لقاء إيلاف

رشاد: القراءة ليست عادة اصيلة عند المتعلمين

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

حوار مع الناشر محمد رشاد (1/2):
الكتاب ليس من أولويات احتياجات الفرد العربي
لا يعيب الناشر أن يربح ربحاً معقولاً
وظيفة الوكيل الأدبي غير موجودة في العالم العربي

سلوى اللوباني من القاهرة: شاركت ايلاف في حفل تكريم الناشر "محمد رشاد" في المجلس الاعلى للثقافة يوم الاثنين الموافق 17 ابريل، وجاء تكريمه للأداء المتميز في مجال النشر، وتضمنت الاحتفالية تهنئة مميزة من الحضور كانت بمثابة شهادات على فكره ومسيرته، ونذكر أطرفها وأجملها للكاتب يوسف معاطي.."ملامح رشاد ملامح وقور، جادة قد تصل احياناً الى الصرامة، وربما ابتسم في السنوات العديدة التي عرفته فيها ثلاث مرات، يوم زواج ابنته، ويوم ولادة ابنتي، ويوم قدمت له كتابي بعنوان "صايع بالوراثة"، ومع ذلك فهو أثرى مكتبتنا العربية، محمد رشاد لا يسد نفس الكاتب كما يفعل أغلب الناشرين". وبمناسبة التكريم أجرت إيلاف مع الناشر رشاد هذا الحوار خاصة مع اقتراب يوم الكتاب العالمي والذي يصادف 23 ابريل، فتضمن الحوار حال الكتاب ومشكلاته، وحقوق التأليف والملكية الفكرية، وارتفاع أسعار الكتب، ودور الدولة في صناعة الكتاب وانتشاره، بالاضافة الى طرح بعض من الاتهامات الموجه لدور النشر، والجدير بالذكر بأن الناشر محمد رشاد رئيس مجلس ادارة الدار المصرية اللبنانية للنشر ومكتبة الدار العربية للكتاب، ويشغل منصب نائب رئيس اتحاد الناشرين المصريين، والامين العام لاتحاد الناشرين العرب، وعضواً في لجنة الكتاب والنشر بالمجلس الاعلى للثقافة، وفي المجلس الاعلى للكتب والمصنفات الفنية بوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية.

* ما هي المعوقات التي تواجه الكتاب المصري؟
- من أخطر مشكلات الكتاب المصري حالياً هي مشكلة القراءة الحرة، وقد أعددت دراسة بتكليف من المجلس الاعلى للثقافة وتناولت من خلالها المشكلات التي تواجه الكتاب بصورة عامة، وبشكل خاص مشكلة انخفاض مستوى الدخول مع ارتفاع أسعار الكتب، فعندما يكون مستوى دخل الفرد منخفضاً، فان "القراءة الحرة" من خلال الكتاب "الذي يعد الوسيلة الأولى للثقافة والتعليم" لن تكون من أولويات احتياجات الفرد، فالمأكل والملبس والمسكن (وما شاكلها) هي الأولويات بالنسبة لكل فرد وأسرة في المجتمع، ثم تتبعها ضروريات مهمة، مثل الصحة، والتعليم، ثم وسائل الرفاهية، ثم أخيراً الهوايات والأنشطة، ثم يأتي دور الكتاب في نهاية المتطلبات أو الهوايات والأنشطة، وهذا الترتيب بالنسبة للفرد المصري والعربي، بينما معظم البلدان المتقدمة ذات الدخل المرتفع للأفراد، يأتي الكتاب بعد الاولويات مباشرة، بل ضمن الضروريات الأساسية للفرد، مهما كان سعر الكتاب مرتفعاً، وقد يبدو لنا العذر جميعاً في ترتيب الاحتياجات كمواطنين مصريين، نظرا لانخفاض مستوى الدخول للغالبية العظمى من السكان.

* هذا الترتيب يضعنا أمام مشكلة بما أن الكتاب هو العامل الاول للتثقيف والتعليم والتعلم!!
- بالطبع مشكلة اجتماعية واقتصادية كبيرة إذا وضعنا نصب أعيننا أن أساس أي تنمية في أي بلد يريد النهوض والتقدم وارتفاع مستوى الدخل لأبنائه أساسها التنمية عماد ابو غازي ومحمد سلماوي ومحمد رشاد لبشرية، وبنيانها الأساسي هو الفرد، فلا يمكن وضع خطط اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية بدون إعداد الفرد، وتأهيله للمشاركة في تنفيذ هذه الخطط للوصول إلى التقدم والرقي، وبالتالي ارتفاع مستوى الدخول، وعندما نتحدث عن بلد مثل مصر ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين، وفى ظل بدايات نجاح الإصلاح الاقتصادي وما يتبعه من تحولات اقتصادية واجتماعية على مجتمعنا، لا يمكن التنبؤ بالنجاح الكامل المنشود من قبل الدولة لمواصلة هذا النجاح الذي يعود على المواطنين بالخير، وارتفاع مستوى الدخول، إلا إذا هيئ الفرد لهذا التحول، وتمت مشاركته عملياً في تنفيذ خططه، وتهيئيه ثقافياً وتعليمياً في هذا المضمار، إن انخفاض مستوى الدخول هو مسئولية الدولة بالدرجة الأولى، فعندما تضع الخطط الشاملة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، يجب عليها الاهتمام بالسياسات الثقافية لرفع مستوى الدخول للأفراد، ليتسنى لهم إعادة ترتيب الأولويات والضروريات، مما يسمح لهم بمجابهة ارتفاع أسعار الكتب، وممارسة عادة القراءة الحرة .

* ولكن الا تجد ان احجام الناس عن شراء الكتاب سببه ارتفاع سعره؟
- كثرت هذه المقولة في السنوات الأخيرة أن إحجام الأفراد عن شراء الكتاب سببه ارتفاع سعره، مقارنة بالسنوات السابقة في الأربعينيات، أو في الستينيات، أو حتى في السبعينيات، وبرغم أن هذه المقولة غير صحيحة من الناحية الاقتصادية عند مقارنة أسعار أي سلعة في يومنا هذا وسعرها في السنوات السابقة، وباستخدام المؤشرات الاقتصادية المتعارف عليها، ومنها متوسط دخل الفرد، نسبة التضخم، الناتج القومي، فليكن "مثلا" سعر الخبز، وهو المدعوم دائماً من الدولة أو الملابس، أو المسكن، أو أي سلعة أخرى، ولتكن الجريدة مثلا، ونقارن سعر الأمس بسعر اليوم، وسوف نتأكد أن أقل زيادة كانت في سعر الكتاب اليوم.

* اذن ما هو أساس هذه المقولة؟
يرجع للأسف الشديد إلى عزوف المتعلمين عن القراءة الحرة، وهجرهم الكتاب منذ الانتهاء من التعليم بالمدارس والجامعات ودخولهم الحياة العملية، متعللين بضيق الوقت، أو ضيق ذات اليد، أو الاقتناع بأن وسائل الإعلام المقروءة والسمعية والبصرية تغنيهم عن الكتاب لارتفاع سعره.

وهل استطاع التقدم التكنولوجي ازاحة الكتاب؟؟
- بالطبع لا، يرددون هذه المقولة لأن القراءة لديهم ليست عادة أصيلة.

