سمات الشعر الكوني ودوره في تآلف الشعوب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الندوة النقدية الثانية في مهرجان دبي الدولي للشعر
سمات الشعر الكوني ودوره في تآلف الشعوب
مروة كريدية من دبي: أكد شعراء ومثقفون أن الشعر لغة كل العصور والأزمنة، وأن الشعر واللغة العربية يملكان موقفاً أكثر قوة في مواجهة الحياة الحديثة، متوقعين أن يعود الشعر إلى سابق عهده ومكانته في زمن العولمة باعتباره موحد لوجدنات الأمة العربية، ومنبِّه للمجتمع فيم يتعلق بهويته العربية والإسلامية، وهو ما يدركه القائمون على العولمة من الترابط الوثيق بين الشعر العربي والهوية العربية.
جاء ذلك خلال الندوة النقدية الثانية التي عقدت في اليوم الثالث من فعاليات مهرجان دبي الدولي للشعر في مسرح مدينة جميرا تحت عنوان "لغة بألف لسان: هاجس الشعر المشترك" التي أدارها فاتح زغل ، وشارك فيها الشاعر والمترجم محمد عيد إبراهيم المجتمع، والدكتور سمر روحي الفيصل مدر النقد والأدب العربي في جامعة الإمارات.
وقال زغل في بداية الندوة أن الشعراء والأدباء اختلفوا فيما بينهم بشأن نظرتهم للتشابه والتباين في القصيدة الشعرية ومدى تفرد كل قصيدة من حيث المنطلق الشعري والأبعاد الدلالية، مستشهداً في ذلك بآراء شعراء يرون أن للشعر عمومية يمكن تعميمها في كل العصور وبين من يرون أن له خصوصية حتى على المستوى الفردي.
وفي ورقته التي طرحها الشاعر والمترجم محمد عيد إبراهيم والتي كانت بعنوان "سمات الشعر الكوني ودور الشعر في التأليف بين الشعوب" قال إن الشعر الذي كان يتوقع البعض أن يصير إلى زوال، يطل علينا كالعنقاء ويواصل صعوده إلى ذرى لم يألفها من قبل حيث بدأ الشعر يغير جلده تأسياً بتقلب الجمهور، معتبراً أن الشعر ما هو إلا وسيلة لغوية للوجود ولا تعيش اللغة إلا به إلا أن اللغة أكثر قدرة على تغيير الموروثات وسحق المألوف.
وأضاف إبراهيم، أن الشاعر يبني بتجسده جسراً بين المرئي وغير المرئي، بين الفكرة والشيء، بين التجريد والموضوع، كما أوضح أكتافيو باث، يشن الشاعر فكرته المتشكلة في قصيدة بمعانيها الحقيقية ويعلن ذاته بصراحة أو مغلفة لكن يظل الشعر مجاز ذلك الجنيّ المحتبس في قنينة الحواس بحسابات تختفي بين الكينونة والمعنى، بين الواقع وعلامات تجسيدها في الشكل الذي ترتضيه القصيدة، معتبراً أن ما أطلقوا عليه الشاعر العالمي أو الشاعر الكوني ما هو إلا خدعة كبيرة حيث إن الكاتب عندما يكتب لا يدور في ظنه أن يقرأ قارئ ما وراء الحدود أو في وطن بعيد.
وقال إن المحك في تميز أي شاعر هو إخلاصه للبيئة التي ينشأ بين ضواحيها ضمن سياقات معانيها وما خلفته من أثر على جلد بشرته ومورثاته الجينية الثقافية وليس للشاعر أن يختفي وراء ذلك كله نحو سياق عالمي باهت أو نص محايد، مشيراً إلى أن مشكلتنا مع الغرب حضارية في مبتداها وآخرها وليس كل ما يهبط علينا من هناك منزل من السماء بل من حقنا نقضه وانتقاده مع تفهمه كنصوص لهذا "الآخر" الذي يتسلط علينا بقيمة المرنة لكن المنحازة في الوقت نفسه.
واختتم إبراهيم ورقته بالقول إننا نعيش عالماً بدون مسافات ولا يوجد نموذج واحد لما يكتب أو ما ينبغي أن يكتب، إننا نسعى بالحوار ولوعن طريق الشعر، فلا يوجد بين اثنين إلا الكلام أو الموت فليكن الشعر، ونسعى للفكاك من أسر أم كل بلد حديقة مغلقة على ذاتها، فقد يقربنا الحوار لنشرع فيما يمكن الأن نطلق عليه "وحدة الجنس البشري" لا بالصورة الفيزيقية بل الإبداعية أولاً وأخيراً كي نتحول إلى "جمهورية مبدعين" تُعتبر بداية وعي بشري لمجتمع قارئ شرطُه أن تحسن الكلام لا القتل.
وفي ورقته قال الناقد سمر روحي الفيصل إن الشعر والهوية والعولمة ثلاثة أطراف يصعب من أول وهلة الجمع بينها، حيث إننا اعتدنا في الوطن العربي أن نُبرز موضوع الهوية في الأزمات والمصائب التي نسميها "المنعطفات التاريخية" وليس من المفيد أن يتجاهل أحد الحقيقة المعروفة التي تربط الفكر بالهوية واللغة حيث إن الهوية تعبر عن الفكر، واللغة تعبر عن الهوية، ومن ثم فإن أي تأثير سلبي في أي طرف من الأطراف الثلاثة يؤثر تأثيراً سلبياً في الطرفين الآخرين.
وأعرب الفيصل عن يقينه في أن الشعر قادر على تحمل مسؤولية تأصيل الهوية العربية في زمن العولمة وإن اختلف هذا الزمن عن الأزمان السابقة ذلك أن الشعر اهتم اهتماماً فنياً بنقد الحال العربية لأنه لم يعثر في واقع الأمة العربية على الفرح والمتعة ليعبر عنهما. ولهذا السبب برزت في لغته ألفاظ الألم والحسرة والشجن وغيرها تبعاً لكون شعرية القصيد تنبع من بناءها اللغوي ومن ارتباط هذا البناء بالأفكار والقيم التي رغب الشاعر العربي في التعبير عنها.
وقال إن اللغة العربية عموماً والشعر خصوصاً يملكن موقفاً أكثر قوة من غيرهما في مواجهة الحياة الحديثة لأن اللغة العربية أثبتت قدرتها على ابتداع المصطلحات في العلوم والفنون والآداب كلها، متوقعاً أن يعود الشعر إلى سابق عهده في زمن العولمة إذا ما كان هناك حرص على التربية اللغوية السليمة للإنسان العربي، مضيفاً أن الوقائع الراهنة تشير إلى أن العرب بدؤوا يدركون محاولات العولمة لتفتيت الشعر العربي والقضاء على أثره الإيجابي في الهوية العربية ولذلك شعروا يقومون بمحاولات مناقضة للعولمة عبر إعادة الشعر إلى بهائه وتأثيره في الهوية العربية. وهو ما تعبر عنه أشكال إعادة التعايش بين الأشكال الشعرية في المسابقات والمهرجانات من نحو مهرجان دبي الدولي للشعر وشاعر المليون.
إلا أن الفيصل أبدى قلقله من أن الإنسان العربي في هذه الأيام بدأ يتصف كلياً أو جزئياً بصفات منها الإحساس بعدم المسؤولية عما يجري في المجتمع والانغماس في متع العصر الاستهلاكية، والتَّرجُح بين قيم العروبة الروحية والمادية النابعة من العقيدة والثقافة والقيم المادية النابعة من العولمة الاقتصادية، والاعتقاد أن المجتمع المثالي هو المجتمع الغربي، والإيمان بأن اللغة الإنجليزية هي لغة التقنية الحديثة. معتبراً ا، هذه الصفات بدأت تبعد الجيل الجديد عنه لغته وتشعره بالخواء الداخلي.
واعتبر الفيصل أن البناء اللغوي للإنسان العربي الجديد مهمة حضارية يعمل على تجسيدها الأدباء والمؤسسات الحكومية والأفراد بغية قيادة المجتمع إلى هدف واحد هو تجديد الهوية الثقافية على أن يصبح هذا التجديد قضية رئيسية من أجل تأصيل وجود الأمة والكشف عن الأخطار التي تهددها في عصر العولمة.