغم الكامل بين تلك المعاجم جميعًا، فحين نقوم بتحليل واجهة معمارية كي نقف على جمالياتها الفنية، سوف نستخدم مفردات من نوع: اتزان، تنافر، تماثل، هارمونية، مونوتونية، دلالة، كتلة، فراغ، استاتيكية، ديناميكية، رمز، تقشف، حليات، نتوءات، تعبيرية الخ، وجلي عن الكلام ما بين هذه الكلمات من تواصل حميم مع المعجم الموسيقي والنحتي والتشكيلي والشعري، الواجهة المعمارية تقوم على اللعب بالكتلة والفراغ، وهو في الشعر اللعب بالكلمة من أجل "ما يُقال" الكتلة وما هو "مسكوت عنه"، الفراغ من أجل خلق نصٍّ يحمل تيميات، وجماليات شعرية ومعمارية يستطيع القارئ، السامع، المشاهد، المتلقي أن يتعامل معها كقطعة فنية، يقرأ ما فيها من كتلة ويُكمل ما تركه الشاعر/المعماري عمدًا من فراغ كي يكتمل النص.

من اصدارات الشاعرة "فاطمة ناعوت" نقرة اصبع، على بعد سنتيمتر واحد من الارض، قطاع طولي في الذاكرة، فوق كف امرأة، انطولوجيا "مشجوج بفأس" وهو عبارة عن مختارات من الشعر الامريكي والبريطاني مترجمة الى العربية، انطولوجيا "أحزان حمورابي" بالاشتراك مع مجموعة من الشعراء العرب، "المشي بالمقلوب" مجموعة قصصية مترجمة عن الانجليزية، و"جيوب مثقلة بالحجارة"، والجدير بالذكر أنها قامت بترجمة دراسة "القرآن بين الوعي الشفاهي والوعي الكتابي"، للدكتورة منى طلبة، ودراسة "النزعة الانسانية في الفلسفة الاسلامية" للدكتور أنور مغيث، بالاضافة الى العديد من المقالات والقصص والقصائد من والى الانجليزية، وصدر لها حديثا ترجمة رواية "قتل الارانب" عن دار شرقيات.

salwalubani@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف