بدومة: اتحاد كتاب المغرب عقدوا باسمه شراكات مشبوهة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حوار مع الشاعر المغربي جمال بدومة
أجرى الحوار أحمد نجيم: جمال بودومة شاعر وكاتب صحافي مغربي، من الأصوات التي لا تعرف المحاباة، كتاباته الساخرة أغضبت الكثير. في حواره مع "إيلاف" يتحدث عن
في الحوار نفسه يقدم لأول مرة أسباب خلافه مع الشاعرة عائشة البصري، التي اتهمها ب"السطو الأدبي" على أحد نصوصه الإبداعية ويقدم ل"إيلاف" وثيقة يحصي فيها أشكال "السطو".
* لماذا أطلقت "نظارات بيكيت" على ديوانك الشعري الجديد، هل لهذا علاقة بتكوينك المسرحي؟
- ربما كان لهذا العنوان علاقة بتكويني المسرحي. لكن، له على الخصوص علاقة بتكوين القصائد ولا علاقة له، بالمقابل، بالذكرى المائوية لميلاد صمويل بيكيت (1906-1989) التي تزامنت مع صدور الكتاب. بيكيت كان واحدا من رواد مسرح العبث، كما كان كاتبا روائيا من طراز فريد. وقد اشتهر صاحب lt;نهاية اللعبةgt; بصمته ونظاراته. وقد وجدت lt;نظارات بيكيتgt; صالحة لتأمل هذه القصائد التي تحتفل بالعبث على طريقتها، مثلما وجدت أنها تمد العنوان بشحنة قوية ومنسجمة مع عوالم الكتاب. صحيح أيضا أن كثيرا من القصائد تستلهم تفاصيل ووجوه وذكريات وفضاءات ترجع لأيام الدارسة في المعهد العالي للفن المسرحي بالعاصمة الرباط، وقد سبق لي أن لعبت مقطعا من lt;قصص ونصوص من أجل لاشيءgt;، كما شخصت دور فلاديمير في مسرحية lt;في انتظار غودوgt; أثناء التداريب التكوينية بالمعهد.
* لماذا جعلت الديوان يحمل نفحة ساخرة؟
- أحب القصائد، والأعمال الفنية، التي تخلف لدى القارئ دهشة أو ابتسامة، مثل لوحات الرسام البلجيكي ماغريت مثلا. على ألا تكون الدهشة سطحية بل خلاقة تخترق الزمن. وأعتقد أن السخرية التي تشير إليها، مردها الاحتفال بالمفارقة والانحياز إلى اللامألوف واللعب بالكلمات وبالصور وبالعبارات الجاهزة.
* في "قصائد نثر صغيرة" نعثر على قصائد مكتوبة بالدارجة المغربية، أنت تطلق عليها قصائد شعرية، في حين أنهم في المغرب يطلقون عليها "زجل"؟
- لقد وضعت تلك القصائد على قدم المساواة جنب القصائد المكتوبة بالفصحى وسميت المجموعة lt;قصائد نثر صغيرةgt; كي أسجل موقفا: مثلما أرفض مصطلح lt;العاميةgt; لأنه قدحي وأفضل lt;العربية المغربيةgt; أو lt;المغربية المحكيةgt;، لا أستسيغ تسمية الشعر المكتوب بالعربية المغربية lt;زجلاgt;، لأنها تسمية تحيل بلا تحفظ على الشعرية التقليدية وعلى الموشح والملحون والأرجوزة... الخ. كما أن كل ما يكتب من شعر بالمغربية المحكية، ماعدا استثناءات قليلة جدا، يستسلم للموسيقى وللأجراس اللفظية والسجع، بمعنى لا يتجاوز الفضاء الشفاهي إلى أفق الكتابة. القصائد بالشكل الذي جاءت عليه، مجرد دعوة لمساءلة الوعي الشعري المغربي بخصوص ما يكتب بالمغربية المحكية، والدفع به نحو أفق كتابة شعرية حديثة بلا عقد.
*ما الذي يميز قصائدك عن الزجل؟
- الزجل كان يكتبه عبد الرحمان المجدوب ولست بالضرورة متشوقا للعودة إلى الوراء. ومثلما أنحاز لفكر الأنوار ولقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان التي بلورها الغرب وصارت مبادئ كونية، أنحاز إلى مفاهيم الحداثة وما بعدها في الكتابة، كما تتطور في العالم. ولا أعرف لماذا توجد قصيدة نثر بالفرنسية والإنجليزية والعربية والصينية والعبرية... ولا تكون بالعربية المغربية؟
* أجواء قصائد "نظارات بيكيت" عبثية، هل العبث أصلح أسلوب في الكتابة بالمغرب والبلدان العربية؟
- غير وارد في تصوري للشعر أن أبحث عن أصلح أسلوب للكتابة في جغرافيا بعينها. الشاعر في اعتقادي يشبه مفقودا في جزيرة، يكتب رسالة ويضعها في قارورة ثم يرميها في البحر. بالمقابل، أجد أن العالم برمته مليء بالمفارقات العبثية، لكن ما يثيرني في المغرب بصفة خاصة، والعالم العربي بصفة عامة، هو الغياب الكلي للعقلانية والمنطق حتى في أبسط الأشياء، كما لو كنا نحيا حقا داخل مسرحية لصمويل بيكيت.
* كنت انتقدت بشدة اتحاد كتاب المغرب، لكن الديوان صادر عن منشورات هذا الاتحاد؟
- كنت ومازلت على موقفي من اتحاد كتاب المغرب، وقد عبرت عن انتقاداتي لهذه المؤسسة في الصحافة وداخل المؤتمر بما يقتضيه العرف الديمقراطي، لكنني لم أنسحب منه وأعتبر أن الاتحاد مازال ضروريا ويمكن أن يلعب دورا في المستقبل شريطة أن يطور آليات تدبيره وتتخلص هيأته التنفيذية من بعض الانتهازيين ويتخلى عن فكرة الفروع، وأرى أن من حقي وحق جميع الكتاب المغاربة أن يستفيدوا من الاتحاد في النشر وسائر الأنشطة، ببساطة، لأنه يحصل على دعم من الدولة باسمنا جميعا، والأموال العمومية تخرج من جيوبنا في نهاية المطاف. الشرط الوحيد الذي كان عندي هو ألا ينشر كتابي بتعاون مع أي جهة خليجية رسمية، كما دأب المكتب السابق على فعله، وقد قبل شرطي.
* كثر الحديث عن تمويلات عربية لاتحاد كتاب المغرب، فهل تلك التمويلات تؤثر على استقلاليته؟
- اتحاد كتاب المغرب كان ضحية سوء تدبير، وغياب رؤية تستوعب التحولات التي شهدها المغرب مع دخول المعارضة السابقة إلى الحكومة. الذين دبروا المرحلة السابقة، لم يستطيعوا إحداث نقلة نوعية في مستوى تحدياتها، لم يستطيعوا تحويل الاتحاد إلى مؤسسة تعتمد تدبيرا عقلانيا وحديثا، بل زجوا به في صراعات سياسية لا تعنيه أصلا وفي حرب مواقع، واستعملوه مطية للحصول على امتيازات، وعقدوا باسمه شراكات مشبوهة مع جهات خليجية رسمية.
* ألا تعتقد أن ارتباط اتحاد كتاب المغرب بالسياسة جعل صوته يخفت؟
- لقد لعب الاتحاد دوره قبل مرحلة التناوب "دخول المعارضة إلى الحكومة 1998"، حيث شكل قلعة تحصن فيها المثقفون الشرفاء، دفاعا عن قيم الحرية والعدالة والكرامة، وكان من الطبيعي أن يلتقي موضوعيا مع السياسيين الذين يدافعون عن نفس القيم، هذا كل شيء. المشكلة ظهرت خلال المرحلة الانتقالية وما رافقها من تخبط وسوء تدبير، وأعتقد أن ذلك مرتبط، كما أشرت، بغياب رؤية تستوعب عمق التحولات التي عرفها المغرب خلال منعطف نهاية القرن.
* لننتقل إلى السجال الذي حدث أخيرا بينك وبين الشاعرة عائشة البصري، إذ اتهمتها بالسطو على إحدى مقالاتك، فما العيب أن يعجب كاتب بمقال كاتب آخر ويستلهم منه مقالاته؟
- ليس هناك عيب، لكن للاستلهام قواعده وحدوده. لقد لاحظ بعض الأصدقاء أن ثمة تشابه مريبا بين مقال كنت نشرته في أسبوعية "الصحيفة" المغربية ضمن سلسلة lt;كيف تصبح فرنسيا ومن دون معلمgt; وبين نص نشرته الكاتبة مؤخرا، وبعد إلحاح منهم عرضت النازلة على موقع متخصص في الأدب على شكل تساؤل مفتوح "توارد أفكار أم سطو أدبي؟" تاركا للقراء حسن التقدير.
* بالنسبة لك هل كان الأمر "سطو أدبي" أم "توارد خواطر"؟
- هناك سطو واضح يظهر جليا في بعض العبارات (أنظر مقال الكاتب، أسفل الحوار، ردا على تعقيب نشرته الكاتبة). وكنت قررت أن أنسى المسألة، لكن المعنية بالسطو نشرت ردا مضحكا مليئا بالادعاء بمجرد ما قرأته استحضرت عبارة فرنسية لا أعرف مقابلها بالعربية: Elle pegrave;te plus haut que son cul
لأن الرد جاء مليئا بالتعالم وأسماء الكتاب وعناوين الكتب ونبذة عن السيرة الذاتية... وهي حيلة يلجأ إليها عديمو الموهبة للتغطية على ضحالة ما يكتبون. ... مما جعلني أفكر جديا في الذهاب بالنقاش إلى منتهاه من أجل فضح ظاهرة فبركة الأسماء التي نشطت مؤخرا في المغرب ووصلت إلى حدود تركيا.
* هل ردك هذا له علاقة بزوج الشاعرة حسن نجمي الشاعر ورئيس اتحاد كتاب المغرب السابق؟
- لا أبدا، ليس لي أي موقف مسبق من حسن نجمي. كنت أنتقده بصفته رئيسا لاتحاد كتاب المغرب أما اليوم فلا أجد سببا لذلك، بل العكس، لا يسعني بالمناسبة إلا أن أهنئه على شهادة الدكتوراه التي أحرز أخيرا.
* هل كنت ستتخذ الموقف نفسه لو تعلق الأمر بشاعرة أخرى؟
- نعم إذا كانت هناك فبركة، وهي ظاهرة صنعتها الملاحق الثقافية المغربية أيام كانت تهيمن على المشهد الإعلامي جريدتان يتيمتان، وأعطت أسماء صارت عالة على المشهد الثقافي المغربي، وقد طورت وسائلها اليوم.
* ولم تغضب من الفبركة، وهي ظاهرة كونية؟
- أنا شاعر وكاتب صحافي مهمتي أن أعري مثل هذه الظواهر في كتاباتي، فكيف أصمت إذا طرقت هذه الظواهر بابي.
ملحق: ننشر هنا نص رد جمال بدومة على عاشة البصري
أعتذر... أنا من سرق الفكرة!
ضحكت كثيرا وأنا أقرأ التعقيب الموقّع باسم عائشة البصري، بخصوص ما نشر قبل أيّام في موقع إلكتروني تحت عنوان "توارد أفكار أم سطو أدبي؟"، لأنّه ذكّرني بصديق ظريف كان متخصصا في السطْو على ملابسنا أيّام الحي الجامعي وإذا ضبطته متلبّسا، أو على الأصح لابسا جاكيتك أو حذاءك، وسألته لماذا فعل دون أن يطلب إذنك، يردّ: "لا راه غير ما شي" (ما معناه بالفصحى: "لا أَتَعْرِفْ؟ ولكن ليس") دون أن يزيد كلمة أخرى... غير أن نبرته المخاتلة تجعلك تلقائيا تنتقل إلى موضوع آخر، ظنّا منك أنه قدّم عذرا مقنعا. وأشكر كاتب الردّ لأنه جعلني أسقط على ظهري من شدة الضحك وهو يردّد عبارة "لا راه غير ماشي"، على امتداد سبع فقرات أستعيدها أمام القرّاء على سبيل التسلية:
1
يقول من كتب الردّ: "هذه المقالة أرسلتها إلى مجلة "أنت" الأردنية والتي أكتب فيها زاوية منتظمة بعنوان "بوح" ونشرت منذ شهور. وبهذا المعنى يكون الأخ جمال بدومة -إذا أخذنا بوجهة نظره- في موقع الإتهام بالسطو". لن أنتقل إلى موضوع آخر كما أفعل عادة مع صديقي الظريف وسأسأل المعنية بالسطو: لقد اكتشفت أنّ للأيام ألوانا (بفضل مالارمي ونيرودا وإدوار سعيد ولا أعرف من أيضا، وبالمناسبة أنبّهك أن التعالم وترديد عناوين الكتب حيلة معروفة يلجأ إليها عديمو الموهبة للتستّر على ضحالة ما يكتبون!)، ولا شكّ تعرفين أنّ لها أرقاما أيضا. منذ كم شهر نشرت مقالتك في المجلة الأردنية؟ وفي أي عام؟... أمّا نصّي المعنون "تعالوا نسافر إلى كندا" فهو منشور في أسبوعية "الصحيفة" المغربية "العدد 204 من 30 مارس إلى 5 أبريل 2005"... وكنت نشرته -لسوء الحظ- في يومية "الصباح" أيضا ذات ثلاثاء من شهر شتنبر 2003 ... وأوافيك بالتاريخ المضبوط إذا لم تكفك "الصحيفة"! لا راه غير ماشي...
2
جاء في التعقيب: "كان ينبغي أن لا يكتفي بدومة بنشر مقطع صغير من مقالتي وينشر مقالته هو كاملة". والحال أن المعنية بالسطو تعرف جيدا أنّ مقالتي كاملة تشكّل ثلاثة أضعاف نصّها، وأنني لم أنشر منها سوى المقطع موضوع السرقة كما تشير إلى ذلك علامات الحذف (...)، وقد نشرت من مقالها مقاطع أطول. لا راه غير ماشي...
3 و 4 و5 و6
كتب صاحب الردّ: "ولكن بدومة يريد أن يوحي بأنّ فكرة أيام الأسبوع الملونة فكرته الأصلية وهو ينسى فكرة الجاحظ التي لا تنساها الذاكرة الثقافية العربية مطلقا :" المعاني مطروحة في الطريق".
صباح الخير أيتها المعاني. لقد ورد في نصّي حرفيا: "الأربعاء أخضر، الخميس أسود -ليس أبدا بسبب وولستريت-، الجمعة أحمر، السبت أصفر... ولا تسألوني لماذا؟". وكتبت هي بالحرف: " الاثنين أحمر، الثلاثاء أصفر، الأربعاء أخضر، الخميس رمادي، الجمعة أبيض، السبت أزرق، الأحد أسود... كيف التصقت هذه الألوان بأيامي؟"... ولا أعرف في أيّ طريق تجد المعاني معرّمة هكذا؟ في طريق ابن أحمد؟ أم في شارع مصطفى المعاني بالدار البيضاء؟ على كل، بلّغي أحلى التحايا والأماني يا صاحبة المعاني، إلى الجاحظ ونيرودا وخوان رولفو وألفارو موتيس وماريو بارغاس يوسا وبقية الشعراء العرب والتشكيليين وأصحاب الكتب المرعبة التي عدّدت... ولا تنسيْ الجدّة ومن كتب الردّ! لا راه غير ماشي...
7
لكنّ ذروة الطرافة هو ما جاء في نهاية التعقيب من كون "الخصام بيننا مردّه خلاف حزبي" و"تيارات"، و"لا ينبغي أن يتحول الخلاف الحزبي خلافا أدبيا وجماليا"... لقد سقطت على قفاي من شدة الضحك:
أوّلا- لأنني أعرف أن زوج المعنية بالسطو- الشاعر حسن نجمي- هو الذي ينتمي إلى حزب الاتحاد الاشتراكي وليس هي، ما يجعلني أتساءل عن الهويّة الحقيقية لكاتب الردّ، وقد عادت بي الذاكرة بسرعة إلى اليوم الذي أخبرني فيه نجمي، أيام كان رئيسا لاتحاد كتاب المغرب، أنه اقترح على صديقنا الشاعر عزيز أزغاي أن يضع لمجموعته الشعرية "كؤوس لا تشبه الهندسة" عنوان "أرق الملائكة" لكن أزغاي رفض و"هاهي عايشة غا دّيرو"... وفعلا نشرت عائشة البصري شهورا بعد ذلك ديوانا اسمه "أرق الملائكة"... ولا أعرف هل يتوقف التدخل الزوجي على عناوين الكتب والردود الساخرة دفاعا عما تلطشه الزوجة، أم يمتد إلى أشياء أخرى!
ثانيا- لأنّ القارئ العربي سيتخيل أنّ الأمر يتعلّق بصراع خطير بين شاعرين لا يشقّ لهما غبار، يتوقف عليه مصير حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية... كما لو أنّنا بروتون وأراغون داخل الحزب الشيوعي الفرنسي أيّام الحركة السوريالية... والحال أن الحكاية كلّها مجرّد سطو أدبي رفعت أمره للقرّاء عبر منبر متخصص في الأدب، ولو كان الادّعاء المضحك لصاحب التعقيب صحيحا لألححت على نشر الموضوع في جريدة مغربية... وهو ما سأفعله الآن تعميما للتسلية!
أخيرا ولأنّ الردّ أضحكني واستعمل منهجية صديق عزيز (لا راه غير ماشي)، ولأنّني أصبت بالفزع أمام كل تلك الكتب الخطيرة التي "قرأتها" المعنية بالسطو... فإنّني، كأيّ جنتلمان، أعلن جهارا أمام القراء: "أنا من سرق الفكرة!".
جمال بدومة شاعر مغربي
jamalboudouma@yahoo.fr