لقاء إيلاف

الرياحي: أفظع الجرائم لا تحدث إلا في وطننا العربي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الناقد والروائي التونسي كمال الرياحي:
في وقت من الأوقات طغت الشللية على المشهد الثقافي التونسي
ما يكتبه الجامعيون من ابداع مجرد تمارين مدرسية
أدب اميركا اللاتينية كان يمتح من ثقافتنا نحن
المجتمع التونسي والعربي بشكل عام تمثل نسبة المهمشين فيه 99 بالمائة


إيهاب الشاوش من تونس: الناقد والروائي التونسي كمال الرياحي من مواليد 1974 تخرج من المعهد العالي للغات بتونس وتحصل بتفوق من كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة على شهادة الدراسات المعمقة في الأدب العربي الحديث عن بحث مداره تجربة وايسني الأعرج الروائية. هو احد كتاب ومستشاري مجلة ديوان العرب ويشتغل حاليا الصحافة العربية. له عديد الدراسات النقدية والأعمال القصصية منها "نوارس الذاكرة"،"سرق وجهي" و"حركة السرد الروائي ومناخاته". عرف بجرأته في معالجة القضايا الأدبية العربية والتونسية وعمق معرفته للأمور رغم حداثة سنه(32 سنة).صدرت له مؤخرا وبمناسبة الدورة 24 لمعرض تونس الدولي للكتاب رواية "المشرط" ضمن اقدم واعرق دار للنشر بتونس وهي دار الجنوب للنشر والتوزيع وضمن سلسلة عيون المعاصرة التي يشرف عليها الأستاذ توفيق بكار. رواية الرياحي قدم لها رئيس اتحاد الكتاب التونسيين الأستاذ صلاح الدين بوجاه. جمدت لمدة اربعة ايام في معرض الكتاب واعتبرها البعض "انجيل المهمشين". حول تجربة الرياحي وموقفه من بعض المواضيع التي تخص الساحة الثقافية التونسية وتسليطا للضوء على روايته الأخيرة كان هذا الحوار:

*غالبا ما يقع التعريف بك على انك ناقدا وروائيا. هل يمكن التوفيق بين الاثنين؟
- هذا السؤال يطرح دائما بالمشهد الثقافي العربي ولا يطرح إطلاقا في الغرب لاعتبارات مازالت مجهولة. في الغرب لا أحد يشكك في قدرة "ايكو" الروائية وهوصاحب رائعة "اسم الوردة" ولا أحد يشكك في قدرته النقدية باعتباره من كبار السيميائيين في العالم...الجمع بين الإبداع والنقد ظاهرة تلدة قديمة ويكفي ان نذكر بأن كبار الكتاب العرب كانوا علماء ونقاد ايضا مثل البيروني. انا بدأت حياتي الحبرية بالكتابة الإبداعية وبالشعر تحديدا ولكن اول ما نشرت كانت مجموعة شعرية بعنوان "نوارس الذاكرة" وبعد ذلك عرفني المتلقي ناقدا من خلال كتابي النقدي "حركة السرد ومناخاته".

* لماذا راهنت منذ البداية على المتلقي العربي وليس التونسي تحديدا؟
- الساحة التونسية بالفعل ليس فيها محركات ثقافية كبرى بما في ذلك المجالات والملاحق الكبرى إلا ما ندر. هذا احد اسباب توجهي نحوالكتابة خارجها ولكن السبب الرئيس هو مع توفيق بكار نني أردت ان اختبر نصي عند المتلقي العربي. المتلقي التونسي جزء صغير من متلقي كبير في الكم والكيف. في وقت من الأوقات طغت الشللية على المشهد الثقافي التونسي لذلك لم اراهن عليه كثيرا ولا قليلا ولذلك راهنت على متلق افتراضي لا يعرف من كمال الرياحي سوى نصه.

* اذن هو هروب؟
- ليس هروبا. المشهد التونسي ليس مغريا وأنا ضد القطرية. والكثير من الكتاب اختاروا المحلية مثل محمود المسعدي الذي كان كاتبا كبيرا لكنه كان محليا. ابو القاسم الشابي لم يعرف في تونس الا بعد تجربة "ابولو" في مصر. وانا في الحقيقة كنت أعرف بالأدب التونسي خارج تونس والكثير من الكتاب التونسيين عرفوا من خلال عديد الدراسات التي كتبتها عنهم.

* يعني انت كنت سببا في التعريف بكتاب تونسيين؟
-عشرات الكتاب الذين يعتبرون كتابا. مسعودة ابو بكر مثال التي تعترف بذلك. سليم دولة ايضا وهو مفكر كبير وكان حواري معه فرصة لمعرفة هذا الفكر.

* انت قلت" ان الإخفاق المدرسي ليس علامة ابداع وان النجاح الأكاديمي ليس تهمة" ماذا كنت تعني بذلك؟
-هي ليس قواعد. العصامي ليس دليلا انه سيكون مبدعا فهذا ليس شرطا للإبداع ولا النجاح المدرسي دليلا على النجاح ولا على الإخفاق. النجاح الأكاديمي ليس علامة على جودة أن يكتبه شخص ما. وانا منتمي الى الجامعة التونسية بشكل اوبآخر لكني لا ادافع على ما يكتبه الجامعي وارى في ما يكتبه الجامعيون من ابداع مجرد تمارين مدرسية وينسحب ذلك على ما يحبرون من نقد.

* وما رأيك في ما تصدره الجامعة التونسية؟
-اصدارات الجامعة التونسية فيها الغث والسمين ككل جامعات العالم. لكن النادر منها ما يبقى ماثلا في الأرض.

* ما هي اسباب ذلك؟
-لأن جل ما يخرج من اقلام الجامعيين هوبحوث يجهزونها لترقية وظيفية ومن ثمة فنحن في حاجة الى ما اطلق عليه "قرامشي" بالمثقف العضوي". نحن نحتاج الى جامعي ينزل الى الشارع الثقافي لتحسس التجارب الجديدة لأن الجامعي يعيش في برجه النخبوي واحيانا هذا البرج يكون بمثابة القبر.

* هناك روح عجائبية في كتاباتك. هل تأثرت بأدب اميركا الاتينية؟
-لم أتأثر لأننا وباختصار مجتمعات عجائبية بطبيعتنا وأدب اميركا اللاتينية كان يمتح من ثقافتنا نحن. المجتمع التونسي والقروي منه والذي انتمي اليه رأسا هومجتمع سحري وخرافي. لقد ولدت وترعرعت في قرية خرافية بامتياز لذلك فأن ألتفت الى العجائبي هذا امر طبيعي لآني اعكس واقعا اعيشه.

* يبدوان لك موقفا من بعض الجوائز الثقافية؟
-انا اعي جيدا ما معنى الجائزة واعتبر ان على الجائزة ان تكون جائزة للثقافة وليس العكس وانا ضد ثقافة الجوائز.

*لكنك قلت انك لن تعترض فلى المشاركة في مسابقة جائزة الكومار الذهبي؟
-لن اعترض لأن جائزة كومار محترمة الى حد الآن. اما بالنسبة للجوائز المشروطة فتلك التي تؤسس "للكتبوب" لا للكاتب بمعنى تلك الجوائز التي تشترط على الكاتب مواضيعها واسلوبها. وقد كتبت مقالا مطولا على جائزة بائسة في تونس تؤسس لهوان الكاتب والكتابة وهي جائزة المدينة التي قضت نحبها غير مغضوب عليها.

*هل وقع الإفراج عن روايتك الأخيرة؟
-ان الرواية التي لا تطرح اشكالا ما او الرواية المهادنة هي رواية لا تستحق ان تقرأ أصلا. وان ما تردد خلال معرض تونس الدولي للكتاب حول جرأت الطرح الذي نقدمه الرواية جعل من قرار الإيداع القانوني يتأخر وجمد بيع الرواية مدة 4 ايام بعدما حدث خلاف في لجنة الإيداع حول السماح لها بالظهور او وأدها في مهدها. والحمد الله تحصلت على الإيداع القانوني مساء السبت ونفذت النسخ الموجودة في المعرض بعد يوم واحد.

*حامت رواتيك الأخيرة" المشرط" حول المهمشين. لماذا هذا الإختيار؟
- اذا كان المجتمع التونسي والعربي بشكل عام تمثل نسبة المهمشين فيه 99 بالمائة فهذا يعني انني اتوجه الى الشعب العربي كافة. واذا كان هؤلاء المهمشين اغلبهم يعانون من الأمية فهذا يعني اني أتوجه بخطابي الروائي الى من تسبب في تهميشهم.

* خلافا لما كنا ننتظر، لم تنطلق روايتك من زيتونة" وانما شجرة "الخروب" ماهي دلالات ذلك؟
- الخروبة هي شجرة معمرة وخضراء طوال الوقت وهي ايضا شجرة ظليلة ولكنها تتحول في الليل الى شجرة مخيفة. والرواية تنطلق من شجرة موجودة فعلا وهي شجرة مقدسة في الكثير من القرى. وضخامتها تجعلها مأوى للكثير من الزواحف والطيور ولك ان تتصور الرموز الممكنة للثعبان والهدهد التي سكنتها.

*علاقة المثقف بالسلطة الذي رمزت اليه روايتك موضوع قديم عالجته عديد الكتابات. ما هي الإضافة في روايتك؟
-صحيح ان الموضوع قديم بل هو ازلي في وطننا العربي ولكن التناول الفني هو الجديد فأن نستعير صورة ابن خلدون في سنة الإحتفال بذكرى وفاته وتجعل منه رمزا لمثقف البلاط فهذا امر جديد. الرواية تؤسس لخطاب مضاد للسائد وهذا يجعلها في مأمن من نوايا بعضهم الذين سارعوا بالكتابة عن ابن خلدون بحثا عن جوائز فمسحوا على سيرته بأقلام حريرية.

*لماذا اخترت اسم خديجة للدلالة على المؤخرة؟
- هذا الذي سبب احدى المشاكل الكبرى في الإيداع. فاسم خديجة محمل بالدلالات الدينية باعتبارها زوجة الرسول (ص) ولكن في شوارعنا الخلفية في تونس يطلق هذا الإسم على المؤخرة تندرا وهذا ما اثار فضولي واردت ان اقارب الأمر فنيا.

* من هوالمخاخ في المشرط؟
- للمخاخ دلالات لا تحصى فهوكل خطاب مستبد وصورة من الإستبداد الديني والسياسي والإيديولوجي وحتى الإجتماعي.

* بمن تأثرت في مسيرتك الأدبية؟
- تحدث الأستاذ صلاح الدين بوجاه في المقدمة عن بعض الأسماء التي اعتقد انني تأثرت بها وتركت ما كتبه ينشر ايمانا مني بحرية الرأي لكني اعتقد جازما انني لم أتأثر بكاتب عربي. ربما تجد في كتاباتي بعضا من "استورياس" وبعضا من "ميلر"... ولكنني لا استحضر احدا اثناء الكتابة.

*هل تأثرت بالأدب البوليسي؟
-لا انكر اهتمامي بالرواية البوليسية وكثيرا ما أتساءل لماذا لم تظهر عندنا رواية بوليسية. البعض يرجع ذلك الى ان هذا الجنس الأدبي وليد المدينة ومدننا للأسف مجموعة قرى. كا يرجع البعض هذا الغياب الى غياب الجريمة وهذا خطأ كبير لآن أفظع الجرائم التي تحدث في العالم تحدث في وطننا العربي. وانا استثمرت الحبكة البوليسية في روايتي دون ان تكون روايتي بوليسية. انه شكل من اشكال التجريب الروائي الذي ربما سبقني اليه في تونس فرج الأحوار ومحمود طرشونة. روايتي ليس بوليسية والدليل انها تنتهي دون العثور على الجاني.

*ماذا يمكن ان ننتظر من كمال الرياحي مستقبلا؟
- انا بصدد كتابة رواية جديدة واذا كانت روايتي هذه شكلت صدمة كما قيل فالقادمة ستشكل فاجعة. لا لشيء إلا لأني سأعمل على تعرية كل ما وراء الحجب وسأعمل مشرطا جديدا لقلع كل الدمامل التي تشوه الجسد الشوراعي في تونس. روايتي القادمة ربما تحمل عنوان "المبول" وهي الفضاء الذي ستتحرك فيه كل الشخصيات الروائية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف