طارق علي: الغرب يهمه البترول وثمنه لاغير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بمناسبة صدور روايته: "سلطان في باليرمو" بترجمة أسبانية،التي تحتفي بالتاريخ والإديولوجيا لإنعاش جزء مغيب من تاريخ أوروبا
محمد المودن من مدريد: كان اللقاء بالكاتب البريطاني من أصل باكستاني طارق علي خان، على هامش زيارته الأخيرة التي قام بها إلى إسبانيا من أجل تقديم كتابه الذي نقل إلى اللغة القشتالية"سلطان في باليرمو"، وأشرفت على نشره وتوزيعه دار النشر "أليانثا"، هاته الدار نفسها هيئت له لقائين بمدريد وإشبيلية لتوقيع كتابه. اللقاء الذي جمعنا به ا
في هذا السياق ذاته، يؤكد طارق علي، نبتت أفكاره الأدبية والفكرية والإديولوجية، وأزهرت أنشطته الفنية والسياسية، فأثمرت جميعها أعمالا لها وزنها في سياق التداول الثقافي والفكري والإبداعي العالمي. في طليعة ما أنتجه طارق علي أدبيا، وهو بصدد إنهائه "خماسية الإسلام" وهي تتألف حاليا من أربعة روايات، هي : رواية " ظل شجرالرمان" و " كتاب صلاح الدين" و"المرأة والصخرة" ثم "سلطان في باليرمو"، ويعتزم في القريب إنهاء هذه الخماسية بعمل أخير. كما للكاتب نفسه عدة أعمال في مجال المسرح، وفي السينما، وعمل محرر في" نيو ليفت رفيو".وعلى المستوى الفكري ألف طارق علي عدة كتب أشهرها: كتاب" صراع الأصوليات" و"بوش في بابيلونيا: إعادة احتلال العراق". ساهم ضمن أنشطته السياسية في تشكيل جبهة داخلية في بريطانيا لمعارضة الحرب على العراق. وعلى الرغم من أن لقاءنا بطارق علي انصب أساسا على روايته" سلطان في باليرمو"، إلأ أن الحديث عن هذا العمل كان يتقاطع مع كل الأفكار التي حبلت بها كتبه الأخرى، وكان التوازي بين التاريخ والسياسة قائما من جديد في هذا الحديث.
وقبل أن نشرع في نقل حديثه إلينا، نعرض تقديما مبتسرا لرواية" سلطان باليرمو"، وهو عمل روائي تدور أحداثه بصيقليية في عام 1153م، حيث تنعم الجزيرة بزخم ثقافي ولغتها الرسمية هي اللغة العربية. باليرمو العاصمة كانت مدينة مسلمة، توازي مدينتي بغداد في الشرق وقرطبة في الغرب. حاشية الملك النورمندي روجر كانت مشكلة من رجال مسلمين يتحدثون العربية مشرفون على مراقبة مؤسسات الممكلة، وهو وضع لا يريح رجال الكنيسة في مملكته. وفي ذلك السياق تتطور حياة الطبوغرافي محمد الإدريسي، الذي ورد في هذا العمل شخصا مثقفا يجتهد في الحفاظ على علاقة متوازنة بين السلطان النورماندي، وبين أصدقائه الذين يهمون بمقاومة الهيمنة النورمندية، أو مغادرة صيقلية. ويروم طارق علي من خلال هذه الرواية كما في غيرها إدخال القارئ في صميم التجاذبات والتناقضات التي شهدتها العلاقة بين الشرق والغرب في حقب مختلفة من التاريخ. التقته إيلاف وهنا نص الحديث معه:
*- هل تطلعنا على سياق تأليف"سلطان في باليرمو"؟
- هذه الرواية كما سابقاتها الثلاث، التي ترجمت إلى عدة لغات أوروبية، هو عمل يروم استرجاع جزء من التاريخ المفقود لأوروبا. فكما يعلم الجميع لقد كان الإسلام جزءا من
*- هل تعتقد أن جهودك في إطار كتابة التاريخ الإسلامي في الغرب روائيا، سيسهم فعلا في إنعاش صورة الإسلام في التداول السياسي والثقافي والاجتماعي الغربي، ويعمل من ثم على إخراج الإرث الإسلامي من المتاحف والمعارض الغربية إلى الواقع اليومي المعيش؟
- كان بودي أن يحصل ذلك، ولكن لا أعتقد أنهم (أي الغربيون) يفعلون ذلك. والمؤسسات الغربية لم تعلن عن نيتها في هذا الشأن. ولكن ما يهمني أكثر هو أن هذه الكتابات التي ألفتها عن تاريخ الإسلام في أوروبا يتداولها شباب الغرب نفسه. وفي البوسنة ويوغوسلافيا مثلا تم إدراج بعض مؤلفاتي وخاصة "ظل شجر الرمان" ضمن مقرراتهم الدراسية. ثمة في الغرب إمعان في استدبار التاريخ الحقيقي للإسلام في أوروبا مثلا. ودعني أقول لك إن ما يهم الغرب الآن من الإسلام ومن العالم الإسلامي والعالم العربي هو البترول وثمن البترول لاغير.
*- المطلع على أعمالك الأدبية مثل" سلطان باليرمو" يلفي في تضاعيفها نفسا أدبيا زاخرا وغنيا، وهو ما يجعل إحدى أقوالك التي ذكرتها بشأن أنك لا تتطلع إلى طموحات أدبية من خلال تأليفك الأدبي يحتاج إلى توضيح، فماذا تقول؟
- عندما قلت إنه لم تكن لدي طموحات أدبية، فإن الجزأ الثاني من الجملة كان هو: لا يهمني إذا لم أحصل على جائزة أدبية كتتويج لكتاباتي في هذا الجنس من القول. حقا إن ذلك لا يهمني كثيرا. لكن ذلك لا يعني أنه ليس لدي طموحات أدبية، إنني أستمتع كثيرا بالكتابة الأدبية. أنا فقط لا أريد ان اتحول إلى كتاب يراهن على النجاح والفوز بالجوائز فقط. أعرف كثيرا من الكتاب لا ينامون في الأسبوع الأخير الذي يسبق الإعلان عن جائزة نوبل، وتظل افئدتهم معلقة بالمفصحين عن لائحة الفائزين ليروا إن كانوا بينهم. فأنا لا أنتمي إلى هؤلاء.
*- حاولت داخل رواية "سلطان باليرمو" توظيف التصادم بين الشرق والغرب من خلال الترميز لذلك بشخصيات تنسب إلى صميم الثقافة العربية والإسلامية وهي بذلك من الشرق مثل شخصية الإدريسي، تتواجه دراميا مع شخصيات أخرى تنتسب إلى المؤسسة الدينية الغربية الكنيسة مثلا، فهل ذلك يوحي بأبدية التواجه بين المرجعية الثقافية المشرقية والمرجعية الغربية؟
- لا يوجد في الحقيقة تواجه قد يعبر عنه بأزمة بين الشرق والغرب، لا يوجد تصادم بين الثقافات ولا بين الحضارات. ومن يقول بعكس ذلك فهو مخطئ. ا لصراع الوحيد الموجود والقائم هو بين الإمبرياليات الغربية وباقي شعوب العالم. الصراع قائم فقط بين القوى المتسلطة والشعوب التي تروم التحرر منها. وقد تصادف توافقا وتقاربا بين تلك الإمبرياليات وقوى تنتسب إلى تلك الشعوب الأخرى فاعلم ساعتها أن بينهما مصالح متابدلة ومن جنس امبريالي واحد.
*- لكنك في كثير من المتون الأدبية الأخرى التي ألفتها و تنتسب إلى خماسية الإسلام ومنها "سلطان في باليرمو" تستثمر هذه المواجهة كمحرك درامي لمتنك السردي في هذه الأعمال، فهل يمكن في يوم ما أن تتحول هذه المواجهة على أرض الواقع إلى تحالف؟
- لن يكون هناك أبدا تحالف بالشكل المطلق، فكل حضارة تحمل في داخلها تناقضاتها. وهذا التناقض مثلا هو الذي ساهم في خروج الإسلام من إسبانيا. فقد كان الإسلام في إسبانيا مجابها بضغطين واحد صادر عن الكنيسة ورجالاتها الذين كان وكدهم طرد المسلمين من إسبانيا، وثان صادر عن جهات مسلمة متشددة مثلا في مجال الفكر حيث امتنعت من قبول إدخال مناهج التفكير الفلسفي اليوناني إلى تداولها الفكري، فكان الأمر كما لو أنه رفض للآخر كذلك.
ولعل ما قد يبدو لي مهما الآن كذلك هو عودة مسلمين إلى أوروبا عن طريق الهجرة، إذ هناك الملايين منهم يقيمون بفرنسا وببريطانيا وبعدد أقل في إسبانيا مثلا. ولعل هجرة المسلمين هاته من شأنها أن تعيد التوازن الثقافي إلى أوروبا ويساهمون إيجابيا في إغناء ثقافتها الإنسانية، كما يستفيدون هم كذلك إنسانيا وثقافيا. وأي طرف يعاكس هذه الميزة وهذا الانفتاح فسوف يكون مؤسوفا عليه لأنه سيعيق فرصة التقارب الثقافي ودعني أمثل لذلك التلاقح بمثال بسيط. فمثلا في بريطانيا كانت تعد وجبات الطعام هي الأسوء في العالم، ومثل تلك الوجبات في بلدان أخرى غير بيريطانيا لايمكن أكلها لرداءتها. لكن بعد وفود ثقافات جديدة أجنبية استطاع المطبخ البريطاني أن يغتني من تجارب الثقافات الوافدة في هذا المجال، فأعطى ذلك نكهة جديدة وغنية لوجبات الطعام البريطانية.
*- على الرغم من أن أعمالك الأدبية تحفد نحو الاحتفاء بالتاريخ الغابر كمادة سردية، فإننا نلفيها في الوقت نفسه متشربة بأفكار نظرية حبلت بها كتبك الفكرية والسياسية المعاصرة مثل صراع الأصوليات بالدرجة الأولى. أي هناك تسلل لأفكارك المعاصرة نحو سياق تاريخي آخر؟
- في الكتابة التخييلية والروائية يكون الأمر مختلفا عن الكتابة في جنس آخر مثل المعرفة مثلا. وفي الواقع عندما كنت أكتب "سلطان في باليرمو"، كانت بغداد محتلة، وكانت هناك حرب قائمة، كانت هناك اعتداءات ومقاومة...الخ فكانت هذه أجواء أثرت على كتابة "سلطان في باليرمو". وكان هذا الصراع الذي ينتج عن هذا الواقع يتناص مع الواقع التخييلي لمسار الكتابة السردية ويتماهى مع الصراع القائم به.
*- دعني أعود إلى نقطة ذكرتها من قبل في حديث ثنائي لي معك، وهي قولك" لو أن المسلمين لم يطردوا من أوروبا لكان اأامر مختلفا "، فماذا تعني بقولك ذلك؟
- أقصد : حقيقة، لا يمكن تعرف ماذا كان سيحدث، لكن ما نحن متأكدون منه هو أن شيئ آخر كان سيحدث. أوروبا تطورت، ولو كان الإسلام داخل أوروبا فإن ذلك التطور سينعكس على المسلمين كذلك وعلى واقعهم وعلى فكرهم. لكن إبعاد الإسلام من أوروبا هو شأن أشبه بفعل "غيتو". ويأتي الغربيون الآن ويقولون الإسلام والمسلمون لم يتطوروا.إنهم هم من منع ذلك لأنهم حرموا المسلمين والإسلام شرط التطور، ومنعوه من الانخراط في كوكبة التطور والازدهار. إبعاد الإسلام من أوروبا كان أمرا سيئا لأوروبا نفسها كذلك، لأن إخراج الإسلام منها أوقف التطور في أوروبا بداية القرون الأخيرة.
*- طيب لو حاولنا أن نستشرف عندك ملامح العمل الجديد الذي ستكمل بها "خماسية الإسلام" فهل يمكن أن تبوح لنا ببعض عوالمه؟
ج- سيكون العمل الأخير حول الإسلام والفترة المعاصرة، أي الإسلام وفترة العهد الليبرالي الجديد، فزمانها سيكون الزمن الذي نحياه الآن. أنا أفكر فيها الآن، ولا أحب أن أقول عنها أكثر الآن، يجب انتظارها حتى تنتهي. فقط أقول لك إنك ستجد فيها شخصيات معروفة ومألوفة لديكم، وقد تكون وغيرك عايشتموهم الآن.
*- ما رأيك فيما افتعله اليمين الإسباني من تهم للمفكر طارق رمضان، تصل إلى حد اتهامه بدعم الإرهاب، من أجل منعه من الدخول إلى إسبانيا للمشاركة في لقاء دولي بمدريد؟
ج- أود أن أشير إلى أن المفكر طارق رمضان قد جرى دعوته من رئيس الحكومة البريطانية طوني بلير، وعينهى عضوا ضمن لجنة استشارية تبحث العلاقة بين المسلمين في برييطانيا والبريطانيين. طارق رمضان مفكر معتدل، ويبدو أن اليمين الإسباني يمين ساذج وأعمى.بلير لم يكن ساذجا، وبلير يعتبر طارق رمضان مسلما معتدلا ومنفتحا، وإلا لما أدرجه ضمن أعضاء لجنة استشارية مقربة منه.