* وما تعليقك على مقولة أن الناشرون يبالغون أو يغالون في أسعار الكتب وأن هدفهم هو الربح الكبير؟
- مقولة أخرى غير صحيحة تردد وتلصق بالناشرين، مع العلم بأن النشر رسالة قبل أن يكون صناعة وتجارة، ومع هذا فإن لم تكن هناك تجارة فلن تكون هناك صناعة متطورة، تأخذ بأحدث أساليب التكنولوجيا، فإذا لم يكن هناك ربح من وراء التجارة للناشر، فلن يستطيع مواصلة رسالته السامية لأمته، فلا يعيب الناشر أن يربح ربحاً معقولاً مقابل ما يبذله من جهد وعرق واستثمار للأموال في نشر الكتب، وحتى يتبين عدم صدق هذه المقولة التي تلصق بالناشرين يمكن الاطلاع على دراسة قامت بإعدادها دار الشروق بالقاهرة وهي عبارة عن تحليل عناصر تكلفة وتوزيع كتاب سعر بيعه عشرة جنيهات، شملت المواد الخام، الرسوم والضرائب، حقوق التأليف، نسبة الموزعين، الاعلانات، النقل، ربح الناشر، ماكينات الطبع، العمالة، وعند تحليل نتائج هذه الدراسة سوف يتضح أن نسبة الضرائب والرسوم الجمركية البالغة 28% تزيد من تكلفة الكتاب، وبالتالي ارتفاع سعره، فهي عبء لابد من تخفيضه، نسبة هامش ربح الناشر نسبة ضئيلة وهي 7%، وهي أقل نسبة هامش ربح يمكن أن يحصل عليه أي مستثمر في أي مشروع آخر، بل هي أقل بنسبة 30% عن فائدة البنوك، كما أن نسبة العائد للمؤلف وهي نسبة 15% هزيلة وضئيلة، ولا تتناسب مع ما بذله المؤلف من جهد وتعب، ولا تغطي حتى تكلفة شراء المراجع والكتب التي تعينه على التأليف، فلا يوجد مؤلف في مصر يستطيع أن يحيا حياة كريمة من عائد مؤلفاته، إلا قلة نادرة لا تتعدى العشرات، فلابد للمؤلف أن يعمل في وظيفة تعينه على الحياة، وهذا أخطر شئ يهدد الفكر والإبداع المصري، حيث أن المؤلف عندما لا يجد العائد المادي من مؤلفاته "ذلك الذي يعينه على الحياة"، عندئذ لا تكون لديه الرغبة في التأليف، وبالتالي يفقد الدافع إليه، وهو الذي يعد أساس نهضة أمتنا، بالاضافة الى أن نسبة المواد الخام قد بلغت من التكلفة 67 % وفي نسبة البيع 18 %، وهذه المواد الخام معظمها مستورد من الخارج، وتخضع للأسعار العالمية، فليست بلادنا من دول إنتاج الورق، ولا يوجد لدينا أسس ومقومات صناعته، وأيضاً نسبة الموزعين تعادل نسبة المواد الخام في سعر البيع، فلهم الحظ الأوفر في الحصول على عائد أفضل من المؤلف والناشر، مع الاعتراف بتحمل الموزع أعباء كثيرة أخرى، مثل العمالة والضرائب، والمخزون.

* أي أن الناشر لا علاقة له بارتفاع أسعار الكتب؟!!
- نعم، فكلها عوامل خارجة عن إرادته، والعائد بالنسبة له لا يتناسب مع ما يبذله من جهد ومال في هذه الصناعة، ولكنه يستطيع أن يسهم في الحد من ارتفاع أسعار الكتب، إذا زادت الكمية المطبوعة من كل كتاب.

* عادة ما هي الكمية المطبوعة من كل كتاب؟
- شئ مؤسف... أنه في السنوات الثلاث الأخيرة يقوم الناشر بطبع ما بين 2000-3000 نسخة، بعدما كان يطبع قبل ذلك ما بين 3000-5000 نسخة، وهذا الانخفاض في الكمية المطبوعة برغم زيادة عدد السكان في مصر والعالم العربي، وأخذ معظم حكومات الدول العربية في التوسع في إنشاء المدارس والجامعات، كما أن هذا الانخفاض في الكمية المطبوعة أدى إلى المساهمة في ارتفاع أسعار الكتب، لذلك يجب الحد من ارتفاع اسعار الكتب بزيادة طبع الكمية الى 10000 أو 20000 وبالتالي ينخفض سعر الكتاب، كلما زادت الكمية المطبوعة انخفض السعر بنسب كبيرة، مثال كتاب سعره 10 جنيهات مطبوع منه 2000 نسخة، إذا طبع منه 10000 نسخة أَصبح سعره frac12; 5 جنيه، الأمر الذى يعني زيادة العائد بالنسبة للناشر "على مدى زمني ليس بالقصير"، وكذلك زيادة العائد للمؤلف بافتراض حصوله على نسبة 15%، حيث يصبح العائد 8250 جنيها بدلا من 3000 جنيه، فليس من المعقول أن يكون عدد سكان مصر أكثر من ستين مليون نسمة، بالإضافة إلى العالم العربي الذي يستمد الفكر والثقافة من منبعها، ويتجاوز عدد سكانه مع مصر أكثر من مائتي مليون نسمة، بالإضافة أيضاً إلى العالم الاسلامي الذي تجاوز تعداده المليار نسمة، فليس من المعقول أن يتواجد بينهم الكتاب العربي أو يطبع بنسبة قليلة، هذا بالإضافة إلى أكثر من 6000 جامعة موزعة على أنحاء العالم، كله يدرس فيها الأدب والحضارة الإسلامية، وكذلك المراكز المتخصصة التي تدرس وتحلل كل ما يصدر عن العالم العربي، فهل يليق بالناشر المصري بعد هذا الذي ذكرناه أن يطبع ما بين 3000 نسخة إلى 5000 نسخة فقط؟ إن هذا عكس ما يطبعه أي ناشر في أية دولة متقدمة مثل أمريكا، أو انجلترا، أو فرنسا، فهو يطبع مئات الآلاف، بل أحياناً يطبع ملايين النسخ، وأقلها عشرات الآلاف.

* إذن من المسئول عن ارتفاع أسعار الكتب؟
- انخفاض مستوى الدخول هو مسئولية الدولة بصورة مباشرة، تتحمل الدولة هذا العبء لرفع مستوى الدخول عن طريق الخطط المستقبلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكما بينا من قبل ضرورة الاهتمام بالخطط الثقافية لتهيئة الأفراد لتحمل عبء تنفيذ التخطيط، أما ارتفاع أسعار الكتب فالمسئولية يتحملها أفراد المجتمع والدولة معا، وذلك بضرورة ترسيخ عادة القراءة لدى أفراد المجتمع، وتوسع الدولة في إنشاء المكتبات العامة والمدرسية، ليتمكن محدودي الدخل من القراءة الحرة، ولقد بدأ حل بعض المشكلات من خلال المشروع القومي العظيم، الذى تشرف عليه وترعاه السيدة الفاضلة "سوزان مبارك"، حرم رئيس الجمهورية "مشروع القراءة للجميع ومكتبة الأُسرة"، والذي أَدى إلى التوسع فى إنشاء المكتبات العامة، مثل مكتبة القاهرة، ومكتبة مبارك وفروعها، وأيضاً تخصيص وإنشاء ميزانيات للشراء على استحياء ببعض المكتبات والمؤسسات، وإنشاء الجوائز، وإقامة الندوات والمهرجانات، تدعيماً وترسيخاً لجعل القراءة عادةً أصيلةً لدى المواطن، وخلق جيل جديد من المؤلفين والرسامين من خلال جائزة سوزان مبارك.

* وهل مشكلة القراءة الحرة في مصر هي المشكلة الوحيدة التي تواجه الكتاب؟
- بالطبع لا، فهناك مشكلات كثيرة تواجه الكتاب، وتعمل على ارتفاع أسعاره، منها ازدياد ظاهرة الأمية، خاصة أمية القراءة والكتابة، والتي تبلغ حوالي 70% من سكان العالم العربي، فبرغم كل جهود الحكومات العربية في محو الأمية، بما فيها قوانين التعليم الالزامي، فان كل هذه الجهود لم تفلح في القضاء على هذه الظاهرة، بل إنها زادت، وهذه الظاهرة تقلل من إمكانية زيادة الكميات المطبوعة من الكتب، فمن الأهمية وضع الخطط والحلول الممكنة، في القضاء أو الحد من تفشي ظاهرة الأمية، واعتبار ذلك هدفاً قومياً يسهم فيه الجميع، بالاضافة الى عزوف المتعلمين والمثقفين عن القراءة وعدم إقبالهم عليها، وهذا أيضاً سبب رئيسي من أسباب قلة كميات النسخ المطبوعة.

يتبع

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف