العصيمي (3): رفضوا أن يزوجوني حبيبتي!

رئيس تحرير مجلة "القافلة" يروي قصته عبر"إيلاف"(3-4)

حاوره عبدالله المغلوث: لم تحن القيامة بعد، كل ما هنالك أن الصحافي صالح العزاز قد مات. يصف رئيس تحرير "القافلة"، السعودي محمد العصيمي(42 عاماً) وفاة شقيق زوجته "الجميع أصيبوا بالهلع". يروي العصيمي في الجزء الثالث قصة حبه التي امتدت إلى 12 عاما. ويسترجع تجربته في صحيفة "الرياض" ومجلة"المجلة"، وشركة "سمارك".

تجربتا"الرياض"و"سمارك"
يذكر العصيمي يومه الأول في جريدة "الرياض" جيداً، فقبل الدخول إلى الجريدة كان يقدم رجلا ويؤخر أخرى من شدة قلقه، فقد كان في ذهنه صورة ذهبية لمن يسكنون هذا المبنى، فكيف سيتحول معهم إلى إنسان ذهبي. يتساءل:" هل أستطيع؟ هل أنا كفؤ لذلك ؟". لحظات و وجد نفسه في قلب المبنى يقدمه ابن عمه سليمان العصيمي إلى زميله محمد السليمان. كان الوقت رمضان من عام 1402هـ (1982م) وكان محمد السليمان، الذي بدت عليه حينها سيما تدين، مشرفا على الصفحة الرمضانية، وكان رجلا سمحا لطيفا حسب محمد أجلسه وبدأ يتحدث معه لكسر الجليد. ثم كلفه مباشرة بإعداد تقرير صحافي عن مركز صيفي في مدرسة بحي الشميسي في الرياض ودله على كيفية عمل طلب تصوير فوتوغرافي عند قسم التصوير الذي كان وقتها بقيادة عبدالرحيم تركستاني وبإدارة الباكستاني افتخار أحمد. ومن الغد في المساء افتتح، برفقة المصور افتخار أحمد، العصيمي متحدثا عبر منصة سمارك شواره الصحافي بمقر المركز الصيفي مع مديره سليمان المليفي ورواده من الطلبة. وضمن هذا المشوار استمرت علاقته بصحيفة "الرياض" لقرابة ثمان سنوات. يزهو: "خرجت منها بمكاسب صحافية مهمة كمراسل ومحرر ومشرف على صفحة الاقتصاد فترة قصيرة ثم صفحة الرأي للجميع لقرابة سنتين، ثم ودع مدرسة تركي السديري في العام 1989 مشفوعا بشهادة صحافي بتقدير جيد".
زامل محمد الكثير أثناء عملة في جريدة "الرياض"، "منهم من قضى نحبه الصحافي ومنهم من ينتظر" حسب قوله. أما من يذكرهم فهم كثر فقد كان هناك من المحررين محمد السليمان، وسعود المصيبيح الذي اشتهر في السنوات الأخيرة بتوليه مناصب عامة مهمة وسالم الغامدي وحمد العسكر وسليمان الناصر وهاني وفا وتركي العيار وعبدالعزيز الخضيري ووائل العليان وعبدالمحسن المرشد وسليمان الهتلان، رئيس تحرير مجلة "فوربس العربية"، وعبد الوهاب الفايز، رئيس تحرير "الاقتصادية" ومجلة "المجلة" حاليا، وجابر الأسمري. ومن القسم الرياضي عبدالله الضويحي وسعود العتيبي وأحمد المصيبيح. ومن قيادات الجريدة محمد الجحلان ومحمد أباحسين وناصر القرعاوي، الذين غادروا الجريدة بعد سنوات طويلة ولا يدري أين مقامهم الآن. وهناك من القيادات سليمان العصيمي، الذي لا يزال على وظيفته مديرا للتحرير، وسلطان البازعي الذي ترك الجريدة منذ فترة وتقلب في مناصب عديدة كان من بينها رئيس تحرير صحيفة "اليوم". ومن الكتاب محمد رضا نصرالله، عضو مجلس الشورى الآن، والكاتب يوسف الكويليت والقاص حسين علي حسين و الشاعر سعد الحميدين. و"هناك آخرون ابتلعتهم الحياة بعد قضائهم أسابيع أو أشهر في الصحيفة" كما يقول محمد.
حين غادر صحيفة الرياض في العام 1990 لم تكن لديه رغبة في العمل في صحيفة يومية، حيث كانت هناك فرصة تفرغ للصحيفة نفسها، يبوح: "لكنني لم أتحمس لها. وكنت منذ عام 1986 أشتغل بوظيفة حكومية هي وظيفة محرر صحفي بالمؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين)". وحين ظهرت فكرة شركة بديلة لـ"بترومين" هي "سمارك" طلبه الأستاذ عبد الله آل الشيخ، الذي شغل فيما بعد منصب نائب رئيس سمارك للشؤون العامة، للعمل معه في جدة فاستقال محمد من وظيفته الحكومية وغادر إلى جدة وكُلف هناك على الفور بإصدار نشرة الشركة الداخلية ثم إصدار مجلة "سمارك"، ثم استلم بعد أقل من سنة وظيفة مدير التحرير والنشر في الشركة وهي وظيفة تشمل الإشراف على مطبوعاتها الصحفية ومطبوعاتها الأخرى، وبناء قاعدة لعلاقتها مع وسائل الإعلام والمشاركة في التخطيط وصياغة الأفكار لعلاقتها بالمجتمع وبمحطيها المحلي.

رصيف جدة

ويصف حاله عند وصوله إلى جدة"عانقتها نصف حافي مطلع عام 1990 وغادرتها منتصف عام 1994 دون ريش". في اليوم الأول لوصوله، وبدون تخطيط مسبق، سكن فندق الحارثي، الواقع على شارع فلسطين، وهو فندق ثلاثة نجوم، قريب من مقر عمله في المبنى الرئيس لشركة "سمارك" على طريق المدينة. ولم يكن يعلم أنه سيمضي في هذا الفندق قرابة أربعة أشهر، كان ديدنه فيها الذهاب إلى العمل في الصباح والعودة منه بعد الرابعة ثم النوم لمدة ساعتين وتناول ما تيسر من وجبة في مطبخ الفندق والقراءة في كتب يكومها في الغرفة الصغيرة كتابا بعد آخر. وما كان يقطع هذا الروتين اليومي سوى لقاء مسائي قصير مع مدير علاقات العملاء في الفندق المصري سمير، الذي ورد اسمه في كتابه على "رصيف الأزمة". يصفه:"كان شخصا عروبيا مثلي طالما تناولت وإياه القضايا العربية الشائكة وطالما تصورنا أننا سنصلح الكون العربي في الصباح. والحقيقة أن كل ما كنا نفعله هو نميمية سياسية ننفس فيها عن احتقاننا ونقطع من خلالها أوقات مللنا".
أما انسجامه مع أهل جدة من رؤساء وزملاء وبعض إعلامييها ومثقفيها فكان سريعا وفعالا. يوضح:"شفعت لي فيه قدرتي على التأقلم وقراءة العادات العملية والطبائع الشخصية، إلى درجة أنني لم أصطدم مع أحد طوال أربع سنوات ودخلت بيوتا كثيرة من بيوت أهل جدة ومكة وأصبحت صديقا للكثيرين منهم، بل وتحولت مع بعضهم إلى أخ يثقون به ويستشيرونه في أمور شخصية وعائلية".
لأن الزمار يموت ويده تلعب لم يطق محمد البعد عن الصحافة اليومية بعد انتقاله إلى جدة وانشغاله بالنشر والعلاقات الإعلامية في شركة "سمارك". ولذلك اقترح على زميله في صحيفة "اليوم" فالح الصغير أن يكتب للجريدة مقالات متخصصة في النفط تحت عنوان: "السيرة الحديثة للنفط السعودي". وقد لقي هذا الاقتراح ترحيبا منه ومن الصحيفة. وبدأ كتابة سلسلة مقالات أسبوعية تحت هذا العنوان لقيت ترحيبا من وزير البترول والثروة المعدنية آنذاك، الأستاذ هشام ناظر الذي أرسل له خطاب تثمين وثناء على هذه المقالات. وكذلك اتصل به مكتب الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز، الذي كان مستشار في الوزراة في تلك الأيام وأبلغه بأن الأمير يريد مقابلته في مكتبه في الرياض والتقاه فعلا لأكثر من ساعتين أبدى فيهما إعجابه بما نشره إلى ذلك الوقت ضمن سلسلة السيرة الحديثة للنفط السعودي. وتطرق اللقاء إلى أمور أخرى صحافية وشخصية وانتهت هذه المقابلة بأن اقترح عليه الأمير عبد العزيز بن سلمان أن يكتب لمجلة "المجلة" حيث أوصى الدكتور إبراهيم المهنا، مدير الإعلام والعلاقات العامة بالوزارة، أن يقدمه إلى الأستاذ عبد الرحمن الراشد، رئيس تحرير مجلة "المجلة" آنذاك ليبدأ معهم الكتابة في الشأن الاقتصادي النفطي، حيث كتب بعض التحليلات وأجرى بعض المقابلات. ولم تطل علاقته في مجلة "المجلة" حيث أخذته مرة أخرى دوامة العمل في "سمارك" بعد أن زادت مهامه ومسؤولياته في إدارة النشر والعلاقات الإعلامية.

غازي القصيبي وعبدالرحمن الراشد

فكر أيضا في ذلك الحين عمل كتاب تكون مادته عبارة عن حوار مع الدكتور غازي القصيبي، الذي كات ومازال مبهورا بشخصيته وحضوره الكبير كوزير وسفير وشاعر وكاتب ومتفاعل مع قضايا مجتمعه. ولم يتردد في إرسال خطاب إليه ضمنه فكرته ليتلقى منه ردا يفيد بموافقته على الفكرة من حيث المبدأ. وسرر لهذه الموافقة وحدد مع مكتبه موعدا للقائه في مقر السفارة في لندن. وهناك حيث حضر في الموعد المحدد لم يلمح في السفارة ترحيبا بهذا "الزائر الصغير الذي جاء ليلتقي السفير الكبير"، لكن السفير محى هذا الانطباع عندما دخل محمد مكتبه فنهض بقامته الممدودة ليصافحه بحرارة ثم يدعوه بحفاوة للجلوس ليبدآن حوارهما حول فكرة الكتاب وطريقة إعداده وهدفه. وقتها اتفقا على أن يكون الحوار عبر المكاتبة، يرسل له العصيمي الأسئلة تباعا و من ثم يرسل له القصيبي الأجوبة على نفس المنوال. وبعد أن عاد محمد إلى جدة أرسل له الأسئلة الأولى ثم الدفعة الأخرى وانتظر الإجابة على الدفعة الأولى طويلا وسأل عنها مكتب القصيبي بلندن إلا أن سكرتيرته لم تفده بشيء فلم يلح على ذلك، يقول"ربما كان ذلك خطأ مني فتوقفت عن إرسال الأسئلة ولا أعلم إلى الآن هل إنه أجاب على أسئلتي الأولى أم لا؟".

وقد دعاه الدكتور غازي القصيبي وقتها إلى حضور محاضرة ألقاها الروائي العربي، الطيب صالح ضمن نشاط الملحقية الثقافية في السفارة السعودية. وقد كان حضور هذه المحاضرة من الأمور التي يعدها العصيمي فارقة في حياته العملية، يقول:" تعلمت طريقة في الإلقاء لا يملكها إلا الكبار من أمثال الدكتور غازي القصيبي والطيب صالح".
كانت تجربته في العمل مع مجلة "المجلة"، "جيدة" حسب تعبيره من حيث مكسب التعامل مع مطبوعة صحافية دولية يقع مقرها في لندن، يقول أنه تعلم خلالها أشياء جديدة في العصيمي مع ابنه عبدالعزيز(9سنوات) ونوره (5 سنوات) ريقة وصول المادة الصحفية وتوقيت إرسالها ونشرها. ومما أسعده في تلك الفترة أن "مدرسة مجلة المجلة المتقدمة بقيادة عبد الرحمن الراشد نشرت موضوعاته كما كانت تردها"، مما أفاده بالابقاء على أسلوب الكتابة الصحفية نفسه من غير أن يفقد احتمالات تطويره حسب تطورات السوق الصحفية نفسها.
أما عبد الرحمن الراشد فيصفه قائلا:"كان رئيس التحرير الذي تعلمت منه سعة صدر من يقود مطبوعة صحفية فيها عشرات المراسلين والكتاب والمحللين وأغلبهم خارج محيط المبنى الذي يدير منه المجلة". وقد كانا يتبادلان الاتصالات ويبديان ملاحظاتهما تجاه بعضهما بشفافية، وتمنى:" لو امتدت تجربتي معه، لكن مرة أخرى أخذتني أعباء الوظيفة الرسمية فلم أعد قادرا على مواصلة العمل بالمجلة".

