قهار: العراق فقد بهجتة!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
باسم قهار: العراق فقد بهجتة!
الحفاظ على الحياة هو اهم من الحفاظ على المهنة!
محمد موسى من دمشق: بفلميين تسجليين يفاجئ المخرج العراقي المسرحي باسم قهار الوسط الثقافي والسينمائي العراقي... وباسم قهار واحد من المخرجيين المسرحيين العراقيين المعروفيين، الذي ترك العراق في بداية التسعينات ليتوزع نشاطه المسرحي بين دمشق وبيروت واستراليا التي عاش فيها لسنوات قبل ان يعود ويستقر في دمشق التي مخرج عراقي يسجل ماضي بغداد التي تموتقدم على مسارحها في بداية التسعينات مسرحية العربانة عن نص للشاعر العراقي المعروف مظفر النواب. باسم قهار قدم بعد "العربانة" العديد من المسرحيات التي لم تخرج كثيرا عن موضوع العراق وكل تحولاته التاريخية وحياة وتششت ابنائه. فلم "الخاتون" هو فلم يتعرض لهجرة الممثلات العراقيات الكبيرة الى خارج العراق في السنوات الاربع الماضية وبعد تردي الوضع الامني والسياسي في العراق وتصاعد نفوذ الحركات الاسلامية المتطرفة. فلم الخاتون هو الفلم الثاني الذي أنجزه باسم قهار بعد فلم "ابو حالوب" وهو عن الشخصية العراقية الشهيرة "ابو حالوب" والذي يجلس بشكل يومي في مقهى الروضة في دمشق منذ حوالي 26 سنة وتحول مجلسه الى مكان لتجمع العراقيين الذي يعيشون في دمشق. ايلاف التقت في دمشق المخرج باسم القهار في سوريا للحديث معه عن فلمه "الخاتون وعن تجربته السينمائية الحديثة
* فلم "الخاتون"هو عن الهجرة القسرية للمثقف والفنان العراقي، هل هجرة المثقف تختلف عن هجرة الناس العاديين ؟
-هجرة المثقف هي هجرة جغرافية جديدة على العراق، دائما العراقي ملتصق بجغرافيته، ملتصق بأرضه، خسارة كبيرة أن نرى هذا الحجم الهائل من المثقفيين العراقيين خارج العراق الآن. واحدة من شرائح المهجريين هم الممثل.إني أعتبر أن خروج عدد كبير من الممثليين هو أفراغ قاسي للحركة الفنية العراقية والتي هي بموازاة الحركة الثقافية العراقية أفرغت وعلى مدى الخمس والثلاثيين سنة الماضية. أتحدث عن هجرة الممثلات بشكل خاص، هل كان خطأ ما في الكيان الأجتماعي العراقي او الحالة العراقية ليدفع أكثر من 62 ممثلة للهجرة من العراق؟ البعض يتسائل مالذي يدعو اكثر من ستيين ممثلة للهجرة من العراق خلال الثلاث عقود الماضية ؟ جوابي دائما ان المراة تحرص على حريتها الكاملة وحقوقها الأنسانية في مجتمع تسيطر عليه الذكورة منذ مئات السنين والى زمننا الحالي الذي يشهد للاسف تدعيم للذكورة في الحياة السياسية والاجتماعية.
* انت مخرج مسرحي ومثقف ومررت بنفس تجربة الممثلات في الفلم لكن بزمن وظروف مختلفة قليلا، ما هي أهم الاشياء التي تميز او تعقد حياة المثقف خارج بلده؟
- أنا أكره كلمة تسمى "المنفى"، هذه الكلمة علكت وانتهى مفعولها اللغوي والمعنوي !! أنا خرجت من العراق بوقت مبكر، المنفى بالنسبة لي ليس منفى جغرافيا، المنفى منفى ذهني بمعنى انا كنت منفيا بذهني عندما كنت في العراق، أنا لم يجبرني احد على مغادرة العراق لكنك عندما لا تجد فضاء يمكنك بالعيش والعمل فيه بحرية انت اذن منفي بطريقة او بأخرى.
أنا أعتبر ان الوطن هو مجموعة أرواح وليست جغرافيا وبالتالي النفي يصبح قاسيا اذا تحول الى منفى ذهني.هناك ثمة أختلاط بين عيشي في بلدان وثقافات مختلفة (عشت في ثلاث بلدان) وبين ما اعانية شخصيا وليس بسبب الجغرافيا.
أعتقد ان هؤلاء الممثلات وان رغبن بالخروج من العراق كن منفيات داخل بلدن ايضا وبشكل آخر، فعندما لا يمنحك بلدك الفضاء او جغرافيته او جوه الاجتماعي فرصة للعيش بشكل محترم وفرصة للأنجاز هو اذان ينفيك بشكل غير مباشر. الآن هناك 60 ممثلة خارج العراق، أنا أجزم ان معظمهن يعانيين من العطل والفراغ وقد يجبرن على ممارسة مهن مختلفة تليق بهن طبعا لكنها لا تلبي على الاطلاق مشاريعن الفنية واحلامهن بفنهن الحقيقي.
bull;طيب هل من الممكن أن تحدثنا عن الفلم، كيف بدات الفكرة وكيف تطورت، المحاور التي أتخذها الفلم والاتجاه الذي سلكه؟
- أنا بالبداية لم أكن أنوي بعمل فلم عن الممثلات العراقيات، أنا كنت أبحث عن ممثلة عراقية لاحدى مسرحياتي وكنت اتناقش مع الفنان العراقي الكبير جواد الشكرجي عن هذا الموضوع، انا فوجئت بالشكرجي يطرح لي مايقارب 15 ممثلة يعشن في سوريا وحدها، فوجئت تماما واستمررت في البحث، اصبح الموضوع هاجسا لي، توصلت الى ان 62 ممثلة يعيشن في 16 بلد. البعض منهن مات مثل زينب في السويد وعواطف ابراهيم في أمريكا وبعضهن ترك المهنة وبعضهن يعاني المرض وبعضهن مصر على الأستمرار، الكثير منهن عاطل وبائس ويعيش في عزلة حقيقية.انا فكرت بانه يجب الاتصال بهؤلاء الممثلات والتفكير والتذكير بهن والاشادة بفنهن. بعض هؤلاء الممثلات شكل جزء من ذاكرتي الفنية، انا كنت أشاهد ناهدة الرماحي وزنيب وغيرهن. المراة العراقية كانت موجودة بقوة في الحياة الفنية العراقية.
عندها صارت عندي الرغبة على عمل شيء، كانت الخطة في البداية ان أذهب الى كل البلدان التي يعيشن فيها الممثلات ولكن لان الفلم من انتاجي الخاص فشلت في ايجاد الغطاء المادي والانتاجي لكل خططي للفلم.
الفلم يتحدث عن ولع الممثلات العراقيات بالتمثيل وكلهن يتفقن بانهن لا يجيدن اي شيء في الحياة غير التمثيل للتعبير عن أنفسهن وذواتهن. لم أصنع فلما وثائقيا بمعنى الوثائقي، أنا أفهم ان الوثيقة السينمائية هي صورة وكل صورة هي حكاية، انا ذهبت الى منطقة أبعد وهي منطقة الحوار، كيف استطع أن أجعل هؤلاء الممثلات يبحن باشياء لا يستطيعن البوح فيها بسهولة. الممثلات تحدثن في السياسة، الدين، الانوثة والحجاب، تحدثن عن كل ما يشكل سببا حقيقيا لاستلاب حريتهن في العراق ليس فقط في السنوات الاخيرة ولكن منذ زمان ابعد.انا أعطيتهن الحرية الكاملة بالحديث في محاور، المحور الرئيسي كان الخوف، مالذي يجعل الممثلة في العراق خائفة بشكل لا يصدق؟ في الفلم تكررت كلمة الخوف عشرات المرات السبب طبعا انهن يشعرن بالخوف مما يجري في العراق ولذلك خرجن، الحفاظ على الحياة هو اهم من الحفاظ على المهنة! الحفاظ على الحياة في فضاء آخر هو أهم الحياة في جغرافيتك ووطنك! أتمنى ان الفلم جارى هموم وآمال والألم هؤلاء النساء الرائعات، انا أصفهن بالرائعات لانهم وكما قلت واكرر جزء من بهجة العراق وجزء من تسجيل ذاكرته الحديثة. هناك بلدان في العالم شكلت بعض الممثلات فيها مرحل ورموز، ممثلات مثل برجيت باردو في فرنسا او رومي شنادير في المانيا او مارلين مورنو في امريكا. هل نحن كبلد وامة غير مؤهليين فعلا لتوثق والحفاظ على تاريخنا الفني والثقافي، الحديث يتسع هنا ليشمل كل المثقفيين العراقيين المهجريين. لماذا الساسة دائما قادريين على خلق مراحل استلاب ومراحل ايذاء وليس من فضاء حر حقيقي يستطيع أن يعيش فيه الفنان والمثقف العراقي؟
أنا أعتقد ان السبب في الامية السياسية المستوطنة في العراق لسنوات طويلة هي التي تجعل من الفنون والأدب من المكملات.
bull;هذه هو الفلم الثاني لك، انت من المخرجيين المسرحيين العرب المتميزيين وقدمت تجارب متجددة وعلى فترات زمنية مختلفة كيف حصل الانتقال من المسرح الى السينما؟
-أنا دائما أقول ان المسرح هو شكل واختيار حقيقي للتعبير عن نفسي والتعبير عن العالم. انا أفكر بالعالم من خلال المسرح، فهمي للعرض المسرحي هو دائما كان يقترب من ان العرض المسرحي هو صورة وليست كلمة منطوقة وبالتالي لدي أقترابات من السينما في مسرحي، مسرحياتي كانت تقترب من الشريط السينمائي اكثر من الشكل المسرحي. أنا ولع بالسينما منذ طفولتي، السينما بالنسبة لي شيء لا يعوض مثل الموسيقى مثلا. في عروضي كلها كانت هناك السينما، السينما ليست كمحاكاة بل محاولة لاحداث مقاربة بصيرة بين السينما والمسرح، أحببت السينما وانا صغير واحببت الفنون من خلال السينما. كنت اذهب الى سينما السلام في الاعظمية في بغداد كل يوم تقريبا، شاهدت بعض الأفلام اكثر من عشر مرات احيانا. كنت اؤجل دائما انتقالي الى حمل الكاميرا لاني لا أحب المكننة والسينما هي ماكنة. قبل اشهر احسست ان الوقت قد جاء للمحاولة، عندها أشرقت الحياة!
مشروعي الأول أخترت موضوعا بعيد قليلا وهو موضوع "أبو حالوب"، كنت مرتبكا جدا ومتوترا للغاية بسبب تعاملي مع آلة لاني اعتبر نفسي موظف دائما عند خيالي والخيال لا يحتاج الى آلة!
المهم وضعت نفسي على المواجهة من خلال هذه الفلم واشتغلت. الفلم الأول الذي أنجزتة تم شرائه من عدة اماكن وهذا شيء أفرحني جدا لكنه كان تؤطئات او خطوات، حتى فلمي الثاني عن الممثلات العراقيات والذي أسميته "خاتون" او "نساء ضد الخوف" هو أيضا توطئة او خطوة وليس دخول حقيقي لعالم الشريط السينمائي.
أحلامي كبيرة جدا لكني يجب ان أتخلص من توتري خلف الكاميرا، يجب أن احقق الحرفة الحقيقة في صناعة الشريط السينمائي، شريط مثقف وانيق، انا بحاجة الآن لامتلاك الحرفة والتكنيك لاصبح موظف سينمائي داخل مخيلتي!
* موضوع الممثلات العراقيات هو موضوع متشعب ومعقد، هو أصدام الأصوليات الدينية -السياسية مع الفنون ومع المراة، هل يمكن أن يقدم هذا الموضوع مسرحيا. أعرف ان احدى مشاكلك السابقة في تقديم عروض مسرحية عراقية هو عدم وجود ممثلات عراقيات.
- انا عندي مشاريع مسرحية عراقية بالعشرات، اقول بالعشرات ولا ابالغ، لكن المشكلة دوما هي التمويل، انا أعمل بسوريا وعملي يرتبط بظروف المؤسسة السورية للمسارح، انا أبحث عن تمويل لمشروع "كلكامش" والذي أعمل عليه منذ سنوات، انا أبحث عن مؤسسة او رجل أعمال عراقي او اي شخص ليساعدني في أنجاز ملحمة عراقية تذكر بالعراق الذي يتحطم الآن. مشاريع من هذه النوع يبدو انها لاتعني احد من السياسيين العراقيين الذين يفكرون بالثقافة دائما كجزء من ايدوليجايتهم الأعلامية. لو كنت منتميا الى حزب معين لكنت قد ذهبت الى حزبي من اجل التمويل لكني ضد الانتماء الى الأحزاب او للمؤسسات او الى أي عنوان ايدلوجي. من اجل مشروعي المسرحي طرقت كل الابواب لكن دون فائدة لذلك المشروع المسرحي العراقي مؤجل، انا ايضا لا استطيع العمل في العراق، العراق الآن لا يصلح لتقديم فن او ثقافة بسبب الظروف الامنية والسياسية وبالتالي انا معطل من هذا الجانب، اعظم سعادتي هو ان احقق الآن عرض مسرحي عراقي على الاقل نضع فيه جزء من الامل او جزء من تشكيل الذاكرة والواقع لكن يبدو ان لا احد يهتم بهذا!