معرفة

الأديب المغربي لحسن باكور: فوزي بجائزتي الشارقة ودبي الثقافية مدني بالحافز على الاستمرار

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حاوره عبدالله المتقي : لحسن باكور قاص وروائي مغربي ، من مواليد نواحي مراكش ، حصل مؤخرا على جائزة دبي الثقافية في دورتها السادسة ،عن روايته الموسومة ب" شريط منعرج من الضوء" ، وللإشارة فهذا المبدع سبق له الفوز بجائزة الشارقة عن مجموعته القصصية " رجل الكراسي ".
هو كاتب هادئ ،عاشق للأمازيغية وموسيقاها الأصيلة ، ولج مبكرا جزيرة الكتابة حتى أنه لم يعد يتصور له مقاما خارجها،فالبداية كانت مع الافتتان بقصص الأطفال ، وبالمناسبة ،فهو متورط في الكتابة لهذا الكائن الصغير ، حول تجربته القصصية والروائية ،كان اللقاء التالي :
* لماذا تكتب ؟ ومن أجل من ؟
ـ أكتب لأتخلص من فائض المشاعر والصور المتراكمة بداخلي. أكتب لأتواصل مع العالم من حولي؛ هذا العالم الذي ما ينفك ييعث إلينا الرسائل والإشارات، كل من يلتقطها يرد على طريقته. أنا أرد بالكتابة. هكذا ابتدأ الأمر، أما الآن، بعد سنوات من الإقامة في مملكة الحرف والكلمة، صرت أكتب استجابة لنداء داخلي ملح، لا يمكن تجاهله. أضحت الكتابة هويتي؛ أكتب باحثا باستمرار عن ذاتي لأعيها وأبلغ حدا أقصى من الانسجام معها. بمعنى آخر صارت الكتابة بالنسبة لي مطلبا وجوديا لا غنى عنه. وفي النهاية أقول بأني أكتب ـ أيضا ـ لكي أستمتع. فالكتابة أيضا متعة ولعب؛ لعب بالكلمات والصور والتراكيب، يخلق متعة ولذة.
لكن لن يكون إلا واهما من يعتقد أنه يكتب لنفسه فقط. أكتب، أيضا، لمن ينتظرون كتاباتي و من حين لآخر يسألونني بصدق عن جديدي، حتى لو كانوا معدودين على أصابع اليد الواحدة. أكتب لقارئ لا أعرفه، يوجد في مكان ما، وقد يحدث أن يجد نفسه في نص من نصوصي، فيبتسم ويفكر في هذا الكاتب الذي كتب عنه وهو لا يعرفه...
* ما هي موارد الإبداع عندك، قصة ورواية ؟ ـ إن الشرارة الأولى للكتابة غالبا ما تنطلق من مشهد بصري ما يثيرني ويستفز لدي الرغبة في مناوشة بياض الصفحة. ذلك أني في حالة كتابة مستمرة، أخزن الصور والمشاهد، وقد تفتنني صورة ما أو مشهد عابر، لأختزنهما إلى أن يلح علي ما يحملانه من زخم أو دلالة، وأفكر في صيغة أو طريقة ما لتحويلهما إلى نص قصصي؛ و على هذا النحو كتبت الكثير من قصصي لأتخلص من مشاهد وصور صارت تسكنني. قد أستوحي أيضا بعض ما أكتبه من قراءاتي، سواء كان ذلك بشكل واع أو لا؛ فقراءة كتاب أو حتى جريدة قد تمس ذلك الوتر الحساس بداخلي الذي يلتقط مواد الكتابة.