زواج شائك

تزوج العصيمي من شقيقة الإعلامي الراحل، صالح العزاز، بعد علاقة حب امتدت إلى 12 سنة، ما سبب هذا التأخير، وكيف استطاع الظفر بها؟ يقول محمد أن تجربة الحب بهذا العنف لم تكن على باله مطلقا، فهو رجل عملي من رأسه إلى أخمص قدميه كما يصف نفسه، لكنه، يعترف بذلك علنا وبفخر كامل قائلا:" وقعت في الحب وقعة من يؤتى من مأمن". فحين عرف زوجته نشأت بينهما علاقة تدريجية تحولت إلى" حب ثم عشق"، والعشق هو المرحلة التي لا تتخيل فيها حياتك بدون المرأة التي تحب حسب العصيمي. وقد تقدم لخطبتها أول سنة فتعذر أهلها لأسباب تتعلق بوزن التزامه الديني حيث قيل وقتها إن هذا الوزن خفيف، يفصح:"مع أنني أحضرت شهادات من أئمة بأنني أصلي وأنني حسن السيرة والسلوك، لكن هذا لم يشفع لي". وظلت هذه العلاقة تراوح إلى أن اشتهرت بين الناس وعرف بها بعض أقاربها فتشفعوا له ولم يُقبل منهم إلا بعد اثنتي عشرة سنة من خطبته الأولى لها. ونتيجة لواحدة من هذه الشفاعات قبل والدها وتم الزواج. يفشي:" وأنا سعيد جدا بحياتي معها ولا أخالها إلا سعيدة بحياتها معي. وقد رزقنا الله من فضله ولدي عبد العزيز وابنتي نوره، اللذين أتمنى لكل منهما، مع المستقبل المرموق، أن يقعا في الحب مثلما وقعت أنا وأمهما وأن يذوقا ما ذقنا من كدر الحب وصفوه".
أما صمود حبهما بعد الزواج فيعود إلى أنهما أدركا أن علاقة الحب تتمرحل، ولكل مرحلة ذائقتها الخاصة التي يجب أن يعيشانها ويتذوقانها كما هي، دون مقارنة مرحلة بأخرى أو يطلبا من مرحلة قدوم الأولاد ما كانا فيه قبل قدومهم السعيد. يؤمن:"نحن في مرحلة نحب بعضنا لأننا لبعضنا والآن نحب بعضنا لأننا لبعضنا ولأولادنا، وغدا إذا أمد الله في أعمارنا سنحب بعضنا لأننا لبعضنا ولأولادنا ولأولادهم".

رحيل العزاز

عند الحديث عن زواجه لا يمكن أن يغفل محمد اسم شقيق زوجته الصحافي والمصور الحاضر الغائب، صالح العزاز، كونه هو الذي جمع رأسيهما بالحلال. يقول العصيمي عنه آخر رسالة كتبها الراحل صالح العزاز لزوج شقيقته في 5 مايو 2002 نه كان شهما سابقا لزمانه وقد تعرض في حياته للكثير من المواقف والمضايقات. يتذكر محمد اليوم الأول من مرضه عندما أيقظته زوجته، بعد المغرب وهي تنتحب بكاء. نهض محمد من فراشه لا يعلم ما حل بزوجته وإذا هي منهارة لا تقدر على المشي. قالت بصوت لا يكاد يسمع: صالح مصاب بالسرطان. سألها محمد بين مصدق ومكذب: من أخبرك بهذا، كأنه يريد أن يشكك بالمصدر أو يقلل من شأن الخبر السيء الذي نقلوه لها على هذه الصورة. لكن كان المصدر موثوقا بناء على ما نقلته زوجة صالح نفسها التي كانت معه في إجازة في أميركا. وعلى الفور التقط محمد وزوجته سماعة الهاتف واتصلا به، وجاء صوته متماسكا وشجاعا وفق العصيمي. يقول:" لم أعرف وقتها ما أقول. فقط سألته بغصة: هل هذه الأخبار صحيحة يا أبا شيهانة. قال وكأنه يدفع عن نفسه شر التفكير بالأسوأ: نعم صحيحة، لكن لا تقلقوا، الأطباء، بإذن الله، سينتصرون على الداء وأعود إليكم كما كنت". وقد لا حظ الجميع خلال فترة مرضه أنه كتب أروع مقالاته، بل يزعم أنه لم يكتب بمثل هذه الروعة والتفاؤل في حياته قط. ولكن إرادة الله فوق كل شيء فقد طال مرضه وتفاؤله واختاره الله تعالى إلى جواره. وهنا يقول محمد:" لابد أن أسجل أنني ما بكيت قط على إنسان فقدته مثل ما بكيت على صالح العزاز، الذي كان يمشي بين الناس بعينين تبحثان دائما عن ما يطمئنهم ويريحهم ويجعل حياتهم أفضل وأسعد. كان يفعل ذلك للقريبين والبعيدين". وفي عزائه:" لم تبق منطقة في السعودية لم تمثل بجماعة أو فرد ينقلون أحر تعازيهم ووجعهم بفقده، رحمه الله رحمة واسعة".

يتبع
ctu_abdullah@yahoo.com

الجزء الثاني:
https://elaph.com/amp/ElaphWeb/Interview/2006/4/144686.htm
الجزء الأول
https://elaph.com/amp/ElaphWeb/Interview/2006/4/144483.htm