قاسمي: المدينة تضيّعنا وتلغي هويتنا كأفراد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حوار مع المخرج الايراني محمد علي قاسمي.
حاوره في روتردام محمد الأمين: المخرج الايراني محمد علي قاسمي من الأصوات المهمة في المشهد السينمائي الايراني فقد أنجز للسينما الايرانية عددا من الأفلام الوثائقية
ماهي الاعمال السينمائية التي انجزتها قبل فيلمك الاخير "ملاحظات على الارض"؟
شرعتُ بالعمل السينمائي عام 1984 اي حينما كنت في الخامسة عشر من العمر. وبدأت بافلام ال8 ملم. وواصلت العمل في إنجاز الافلام التجريبية لمدة ثماني سنوات. ثم أنجزت أعمالا من فئة ال16 وال35. خلال عشرين عاما قدمت عشرات الافلام الوثائقية والروائية القصيرة، أذكر منها: "موج على الساحل". "الخالق العظيم" و"لذة النار" و"جزيرة الطمانينة "وبعيد الى هذا الحد". و"البحر". الليالي البيضاء. "الريح الحمراء" والغريب وابن البلد. كما كتبت سيناريوهات لعدد من الأفلام الروائية. وفيلم "ملاحظات على الارض" هو باكورة أعمالي الروائية الطويلة، وقد باشرت تنفيذ العمل قبل اربع سنوات. والى جوار عملي في مجال السينما اعمل في مجال التصوير الفوتوغرافي. وقد ترك فن التصوير أثرا كبيرا في عملي السينمائي وعرفت كيف أنظر من خلال عدسة الكاميرا. أستطيع القول ان جميع الافلام التي انجزتها في مجال الفيلم الوثائقي قد شاركت في مهرجانات عالمية معتبرة. لقد شاركت في ثمانين مهرجان عالمي. من ضمنها مهرجان كان السينمائي.
* تنتمي الى جيل من المخرجين الايرانيين الذين بدأوا مشوارهم السينمائي بالافلام الوثائقية التي تكتسب مضامينها من الحياة الاجتماعية، لكننا نلاحظ في فيلمك الابتعاد عن المضامين الاجتماعية واستلهام المناخ الاسطوري والميثيولوجي
- ان الهدف الرئيسي الذي أسعى اليه هو الاستمتاع بالسينما كفن مستقل بحد ذاته وأحاول أن أعبّر من خلاله عن افكاري ورؤاي. ولم يكن الغرض من تجربتي في مجال الفيلم الوثائقي التركيز على البعد الاجتماعي. واحاول أن أترجم المحيط والفضاء الاجتماعي الى لغة السينما. وأن أستعين بعناصر فن السينما كي أصل الى تجربتي الخاصة بي. لذا لم تكن افلامي مقصورة على البعد الاجتماعي.
* من ناحية اللهجة والديكورات التي إعتمدتها في فيلمك الأخير نلاحظ أنك اخترت مقطعا زمانيا يضرب جذوره في التاريخ الايراني القديم. فيما يلاحظ بعض النقاد أن أحداث الفيلم تدور في اللاتاريخ او في مقطع زمني لايمكن تصنيفه ضمن مرحلة تاريخية معينة.
- يعتمد كل من الأدب الفارسي بشكل عام، والشعر الفارسي بشكل خاص على عنصر الايحاء. وقد تطرق الشعراء الايرانيون للفضاء الاجتماعي عبر توظيف عنصر الايحاء وجمالياته اللغوية. وهم بذلك اختاروا طريقا غير مباشرة لمعالجة القضايا الاجتماعية. وبدوري أرى من الضروري أن أوفّر الشروط اللازمة للمشاهد لكي يقوم بدوره في البحث عن الاسرار وبلوغها. وان يستلذ بجهوده في هذا المضمار. ان اللذة الحقيقية التي يمنحها الشعر الفارسي تتمثّل باللذة المصاحبة لجهد القارئ في اكتشاف الاسرار المبثوثة في النص الشعري. وهو بذلك يتيح الامكانية للقارئ ان يبلغ مستويات من الحقيقة والجمال واللذة وفق مستواه الذوقي والمعرفي. ولهذا السبب نرى ان الشعر الفارسي حاضر في صميم الحياة الإيرانية. فالقصيدة تحمل مستويات عديدة تتيح للقارئ ان يجد صدى لتجربته الحياتية فيها. والشعر يحتل مركز الصدارة في التعبير عن وجودنا ومن الطبيعي أن أوظف هذا العنصر أي الإيحاء في أعمالي السينمائية وأحاول بالابتعاد عن قيود الظروف الاجتماعية الراهنة وأن أوظف بعض الخصائص الشعرية في العمل السينمائي. وعلى نحو منظور.
* هل استطاعت السينما الايرانية بعد انجازاتها الكبيرة في زحزحة موقع الشعر او منافسته في حضوره الراسخ في الثقافة الايرانية؟
- إن الألفة والحميمية التي يقدمها الشعر الفارسي للقارئ نكاد نجد مثيلا لهما في السينما. هذه الالفة والحميمية تكاد تنحصر بالشعر. من أجل مشاهدة فيلم جيد عليك أن تقطع مسافة للذهاب الى السينما وأن ترى الفيلم وفق امكانيات جيدة. ولكننا في ايران لم نتواءم مع السينما بالمستوى المطلوب فثمة مشقات الحياة اليومية التي تعيق انتشار الفيلم ولذا من الصعب أن ينافس الشريط السينمائي الديوان الشعري على المدى القريب. ان المشاكل الاجتماعية تدفع بالمواطن الايراني لارتياد السينما لتناسي المعضلات الاجتماعية والاقتصادية وضغط الحياة والمحيط الاجتماعي بشكل عام. يحضر المشاهد في صالات العرض كي ينسى أو يتناسى الواقع الذي يعيش فيه. ان مكانة الشعر الممتدة أكثر من الف عام لايمكن زحزحتها بالفن السابع. لا أريد أن أقدم أعمالا ترفيهية لأنني أؤمن بالسينما الجادة التي تحث الناس على التفكير و طرح الاسئلة.
* لكن النقاد ورغم أشارتهم الى إعتبار فيلمك الأخير من أهم الأفلام الايرانية في السنوات الخمس الأخيرة. أعتبروه من الأفلام التي يصعب على المشاهد العادي إستيعابها.
- نعم هذا رأي سمعته ايضا من قبل المتفرجين أيضا على هامش احدى الندوات النقدية للفيلم. وعلينا أن نطرح السؤال على القيمين على النشاط السينمائي في ايران الذين قيدوا ذائقة المشاهد بالافلام البسيطة التي تعتمد القصص المألوفة والتي لاتخلق إسئلة هامة ومصيرية في ذهن المشاهد. أي أنها افلام تتكفل بتقديم كل شئ للمشاهد المشكلة والحل، وتكتفي باستدراجه الى الحيز الشعوري والعاطفي. ولابد من صدم الذوق الشائع بافلام مختلفة.
* لقد حاول الجيل الذي تلا رائد الشعر الفارسي المعاصر نيما يوشيج (وهو ينتمي الى نفس الرقعة الجغرافية التي صورت فيها فيلمك الأخير) أن ينقل أجواء القصيدة الحديثة من المناخ القروي الى فضاء المدينة. فيما نلاحظ رحلة عكسية في فيلمك الأخير وفي افلام روائية قصيرة سابقة انك اذ بدلا من معالجة موضوعة العنف في المدينة تطرقت اليها كظاهرة فردية في بيئة تحكمها التقاليد القروية؟
- نعم لقد قصدت ذلك لان المدينة تضيّعنا وتلغي هويتنا كأفراد ذوي خصوصية. خصوصا في طهران التي أعيش فيها منذ سنوات. أن الفيلم يتطرق الفيلم في أحد أهم محاوره لشخص يحاول أن يعثر على ذاته لكنه يسلك الطريق الخطأ. فبعد موت طفله الوليد وبعد فقدانه زوجته التي يغيبها الموت وهي في عز شبابها يحرق بيته ويطلق نعاجه ويعيش حياة بوهيمية فهو يهرب من كل شي ويخوض حروبا مع الطبيعة واخرى مع أفكاره وهواجسه التي تدفعه لقتل اطفال القرية وهو يظن أته مكلف بأداء هذه المهمة من قبل الخالق وأنه يحمل رسالة سماوية برسالته التي يظنها سماوية وانه يحاول ان يعطي صفات نبوية لاعماله وحواره مع الخالق لايتم إلا في مكان منعزل عن الناس وحينما لايجد ضحية يكوّن تماثيل ثلجية للأطفال ويقطع رؤوسها بمنجله كسلوك تعويضي عن عملية القتل الحقيقية. وكما تلاحظ فأن الشخصية المحورية هي شخصية إشكالية لابد من توفير المناخ اللازم لها لخوض تجربتها الخاصة بها رغم سلبيتها المرضية والعدوانية... ولابد من المناخ الذي يوفر له فرصة للتفكير والتأمل ومن المؤكد ان المدينة لن تتيح له هذه الامكانية. ان الحياة في المدن صارت على نحو يستحيل فيه التفكير بعمق عن مسائل مصيرية. لا التفكير بالخالق ممكن في المدينة ولا تأمل الذات. كان لابد من ظرف ومناخ يتيحان للشخصية الرئيسية فرصة التفكير والتأمل وتحليل الأحداث. وكان لابد من عزلة مساحتها أكبر بكثير مما هي عليه في المدينة. شخصيا أشعر اثناء وجودي في طهران وحال خروجي من البيت انني في متاهة كبيرة. لاتتيح لي فرصة التأمل إنما أبدد وقتي كله من أجل العثور على مَخرج منها.
ولذلك انتقلت الى هذه الرقعة من شمال ايران حيث الغابات الشاسعة. لقد نقلت معي كل أثاث بيتي اليها وأمضيت فيها أربعة أعوام هي فترة إنتاج الفيلم. وهي فترة أتاحت لي الفرص الكافية للتجريب. لقد كنت أستمتع بكثرة التجارب التي أنجزتها في مجال التصوير. من خلال عدسة الكاميرا وتنقلاتها بلغت مقامات من التجلي المبهج أتمنى أن أكون قد نجحت في نقلها الى المشاهد رغم المضمون الرئيسي للفيلم الذي يتعارض مع مضامين الكثير من الافلام الايرانية التي تركز على عنصر الشفافية والحب. وبذلك حاولت أن أنجز معادلة من نوع خاص فالى جوار محور العنف في الفيلم والقسوة التي ترتكبها الشخصية الرئيسية وقتله لأطفال القرية ثمة الصورة السينمائية التي تحاول أن تمسك بالمشاهد عبر فرادتها وسطوتها عليه. والفيلم هو ثمرة أربعة أعوام من العمل المتواصل مع فريق العمل الذي أقام هو بدوره ولفترات طويلة في هذه المنطقة الجغرافية التي سعينا للتعمق في جميع خصوصياتها الجغرافية من أجل اختيار المكان الأفضل للتصوير.
* جميع شخصيات فيلمك الأخير بلا أسماء. كذلك بلا حوار. ولا اشارة الى منطقة جغرافية محددة
- نعم هذه ملاحظة مهمة يسرني ان اناقشها لأنها تتصل بصميم رسالة الفيلم لأنني أردت في هذا الفيلم ان أخاطب الشعوب الاخرى كما سعيت الى أن أصل ل الى هذه الخلاصة وهي أنه من الممكن ان تؤدي طرق التفكير المنحرفة الى نفس المستويات من العنف بغض النظر عن المكان والظرف التاريخي. وهي تشمل جميع الافراد الذين يحملون مفاهيم مغلوطة عن الاله والتي تدفعهم الى إرتكاب جرائم يظنونها مهام مقدسة. وبالنتيجة فان تصوراتهم عن الاله هي بمستو خطير من السلبية وهي تتنافى مع القيم السماوية وتساهم في قطع الصلة الروحية بين الناس والاله. ان الطقوس المعتمدة في الفيلم هي طقوس يمكن ان نشاهدها في جميع الثقافات العالمية القديمة. وهي بذلك تخاطب اللاوعي الجمعي. ثمة طقوس ومراسيم مذهبية مقتبسة من الموروث الثقافي الشرق آسيوي واخرى من ايران القديمة،أردت أن يشاهد المتفرج جزءا من طقوس ثقافته القديمة في الفيلم. فثمة تنوع في التقنيات يعتمد بدوره على الاقتباس من الثقافات الاخرى كالرقص والإضاءة وحركة العدسة وتنقلاتها كلها مركبة من ثقافات عديدة. والعبارات القليلة التي ترد على لسان الشخصية الرئيسية مع الله مأخوذة من الكتب المقدسة لجميع الاديان. واذا كانت هناك أشارات دينية فهي بالتاكيد مشتركة ومفهومة للمشاهد. وهي بذلك غير محددة بالدين الاسلامي وإن كان الفيلم من إنتاج بلد اسلامي. لكنه يريد القول أن الانسان وبمعزل عن الظرف الزمكاني بامكانه أن يفهم المعتقدات بطريقة مغلوطة ثم يرتكب بسبب فهمه المغلوط الجرائم البشعة. وهو الأمر المرفوض بالنسبة لنا. الفيلم يعترض على العنف والقسوة وينبذهما. وقد حاول البعض تشويه رسالة الفيلم وأن يثيروا المشاكل بوجهه حينما أعتبروا الفيلم عملا ضد الثقافة الاسلامية وضد معتقدات الشعب الايراني وهذا ما ارفضه بشكل قاطع.