* تشتغل بمنطقتين نصيتين مختلفتين، القصة والرواية، فأيهما أقرب إلى نفسك ؟
ـ بلا أدنى تردد أقول بأن القصة القصيرة هي عشقي الأول و الدائم الذي ملك علي مجامع نفسي. افتتنت بها منذ سنوات خلت،عندما ساقني شغفي بالقراءة إلى اكتشاف ما خطه اليراع البارع للرواد: تشيخوف، موباسان، دينو بوزاتي يوسف إدريس، محمد زفزاف.. وهلم قصا ساحرا. بقدرتهم جميعا على النفاذ إلى عمق الذات الإنسانية، والقبض على لحظاتها المضيئة الحافلة بالعمق. هكذا صرت أبحث عنها في كل مكان. أقرأ ما لا حصر له من القصص القصيرة بحثا عن قصة قصيرة حقيقية، متوهجة بقدر ما تشبع بعضا من شغفي بهذا الجنس الأدبي الجميل، تضاعف من افتتاني به وانقيادي لسحره.
وبعد خربشات عاطفية قليلة حاولت الانتماء بغير قليل من السذاجة الفنية إلى جنس الشعر ( كتبت قصائد عمودية دون أدنى دراية بعمود الشعر وشروطه الفنية ) وجدتني وقد وقعت في حبائل القصة القصيرة وأغرمت بها، وهكذا ابتدأت رحلتي معها التي أعتبرها لا تزال في بدايتها، تتلمس معالم طريقها الخاص. إن كتابة قصة قصيرة بالنسبة لي مغامرة حقيقية مفتوحة على الدهشة والإثارة والافتتان، وليست أبدا بالأمر السهل، وقد يتطلب مني الأمر أشهرا طويلة لكتابة قصة قصيرة واحدة. تنكتب ـ بداية ـ في داخلي بإزميل الألم قبل أن أنقلها على الورق و تبلغ صيغتها النهائية. أعتبر نفسي مصابا بداء مزمن اسمه القصة القصيرة: قراءة وكتابة.

بالمقابل أنا طارئ على كتابة الرواية. بالشغف ذاته أقرأ أكثر ما يمكن من المنجز الروائي العربي والعالمي، لكني لم أفكر في ـ أو لم أجرؤ على ـ كتابتها إلا مؤخرا، فرواية " شريط متعرج من الضوء " الفائزة مؤخرا بجائزة دبي الثقافية في دورتها السادسة، هي روايتي الأولى والوحيدة حتى الآن، أي أنها كان لها الفضل في كسري للحاجز النفسي الذي كان يحول بيني وبين كتابة الرواية.

* من هو قارئك المفترض؟ وكيف تتصوره؟
ـ وأنا أكتب لا أفكر في قارئ محدد. قد يكون قارئي مبدعا مكتويا بنار الحرف، وقد يكون عاشقا للصور والأفكار الجميلة يذرع النصوص بحثا عنها...لكني أتصوره دائما قارئا ذكيا، لماحا ويصعب إرضاؤه، لذلك أبذل قصارى جهدي في صقل نصوصي قبل أن تصبح بين يديه. يا لهذه الصورة الفاتنة: في مكان ما يوجد شخص ما، لن يقيض لك قط أن تعرفه أو تلتقي به، يضع بينه وبين العالم من حوله ستارا سميكا من العزلة، لكي يختلي بكلماتك، ويجعل تلك اللحظة الحميمة خالصة لوجه ما خطته يداك! أفلا يستحق مثل هذا القارئ أن تسكب من أجله رحيق روحك في نصوصك، حتى ولو كان قارئا وحيدا لا ثاني له؟
أيها القارئ أنحني لك احتراما: إن ما أكتبه لا يحيى إلا بك، ولا يصنع معناه إلا ببهاء حضورك، وفي تلك اللحظة المقدسة عندما تتوحد مع كلماتي وتحاورها، فإنما تلتقي روحانا... آمل أن أكون على الدوام عند حسن ظنك، وفي الموعد مع ذائقتك وشغفك.


