العالم: كان أيام عبدالناصر للمصري كرامة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حوار مع المفكر محمود أمين العالم (2/2)
سلوى اللوباني من القاهرة: قد تختلف مع توجهات وآراء محمود أمين العالم ولكن لا تملك إلا أن تحترمه وتقدره، فهو مفكر وكاتب متعدد ومتنوع الروافد الثقافية، ورحلته الانسانية غنية بتجاربها المؤثرة... هنا الحلقة الثانية والأخيرة من حوارنا معه:
*ما قصة ديوانك الشعري "لجدران الزنزانة"؟
- تم اعتقالي مع من أسماهم السادات بمراكز القوى داخل النظام بتهمة الخيانة العظمى، دخلت زنزانة انفرادية ووجدت أشياء مكتوبة على جدران الزنزانة، كلام جنسي وديني وأمور اخرى، فبدأت اقرأ الجدران شعراً.
*كيف كتبته وأنت في السجن هل كان مسموحاً لك استخدام القلم والورق؟
- لا، كان يوجد طاقة في سقف الزنزانة أخذت منها سلك وبدأت احفر على الجدران، وكنت احتفظ بالرسائل التي تصلني من العائلة، فأكتب عليها بعد أن استطعت الحصول على قلم.
* وهل نال إقبالاً؟
- على فكرة نشرت الديوان في العراق لأنني لم استطع نشره في مصر بعد خروجي من السجن، بقيت في المنزل فترة بلا عمل وكنت ممنوعاً من السفر لمدة عام، حتى جاءتني دعوة من جامعة اكسفورد للتدريس فيها الفكر العربي المعاصر، ثم اتصل بي "جاك بيرك" ودعاني للتدريس في جامعة باريس وبقيت هناك من عام 73-84، المهم كان هناك اشكالية
*الا تفكر بكتابة سيرتك الذاتية؟
- بالطبع كتبت حوالي 6 أقسام منها ولكني غير متواصل في الكتابة، وهل تعلمين ما عنوانه؟ العنوان "اصطياد الانسان"، وأتى هذا العنوان من حادثة حدثت معي في المعتقل، أثناء عودتنا من سجن الحضرة بالاسكندرية حيث انعقدت محاكمة عسكرية قمت فيها انا وزملائي بالدفاع عن أهداف الثورة مع انتقاد اسلوبها، نقلونا الى سجن أبو زعبل طٌلب أن ندخل ثلاثة منا أولاً، كنا نسمع نباح الكلاب ولكن لم نفهم ماذا في الامر، وبدأ أحد الجنود بضربي بالسوط، وكلب ضخم يجري ورائي يحاول أن ينهش ساقي، وللاسف توفي زميلي "شهدي عطية" وغيره لسوء الاوضاع الصحية، بعدها بفترة سألت أحد الضباط لماذا نٌضرب بهذه الطريقة؟ قال لي هذه العملية اسمها في السجن "اصطياد الانسان"، أي الضرب والاهانة لكسر كرامتنا، لذلك أدركنا هذا الامر وقلنا أن المقاومة ضرورية، كنا بالضحك أحياناً نعلن لهم فشلهم كما ذكرت لك سابقاً، ودائماً كنت أنجح في الاحتفاظ بالانسان بداخلي، وعودت نفسي على احتمال الالم محاولاً الابتعاد بذهني عما يحدث لنا، والتفكير بأمور اخرى أمور جمالية فنية فلسفية، ولكني اكتشفت بعد ذلك أن اصطياد الانسان ليس فقط شعار السجن، ولكنه في الحياة، لذلك اخترت العنوان تعبيراً عن تجارب الحياة كلها، السلطة هي اصطياد الانسان، العسكرية هي اصطياد الانسان، الادب الضعيف اصطياد الانسان، الحب غير المتكافئ اصطياد الانسان، ولكن من يصطاد الاخر، نحن الآن مصطادون من السلطة لانهم مصطادون لمصالحهم مع القوى الامريكية.