*أين هي الرواية المغربية؟
ـ لم أطلع على المتن الروائي المغربي المنجز في السنوات الأخيرة بالقدر الكافي الذي يؤهلني للحديث عنه و تحديد طبيعة مساره. كملاحظة عامة أرى أن الفورة التي تشهدها الساحة الثقافية المغربية في السنوات الأخيرة على مستوى إنتاج وتداول القصة القصيرة قد صرفت الانتباه قليلا عن الرواية.
الرواية المغربية ماضية في حفر مسارها الخاص ومراكمة نصوصها، لكن بوتيرة بطيئة في ما أعتقد. نماذج قليلة فقط استطاعت أن تتجاوز عتبة الرواية الأولى في ظرف زمني قصير نسبيا، وحققت تراكما نوعيا أهلها لترك بصمة فنية خاصة على المنجز الروائي المغربي الحديث. أقول هذا وأنا أستثني من حديثي الأسماء الحاضرة في المشهد الروائي المغربي منذ عقود، والتي لا زالت تطلق في سماء النشر عناوين جديدة من حين لآخر.
* حدثنا قليلا عن رواية " شريط متعرج من الضوء " الحاصلة مؤخرا على جائزة دبي الثقافية؟
ـ لقد كتبت هذه الرواية عندما عدت من الشارقة السنة الماضية. أنفقت في كتابتها من الوقت ما كنت أنفقه ـ عادة ـ في كتابة قصتين قصيرتين أو ثلاث، دون أن يعني هذا البتة أن كتابتها كانت سهلة. عندما شرعت في كتابتها لم يكن في ذهني سوى مشهد لرجل يحل بمدينة صغيرة نائية، هربا من أوجاعه الخاصة ومن مدينته الكبيرة القاسية التي لا ترحم. ثم بعد ذلك توالت الأحداث والتفاصيل وتكونت الشخصيات، بشكل لم أخطط له في البداية.
إحدى فضائل الرواية أنها تمكنك من الحديث عن أي موضوع تشاء، وتسمح لك بتعدد صيغ التعبير والكتابة، شريطة أن تحافظ على خيط ناظم يجعلك تتحكم في الأحداث والشخصيات، وترسم لها مسارا واضح الملامح. مواضيع كثيرة كانت تشغلني مكنتني هذه الرواية من الكتابة عنها، فتخلصت من هاجسها وإلحاحها، وبذلك كانت كتابة هذه الرواية ـ في جانب منها ـ نوعا من التطهير أو الاستشفاء الذاتي الذي كنت في أمس الحاجة إليه.
" شريط متعرج من الضوء " كما أشرت سالفا هي روايتي الأولى، وهذا يمنح فوزها بجائزة دبي الثقافية ميزة إضافية ونكهة خاصة، على الأقل بالنسبة لي. لقد كنت دائما أتهيب كتابة الرواية، و أتمنى أن أكون قد تجاوزت ذلك الآن، وأن أتمكن من كتابة ما هو أفضل في المستقبل.

* ماذا تعني الكلمات التالية للحسن باكور: جامع الفنا، الكتبية قصر البديع، قبور السعديين، ضريح المعتمد بن عباد وأكايمدن ؟

ـ مراكش مدينة تتنفس التاريخ. من يسكنها تسكنه وتجعل منه كائنا بذاكرة تاريخية راسخة نابضة بالحياة، ومولعا بالفضاءات والأمكنة. المواقع والمآثر التي ذكرتها في سؤالك لها امتداد عميق في تاريخ هذه المدينة ووجدانها.

* جامع الفنا: أتمثل هذه الساحة في ذهني مكانا أسطوريا متخيلا أكثر مما هي مكان واقعي حقيقي. هي أيضا منبع ذاكرتي الطفولية الموشومة بدهشة الاكتشاف الأولى، حيث كنا نتيه وسطها النهار بكامله مسحورين دون أن ننتبه لانصرام الوقت، لنعود إلى بيوتنا والنهار يلفظ أنفاسه الأخيرة، منكسي الرؤوس، نهيء أجسادنا الصغيرة لتحمل ما ينتظرها من عقاب. كلما مررت بها تذكرت صور عتاة الرواة الذين رحلوا وما من خلف. تخيلت خوان غويتسولو وهو يفك خيوط دهشته الأولى، في سبعينيات القرن الماضي، وسط هذا الاحتفال اليومي الارتجالي الحافل بشتى أشكال الفرجة. تذكرت إلياس كانيتي، صاحب " أصوات مراكش " وهو يعجب لهذه السلطة التي يفرضها الرواة على جمهور حلقاتهم، وما من سلاح بأيديهم سوى الكلمة والحركة، فيفغر فاه دهشة وينقاد هو نفسه لهذه السلطة على الرغم من أنه لا يفقه أي كلمة من لغة هؤلاء الرواة.
هذه الساحة هي أيضا بمثابة شاشة تسمح لك، وأنت تتجول في المكان وسط الحشد البشري المتعدد اليد والوجه واللسان، تسمح لك بأن ترصد مختلف التحولات الثقافية التي تطال هذه المدينة وتشمل مختلف مناحي احتفائها بالحياة. وهي أيضا الساحة الملهمة أدبيا، ويغمرني الأسف إذ أتذكر أنه في كل مرة يرد فيه الحديث عن الساحة من هذا الجانب، يأتي هذا الحديث مقرونا بكتاب أجانب خلدوا هذا المكان غير العادي أدبيا، وأتساءل: أين كتاب هذه المدينة؟

* الكتبية: عين التاريخ التي لا تنام. ترعى المدينة من شاهق، وترصد ما يطرأ عليها من تغييرات. عندما أراها أوقن أن روح هذه المدينة لن تموت، مهما هبت عليها رياح التغيير العاصفة، عمرانيا، ثقافيا...
* قصر البديع، قبور السعديين وقبر المعتمد: أحس بها دائما قريبة مني تشكل جزا من تاريخي اليومي، ويمتزج حضورها بالنبض اليومي للحياة في مراكش. زيارة هذه المآثر رغبة كامنة على الدوام في طويتي، تناوشني، بل تلح علي كلما مررت بالقرب من أحدها، أو كلما فكرت في هذا الزخم التاريخي الذي تختزنه هذه المدينة؛ لكنها رغبة مؤجلة باستمرار... لذلك أحس بالذنب والتقصير والخجل من نفسي. أنا الآن بصدد التفكير في عمل إبداعي جديد هاجسه الأول والأساس استثمار البعد التاريخي الثري لهذه المدينة. سأحاول أن أكفر عن الذنب، وأرد لهذه المدينة دينا في عنقي.
* أكايمدن: قمة جبلية تشرف على المدينة جنوبا، كلما ازدانت قمتها ببياض الثلج، هرع إليها الآخرون لممارسة رياضة التزلج، بينما يصلني من ثلجها قره اللاسع، ويدفعني إلى التقوقع بحثا عن الدفء.
* ماذا تكتب الآن ؟
ـ أنا الآن على وشك الانتهاء من مجموعتي القصصية الثانية، كما أنني بصدد التخطيط لكتابة رواية جديدة، لن أكون متعجلا بشأنها، وسأمنح نفسي الوقت الكافي للتفكير والكتابة.
* ما الذي منحته إياك جائزتا الشارقة ودبي ؟
ـ فوزي بهتين الجائزتين منحني الشيء الكثير، ومدني بالحافز على الاستمرار. كما قلت سابقا أضحت الكتابة بالنسبة لي حاجة وجودية توشك أن تكون منزهة عن تأثير عوامل خارجية، لكن لا يخفى أن أي كاتب يلتمس صدى كلماته لدى الآخرين ويترقبه، وطبيعة ذلكم الصدى كفيلة بأن تمده بمزيد من العزيمة وتشحذ قدرته على الكتابة، كما يمكن أن تخفت من وهجها في داخله... أنا سعيد بهتين الجائزتين، وتتملكني اللحظة رغبة جامحة في الاستمرار وتجاوز ما كتبته حتى الآن، على نحو لم أعهده في نفسي سابقا، وهذا في حد ذاته مكسب بالغ القيمة.
* كيف تتعامل مع اللغة ؟ وبماذا تفسر تشبثك باللغة العربية الفصحى ؟
ـ اللغة عماد العملية الإبداعية ولحمتها الأساسية. إنها الوسيلة والغاية في الآن ذاته. هي أداة الكاتب لكي يمتع ويدهش ويلعب بمهارة. أليست الكتابة، في جانب منها، لعبا باللغة وفي اللغة ؟ لذلك فإني أتعامل معها برهبة وعشق. بها أستطيع أن أقول ما أريد قوله بأجمل وأبهى وأبدع صورة، فقط عليها أن تطاوعني وتفتح لي مكامن سحرها.
أما عن تشبثي باللغة العربية الفصحى فلا ينفك يزداد قوة وإصرارا. لقد أوشك الإبداع الأدبي أن يكون بمثابة المحمية الأخيرة التي تتحصن داخلها اللغة العربية وتحتمي من الضربات التي توجه إليها غيلة وخفية، أو بشكل مباشر فيه صلافة ووقاحة. فيما مضى كان الحديث عن وسائل الإعلام التي تسرب إلى اللغة العربية بعض الألفاظ والتعابير غير الفصيحة، أما الآن فقد تناسلت قنوات هجينة تتحدث لغات مشوهة هي خليط من العربية واللغات الأجنبية ( الفرنسية، الإنجليزية... ) أو العربية ممتزجة باللهجات المحلية، ومؤخرا ظهرت قنوات تبث موادها بلهجات محلية صرفة... وغير خاف أن مثل قنوات الاتصال هذه تسخر لها كافة الإمكانيات والوسائل لإذاعة وإيصال خطابها على نطاق واسع. إذن والحال هذه، فلا أقل من أن يعض الأدباء على اللغة العربية الفصحى بالنواجد، فهناك من يتكفل ـ بتفان وإصرار ـ بتوجيه الطعنات والضربات الموجعة لها. وتأسيسا على هذا، أنا شخصيا ضد استعمال اللهجات المحلية في الإبداع الأدبي، إلا في نطاق محدود جدا، وعندما تفرضه الضرورة الفنية المحضة.