* دعني أسالك هنا كيف ترى مستقبل مصر؟
- دائماً أنظر الى مصر تاريخياً، التاريخ بداخلي، تاريخ مصر منذ القدم قوي جداً ومع ذلك كان يٌضرب، تاريخ من القيام والصعود، المصريين هم الفراعنة العظماء، عهود من الاحتلال في مصر واستفاد منها الطرفان، بدءاً من اليونانين، الاسكندر، الحملة الفرنسية، الانجليز، الامريكان، ومع ذلك نهر النيل مستمر ومتدفق.
* استاذي جوابك فيه من الفلسفة والديبلوماسية الكثير!!
- لا، حقيقة أعني ما أقوله، أي بكل ما حدث ويحدث هناك استمرارية، توفيق الحكيم له كلمة "لو أنك فتحت قلب أي فلاح أمي مصري ستجد 3 الاف سنة من الحكمة"، الامة المصرية والعربية أمة مضحية بشكل كبير، نحن تراثنا في المنطقة، المنطقة الوسطى، هناك كلمة جميلة لجمال حمدان "مصر ليست موضع وإنما موقع" أي موقع استراتيجي، لذلك ما يحدث الان تفسير لكلمته، فالذي يسيطر على مصر يسيطر على باقي المنطقة، كتاباتنا منذ بدأت فيها قيمة كبيرة، أنا اعتبر العرب قيمة كبرى لانه يوجد فينا القيم، المحبة، الرحابة، عشت في فرنسا تجربة خصبة جداً ولكني لم أجد فيها هذه الامور.
* درست التراث العربي الاسلامي في فرنسا بالرغم من انك ماركسي التوجه، كيف ذلك؟
- وما الخطأ في ذلك، أنا أجد في التراث العربي الاسلامي كل مداخل التفكير المادي الجدلي، تاريخ النبي محمد ملئ بذلك" اطلبوا العلم ولو في الصين"، لا يوجد أحد من المسلمين يقولها الان، "أنهم أدرى بشؤون دنياكم"، "سيأتي على رأس أمتي كل مئة عام رجل يغرد في الدين"، كل ذلك مجد فكري وخبرة والهام، يا سيدتي المشكلة تكمن في العلاقات البشرية، وعلاقتنا في معرفة الاشياء وفي نشر العلاقة بين الانسان والانسان على أساس المحبة، الاكتشاف هو القدرة على الاضافة، هذه هي الحياة، الاضافة العلمية، الاضافة الشعورية، الفكرية، المعمارية.. الخ.
* ولكن هل نضيف شيئاً!!
- بل نهدم، لان أمريكا تريد أن تحتكر العالم، فكرة العولمة غير موجودة هذه هيمنة امريكية، ولكن في رأيي الانسانية في مرحلة العولمة الديمقراطية التي تكتشف ما هو مشترك وينبغي أن يٌنظم ما هو مشترك مع الطرف الاخر، أي تنظيم العلاقات داخل الطبيعة، وبالتالي نسيطر على الطبيعة، الرحلة الانسانية هي رحلة عولمة حقيقية مع احترام الخصوصيات، والعلماء يلعبون دوراً كبيراً في هذه العولمة، يساعدون في توسيع فرشة العلاقات الانسانية من حيث الصحة، الاكتشاف، وغيرها، العالم سوياً يستطيع أن يصل ا
* ماذا تقرأ الان؟
- الحقيقة أنا مشغول بالواقع جداً، وأتمنى أن أٌكمل الكتابة عن تاريخية التاريخ، أي كيف يمكن أن نربط بين الاشياء ونجعل منهم رباطاً جديداً، نتخطى كل ما هو كائن وأكثر اكتشافاً الى ما هو أبعد، هذا معنى العلم الحقيقي، هناك اكتشافات في العالم ممنوعة من الظهور، يجب أن نتيح الفرصة للابداع البشري الذي لو احترم ووظف للانسانية سيحل الكثير من المشاكل، لدينا مشاكل عديدة، يكفي قتل الانسان، ماذا يعني استيلاء الرأسمالية الامريكية على العالم وببساطة يتم قتل أطفال العراق وفلسطين؟ أخطر أمر في الدنيا أن تقتل حياة.
* ما رأيك بما يحدث بالعراق وفلسطين؟
- جريمة، جريمة، أنا في رأيي هناك خطأ داخلي في العراق ولكن أيضاً هناك قوة خارجية مع الداخلية تحاول أن تدمر العراق، قوة خطيرة جداً، العراق يا سيدتي تاريخ الامة العربية، أعظم الكتاب والمفكرين والشعراء من العراق، والاندلس أيضاً، تاريخهما ملئ بالابداعات، لذلك تخلصوا من الاندلس والان العراق، الحضارة العربية الاسلامية من أرقى الحضارات، هي التي قدمت ابن رشد، ابن الهيثم، وغيرهم، وأخذت اوروبا عنها وبدأ التدفق الشديد، ما أريد أن أقوله أن أوروبا استمرار لنا لذلك يجب أن نكون استمرار لهم بشكل أرقى، بشكل أرقى لان اوروبا والغرب توحش، النظام الرأسمالي خطير ومدمر، بدء من السيطرة على العالم ولكن ليس لمصلحة العالم، فظهر الصراع وبدأت الحروب، ومن الاستعمار الى الامبريالية، وللاسف كل ما يجري الان في منطقتنا يخدم المصالح الاميريكية والاسرائيلة.
* هل كان لديك مشكلة في قراءة الادب اليهودي أوالتعامل مع اليهود؟
- طبعا لا، كان لدي العديد من الزملاء اليهود، لم تكن هناك مشكلة بيننا، ولم يكن يهمنا أن نعرف إذا كانوا يهوداً أم لا، فهم مصريون وجيران وأصدقاء، المشكلة بدأت في الثلاثينات عندما بدأ الاخوان المسلمون بالظهور، هناك عظماء من الشعراء اليهود، والمفكرين اليهود هل تريدين أكثر من "اسبينوزا"، قد يوجد الان منهم في داخل اسرائيل يدافعون عن اسرائيل، ولكن في رأيي الشعر الجيد لا ينتسب الى شئ ضيق، اسرائيل ليست دولة يهودية هي حركة صهيونية مرتبطة بالنظام الرأسمالي العالمي الامريكي بالذات.
* يطالب د. هاشم قاسم الاديب نجيب محفوظ في جريدة القاهرة بمراجعة موقفه السياسي من السلام، باعتبار ان تصريحات محفوظ كانت تؤيد السلام مع اسرائيل ومع وقف الصراع من أجل التنمية. ما رأيك؟
- أولاً القضية خطأ طرحها، القضية ليست قضية سلام، كلنا نريد السلام ولكن أي سلام؟ هذه هي القضية أنه لا عدوان على الفلسطينين ولا سيطرة على أراضيهم، أي سلام الحق، لذلك القضية ليست قضية سلام بل قضية حق، ثم أن إعادة بناء الماضي بشكل آخر عملية معقدة، نجيب محفوظ رجل حق وسلام ولكنه لا يدخل في تفاصيل الاعمال السياسية، بالطبع لا يريد قهر الفلسطينين ولا يقف مع الاسرائيلين لاقامة سلطتهم، محفوظ يركز على العمل والانتاج، ومشروعه الادبي يتضمن السلام، المحبة، العمل، التقدم، العدالة، كما أنه لا يحب الدخول في معارك وحتى عند اعادة طبع روايته "أولاد حارتنا" وقصة موافقة الازهر، وافق لانه لا يريد الدخول في معارك.
* بعد 85 سنة من عمرك المديد انشاء الله، هل هناك أمر كنت تتمنى تحقيقه ولم تقم به؟
- طبعا، الدكتوراة، وليست كلقب بل كبحث، كنت أريد أن أقوم باعداد الدكتوراة عن "الضرورة في العلوم الاجتماعية"، وبدأت بالبحث والعمل ولكنهم فصلوني من الجامعة كما ذكرت لك سابقاً عندما أدركوا أنني عضو حزب شيوعي، وأيضاً فصلوني من تسجيل الدكتوراة وهذا لم يحدث من قبل، ولكنني أزعم وضعي 10 أسطر تحت أزعم أن ما كتبته حتى الان يدور حول هذا الموضوع ولكن ليس بشكل أكاديمي، كنت أحلم أن أقوم بهذا البحث.
*"مشاغبة اخيرة" ومازلت تحب عبد الناصر؟
- يا سيدتي لم يكن هناك كرامة للانسان المصري الا في عهد عبد الناصر، نعم سجنت وعذبت ولكن كرامتي لم تهان، قلت لك عبد الناصر عمل كثيراً لمصر، قام بعمل 3 مشاريع كبيرة، جلاء الانجليز، التأميم، بناء السد العالي، أنا مع المشروع الحضاري الكبير، بالاضافة الى التعليم المجاني، الصناعات، تحسين القطاع العام في المجتمع، الكرامة القومية، ولكن كما ذكرت لك سابقاً أن هذه المشاريع أو الخطط كان يتحرك بها ضمن مجموعة غير متجانسة، كما أنه اعتمد على السلطة العليا وعلى الجيش أساساً فعسكر المجتمع، يجب أن نرى الظاهرة في كليتها، يجب أن أرى الظروف، الاطار الذي تحرك به، العوامل الايجابية، إحساسي حقيقي تجاهه، كان هناك شئ جاد يتم، شئ إيجابي يتحقق، لمصلحة الناس والعلم والمجتمع، أقول لك هذا وجسمي ملئ بجراح التعذيب من عبد الناصر، عندما استدعاني لمقابلته بعد خروجي من المعتقل، اعتذر لي وقال لي نحن أسأنا لك كثيراً، قلت له إن الاساءة الكبيرة لي كانت عندما حرمتني أن اكون بجانبك في كثير من المشروعات، قلتها باخلاص، حقيقة كنا نريد التغيير، كنا نشعر أننا في سباق مع الزمن نريد تعويض ما فاتنا ونحن في السجن.
* كيف كانت مشاركتك بالتغيير؟
- بعد الافراج عني تم تعيني محرراً في مجلة المصور، ثم تم اختياري عضواً في التنظيم الطليعي، ثم عضواً بعد ذلك في أمانته المركزية، وعينت رئيساً لمجلس إدارة هيئة الكتاب، ثم الشركة القومية للنشر التي حولت اسمها الى شركة الكاتب العربي، ثم انتقلت كرئيس لمجلس إدارة مؤسسة المسرح، واستدعاني عبد الناصر يوماً لمقابلته واختارني لتولي الادارة في مؤسسة أخبار اليوم فيما بعد، ولكنه قال لي مازحاً ألا أحولها الى برافدا (صحيفة سوفيتية)، من جميع هذه المواقع كنت أعمل الى جانب عدد من كبار الادباء والمثقفين، ويجب أن تعلمي أنه كان هناك تغيير حقيقي يحدث بعد هزيمة 67، كان عبد الناصر يريد التغيير، اختار شخصيات من مختلف المجالات وأرسلهم في بعثات للدول الاشتراكية، ليعودوا كوادر التغيير في المستقبل لبناء المجتمع في مصر، ثم بدأنا نشارك في تغيير فكرة الاحزاب، بعد كل هذه التحضيرات للتغيير فوجئت بخبر وفاته، مات عبد الناصر، وللأسف....توقف كل شئ،.....هذا التاريخ يٌثير أحزاني بالرغم من أنني شخص مريض بالتفاؤل (ضاحكاً).
* هل لديك مشاريع جديدة!!؟
- مريض بالتفاؤل ليس عن جهل بل عن طريق ادراكي بالقوانين، أحاول منذ 5 سنوات تأسيس جبهة المثقفين المصريين، ووقع عليها 50 شخصاً ولكنها رٌفضت، المثقفين لا تعني حملة الشهادات، بل كل من يريد تغيير الواقع للافضل، أكثر حرية، أكثر إنتاجاً، وبعدها نؤسس جبهة أو وحدة المثقفين في كل بلد عربي، ومن ثم نؤسس وحدة المثقفين العرب، وهي الشكل الشعبي لجامعة الدول العربية، ليعبروا عن رأيهم، يكون لهم مؤتمر سنوي على الاقل للمطالبة بحقوقهم، ليمارسوا ضغوطاً على السطات للتغيير الى الافضل.
* يا استاذي العزيز حلمك كبير جداً ولكن هل سيتحقق؟
- في رأيي الواقع سيفضي الى هذا، هذه رسالتي لابناء بلدي.