* تبدو غير مهتم بحمى التجريب، هل أنا على صواب ؟
ـ التجريب، كما أفهمه، هو دينامية داخلية تسري في نسغ النص، بل هو روح العملية الإبداعية برمتها؛ تجعل الكاتب لا يطمئن إلى منجزه الإبداعي، ويسعى إلى تجاوز نفسه باستمرار. بهذا المعنى فإن التجريب حاضر دوما في وعيي وكتاباتي، إذ أحاول باستمرار الانفلات من أي نمطية محتملة، والتنويع في مواضيع كتاباتي. لست أدري إلى أي مدى توفقت في ذلك أو فشلت فيه، لكني دائم ودائب المحاولة، وأضع أمامي دائما أفقا مفتوحا نحو نص قصصي أجمل وأكثر اختلافا ومغايرة أروم الوصول إليه.
أما التجريب في مظهره الشكلي، كما يمكن أن نعاينه في بعض النصوص القصصية المنشورة التي تغرق في الذهنية، أو تتحول ـ أحيانا ـ إلى لعب فني محض يعوزه الدفء والنبض الإنسانيان، فلا أحفل به بالفعل ولا يغريني، وأخاف أن يكون انسياق الكثيرين وراءه نزوة ليس إلا، أو رغبة في تميز واختلاف سطحيين، دون الارتكاز على خلفية فنية واضحة. ومن جهة ثانية فإني لن أتردد في تبني أي شكل من أشكال التجريب ما دام نابعا من قناعة فنية، ويمكن أن يشكل إضافة حقيقية للنص.

* من هو رجل الكراسي: هل هو شخصية حقيقية أم محض خيال الكاتب؟
ـ إن شخصية هذه القصة التي جعلتها عنوانا للمجموعة شخصية حقيقية بالفعل. رجل شيخ كنت ألتقي به، من حين لآخر، في شوارع مراكش، بائع جوال للكراسي، يثقل كاهله بمجموعة من الكراسي وهو يطوف بها على المقاهي والأرصفة بحثا عمن يشتريها منه. سكنتني صورته مذ رأيته للمرة الأولى، ولم أتوقف عن التفكير فيه، وكيف لا ترحم ظروف وإكراهات العيش شيخوخته. لم أفكر في البداية في الكتابة عنه، لكن في لحظة ما أضحت صورته هاجسا ممضا يثقل على الروح، وكان لابد من التخلص منها، ولا أجمل من قصة قصيرة تسعف في ذلك.

* " رجل الكراسي " لم تنل حظها من الانتشار والنجاح، ما هي أسباب ذلك في اعتقادك؟


ـ كما تعلم أخي عبد الله فقد فازت هذه المجموعة القصصية بجائزة الشارقة للإبداع في دورتها الحادية عشرة 2007 ـ 2008، وهذا في حد ذاته نجاح بالنسبة لي، أما النجاح الذي تقصده في سؤالك، أي الانتشار والمتابعة النقدية، فلم تصب المجموعة أي نصيب من ذلك لأنها ببساطة لم تنشر وتوزع لتصل إلى يد القارئ. لقد تكفلت دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة بإصدار الطبعة الأولى من المجموعة، لكنها طبعة خاصة محدودة وغير موزعة، وفي غضون أشهر قليلة ستصدر ـ بإذن الله ـ طبعتها الثانية، هنا في المغرب، وآنذاك سنرى إن كانت ستجد لها موقعا وصدى في سوق التلقي الأدبي في المغرب.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف